النروجي كنوت أوديغارد مترجَمًا إلى العربية

قصائد مختارة

الكلمة الصَّافية لوجه الإنسان الصافي

 

حنان عاد

 

أغلب الظن أن الشاعر فؤاد رفقة انغمس في شعر "رفيقه" النروجي كنوت أوديغارد Knut Ǿdegǻrd، متواطئًا مع مناخاته الشعرية والفكرية؛ بل أكثر من ذلك، عثر على تقاطُع بين قصيدته وقصيدة أوديغارد لناحية نسيجهما الداخلي ورؤيتيهما إلى واقع الحياة البشرية من مختلف جوانبها.

تأكَّدَ لي ذلك جليًّا في أثناء قراءتي المجموعة الصادرة للشاعر النروجي تحت عنوان قصائد مختارة[*]، في ترجمة لرفقة من الإنكليزية إلى العربية، حيث وُضِعَتِ الترجمةُ في مقابل النص الأصلي. ولم أستغرب كثيرًا أن يكون فؤاد رفقة آثر إغفال اسمه مترجِمًا على غلاف المجموعة أو في ذيل النص التعريفي بأوديغارد. ذلك أن هذا الشاعر، كما أراه، لا يعبأ بالشاعر وشخصه واسمه عامة بمقدار ما يعبأ بالشعر نفسه، بالقصيدة في حدِّ ذاتها، بذاك الجمال "المجاني والمجرَّد والمترفِّع".

لكنوت أوديغارد، المولود في العام 1945، مجموعات شعرية مترجَمة إلى الإنكليزية والفرنسية والدانماركية والسويدية والإيسلندية؛ كما له كتابات في النقد والمسرح والرواية. وهو عضو في جمعية الكتَّاب النروجيين وفي الجمعية النروجية للنقد الأدبي وفي المجلس الأدبي النروجي.

الأرض تغنِّي أغنية قلبها المتنقِّل/ عندما تبرعم نبتة الحميِّض/ نسمع الغنم الأبيض والأسود عائدًا/ ثانية إلى المنحدرات الخضر.

نموذج من النماذج الكثيرة الدالَّة على نزوع أوديغارد إلى "الريفية" موضوعًا أثيرًا في شعره، وبالتالي، إلى سطوة حضور عناصر الطبيعة في نصِّه: "الغنم"، الحميِّض، المنحدرات الخضر، منجل، الحقول، المروج الخضراء، المزرعة المهمَلة، إلخ – مفردات ينهلها من قاموس الريف والطبيعة بما يتلاءم وجوَّه الوجداني والعاطفي ورؤيته الجمالية ونظرته الشاملة إلى الحياة والوجود. وينطوي نصُّه على تمرُّد يداني الرفضَ في مواجهة المفاهيم المدينية، من حيث التصاقُها بذهنيات الربح والاستهلاك والاستثمار البحتة والجري الرخيص في إثر المادة. يقول:

جدِّي وضع يدَه على المحراث في يوم ربيعي هادئ [...] حكى في احتقار عن أهل المدينة، عن الپروليتاريا،/ عن البيروقراطيين، عن المكاتب الكبيرة حيث الأبواب الكابلية الكثيفة الخشب [...].

ثمة استحضار لكلام الجدِّ انحيازًا إلى مضمونه وتبنِّيًا له. يمقت أوديغارد تعلُّق إنسان اليوم حتى الغلوِّ بالمعايير السائدة الخاصة بالسعادة – سعادة الثراء والكسب على وَقْع التطور التقني والتكنولوجي الصاخب. من هنا تنتقد قصيدتُه

روحية الحضارة المعاصرة القائمة على ضجيج الآلة في المكاتب والشوارع والمقاهي، مشتعلةً بالحنين إلى سالف الأزمان، عندما كان الحقلُ حقلاً، والحصادُ حصادًا، والبيتُ بيتًا، والعائلةُ عائلةً، والعادةُ حياةً يومية، والطبيعةُ صديقةً ورفيقةَ العمر – كل هذا في لغة شفافة بسيطة كما الأعماق.

وإذ كتب رفقة ما تقدَّم فكأنه يكتب عن ذاته بلا أدنى ريب – ذلك أن هذا الكلام ينطبق تمامًا على نصِّه الشعري الخاص وصوته الخاص في القصيدة. وفي هذا الجوِّ من التماهي أو شِبْهِه بين الشاعر المترجَم والشاعر المترجِم، أعود إلى خاتمة القصيدة التي "يستشهد" فيها أوديغارد بـ"فلسفة" جدِّه. يخلص الشاعر نفسه إلى أن:

مَن يحطِّم المرايا، يمزِّق الأبواب الكابلية،/ يقلب المقاعد، يواجه إحصاءات مُذاعة،/ بوجه إنسان صافٍ، بكلمة صافية،/ بصورة صافية: تراب، ماء، هواء.

تومئ الصورة الشعرية هنا إلى مواجهة بين النزعة المادية والنزعة إلى الفطرة الطبيعية، وتنضح بنداء للعودة إلى العناصر الأولى للتكوين والخلق الأولين.

ولأن فؤاد رفقة يبدو قريبًا من كنوت أوديغارد شعرًا، فمن الطبيعي والحتمي أن تتم ترجمة الأول للثاني في سياق من التناغم الضمني والشكلي على حدٍّ سواء. وحدا هذا التناغم برفقة إلى رفد نصِّ أوديغارد ببعض من قاموسه الخاص، لكن بما لا يُخرِج النصَّ المترجَم عن وجهة النصِّ الأصيل ولُبِّه اللغوي والمضموني.

وبذلك يكون فؤاد رفقة قد ساهم في تقديم شاعر أجنبي آخر، نروجي هذه المرة. إذ لقد عُرِفَ رفقة منذ زمن بسعيه الدؤوب إلى مدِّ الجسر الثقافي العربي–الألماني عبر ترجماته الأدبية الوفيرة في منأى عن مبالغات الضجيج الإعلامي.

* * * * * * *

 

قصيدتان من أوديغارد

 

مخبأ القارب

مخبأ القارب في الشتاء، أكداس عارمة

من الأحلام السجينة. في الليالي

وحوش بلا صوت تدور حول مخبأ القوارب

غارزةً مخالبها في ثلج لزج.

 

سافرتُ طويلاً عائدًا

إلى مخبأ قارب طفولتي في الشتاء،

مصعوقًا بعالم يدور أسرع وأسرع

حول محوره. بقلب طافح،

بأحلام سجينة، أدفع الباب

وأغوص في ظلمة مخبأ القارب للقبض على القارب.

 

لكنْ فارغٌ مخبأ القارب.

مخبأ القارب فارغ! أقبض في الظلمة، أتعثر.

عندما أنهض يهاجمني الوحش، بوحشية،

مخالبه في القلب، عيون الوحش

تلمع في عيوني.

وأعرف أن مخبأ القارب، من زمان،

تفتَّت مع الطفولة، القارب الطويل

اندفعَ إلى النجوم.

 

أضع يدي على قلبي. حيثما أخرج

تحت النجوم ألاحظ دومًا على يديَّ.

 

أرض، نجوم

موتٌ. ورود في المطر. أرض.

... طويلاً بعد ذلك:

أجد بابًا مخلوعًا من البيت المهجور

يصدأ في الباحة، يغرق أعمق

وأعمق في الأرض، في الليل

ينفتح

وأحدهم يدخل

أو يخرج بين الأرض

والنجوم.

طويلاً بعد ذلك أفكر.

 

لكنْ أنت ميت بين الورود والمطر. أنت تنزلق

أعمق في الأرض إلى جذور غابات طفولتي الهامسة،

هناك وجهكَ عارٍ من الأقنعة،

جمجمتك البيضاء

تضيء في بحر الأرض المظلم، وتشرد.

حتى حياتك كلها تبرعم

في ورود وبلان وشجر يهمس في الريح.

ترجمة: ف.ر.

***

عن النهار، السبت 18 حزيران 2005


 

[*] صدر لدى "دار نلسن"، 2005.

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود