أزمة... ويا لها من أزمة!

 

أكرم أنطاكي

 

"لقد صار قلبي قابلاً كلَّ صورة..."

محيي الدين بن عربي

 

"إذلال الإنسان ليس عنصرًا ضروريًّا لعزَّة السماء..."

ماتْجيوي

 

1

تذكِّرني الأزمةُ المرعبة – المضحكة المبكية معًا! – التي يعيشها عالُمنا في هذه الأيام بسبب ما يبدو وكأنه بعض رسوم كاريكاتورية يقال إنها "تطاولت" على الرسول الكريم، فـ"أهانت الإسلام والمسلمين"، – تذكِّرني هذه الأزمة بكتاب قرأتُه للكاتب الإيطالي الشهير أُمبِرتو إيكو. وقد أخرج قصةَ هذا الكتاب فيما بعد المخرجُ الفرنسي جان جاك أنُّو فيلمًا سينمائيًّا (شاهدتُه أيضًا) بعنوان الكتاب: اسم الوردة.

الكتاب، في اختصار، رواية تجري أحداثُها في العصر الوسيط، إبان فترة محاكم التفتيش التي كانت سائدة في أوروبا آنذاك، من خلال قصة راهب كلَّفتْه سلطتُه الدينية التحقيقَ في جرائم قتل غامضة متكررة في أحد الأديرة الكبرى كان جميع ضحاياها من رهبان ذلك الدير. وبعد تقصٍّ "بوليسي" معمق، قاده إلى متاهات كادت أن تودي بحياته، اكتشف المحقق بطل الرواية (يؤدي دوره في الفيلم شون كونري) أن مرتكب هذه الجرائم إنما هو الراهب المشرف على مكتبة الدير: إذ إنه لحظ بأن العديد من تلامذته من الرهبان يقرؤون في المكتبة، تسريةً عن أنفسهم، مصنفًا نادرًا في "الكوميديا" منسوبًا إلى أرسطو؛ فما كان منه إلا أن سمَّم بالزرنيخ صفحات مخطوط ذلك المصنف الذي أضحى يقتل كلَّ مَن يقرأه. لماذا؟ لأن هذا الكتاب – على حدِّ قوله – سيُدخِل الشيطان إلى قلوبهم، لا محالة، عن طريق الضحك والسخرية؛ وهذا – من منظوره – من شأنه أن يُبعدهم عن الإله وينسيهم ضرورة الخوف من الخطيئة ومن نار جهنم. فالضحك والسخرية، في النهاية، هما "رجس من عمل الشيطان"!

وتنتهي القصة بموت الراهب العجوز الذي التهمتْه النيران بينما هو يحاول إحراق مكتبة الدير، بِمَن فيها وبما تحتويه من نفائس الكتب، وبقرار من السلطات الدينية – وهذا هو الأهم – وقفَ التحقيق و"لفلفة" القضية، وبالتالي، كفَّ يد الراهب بطل القصة المكلَّف بالتحقيق وتسريحه – هذا البطل الذي نتابعه في آخر الرواية مغادرًا مسرح الجريمة برفقة تابعه وبغلته، متجهًا على دروب مجهولة صوب عالم قد يكون، ربما، أفضل من ذلك الذي يعيش فيه وأرحم... عالم أكثر إنسانية، ليس الابتسام، ولا الضحك حتى، محظورَين فيه، لا في السر ولا في العلن!

وهذا ما يعيدني إلى التفكير في أيام مراهقتي وشبابي...

2

متذكرًا، من جملة ما أتذكر، كم كان الكاهن الذي يدرِّسنا مادة الأدب الفرنسي يمقت فولتير وكتَّاب عصره من المتنورين! فهو لم يكن يدرِّسنا إياهم إلاَّ لكونهم جزءًا من البرنامج المطلوب للتقدم إلى امتحانات مادة الأدب في البكالوريا الفرنسي. أتذكَّر كيف كان هذا الكاهن يحاول آنذاك، بكلِّ السبل، أن يحجب عنَّا كتب فولتير، وخاصةً منها – على وجه التحديد – القاموس الفلسفي، الذي أعارني إياه حينئذٍ – مشكورًا – كاهن آخر أكثر تحررًا. وأستعيد هنا، للمناسبة، كيف كنت حينذاك أقرأ، من غير علم إدارة المدرسة، ذلك الكتاب الرائع الذي علَّمني روح النقد والسخرية: كان يسخر في عمق من كلِّ شيء، وخاصة من كنيسة تلك الأيام ومن مفاهيمها المتعلقة بالأنبياء والرسل، وحتى من... الإله!

وأتفكر أن تلك الروح النقدية هي التي قادتْني يومذاك إلى الإلحاد؛ كما هي عينها الروح التي أعادتْني فيما بعد، وقد ترسَّختْ روحانيتي، إلى الإيمان. وهو واقع قد يدعم بعض الشيء، ربما، ومن حيث الظاهر، وجهة نظر أولئك الذين يحاولون تحريم مثل تلك الكتب والمنشورات والرسوم أو حجبَها من أجل الحفاظ على الإيمان و/أو الحيلولة دون الإلحاد. لكن التساؤل يبقى ملحًّا...

حول صحة هذا الطريق الذي يعتمد التحريم وسيلةً للحفاظ على "إيمان" مزعوم! فإذا كان هو الوسيلة الفعالة أو الأسلوب الناجع الذي يصح على بعضهم، أفلا يحق لبعضهم الآخر (وهم بالطبع قلة لا تُذكَر من "الضالِّين"!) أن يرفض أسلوبًا كهذا، إن لم نقل إيمانًا كهذا، أو أنبياء كهؤلاء، أو حتى... إلهًا كهذا؟!

لأني أتفكر اليوم – وأنا لم أعد ملحدًا – أنه بائس حقًّا ذلك "الإيمان" – أيًّا كان – إنْ كان قائمًا على التعتيم أو التجهيل أو على كليهما جميعًا؛ بائس حقًّا بؤسَ أنبيائه وآلهته إن كانوا لا يعرفون معنى الضحك أو الابتسام[1]، أو إن كان العنف أو القتل وسيلتهم إلى "الإقناع" أو حتى الذود عن النفس!

لكن القضية، على ما يبدو، أعقد قليلاً من مجرد إشكالية آنية، مضحكة ومبكية معًا. لأننا، إن أمعنَّا النظر في هذه الإشكالية، فإننا سرعان ما نتلمس بأن ما حدث ويحدث إنما هو اختزال وتجسيد فعلي لمختلف جوانب الأزمة الحضارية والفكرية والروحية والأخلاقية لعالمنا المعاصر – هذا العالم الذي، على الرغم من التقدم العلمي والتقني الذي تحقق كلِّه، مازال قائمًا على الظلم وما يستتبع من جهالة ونفعية وذرائعية ونفاق. وللمزيد من التوضيح، نستعيد قصتنا من بدايتها...

3

وهذه تقول إنه في بلاد بعيدة في أقصى الشمال من القارة الأوروبية (الدانمرك)، في إطار واقع حضاريٍّ مختلف، ومستوى حقيقة مختلف أيضًا، واجَه مؤلِّفٌ كان يضع كتابًا يعرِّف بالإسلام للأطفال ما بدت له مشكلةً عويصة تستحق التأمل: لم يستطع إيجاد أحد يرسم له صورة للنبي محمد. فقد تبين له – وهذا ما أعلنه – أن جميع الرسامين الذين اتصل بهم فرضوا على أنفسهم حظرًا ذاتيًّا طوعيًّا لئلا يتعرضوا للعنف من قبل المسلمين الذي يحرِّمون – على أيٍّ كان – تصوير النبي[2]. لهذا السبب، على ما يبدو، قررت صحيفة Jyllands Posten الدانمركية تحرِّي الموضوع، مقدِّرةً – وهي ربما على حق، من منظورها وضمن إطار واقعها – أن لمثل هذا الحظر الذاتي – القسري – عواقب وخيمة على الديموقراطية؛ ما يعني أنه صار "من واجبها" أن تسترسم وأن تنشر رسومًا لنبيِّ المسلمين.

وكان هذا ما حصل في التاسع عشر من تشرين الأول 2005، حين نشرت هذه الصحيفة بعض الرسوم الضعيفة (التي لا تستدعي حتى النظر إليها) والتي تتعرض للرسول الكريم. ولكن...

بعد مرور ما يقارب الثلاثة أشهر على هذا الحدث (أي على نشر الرسوم)، الذي كان من الممكن جدًّا – نظريًّا على الأقل – أن يمر في بساطة، فيطويه النسيان ولا "يسيء" إلى أحد (وخاصة إلى الإسلام ورسوله اللذين هما، في الحقيقة، أكبر من تلك الصغائر)، جاءت ردة الفعل المدمرة (وغير العفوية!) التي كان من المفترَض، من منظور آخر ربما، أن تكون متوقَّعة. فقد تلقَّف الموضوع (بعد التفكير فيه مليًّا)، من منظورهم، أبناءُ واقع آخر، ومستوى حقيقة أخرى، في بلاد تقع جنوبًا، في قلب جزيرة العرب تحديدًا، حيث قرَّر فقهاء الشريعة والدين في تلك البلاد أن هذه الرسوم ليست كفرًا وحسب، بل وإساءة لا تُغتفَر إلى الإله وإلى خاتم رسُلُه، فشنوا هذه الحملة التي نشهدها اليوم، والتي مازالت تتفاعل وتتصعَّد بآثارها المدمرة في مختلف أنحاء العالم، وخاصة في البلدان ذات الأغلبية المسلمة[3].

ونتفكر في الموضوع بمزيد من الهدوء والتروِّي...

4

لأن رسم النبي وصحابته، وكذلك رسم الإله وأنبيائه، محرَّم تمامًا في الإسلام. وهذا أمر معروف ومفهوم. فلكلِّ دين، ولكلِّ أمة أو مجتمع، كما نعلم، محرَّماته ومحظوراته. ولكنْ...

كما قد يناقش بعضهم من غير المسلمين في بلدان غير مسلمة، فإن رسمًا أو نحتًا أو تصويرًا كهذا ليس محظورًا على الإطلاق عند معظم الآخرين، كالتوجهات المسيحية في معظمها، مثلاً، وكمعظم التوجهات الدينية أو الفكرية والفلسفية الأخرى، ليس حصرًا. لا بل إن بعضهم في المسيحية وسواها يذهب إلى ما هو أبعد من هذا، حيث يسمح لنفسه حتى بتصوير الإله، الواحد عند الجميع. فإحدى أجمل جداريات ميكِلانجلو، "التكوين"، تزين، منذ عصر النهضة، كما نعلم، مصلَّى الكنيسة السِسْتينية في الفاتيكان، معقل الكثلكة. وهذه الجدارية الرائعة تصوِّر الله – نعم، يا سادتي، تصور الله، جلَّ جلاله – كما تخيَّله ذلك الفنان العظيم. وهذا واقع يُفترَض أن يعرفه الجميع. فالإله أعظم من جميع أنبيائه وأهم!

تفصيل من جدارية "التكوين" لميكِلانجلو: "خلق آدم"

والحكاية الشائعة تقول إن البابا يوليوس الثاني، عندما شاهد للمرة الأولى جدارية ميكِلانجلو الخارقة هذه التي تصوِّر التكوين، سأله:

-       أهكذا فعلاً تتخيل الرب والخلق، يا صديقي؟ فأجابه ميكِلانجلو في خجل:

-       نعم، يا صاحب القداسة، هكذا أتخيلهما...

فأمعن البابا تأملاً، وهو يدقق في الجدارية مجددًا، ثم قال بصوت خفيض:

-       أنت إذن أكثر مني إيمانًا!

وأتفكر أن هذا واقع يعرفه كلُّ متعلِّم في مختلف أنحاء العالم؛ كما يُفترَض أن تعرفه جيدًا، مثلها كمثل غيرها، النخبُ المسلمة. لأني، إذ أورد هذا الأمر وأؤكد عليه، فلأني أتفكر بأن المنطق نفسه الذي "أوجب" الاحتجاج على رسم النبي محمد، والمنطق نفسه الذي يحرِّم في شكل عام كلَّ ادعاء برسم المقدسات وتصويرها، وينفعل بهذا القدر إذا حصل الأمر، – هذا المنطق نفسه ينبغي نظريًّا أن يحتج – من باب أولى – على رسوم تصوِّر الإله، خاصةً وأن الإله الذي يعبده المسيحيون هو نفسه إله المسلمين!

وأتذكر هنا، للمناسبة، أن أولئك الأصوليين الذين أتيح لهم ذات يوم الوصولُ إلى السلطة في أفغانستان قد دمروا فعلاً – قصفًا بالمدافع! – تمثالَي البوذا القديمين العملاقين في بَميان في بلدهم. وأسجل هنا أن البوذيين يومذاك لم يتحركوا ضد طالبان ردًّا على "إساءة" كهذه إلى مقدساتهم! نعم، لم يتحركوا، كما لم يفكروا حتى في ردٍّ مقابل، بل تجاهلوا الأمر في حكمة، فكانوا، بتصرفهم هذا، موضع احترام العالم المتحضر كلِّه وتقديره...

تمامًا كما كان، ومازال، معظم أبناء الدين الإسلامي العظيم محلَّ تقدير واحترام (معظم) الإنسانية المتحضرة التي تشهد لهم، على مرِّ العصور، باحترامهم العميق لمقدسات الآخرين وعدم تعرُّضهم (عمومًا) للكنائس والصور والمنحوتات، المسيحية وغير المسيحية، في البلدان التي يشكل المسلمون فيها الأكثرية.

وبلدي سورية كان، ومازال إلى الآن، خير مثال على تعايُش وعلى سلوك حضاري كهذا: فالمسلم عندنا، كما في البلدان المتحررة كلِّها، – وموقفه في معتقده هذا هو عينه موقف المسيحي الپروتستانتي أو اليهودي[4] الذي لا يوافق، من حيث المبدأ والعقيدة، على تصوير أو نحت كلِّ ما يتعلق بالإله وبأنبيائه – كان يمتنع عن مثل هذا في مساجده ومساكنه وأوقافه، لكنه (عمومًا) لم يعترض على الأمر عند الآخرين، بل تقبَّله بكلِّ رحابة صدر واحترام عند أولئك الذين لا يحرِّم عليهم منظورُهم الديني أو الفكري أو الفلسفي تصويرَ الإله أو الشخصيات المقدسة. ولكن...

5

ربما يتعلق الأمر، هذه المرة، كما قد يعترض بعضهم، بواقع أن ما نُشِرَ كان رسومًا كاريكاتورية، وأن هذه الرسوم الكاريكاتورية "الساخرة" تعرضت، لأول مرة ربما، لِمَن لم تكن تتعرض له (أي لرسول المسلمين). فالرسم الكاريكاتوري يتضمن، بهذا القدر أو ذاك، نوعًا من التهكم، إن لم نقل شكلاً من أشكال "قلة الاحترام". ونتمعن في الموضوع بمزيد من الروية...

لأن السخرية، والتعرُّض من خلالها لمعتقدات الآخرين ومقدساتهم، هما، من حيث المبدأ، وفي شكل عام، أمران ممقوتان، لا بل مستنكَران، وينبغي على العقَّال اجتنابهما. ولكن، على أرض الواقع، هل الموضوع بهذه "البراءة"، إن لم نقل بهذه "البساطة"؟ ونجد، بعد التفكر، أن القضية أعقد قليلاً مما نتصور...

لأن الواقع يقول إن كلَّ معتقد، بمجرد أن يدعو إلى نفسه، إنما هو، بشكل أو بآخر، يفعل هذا على حساب آخرين لا يشاركونه الرأي أو المعتقد، وإن هذا المعتقد، لتدعيم حججه، غالبًا ما يسفِّه بعض معتقدات الآخرين أو يسخر منها، وخاصة منها تلك التي يرفضها. وهذا ينطبق على معظم الديانات والمعتقدات بعامة، وينطبق بخاصة على الديانات التبشيرية "السماوية"، أي تحديدًا على المسيحية والإسلام، حيث يتجلَّى هذا الرفض على أرض الواقع بأشكال مختلفة، تلتقي في العمق عامةً، وإن كانت تختلف من حيث الشكل أو الظرف مكانًا وزمانًا، سواء كان هذا حيال بعضها بعضًا أو حيال الآخرين.

فبعض أتباع الديانات الشرقية، مثلاً، يؤمن بفكرة التقمص؛ بينما أتباع دياناتنا "السماوية"، انطلاقًا من فهم سائد (مازال يبشَّر به إلى الآن) يرفضون هذه الفكرة ويسخرون منها. الهندوسي، مثلاً أيضًا، يقدس بعض التجلِّيات الإلهية من خلال حيوانات معينة؛ والفهم العامي الإسلامي، وحتى المسيحي، يرفض عمومًا مثل هذا التقديس ويصوره ساخرًا – أي "كاريكاتوريًّا" – بأنه "عبادة للحيوان"، تمامًا كما يرمي هذا الفهمُ، بشكل آخر، تشخيصَ تواصُل البوذي مع مفهومه للإله من خلال منحوتات معينة بـ"الوثنية". ذلك لأن هذه "الأديان السماوية"، وخاصةً من خلال الفهم المسطَّح لبعض مؤسَّساتها ولغالبية دُعاتها، غالبًا ما تقدِّم لأتباعها فهمًا "كاريكاتوريًّا" مشوهًا لمعتقدات الآخرين.

فالسخرية أو العرض الكاريكاتوري ليس في الحقيقة مجرَّد اختراع حديث أوجدَه بعض الملاحدة، بل هو، في الواقع، وإن اختلفتْ أشكالُه، قديم قِدَم الفكر الإنساني؛ وقد استخدمه، ومازال يستخدمه، الجميع ضد الجميع. غير أنه خلال القرن الماضي تطور شكلُ هذا الأسلوب من خلال تطور استعمال الرسم وعِبْرَ التقنيات الحديثة؛ كما اتسع مضمونُه، وخاصةً في الغرب، حيث الإلحاد اتجاه فكري كسواه بسبب الحرية الفكرية السائدة؛ كما توسع تداوُل هذا الشكل وانتشاره من خلال العولمة.

6

هناك في الغرب، مثلاً، أصبح فن الكاريكاتور يطال كلَّ شيء، وليس فقط السياسة ورجالاتها "العظام"! نعم، أصبح يطال كلَّ شيء... حتى الإله! – ولا يولِّد مقابل هذا إلا مجرد ابتسامة...

كهذا الكاريكاتور أعلاه الذي يصوِّر تدخُّل "يد" ذلك "الإله" في عملية انتخاب البابا الجديد، حيث تصطفي واحدًا من الكرادلة، الذين يحتج أحدهم قائلاً: "كنت أظن أننا سنصوِّت!"

أو ذلك الكاريكاتور الآخر الذي ينتقد كيف غدت المقدسات وزيارتها موضوعًا سياحيًّا، فيصور صلب المسيح وكأنه يحدث في زماننا، متخيلاً تجمُّع الرسل حول المسيح المصلوب يريدون التقاط صورة "سياحية" معه!

أو هذا الكاريكاتور الذي صوَّر الله – جلَّ جلاله – جالسًا على سحابة وهو يخاطب بِلْ غيتس، رئيس مجلس إدارة مايكروسوفت: "أنت، لا يحق لك أن تعيد تحميل أي شيء! فالاحتكار هنا من حقِّي وحدي!"

وأخيرًا، هذا الأهم بين تلك الكاريكاتورات النرويجية، الذي لا أجرؤ على إعادة نشره حتى لا يُحلَّل دمي (!)، والذي يصوِّر نبيَّ المسلمين وهو يقول لسيل "الشهداء–الانتحاريين" المتدفقين عليه في الجنَّة أنْ "تمهَّلوا لأنه لم يعد عندي في المستودع ما يكفيكم من الحوريات"! وأتفكر...

7

أن ما هو مقدس، لا يقبل التصوير أو حتى النقاش في نظر بعضهم، لأنه "كلام الله"، ليس كذلك في نظر بعضهم الآخر الذي قد يسمح لنفسه، بين الحين والحين، أن يتعرض له أو أن يناقشه، ولو من خلال بعض الصور الساخرة. وأتفكر أنه...

إن كان هذا البعض الآخر ينظر إليَّ على هذه الشاكلة، فذلك، ربما، لخلل ما في فهمي لمعتقدي وتصوري له وفي السلوك المنبثق عن هذا الاعتقاد أو ذاك التصور – فَهْمٍ عليَّ أن أرتقي به، لأبيِّن لنفسي، ولِمَن حولي، وللجميع، أني ومعتقدي لسنا كما يتصوَّرون.

نحن أرقى وأجمل بما لا يقاس!

*** *** ***


 

horizontal rule

[1] حين انتُخب السيد محمد خاتمي رئيسًا للجمهورية، جاء في بعض استطلاعات الرأي أن من الأسباب الوجيهة لانتخاب أغلبية الشعب الإيراني له، فضلاً عن منظوره الرحب المتسامح، ظهورَه مبتسمًا دومًا في صور حملته الانتخابية!

[2] جدير بالذكر أن للمرجع الشيعي الكبير محمد حسين فضل الله فتوى صريحة بتحليل تمثيل النبي والصحابة وآل البيت في أعمال فنية وسينمائية، على أن يتم ذلك بالاحترام اللائق.

[3] ليس هاهنا مجال التطرق إلى الأسباب الاقتصادية الواضحة الكامنة وراء افتعال الأزمة، من نحو إقصاء دول الاتحاد الأوروبي عن السوق الشرق أوسطية وأسواق الدول الإسلامية عمومًا.

[4] في المتحف الوطني بدمشق كنيس يهودي فريد، منقول كما هو من موقع دورا أوروپوس على الفرات؛ وفرادته تقوم على جدارياته البديعة التي تصوِّر قصصًا من التوراة ممثَّلاً فيها العديدُ من أنبياء بني إسرائيل، بما يخرق وصيةً من أقدس وصايا الرب العشر: "لا تصنع لك منحوتًا ولا صورة شيء مما في السماء من فوق، ولا مما في الأرض من أسفل، ولا مما في المياه من تحت الأرض." (سفر الخروج 20: 4)

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود