|
فكرةُ النَّفْس عند العَرَب وموقعُها في التَّحليل النَّفسي مؤتمرًا فكتابًا
حول فكرة النفس عند العرب وموقعها في التحليل النفسي[*] تمحورتْ أعمالُ "المؤتمر الأول للمحلِّلين النفسيين العرب" في قصر اليونسكو، بيروت، وصَدَرَ كتابٌ ضمَّ وقائعَه التي أبرزتْ المشكلاتِ والعراقيل التي يرتِّبها العملُ الميداني والتي تخص منهجيةَ التحليل النفسي كفكر لا بدَّ من أن يجد مكانه في الثقافة العربية.
وفي كلمة لجنة التحضير أن لخطاب التحليل النفسي أهميةً في ثلاثة مجالات: 1. المجال العلاجي، حيث يختصر العلاجَ بالعقاقير الحديثة؛ إذ تبيِّن التجربةُ قصور تلك الظاهرة عن استئصال أسباب المرض النفسي أو كشف جوانبه الذهنية–الذاتية؛
وخلص القيِّمون على المؤتمر إلى أن تلك الأمور المذكورة آنفًا تجعل من الخطاب التحليلي "حاجة علاجية وتنويرية للفكر العربي، أشبه بعصر الأنوار الأوروبي". في مقدمة د. عادل عقل حول مفهوم النفس أن لكلِّ حقبة من وجود الإنسانية مفاهيم حول النفس، تتقارب حينًا وتتباعد آخر. وصراع المفاهيم متواصل، وتقلبات الفكر تتبدل وتتنافر من حقبة إلى أخرى. وفي عصرنا الحاضر، تأتي المقاربةُ التحليلية النفسية لتطرح موضوع الرغبة لدى الإنسان، معتبرًا أن هذه الرغبة تميِّز الإنسان وتحفِّز صراعاته وقناعاته. وقد توقف عند التقدم الملموس في اكتشافات علوم الأعصاب والمساعدات التي قدَّمتْها في حقل العذابات النفسية ومعالجات العديد من "الأمراض الذهنية" المقلقة. ومن أبرز العناوين العريضة التي تمَّتْ معالجتُها: "النفس في الرؤية الإسلامية والرؤية الفلسفية"، هل ثمة ذاتية في الثقافة الإسلامية السلفية؟"، "النفس في التراث العربي بين بصائر السلف وإبداع الخلف وتعثُّر المعاصرين"، "بزوغ الأنا وعلوم الأعصاب"، "تداعيات عيِّنة من الشباب حول الذات والآخر"، "الاختصاصي النفساني العيادي بين التكوين الأكاديمي والممارسة الميدانية (تجربة الجزائر)"، "التحليل النفسي لواقع المجتمع العربي وأزمة الديموقراطية"، "الكتابة المقدسة والعبودية المختارة". د. عبد الله عسكر لفت إلى تأسيس مشروع العقل العربي الذي كان تأسَّس على العبودية والخوف من الحرية، وإلى استعانة العرب بالغربيين وبالدساتير القديمة، وعدم خروج العلوم الإنسانية من موقعها الأكاديمي، ووجود "صورة أنوية"، ركيزتها النرجسيةُ والرموز الخيالية البالية، متوقفًا عند الدين كضرورة نفسية، لا سياسية. كما عالج د. منير شمعون غوغائية المزج بين الديني والسياسي في العالم العربي: مفهوم الإنسان لله يتم إسقاطه على الزعيم السياسي: الله سلطة عليا؛ وفي كلِّ مرة يصل فيها أحدهم إلى الحكم يصبح ديكتاتورًا – والأمر يتكرر لدى جميع الرؤساء. وقد يجازف بعض المعارضين بحياتهم للاعتراض على الحكام. لا يمكن أن تكون سلطة الزعيم موضوع مناقشة. [...] هذا اللاوعي للسياسة يجعل الإنسان غير حرٍّ كفاية؛ وبالتالي لا بدَّ من حركة ناشطة فاعلة تحرِّر الجماعة وتفك قيودها. ويربط مصطفى صفوان بين الديموقراطية والتحليل النفسي، فيشدِّد على أنها تسهِّل هذا العلم، مشيرًا إلى انعدام وجود أية معارضة قادرة أن تزعزع السلطة الدينية، نظرًا إلى أن الحاكم يستمد منها قوته وشرعيته؛ بل على العكس يكفي أن يتهم مِن هؤلاء مَن يتحدى سلطته بـ"الكفر" حتى يؤكد موقعه الديني وترتد بقية المعارضة عليهم. حالة التقهقر العربي، فكريًّا وعلميًّا، أثارها د. حسين عبد القادر قائلاً: ما أكثر ما يمكن أن نستشهد به من آراء لمستشرقين ومشتغلين بتاريخ العلم في الغرب عن فضل الحضارة العربية وإسهامات علمائها في مناحي العلوم المختلفة، ومنها النفس؛ لكن ما أبعد ذلك الأمر عن أهدافنا. إذ إني مشغول بالأكثر عن نكوص واقعنا – في ما يتصل بدراسة النفس – وتعثُّر خطونا، وما وراء هذه الهوة التي سقطنا في بئرها، حتى بتنا في القاع بين قمة أمس ولَّى، لم نتعمق في دراسته، وبين قمة معاصرة علينا أن نصل إليها. [...] فلا نحن تعلَّمنا من الماضي، ولا نحن واكبنا الحاضر وأفَدْنا أمَّتنا استشرافًا لغدٍ نأمله لها. [...] المحلِّل النفسي يمثل أحيانًا الرجل المثالي، ويمسي أحيانًا أخرى في موضع الديكتاتور المغتصب إذا لم يدرك أن المريض ليس ملكًا له، وفق د. عدنان حب الله، الذي شدد على أن المطلوب أن يشعر المريض بأن المحلِّل إنسان عادي بعد إتمام إعادة بنائه. وهو يتطرق إلى منظوماتنا الثيولوجية، حيث لا مفهوم للمواطن تجاه الحاكم في مجتمعنا، وليس عندنا تصور لطريقة الحكم وكيفية العيش. وتتقاطع مداخلات كثيرة عند أزمة الديموقراطية في المجتمعات العربية. فيقول أدونيس إن السلطة لدى العرب سلطةُ اغتصاب، بشكل أو بآخر؛ وهي غير نابعة من إرادة شعبية. فيما يشير د. جورج قرم إلى أنه يُفترَض أن تكون الديموقراطية بمنزلة المثال، وأن التحليل النفسي أداة أساسية لتطوير حرية الفرد. إن مجتمعاتنا اليوم عبارة عن نيولِبرالية تمخَّضت عن مجتمع استهلاكي ساذج، بينما السلطة مازالت قَبَلية لم تُشفَ بعدُ من أصولها. وإذ يلفت إلى وجود مشكلات هوية في الشرق، يرى أن التحليل النفسي قد يكون عاملاً مساعدًا، مؤكدًا على العجز عن الاستعانة بالحس النقدي، كما في الغرب. *** *** *** عن النهار، الأربعاء 16 شباط 2005 [*] صدر في منشورات "دار الفارابي"، بيروت 2004.
|
|
|