الكلمة الصامتة

(أو القال والقيل في البوس والتقبيل)

محاضرة بقلم: ياسر المالح

بتاريخ: 21/12/2004

توضيح

الكلمة الصامتة عنوان يثير التساؤل، ولا يلبث أن ينكشف؟!!

كان العنوان: القال والقيل في البوس والتقبيل. وهو عنوان يشبه عناوين كتب بعض الأئمة.

ثم اخترت عنواناً مختصراً: مع القبلات.

غير أن المنتدى الاجتماعي اختار الكلمة الصامتة، ربما لأن العنوان فيه شيء من أدب، أو لأنه يثير التساؤل أو لأنه كناية مكشوفة لكل عاقل له شفتان.

حديثنا بصراحة عن التقبيل والقبلات.

منذ سنتين وأنا أجمع مصادره من كل كتاب بالعربية أو بالإنجليزية أو من موقع الإنترنت، ولم أفرغ لكتابته إلاّ منذ ثلاثة أشهر.

هذا الحديث كان أشبه بالبحث الأكاديمي، فنلت عنه درجة الدكتوراه من هيئة المنتدى الاجتماعي. وقد ثبّتوا اللقب في بطاقة الدعوة. وهكذا صار الدرويش ياسر يحمل لقب "دكتور في القبلات" بقدرة قادر.

أشكر هيئة المنتدى على منحي هذا الشرف. وقد فاتهم أني أحمل لقب دكتور منذ أكثر من عشرين سنة. نعم حصلت على دكتوراه في الأسماك! وعينوني لكفاءتي عميداً لكلية الحقوق. وحين دخلت عليَّ سكرتيرتي أول مرة. نظرت إلي نظرة خاصة وسألتني: دكتور.. ألست دكتوراً في الأسماك؟ قلت: بلى، ولكن كيف عرفت؟ فأجابتني: من رائحتك!

ونحن الآن مع القبلات نستمتع بما قيل فيها أولاً ثم نستمتع بها فيما بعد.

 

رسالة من ياسر المالح إلى المحبين

مع القبلات

 

القبلة الأولى (فتح شهية)

كثير من الناس يجدون حرجاً في الحديث عن القبل والتقبيل. وبعض الناس تحمرّ وجوههم خجلاً إذا استمعوا إلى هذا الحديث. وبعض عشاق الفضيلة ينكرون هذا الحديث ويعدّونه ضلالة، وكل ضلالة في النار، مع العلم أن أولئك وهؤلاء جميعاً لا يجدون حرجاً في التقبيل ليل نهار. بمناسبة وبلا مناسبة، في العلن والخفاء، ولا تحمر وجوههم خجلاً، ولا يعدّون التقبيل رجساً من عمل الشيطان، بل هو سنّة شريفة يحسن اتباعها في الأحوال المنصوص عنها شرعاً.

ولو أني كتبت للتلفزيون برنامجاً حوارياً جماعياً عن القبلة والتقبيل على شكل Talk Show كما يفعل (زافين) في (سيرة وانفتحت) لما وافق على هذا البرنامج أحد. مع العلم أن من في التلفزيون جميعاً يمارسون التقبيل، ويعرضون في أغاني الفيديو كليب والأفلام العربية والأجنبية أنماطاً من التقبيل لا تخطر على بال. حتى المشاهدون أنفسهم يغرقون في كثير من الأحيان في بحر من القبل في ليل أو نهار. فالقبلة هي الخبز اليومي للتعبير عن العواطف.

هنا أجدني أمام مفارقة مذهلة: الحديث عن التقبيل محرج مخجل، أما ممارسة التقبيل فأمر محمود وشائع منذ أن يكون المرء رضيعاً إلى أن يصبح هرماً بلا أسنان. فالقبلة أصلاً لا تحتاج إلى أسنان! بخلاف العضّة، وموضوعنا خال من العضّ إن شاء الله، لأن الحديث عن العض من اختصاص أدباء الكلاب.

 

القبلة الثانية (في اللغة)

القُبلة بالضم في اللغة اللثمة. والقِبلة بالكسر الجهة، والقَبَلة بالفتح وتحريك اللام الخبّاز. ويبدو لي أن القُبلة بالضم والقِبلة بالكسر لفظان مشتركان بالمعنى العام للإقبال على الشيء. واللثمة مشتقة من اللثام. وهو موضع النقاب على الشفتين. فمن أراد اللثمة كشف اللثام عن الشفتين ولثم. وفيما بعد سقط اللثام، وصار اللثم يمارس بلا لثام. لكن المشكلة في أن يخيب ظن الرجل في فم من تكشف اللثام[1].

وليس في لغتنا العربية الغنية بالمترادفات سوى هذين اللفظين، القُبلة بالضم واللثمَة بالفتح. فاضطر العرب إلى استخدام (البَوسة)، وهي كلمة فارسية معرّبة، على سبيل الإغناء، وشاعت في العاميات العربية، وظل أهل الفصاحة مع القُبلة واللثمة متجاهلين ما أثبتته المعجمات العربية في مادة (بَوس)، وجواز استخدام المعرّب. والألفاظ المعرّبة عن الفارسية واردة في القرآن الكريم والحديث الشريف والشعر الجاهلي، ولكن (البَوس) ليس بينها.

 

القبلة الثالثة (في الأسطورة والرجم بالغيب)

في تاريخ القبلة، تروي بعض الأساطير أن حواء حين كانت وآدم في الجنّة، استلقت تحت شجرة ونامت. ربما كانت الشجرة المحرمة. فحطت على شفتيها نحلة كما تحط على زهرة، لتمتص شهد الرضاب، كما عبّر الخيّام، فأفاقت حواء، وابتسمت ابتسامة رقيقة لتتيح للنحلة المزيد من المص. وكان آدم يراقبها، فغار من النحلة، وكشّها، وانحنى على حوّاء، وحطّ شفتيه على شفتيها كما فعلت النحلة، فارتاحت حواء لهذه الملامسة الشفاهية. وكانت تلك الملامسة القبلة البريئة الأولى في تاريخ البشرية. وكانت النحلة دليل آدم إلى الفم الحلو الوحيد قبل سقوط ثمرة (نيوتن) عليهما.

حواء بوسوسة من (الكوبرا) الجميلة، أكلت من الثمرة المحرمة، وأغرت آدم كي يأكل منها. فلما فعلت (الهورمونات) فعلها في الجسدين، ظهرت لهما سوءتاهما. وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنّة على سبيل ستر المكشوف، فالمكشوف مثير. من أجل هذا طردا من الجنّة إلى الأرض، ليحققا إرادة الله في إنجاب البشر والتكاثر إلى ما شاء الله. وشاعت القبلة لتكون رسولاً بين المحبين، وليكون الإنجاب على أحسن ما يكون. وفي الأرض صار للقبلة دافع وغاية، وصار لها تقاليد وفنون، ولله في خلقه شؤون.

وحول القبلة وأصولها ظهرت أقوال تقديرية لمجتهدين لا ترقى إلى النظرية العلمية، وإنما يستأنس بها على سبيل العلم بالشيء ولا الجهل به. ومن هذه الأقوال ما يبدو مقبولاً ومعقولاً ينسجم مع النظرية الفرويدية.

قالوا:

- الإنسان القديم لاحظ أن تناول الملح له أثر في تبريد الجسد. واكتشف أن التقبيل يزوده بالملح من رضاب الشريك فيبرد جسده الحار ويرتاح. ولأجل ذلك يقبّل لا لسبب آخر! (لو أنه شرب ماء البحر ألا يبرد جسده بردةً واحدة؟)

- اعتقد الإنسان القديم أن هواء الزفير فيه قوة سحرية ويحوي الروح. وفي الاحتفالات الدينية البدائية كان الناس يتبادلون ما يشبه القبل لاستنشاق زفير الآخر. كأنما هم يتقوون بأرواح بعضهم بعضاً. (ربما وصل هذا التقليد الديني إلينا. فالملاحظ أن الزوج حين يقبل زوجته يقول لها: يا روحي. فكأن زفيرها هو الذي يمنحه الروح! وهو لا يعلم أن زفيرها يحمل ثاني أوكسيد الكربون القاتل.)

- التحية عند سكان الأسكيمو تكون بضغط أنف على أنف مع الشهيق، واستنشاق زفير الآخر، وهذا يشبه ما سبق. (قد يكون هذا السلوك طلباً للدفء بنفس الآخر في المحيط المتجمد الشمالي). أحدنا إذا برد ينفخ في يديه ليستدفىء بنفسه. ثم يفرك يديه بسرعة استجلاباً للدم إليهما. ترى هل يمكن أن تتحول القبلة في أيام الشتاء عندنا إلى أن ينفخ كل في وجه الآخر؟ بالمناسبة، أقدر الناس على التقبيل هم العازفون في آلات النفخ بسبب قوة عضلات الشفتين عندهم. وتروى عن بوب هوب النجم الكوميدي نكتة: سألته زوجته مرّةً بعد أن قبّلها، كيف تعلمت أن تقبّل بهذه الطريقة؟ فقال: الأمر طبيعي كما أعتقد. فأنا أنفخ كل مرة عجلات دراجتي بفمي. فأصبح التقبيل عندي بهذه الطريقة عادة!!)

- عند بعض القبائل يستخدمون كلمة (شُمَّني) بدلاً من (قبّلني) وهذا ينسجم مع ما قيل عن الاستنشاق، ويؤكد أن الشمّ هو بداية التقبيل، ولا تقبيل بلا شمّ.

- منشأ القبلة عند فرويد وغيره مصّ حلمة ثدي الأم طلباً للغذاء والحياة عند الوليد. وحين يكبر يحنّ المرء إلى هذا الماضي، ويحوّل المصّ إلى تقبيل الآخر.

وهناك من يقول أن أصل القبلة إطعام الأم طفلها بفمها فماً لفم. وهكذا

فالأم مدرسةٌ إذا أعددتها      أعددت شعباً طيب الأعراقِ

وهذا الشعب معدٌّ للتقبيل إعداداً أخلاقياً يليق بتطلعاته المستقبلية!!

 

القبلة الرابعة (في التعريف)

القبلة في أبسط تعريف لها هي ملامسة الشفتين للشفتين، أو لأي منطقة أخرى من الوجه كالخد والجبين والعين والأنف والذقن والشوارب، وقد تكون القبلة لليد والقدم، وقد تكون لبعض كائنات الطبيعة كالوردة أو أي حيوان أليف، وقد تكون لأشياء مصنوعة كالهدية تُهدى فيقبلها المُهدى إليه على سبيل الشكر. وقد تكون قبلة في الهواء تطيّرها اليد لمن هو بعيد، أو قبلة في الهواء يسمع صوتها في الأذنين كأنه الهمس حين تلتقي النساء في استقبال النسوان حتى لا تحمّر إحداهن الأخرى بصباغ شفتيها، وقد تكون القبلة ملامسة أنف لأنف أو فم لكتف أو فم لطرف ثوب السلطان، وهو ما يدعى تقبيل (الأتك) والأتك كلمة تركية بمعنى ذيل.

وبعض الناس في الأحياء الشعبية يحمد الله بتقبيل يده وجهاً وقفا مع قوله: الحمد لله مستورة.

 

القبلة الخامسة (في التقاليد والأوهام الشعبية)

معاني القبلة تختلف حسب موضعها. فهي على الجبين احترام وطهارة. وعلى الخد صداقة ومودّة. وعلى الأنف تقدير وتبجيل. وعلى الأذن وشوشة حب، وعلى العين حنان. وعلى الشوارب (شعبياً) صفح، وعلى الفم حب ورغبة. وعلى العنق دغدغة. وعلى اليد احترام وولاء، وعلى القدم تذلل وخضوع.

وفي مصر تشير الأوهام الشعبية إلى أن بوْس العين نذير فراق، وقد عبر عن ذلك محمد عبد الوهاب في أغنيته الخفيفة في فيلم (ممنوع الحب) المنتج في العام 1942 حين غنّى:

بلاش تبوسني في عينيَّ                دي البوسة في العين تفرَّق

يمكن في يوم ترجع إليَّ                والقـلب حلمـه يتحقّـقّ

خلّي الوداع من غير قبل               علشان يكون عندي أمـل

                            وبلاش تبوسني في عينيَّ

ومن الأوهام الشعبية السائدة في الغرب ما يلي:

- إذا عطست يوم الثلاثاء فإنك ستقبّل شخصاً غريباً.

- إذا تمكنت من تقبيل مرفقك فإن جنسك سيتغير.

- إذا أصبت بحكّة في الأنف فإن أحد البلهاء سيقبّلك.

- إذا تبادل رجل واقف القبلات مع امرأة جالسة فإنهما سيتشاجران.

- إذا أردت أن يذهب عنك ألم الأسنان فقبّل حماراً في خديه.

- إذا سقط من يديك كتاب أو قطعة خبز على الأرض فعليك رفع كل منهما وتقبيلهما احتراماً للكلمة والنعمة حتى لا تتعرض لسوء الحظ. ( وهذا الصنيع شائع في بعض البلاد العربية والإسلامية ولاسيما حين يكون الكتاب مقدساً).

 

القبلة السادسة (في الشعر العربي)

إذا كان التقبيل مما هو مألوف عند الناس جميعاً، فشعراء الغزل أقدر على التعبير عن هذه الحالة، وهم يدركون أثر القبلة في جَيَشان العواطف، وهم خبراء في الأفواه الجميلة، التي تفوح منها رائحة المسك، وتفتر عن ابتسامة آسرة، بعد أن يسقط القناع. وامرؤ القيس عميد كلية الغزل في الجاهلية يقول:

إن تُغدفي [2] دوني القناعَ فقـد               أُصبي[3]  فتاةَ الحيّ بالأُنسِ

دنو فأخضع في الحديث ولا               ألهو عن التقبيـل واللمسِ

وعنترة خبير بفم عبلة لكثرة ما قبّله، فهو يقول:

 

إذ تستبيك بذي غُروبٍ [4] واضحٍ             عـذبٍ مقبّلُـهُ لذيـذِ المَطعَـمِ

وكـأن فارَة [5] تاجـرٍ بقسيمـةٍ [6]             سبقت عوارضَها [7] إليك من الفمِ

وهو القائل أيضاً:

ولقد ذكرتك والرماح نواهل              مني وبيض الهند تقطر من دمي

فوددت تقبيل السيوف لأنها               لمعت كبـارق ثغرك المتبسـمِ

ويأتي المرقَّش الأصغر ليشبه فم محبوبته بأنه مسكر طيب الرائحة كالخمر المعتقة فيقول:

وما قهوةٌ صهباءُ كالمسكِ ريحُهـا         تُعلى على الناجود [8] طوراً وتقدحُ [9]

ثَوَتْ في سِباء الدنِّ عشرينَ حجةً          يُطانُ [10] عليهـا قرمـدٌ وتـروَّحُ [11]

بأطيبَ مِنْ فيها إذا جئت طارقـاً          من الليل بل فوها ألذُّ وأنصـحُ

وقريب من هذا المعنى قال حسان بن ثابت:

كـأنّ فاها قهـوةٌ مـزّةٌ               حديثة العهد بفضِّ الختـامْ

عتّقها الحانوت دهراً فقد                مرَّ عليها فرطُ عامٍ فعـامْ

نشربها صرفاً وممزوجةً                ثم نغنّي في بيوتِ الرخامْ

وحين جاء الإسلام استمر الشعراء يتغزلون بالمرأة، وقالوا فيها شعراً عفيفاً دعوه بالعذري، وشعراً لا عفة فيه دعوه بالإباحي. والحب العذري يقتصر العاشق فيه على حب امرأة واحدة طوال حياته ويخصّها بشعره لأنه ملتزم بحبها فقط.

وأشهر المحبين في صدر الإسلام قيس بن الملوّح الذي أحب ليلى العامرية، فزوجها أبوها من غيره وفق التقاليد التي تحرّم زواج الأنثى بمن يشبب بها. ولقب قيس هذا بمجنون ليلى لأنه في أواخر حياته جُنَّ فعلاً. وعِشرة المحبين العذريين ليس فيها قبلات أو علاقات جنسية كما يشيع أكثر الناس. فماذا يفعل قيس المجنون؟ من يقبّل إذا لم يقبّل ليلى؟

ما البديل؟ يقول المجنون:

أمر على الديار ديار ليـلى          أقبّل ذا الجدارَ وذا الجدارا

وما حبُّ الديار شغفن قلبي           ولكن حبّ من سكن الديارا

 

وحين كتب أحمد شوقي مسرحيته الشعرية "مجنون ليلى" أنشأ مشهداً بين قيس وورد زوج ليلى فيه حوار ساخن. يتحدث شوقي بلسان قيس يستحلف ورداً إذا كان قبَّل ليلى فيقول:

بربّك هل ضممت إليك ليـلى         قبيل الصبح أو قبّلتَ فاها؟

وهل رفّت عليك قرونُ [12] ليلى         رفيفَ الأقحوانةِ في نداها؟

وهذه جرأة من قيس أن يسأل زوج ليلى هذه الأسئلة المحرجة. لكن قيساً لا ينكر في مسرحية شوقي أنه وليلى تبادلا القبلات حين كانا صغيرين يرعيان البُهم فيقول واصفاً ما جرى في أيام الطفولة:

فكم قبلةٍ يا ليلَ في مَيْعةِ الصبا      وقبلَ الهوى ليست بذاتِ معانِ

أخذنا وأعطينا إِذِ البُهمُ ترتعي       وإذْ نحن خلفَ البُهمِ مستترانِ

وجميل بثينة شاعر عذري آخر يعترف بأن التقبيل هو السلوك الممارس في الحب العذري وهو سلوك طبيعي. فماذا يتوقع من المحبين أن يفعلا إذا التقيا في سكون الليل؟ قال:

فياليت شعري هل أبيتنَّ ليلةً        كَلَيْلتِنا حتى نرى ساطعَ الفجرِ؟

تجود علينا بالحديث وتـارةً        تجود علينا بالرضاب من الثغرِ

والناس في العصور كلها شعراء كانوا أو غير شعراء يمارسون التقبيل، فمنهم من يعترف، ومنهم من يرى الاعتراف من قلة الأدب. حتى ابن الرومي الذي لم يشتهر بأنه كان من الشعراء الغزليين يقول:

أعـانقُها والنفـسُ بعـد مشوقـةٌ       إليها، وهـل بعـد العناق تَدانِ؟

وألثـمُ فاهـا كي تزول حرارتـي      فيشتـدُّ مــا ألقى من الهيَمانِ

وما كان مقدارُ الذي بي من الجوى      ليَشفيَـهُ مــا تلثـمُ الشفتـانِ

كـأن فؤادي ليـس يشفي غليلَـهُ       سوى أن يرى الروحين يمتزجان

أما ديك الجن الحمصي الذي قتل حبيبته التي ظن بها الخيانة فيقول:

بأبي فمٌ شَهِدَ الضميرُ لَهُ      قبلَ المذاق بأنَّه عذبُ

كشهادتي لله خالصــةً      قبلَ العِيان بأنـه ربُّ

لكن الغريب أن تتحدث المرأة عن التقبيل بجرأة غير مسبوقة. والأغرب أن تكون هذه المرأة بنت خليفة هارب بثياب امرأة. إنها ولاّدة بنت المستكفي عشيقة ابن زيدون، وصاحبة المنتدى الأدبي الذي يرتاده الشعراء في قرطبة. كانت ترتدي وشاحاً تظهر به على ضيوفها كتب عليه بيتان من شعرها:

أنـا والله أصلـح للمعـالي     وأمشي مشيتي وأتيه تيها

وأمكن عاشقي من لثم خدي     وأعطي قبلتي من يشتهيها

ويبدو أن ولاّدة لم تكن الوحيدة في منح القبلة أخذاًَ وعطاءً في شعر الغزل، فقد ذكروا أن حفصة الركونية كانت تهوى

أبا جعفر بن سعيد في غرناطة، فها هي تغازله بقولها:

 

أزورُك أم تزورُ فإن قلبـي      إلى ما تشتهي أبداً يميلُ

وقد أُمّنتُ إن تظمأ وتضحى      إذا وافى إليّ بكَ القَبولُ

فثغري موردٌ عـذبٌ زلالٌ       وفرعُ ذوائبي ظلٌّ ظليلُ

 

وفي العصر الحديث كثر التقبيل عند شعراء الغزل في أشعارهم. وكان أكثرهم جرأة الأخطل الصغير في قصيدته "أسقنيها بأبي أنت وأمي" وقد غنتها أسمهان منذ أكثر من ستين سنة ولم تمنع إذاعتها أي إذاعة. يقول الأخطل الصغير في مطلعها:

أسقنيها بأبي أنت وأمي    (يقصد الخمرة)

لا لتجلوا الهمَّ عني

أنت همّي

يا حبيبي بأبي أنت وأمي

أسقنيها لا لتجلوا الهمَّ عني

أنت همّي

وفي مقطع آخر يقول:

غنني واسكب غناكْ

ولماكْ  (تخطئ أسمهان فتكسر اللام)

في فمي فدّيت فاكْ

هل أراكْ

وعلى قلبي يداكْ

ورضاكْ؟

هكذا أهل الغزلْ

كلما خافوا المللْ

أنعشوه بالقبَلْ

ثم يتابع:

صبّها من شفتيك في شفتيَّ

ثم غرِّقْ ناظريْك في ناظريَّ

واختصرها ما عليك أو عليَّ

إنْ تكن أنت أنا

وجعلنا الزمنا

قطرة في كأسنا

يا حبيبي بأبي أنت وأمي

أسقنيها لا لتجلوا الهمَّ عني

أنت همّي

نستمع إليها بصوت أسمهان بألحان العبقري المجدد محمد القصبجي.

وشاعرنا نزار قباني أمير الغزل له الكثير في القبلات، وفي قصيدته "وشوشة" يقول:

في ثغــرها ابتهـالْ        يهمـسُ لـي تعـالْ

إلـى انعتــاقٍ أزرقٍ       حـدوده المُحــالْ

وشوشـة كريمـــة       سخيّـةُ الظـــلالْ

على فم يجوع فــي        عروقِـه الســؤالْ

يهتف بـي عقيقُــه        غـداً لـك النـوالْ

قومي إلـى أرجوحة         غريقـةِ الحبــالْ

نلوّن المـدى نـدى          ونصبـغ المحـالْ

نأكل مـن كرومنـا          ونطعم الســلالْ

واشرب الفم الصغيرَ         سكّــــراً حلالْ

إن ألثم اليمينَ منـكِ         قلــتِ: والشمـالْ

لا تسألـي:تحبنـي؟         كنـــت ولا أزالْ

 

القبلة السابعة (في الدين)

بعض الناس يجدون حرجاً في الحديث عن التقبيل من منظور ديني، علماً بأن الدين هو مصدر أساسي في التوجيه. وأول ما يمكن التأمل فيه هو خلق الله في الأرض. قال تعالى في خلق الإنسان في سورة البلد: "ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين، وهديناه النجدين" فالعينيان للرؤية، واللسان للتذوق والكلام، والشفتان للمس والتعبير بحروف شفوية أو بابتسام أو ببرطمة استياء، أما النجدان فهما الثديان عند ابن عباس، وهما الخير والشر عند غيره. وتفسير ابن عباس أكثر انسجاماً مع ملامح المولود حديثاً حيث تظهر ملامح وجهه المذكورة وحركة لسانه وشفتيه في البحث عن ثدي أمه ليرضع. والآية الكريمة تذكر الملامح مجملة وتترك للإنسان أن يكتشف وظائفها بالملاحظة والعلم. وقد يكتشف العلم معجزة الخلق في أن شيئاً لم يخلق عبثاً، وقد يقصّر في الاكتشاف كما هي الحال في معرفة وظائف الدماغ. لكنه يقر بأن الله خلق الإنسان في أحسن تقويم.

فالوليد منذ يولد وتحتويه الأم بذراعيها، وتقربه من صدرها بحركة عفوية، يبحث عن غذائه بفمه وشفتيه ولسانه، وهو مهيّأ خلقيّاً لمصّ ثدي أمه.

هذه الحركة الأولى بالفم وغايتها التغذي. تتحوّل بعد أشهر إلى حركة أبسط. وهو حين يراقب أمّه تقبله قبلات ناعمة على خديه وجبينه، يبدأ بمحاولة تقبيلها حين يغدو أكثر وعياً وأكثر فهماً للغة. فهي تدعوه إلى تقبيلها، فيحاول بالمسّ أولاً وبالمصّ ثانياً. وبعد قليل يعي أن التقبيل فعل جميل، يعبر عن الحب وتبادل العواطف. وينشأ على ذلك في إطار الأسرة. فإذا بلغ اتضح له أن للتقبيل وظائف أخرى.

ما دام الأمر كذلك، وما دام التقبيل سلوكاً فطرياً يحقق غاية تتصل بالوجود، فإن الدين لا يقف حائلاً دون التقبيل، ولا يمنعه ولا يحرمه.

ولنا في الرسول أسوة حسنة. فقد كان النبي (ص) يقبل نساءه، وله في ذلك أسلوب لا يختلف عما هو مألوف بين الناس في عصره أو في هذا العصر. وهو القائل: "لا يقعَنَّ أحدكم على امرأته كما تقع البهيمة. وليكن بينهما رسول، قيل: وما هو؟ قال: القبلة والكلام." [13]

هذا النبي الحضاري له في العلاقة بين الزوجين توجهات كثيرة تضمنها كتاب "الطب النبوي" لابن قيّم الجوزية الدمشقي في فصل خاص يتصل بالجنس.

و(القبلة الرسول) عند البني الكريم قبلة طاهرة نظيفة، لا يجوز أن تفسدها رائحة غير مستحبة كرائحة البصل والثوم.

والقبلة النظيفة يمارسها فم نظيف. ونظافة الفم أداتها السّواك. وهو القائل: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة". ولا شك أن تبادل القبلات بين الزوجين ممكن بعد كل صلاة، فنظافة الفمين مضمونة. وزيادة في الحرص فإن السواك مطلوب قبل التقبيل.

والرسول الحضاري الكريم كان يكره البصل والثوم، ويمنع من تصدر عنه رائحتهما من المسجد [14]، وكان يقول: "أقتلوهما طبخاً". والمعنى أن يطبخا طبخاً شديداً حتى تزول رائحتهما. وفي هذا توجيه حضاريّ واضح للذين يمارسون التقبيل أن يمتنعوا عن أكل البصل والثوم حتى يحققوا شرط الرائحة الطيبة في أثناء التقبيل.

ومن محاسن التقبيل بين الزوجين أنه لا ينقض الوضوء ولا يفسد الصيام. ولذلك بعض الشروط عند الفقهاء. وبين الفقهاء خلاف، والمتشددون يقولون إن التقبيل ينقض الوضوء ويفسد الصيام في كل حال. والدخول في متاهات الفقهاء واجتهاداتهم لا يعنينا في هذا المقام. لكن الثابت أن ما قاله المتشددون لم يرد في القرآن الكريم ولا الأحاديث النبوية الشريفة. [15]

واختلاف الفقهاء يذكرني بسؤال طرحه أحد الرجال في فيلم "سلامة" التي كانت تقوم بدورها أم كلثوم وهي تغني "قول لي ولا تخبيش يا زين" سألها رجل: القبلة حلال ولاّ حرام؟ وتساءلت أم كلثوم "القبلة، القبلة، القبلة؟" باللهجة البدوية، ثم أصدرت فتواها غناءً:

القبلة إن كانت للملهـوفْ    اللي على ورد الخد يشوفْ

ياخدها بدال الواحدة ألوفْ    ولا يخشاش للناس مـلام

لا أدري إذا كان الفقهاء يسمحون بأن تكون صاحبة الفتوى في الحلال والحرام امرأة مغنّية، وأن تكون فتواها علىالنحو الذي ذكرته؟ وإذا انتهوا إلى قرار نقيض معارض، فعلى وسائل الإعلام أن تلغي الأغنية، وأن تزيلها من فيلم "سلامة" حتى يعود الحق إلى نصابه.

ومع كل هذا التشديد سيستمر التقبيل ظاهرة إنسانية لا يلغيها أحد. ومحاولة اكتشاف من يقبل الآخر أمر لا تستطيعه أعتى أجهزة المخابرات، لأن التقبيل عادة يتم في الظلام والعيون مغمضة!!

وفي الدين المسيحي ظهر في العصور الوسطى ما يسمى بالقبلة المسيحية The Christian Kiss وهي من طقوس الكنيسة. وقد جاء في إصحاح الرومان: "ليُحيِّ أحدكم الآخر بقبلة مقدسة" واتبع الناس هذا التوجيه الديني الإنساني. وانتشرت هذه القبلة بين الرجال والنساء على أنها قبلة مقدسة. واضطرت بعض الدول أن تضع قانوناً للسيطرة على التقبيل المنتشر. ففي فرنسا كان أحد القوانين ينص على أن المرأة تكون زانية إذا قبّلت رجلاً غير زوجها. وفي إيطاليا نص أحد القوانين على أن الرجل الذي يقبّل امرأة في العلن يجبر على الزواج منها.  

وأوجدت الكنيسة بعد ذلك "قبلة السلام" وهي قبلة الكاهن للمرضى التي تمنح السلام للمريض. لكن هذه القبلة اختفت في عصر النهضة.

والتقبيل عند اليهود والمسيحيين قديم. ولا أحد ينسى قبلة يهوذا الإسخريوطي للمسيح ليدّل عليه الرومان حتى يقبضوا عليه ويصلبوه، ويهوذا هذا وهو أحد حواريي المسيح ندم على فعلته وانتحر.

وفي هذا العصر أصبح التقبيل يمارس في الغرب بين الجنسين علناً في كثير من المناسبات كعيد رأس السنة الميلادية في منتصف الليل. وفي أعياد الميلاد العادية وفي الوداع والاستقبال لزائر أو مسافر. وأحياناً يتم التقبيل بلا مناسبة، على الشاطئ الرملي في أثناء السباحة، وعلى مقعد حديقة عامة، وفي السيارة، وفي المصعد، وفي المطاعم والمدن الترفيهية. فالأمكنة المكشوفة والمغلقة كلها صارت صالحة للتقبيل، والناس يمرّون بالعشاق المتعانقين بلا توقف أو اكتراث. 

وفي البوذية يقبل الراهب الأرض في أثناء حجه النهائي ثلاثين ألف مرة، خلال مشية ستة أميال.

 

القبلة الثامنة (عند الشعوب)

اليابان: لم يكن اليابانيون يمارسون التقبيل في حياتهم اليومية، إلى أن اختلطوا بالحضارة الغربية، فتعلموا كيف يقبّلون.

الصين: كان الصينيون يعدّون التقبيل عملاً منافياً للحشمة والأخلاق سواء كان في السرّ أو العلن، ثم تغيّرت نظرتهم إلى التقبيل، بعد أن رأوا أن الغربيين يدعون إلى ممارسة التقبيل لما فيه من فوائد جنسية واجتماعية.

إندونيسيا: القبلة عند الإندونيسيين مقتصرة على تقبيل الخد فقط.

الهند: الهنود هم الذين جعلوا للقبلة معنى رومانسياً. وكتاب الحب عندهم (كاماسوترا  Kama Sutra) هو رسالة تضمنت قواعد الوصول إلى المتعة الروحية والجسدية. والقبلة ركن أساسي في الوصول إلى المتعتين. وتسمى القبلة عندهم Chummi.

مصر القديمة: لم تكن القبلة معروفة في مصر القديمة. وليس في أوراق البردي أو الصور الحائطية ما يشير إلى ذلك. ولم يؤثر على كليوباترا أنها قبّلت يوليوس قيصر أو مارك أنتوني. وفي هذا تقصير فادح لا يتناسب مع ملكة العشق. وعدم ذكر القبلة في علاقاتها لا يدلّ دلالة قاطعة على أنها لم تمارس التقبيل. وذلك إن حدث يتعارض مع ما كان يجري في روما.

روما القديمة: كانت القبلة في روما القديمة ظاهرة اجتماعية شاعت بين الناس في الأسرة الواحدة وبين الأصدقاء وفي الأسواق على أنها تحية. وتحوّلت في عهد الإمبراطورية الرومانية إلى تعبير رومانسي بدءاً من القبلة الزوجية التي كانت تتم في المذبح وبها يبدأ الزواج. وهي تعبر عن تبادل "نَفَس الحياة" للوصول إلى الإتحاد الروحي. وهناك قوانين بحثت في أمر القبلة بين الخطيبين. وعند الرومان ثلاث كلمات للقبلة: Oscula وهي قبلة الصداقة، وBacio (باتشو) وهي قبلة الحب وتشبه كلمة (بوسة) الفارسية –المعربة، أما Suavia عند الرومان فتعني القبلة الشهوانية. وأعتقد أن يوليوس قيصر ومارك أنتوني كانا خبيرين بهذه الأنواع الثلاثة للقبلة.

أوروبا: كان التقبيل في أوروبا خلال العصور الوسطى مستخدماً ولكن بحذر وفي الخفاء معظمه. وكان موضع القبلة يحدد مكانة المقبّل. فالقبلة على الخد أو الفم تكون بين المتماثلين في المرتبة الاجتماعية. والقبلة على اليد ثم على الركبة ثم على الأرض تعني التفاوت في المرتبة الاجتماعية بالترتيب نحو الأدنى. ومن هنا جاء قولهم "قبّل الأرض تحت قدمي السلطان".

فرنسا: في العصور الوسطى كان التقبيل ذا صفة اجتماعية. وكان الملك لويس الثالث عشر يقبل كل امرأة في (نورماندي) بحجة منحها البركة الملكية. وقد اشتهرت القبلة الفرنسية بعد ذلك، وهي قبلة اللسان أو قبلة الروح كما تسمى أيضاً. وكان ينظر إلى فرنسا من خلالها على أنها بلد الجنس. ومن المعلوم أن العرب كانوا يمارسون هذا النوع من التقبيل منذ العصر الجاهلي. لكن هذا لم يصل خبره كما يبدو إلى الباحثين المختصين بالقبلة.

إنجلترا: في العصور الوسطى كان الفرسان يقبل بعضهم بعضاً قبل البدء بدورات القتال التنافسية. والقبلة كانت تعني الثقة بالآخر، فالاقتراب والعناق دليل ثقة بأن الآخر لن يعضك أو يطعنك. وكانت القبلة كذلك تعادل البصمة في العقود القانونية يبصمها المتعاقد في أسفل العقد عند إشارة (X). وفي عصر النهضة بقيت قبلة الصداقة. وكان المضيف يشجع ضيفه على تقبيل أفراد أسرته من الشفتين. وفي العام 1665 حصل الطاعون الكبير في لندن واستمر عاماً كاملاً. فتراجع التقبيل خوفاً من العدوى، وحلَّ محله الانحناء ورفع القبعة والتلويح باليد والمصافحة. وفي العام 1837 رفع توماس سافرلاند دعوى على امرأة تدعى كارولاين نيوتن لأنها عضت أنفه بوحشية حين حاول تقبيلها. لكن القاضي ردَّ الدعوى ونص حكمه على أن للمرأة أن تعض أنف من يحاول تقبيلها دون إرادتها إن رغبت في ذلك.

أمريكا: في مدينة ديرفيلد بولاية إلّينويْ كان المرور يتعطل في محطات القطار جرّاء تقبيل الزوجات أزواجهم المغادرين. فخصصت الجهات المسؤولة منطقتين في المحطة، منطقة يسمح فيها بالتقبيل ، ومنطقة لا يسمح فيها بالتقبيل. وفي مطار نيو أورلينز كتبت لافتة بهذا الشأن تقول: يرجى البدء بقبلات الوداع قبل وقت كاف من موعد مغادرة الطائرة. وفي واشنطن المشهورة بقبلاتها الاجتماعية كان الرئيس كارتر يقبّل النساء اللاتي يحطن به، علماً بأن كارتر ينتمي إلى الطائفة المعمدانية الأكثر محافظة في أمريكا. ومعظم القبلات في أمريكا لا تستمر أكثر من دقيقة واحدة. وقد أجريت دراسة مؤخراً انتهت إلى أن 96% من الفتيات الأمريكيات يفضلن تقبيلهن على العنق والأذنين. وأن 10% منهن لا يرين غضاضة في تقبيل شخص آخر غير boy friend الذي تصادقه وليس في هذا خيانة له.

الدانمرك: كانت النساء في الدانمرك يرتدين قديماً قبعات لها حافة علوية ممتدة نحو الأمام. وكان يطلق على هذه القبعة آنذاك "قبلني إن استطعت" وكان الرجل يجد صعوبة في تقبيل المرأة التي تضع هذه القبعة لبروز الحافة.

 

بقي أن نذكر أن كبار الرسامين رسموا لوحات عن القبلة منهم:

- أدولف ويليام بوجيرو Adolphe-William Bouguereau ( القبلة الأولى 1873)

- جوستاف كليمت Gustav Klimt (القبلة 1907)

- روي ليشتينشتاين Roy Lichtenstein (القبلة ؟)

- بيكاسو Picasso (عائلة المهرجين 1905)

القبلة التاسعة (عند الحيوان)

الشمبانزي: يعد التقبيل عند قرود الشمبانزي أقرب ما يكون إلى التقبيل عند الإنسان. وقد أظهرت دراسة علمية مؤخراً أن الشمبانزي تستخدم التقبيل لتخفيف التوتر والإرهاق والخوف. ويظهر ذلك في لجوء الأنثى إلى الذكر ومعانقته وتقبيله حين تحسّ بأن غرباء يقتربون من المنطقة. ويمارس "البونبوس" التقبيل باللسان أو بالفم المفتوح أمام الآخرين دون خجل!!

السمك: في المنطقة الاستوائية يعيش السمك المغرم بالتقبيل وهو زهري اللون أو أخضر أو مقلّم بالأخضر والأبيض. ويتم التقبيل بين العشاق بالفم. وتستمر القبلة حوالي خمس وعشرين دقيقة.       

الحشرات: هناك نوع من الحشرات يدعى (ريدوفيوس بيرسوناتوس Reduvius Personatus) يعيش في البيوت ولا يقبل بعضه بعضاً، بل يقبل الإنسان حول فمه وهو نائم.

الشيهم: وهو حيوان كثير الأشواك يعيش في شمال أمريكا. ويقبل الذكر الأنثى حول الفم حيث تقل الأشواك.

الحلزون: يشاهد الحلزون ذو القرنين يلامس بقرنيه برفق قرني الأنثى بما يعني أنه يقبّلها.

الطيور: يقبل بعضها بعضاً بالمناقير، وهذا ملاحظ بين العصافير والحمام وبخاصة بين طيور الحب التي يقتنيها محبو الطيور. ويكون منها ذكر وأنثى في قفص.

الكلاب: حتى الكلاب تمارس التقبيل في أثناء المداعبة فيما بينها، وقد يكون بينها وبين صاحبها قبلات عند القدوم والمبارحة و أوقات المداعبة. والتقبيل عند الكلاب قد يكون عضاً أو لعقاً باللسان.

 

 

القبلة العاشرة (صحة الإنسان)

الشائع أن التقبيل يطيل عمر الإنسان فهو عامل هام لتخفيض التوتر وضغط الدم. ويشير أطباء الأسنان إلى أن التقبيل مفيد للأسنان. فهو يزيد أفراز اللعاب في الفم مما يساعد على التخلص من بقايا الطعام وتخفيض الحموضة في الفم دفعاً للتسوس.

وفي دراسة قام بها (د. آرثر زابو) وعلماء النفس الألمان تبين أن الأزواج الذين يقبلون زوجاتهم قبل مغادرتهم صباحاً إلى العمل هم أكثر سعادة وأفضل صحة وأعظم إنتاجاً، ويمكن أن يعيشوا عمراً أطول.

وفيما يتصل بالجراثيم فقد اكتشف في بالتيمور في الخمسينيات من خلال تحليل عينات من لعاب ممارسي التقبيل أن فيه (278) مستعمرة من الجراثيم وأن 95% من هذه الجراثيم ليس ممرضاً.

واكتشف (د. ألفرد إيفانز) مؤخراً مرضاً يشبه التقبيل. وهو "داء الوحيدات الأنتاني"، الذي أطلق عليه "داء التقبيل". والفيروس الذي يسبب الداء هو فيروس (إبستسن بارEpstein –Barr) ورمزه (EBV)، وهو يصيب المراهقين غالباً. وقد ينتقل الفيروس بالتماس المباشر دون تقبيل. ذلك أن اللعاب الذي يحمل هذا الفيروس قد ينتشر منه في أثناء العطاس أو السعال. أو من خلال المشاركة بأدوات الطعام. وتستمر فترة الحضانة من 4 – 8 أسابيع، وأعراض الداء التعب العام ونقص الشهية وارتفاع درجة الحرارة والقشعريرة. وتستمر هذه الأعراض من يوم إلى ثلاثة أيام. وقد ترتفع الحرارة بعد ذلك إلى 40 درجة مئوية، ويحدث احمرار في البلعوم واللوزتين، وتتورم العقد اللمفاوية في العنق. وليس لهذا المرض علاج نوعي، ويكتفى بإعطاء المريض كمية جيدة من السوائل والأدوية المسكنة والخافضة للحرارة.

أما مرض الإيدز (AIDS) فلا ينتقل عن طريق التقبيل على الرغم من وجود فيروس الإيدز في اللعاب على نحو غير مركّز. أما إذا كان هناك جرح في الفم أو الشفتين لدى من يقبّل وكان المقبَّل يحمل الفيروس فاحتمال الإصابة بالإيدز كبير عن طريق الجرح والدم. وكذلك هي الحال في مرض التهاب الكبد الوبائي من النوع B وC فلا ينتقل عن طريق التقبيل إلا إذا كان هناك جرح في الفم أو الشفتين. وشأنه في ذلك شأن الإيدز.

غير أن انتقال الرشح والأنفلونزا والتهاب اللوزتين والبلعوم والتيفوئيد عن طريق التقبيل من المريض إلى السليم أمر مؤكد.

يبقى أن نعرف أن عشر دقائق في التقبيل تحرق عشر حريرات. وربما كان هذا مما يجب إتباعه لتخفيض الوزن!!

 

القبلة الحادية عشرة (آلية الجسد في إنتاج القبلة)

لعل التقبيل من أهم ممارسات الإنسان التي تعب عن الودّ والحنان والثقة والرغبة. والجسد الإنساني مبرمج من أجل ممارسته بنجاح.

تحرك القبلة الواحدة حوالي ثمان وعشرين عضلة. إحدى عشرة منها في الشفتين، وسبع عشرة في اللسان. وهناك ظواهر فيزيولوجية أساسية تتبدى في تفاعلات بيولوجية وعصبية وهرمونية تتصل بالجنس، تثيرها القبلة ذات الهدف الجنسي.

والتقبيل يثير مركز الإثارة في الدماغ فيوعز إلى الغدد بإفراز هرمونات معينة. والغدة فوق النخامية هي قائدة أوركسترا الغدد في هذا. وأهم الهرمونات التي تعطي الحد الأعلى من المتعة هرمون (أوكسيتوسين   Oxytocin).

وهناك غدد دهنية في الفم وأطراف الشفتين تفرز مادة تدعى (سيُبم  Sebum) وظيفتها متابعة التقبيل إذا بدأ، وهي التي تخلق حالة الإدمان على تقبيل من نحن.

ومن الطريف أن نعرف أن شفاه المحبين يمكن أن تتلاقى في الظلام دون انحراف عن الهدف بفعل أعصاب مرشدة في الدماغ، فسبحان من خلق.

 

القبلة الثانية عشرة (في الأمثال الدارجة)

يستخدم أهل الشام بعض الأمثال في أحاديثهم اليومية وفيها كلمة (بَوس) أو (بَوسة) ولهذه الأمثال دلالات تفصح عن الحكمة الشعبية أو الوصف أو التقرب والمديح.

وهذه طائفة منها دون استقصاء:

- بوس الأيادي ضحك ع اللحى (النفاق)

- الإيد اللي ما بتقدر عليها بوسْها وأدعي عليها بالكسر (النفاق)

- كنّس بيتك ما بتعرف مين بيدوسه، وغسّل وشّك ما بتعرف مين بيبوسه (النظافة)

- يللي بيفرّق ولد عن ولد بوسِة إله بجهنم دوسِه (العدالة بين الأولاد)

- هالبنت ما باس تمها غير أمها (العفة)

- كل صغير انتشا طخّى الكبير وباس إيده (احترام الكبير للصغير المنتج)

- فلان بوسته مثل كاسة الحجامة (شديدة ومزعجة)

- أبوس روحك وش وقفا (مديح باللهجة الحلبية)

 

القبلة الثالثة عشرة (طرائف)

* ينفق الإنسان خلال حياته ما يعادل مدة أسبوعين في التقبيل إذا عاش مدة خمس وستين سنة في المتوسط. وهذا يعادل 336 ساعة أي 20160 دقيقة أي 120960 ثانية.

* أشهر قبلة تاريخية هي: قبلة اللورد نيلسون لليدي هاملتون في ليلة رأس السنة للعام 1800 م فقد كانت قبلة بين قرنين هما الثامن عشر والتاسع عشر. وكانت القبلة على ظهر سفينة في عرض البحر.

* أطول قبلة في التاريخ كانت بين Eddy Leaven وDolphin Chris في العام 1984 في شيكاغو، وقد استمرت 17 يوماً و10 ساعات ونصف.

غير أن الموقع الإلكتروني لنادي محطمي كتاب جينيس للأرقام القياسية يذكر أن أطول قبلة كانت بين مارك وروبرتا جريزوورلد في العام 1998 وقد دامت 29 ساعة.

ولا بد من التساؤل ألا يحتاج هذان المقبلان إلى تناول طعام أو شراب أو تفريغ؟!

 

القبلة الرابعة عشرة (القبلة في الأفلام)

* أول قبلة في فيلم سينمائي حدثت في فيلم "القبلة" من إنتاج توماس إيدسون في العام 1896 بين May Irwin وJhon Rice.

* الفيلم الذي يحتوي العدد الأكثر من القبلات هو فيلم "دون جوان" المنتج في العام 1926 لشركة دارنر بروز. وقد بلغ عدد القبلات فيه 191 قبلة.

* أطول قبلة في السينما كانت في فيلم "أنت في الجيش الآن" المنتج في العام 1941 وكانت بين Regis Toomey وJane Wyman وقد بلغت مدتها 185 ثانية. 

 * أول قبلة في الأفلام العربية كانت في فيلم "العزيمة" المنتج في العام 1939 للمخرج كمال سليم وكانت بين حسين صدقي وفاطمة رشدي.

* أكثر القبلات في الأفلام السينمائية العربية كانت في فيلم "أبي فوق الشجرة" المنتج في العام 1969 للمخرج حسين كمال من بطولة عبد الحلين حافظ وناديا لطفي وميرفت أمين وقد بلغ عدد القبلات 67 قبلة على عهدة من تفرغ للعد.

 

القبلة الأخيرة (حصيلة الخبرة)

بعد أن عرضت عليكم ما عرضت في شأن القبلة أستطيع أن أزعم بأنني غدوت أحد الخبراء في هذا الفضاء الممتلئ بالشفاه. ومن بلغ السبعين من العمر جدير بأن يستشار علماً بأن المستشار لا يستشار. ويبقى اللقب قيمة في ذاته.

كلني، والحق يقال، قرأت عن القبلة، منذ عامين وحتى إعداد هذه المحاضرة، الكثير بالعربية والإنجليزية. وزودني أحد أصدقائي المحبين في أمريكا بثلاثة كتب، وكل ما نشر عن القبلة في مواقع (الإنترنت) فإليه يرجع الفضل، وله مني قبلاتي الطائرة أو عن طريق الـE.mail أو بالهاتف. وقد غمرني هذا الصديق بملخص عن كل ما أرسل إليَّ باللغة العربية تحت عنوان "الآلئ المحضّرة على عجل في بحث موضوع القبلْ" ومثل هذا العنوان مألوف في كتب الإمام جلال الدين السيوطي الذي ألف كثيراً من الكتب في موضوع الجنس. من ذلك كتابه "اليواقيت الثمينة في صفات السمينة" وكتابه "شقائق الأترنج في رقائق الغنج" وغير ذلك مما هو معروف لدى الأئمة.

وأطرف ما وصل إليَّ من الكتب باللغة الإنجليزية "طرائق تقبيل المحبوب يومياً بعدد أيام السنة" وعنوانه بالإنجليزية "365 Ways to kiss your love" ومؤلفة الكتاب Tomima Edmark حاصلة على الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة تكساس. وهي اليوم تعيش مع كلبها في دالاس. (يبدو أنها فضلت أخيراً تقبيل الكلاب على تقبيل الإنسان!). قبلة بداية السنة عندها هي القبلة الأولى وقد دعتها (قبلة الثلج) Ice Kiss. يضع الزوج قطعة ثلج مجمدة في فمه، ثم يلفظها، ويقبل زوجته بفم بارد يتناسب مع برد الشتاء! أما القبلة الأخيرة في السنة التي تحمل الرقم "365" فهي قبلة يختارها الزوج من أفضل القبلات التي مارسها خلال السنة. كيف يختارها؟ لا أدري.

وهذه المؤلفة نفسها لها كتاب آخر عنوانه "كتاب التقبيل" وبالإنجليزية (The Kissing Book). في هذا الكتاب تبدو المؤلفة غزيرة المعلومات مرتبة، تعنى بما ذكره أهل الخبرة من إحصاءات مؤسسة على مقابلات مع الناس. وأهم ما يمكن إيراده هنا ما يلي:

- معظم النساء يغمضن عيونهن في أثناء التقبيل. و30% من الرجال يفتحون عيونهم لمعرفة أثر القبلة لدى من يقبلون.

ويعلل الخبراء إغماض العيون بأنه مريح للنفس مثير للخيال، وأن شدة القرب لا تحقق رؤية الآخر فتغمض العيون.

- معظم النساء لا يفضلن تقبيل الرجل الملتحي. ويمكن احتمال تقبيل ذي الشاربين.

- معظم الرجال لا يفضلون تقبيل المرأة التي تضع أحمر الشفاه. وهم يعترفون بأن أحمر الشفاه يجذب الرجل إلى الفم الجميل. ولكنهم يرون إزالته قبل البدء بالتقبيل (ولا ادري موقف الرجال من نفخ الشفاه السائد عند بعض الفنانات والنساء هذه الأيام).

- لا بد من وجود حالة عاطفية تسعر بالاستعداد للتقبيل. وتوافر الراحة الجسدية أمر هام مع الحرص على معرفة الطريقة المفضلة للتقبيل عند الشريك.

هذا ما أحببت أن أذكره استكمالاً لما عرضته في موضوع القبلة.

ويبقى أن أقدم خبرتي المستخلصة من تجاربي وقراءاتي وما وقر في سمعي.

أولاً:

- يجب أن نعترف بأن البوس سلوك طبيعي مخلوق مع الإنسان منذ آدم وحواء والنحلة.

- من المستحسن ألاّ ينقلب البوس إلى عادة يومية تمارس (ع الطالعة والنازلة) لأن ذلك يفقده قيمته. والأفضل أن يكون للبوس ما يسّوغه.

- يفضل البوس بين الأصدقاء أو الصديقات على الخدين. قبلة هنا وقبلة هناك. ومن الناس من يفضل الوتر فيجعل البوسات ثلاثاً. وقد درج القول "من طأطأ للسلام عليكم" للكناية عن رواية الحكاية كاملة. والقول يشير إلى الاستقبال بالقبل (طأ طأ) انتهاء بالوداع (السلام عليكم) وهو إشارة إلى زيارة كاملة.

- يفضل البوس الديمقراطي في المناسبات التي تدعو إليه. ولا حاجة إلى تقبيل اليد والرجل والأرض بحسب المراتب. إلا إذا دعت بعض التقاليد إلى ذلك كما في بعض دول الخليج العربي لدى مقابلة الملك أو الأمير.

- تقبيل الأيادي من مخلفات الأتراك. وتقبيل أيادي النساء في لقاءات الطبقة العليا من عادات الأجانب. وقد شاع ذلك في بعض المجتمعات العربية. وتقبيل أيادي الوالدين والجدّين في الأسرة الواحدة ما زال شائعاً في أكثر المجتمعات، وكذلك تقبيل أيادي المشايخ.

- البوس الحضاري هو المطلوب في مجتمعنا الحافل بكل عجيب. والبوس الحضاري يقوم على الاحترام المتبادل. والصدق في التوجه دون منفعة مخطط لها. تزينه النظافة والرائحة الطيبة. لكن لا بد للبوس من دافع أو مناسبة، كإظهار الحنان والمودة والرغبة، وفي الوداع والاستقبال وفي الفرح والمواساة.

ثانياً:

- حتى لا نقع في شرّ أعمالنا، ونذهب بعيداً في قبول كل ما يرد من الغرب دون وعي لابد من تبني ثقافة اجتماعية وجنسية، ترافق الطفل في سنوات نموه الأولى من خلال ما يجري في الطبيعة ويشاهد في بيئته. ويمكن للتربويين أن يتولوا هذا الأمر.

- ما يعرض في التلفزيون والسينما والإنترنت بات خارجاً عن السيطرة عصيّاً على المراقبة إعلامياً وأسريّاً. والبديل الوحيد تعميق الوعي بأن ما يرد ويشاهد ليس صالحاً كله، ولا بدَّ من اختيار الأصلح بما يلائم المجتمع العربي.

ثالثاًَ وأخيراً:

-لكم قبلاتي الحضارية لمن يتقبلها. أبدؤها بقبلات الهواء الطائرة، فهي على الأقل لا تنقل العدوى. لكنها تعبر عن المحبة ولو من بعيد.    

شكراً لكم.

 

*********

 


[1]  -  " ذكّرني فوك حمار أهلي " مثل يضرب للمرأة الفوهاء. وقصة المثل معروفة.

[2] -  تغدفي: تسلبي

 

[3]  -  أصبي: أفتن

 

[4]  - بذي غروب: بفم أسنانه بيض محددة

[5]  - فارة: وعاء المسك

[6]  - قسيمة: سوق المسك أو وعاؤه

[7]  - العوارض: منابت الأسنان. والمعنى أن عبلة تأسرك بجمال فمها ذي الرائحة الطيبة

[8]  - الناجود: المصفاة

[9]  - تقدح: تغرف بالأقداح

[10]  يُطان: يطلى بالطين

[11]  - تروّح: تعرض للريح

[12]  - قرون جمع قرن وهو ذؤابة المرأة، الشعر في مقدمة الرأس أو المضفور

[13]  - جاء في كتاب "الطب النبوي" فصل "الباه" أن الرسول (ً) كان يقبل عائشة ويمصُّ لسانها.

[14]  - قال الرسول (ص): "من أكل منكم بصلاً أو ثوماً فليعتزلنا وليعتزل مساجدنا"

[15]  - فتوى الشيخ محمد صالح العثيمين عضو هيئة كبار العلماء في السعودية، مجلة سيدتي، العدد 1098 مارس 2002

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود