يوميَّات، برقيَّات،

ولا أدري ماذا أيضًا!

 

جاكلين سلام

 

1

المارد: شبيكِ لبيكِ، عبدكِ بين يديكِ. أغمضي عينيك، واطلبي وتمنَّيْ ما تشائين!

ج: بالله عليك، يا مارد، ألم تغيِّر خطابكَ بعد؟!

احذف من ديباجتك كلمات من نحو "عبد" و"أغمضي عينيكِ"!

المارد [مندهشًا]: أنا المارد الطيب، وفي جاهزية دومًا. إن كان ينقصكِ شيء ما من البلاد – مثلاً: غزل بنات، زعتر، ورق عنب، حلاوة بالجبن، قطائف بالقشطة، عباءة أو شال صوفي...

ج: أشكرك، لن أغمض عيني بعد اليوم، لأنني قرأت حكاية ماردٍ ظلَّ يقول للقاصي والداني شبيك لبيك، أغمض عينيك و... حصل، في ليلة بلا قمر، أن اختفتْ ملامح البلاد، وسُرِقَتْ الأشجار والطرقات!

اعذرني، ربما كان ماردًا شريرًا. ولكن إن كنتَ حقًّا المارد الطيب، أعطني الطريق وملامح بلادي العتيقة!

 

2

صوت: اللعنة، اللعنة علينا، لقد تركنا الحصان وحيدًا!

ج: وما خصَّني بالموضوع، يا أخ العرب؟!

من قال لكَ إن شأني تربية الخيول! للخيول حماتُها والديار، وكلُّ ما يشغلني هو هذا الشبه بيني وبين أيوب والحمار!

 

3

ماذا أحكي لكَ يا جدي!

أعرف أنكم قَدِمْتُم جميعًا إلى هذه البلاد، لبستُم أقنعتكم وطاقيات الإخفاء، وانتشرتم في الشارع معنا هنا، صباح يوم 15 شباط الجاري. لذلك كانت ساحات البلاد هناكَ مرتبكة وشبه خاوية، شتوية، وأصوات المتظاهرين خافتة، مطفأة وحزينة! وهنا كنا نرقص ونصرخ، وكان الشارع رحبًا ويتَّسع للجميع، من كلِّ الألوان والأديان والقوميات – ما عدا أصحاب القصور البيضاء.

شعرتُ بغليانكم اللامرئي، يا جدي. لذلك لم أتجمَّد في شارع حرارته –25 درجة مئوية!

 

4

ولكن قُلْ، يا جدي، بالله عليكَ، واشحذ حكمتكَ قليلاً،

قُلْ لي: لماذا كلما خرجتُ في مظاهرة استنكارية، أنهمر في الشارع ويأخذني البكاء!

أتراه ذاك الشاب المدثَّر اتِّقاءَ البرد، الذي ابتدأ الخطاب في الساحة العامة قبل انطلاق المظاهرة، وقال بشموخ أذهلني: "اليوم [15 شباط] سنجعله يومًا تاريخيًّا! وانظرونا، أنتم، يا مَن تمتلكون القذيفة والحذاء والساطور، وتمتلكون شهوة الدم والقتل... إننا هنا، نحن الذين نمتلك أنفسنا فقط... سنسير صوب الضياء، ونشرع النوافذ للسلام الذي نريده الآن، لجدائل القمح والورد والحبِّ والخير للجميع، شرقًا وغربًا..."

وأبكي كلما تذكرتُ كلمته "نمتلك أنفسنا"!

وبيني وبينك، يا جدي، سألتُ عدة أشخاص عن سرِّ هذا الدمع، فنصحوا لي بالمعالجة النفسية، على الرغم من أنني أعتقد المسألة غير ذلك تمامًا.

 

5

المارد: ماذا تفعلين هذه الأيام؟

ج: إنني أحبِّر صفقة تجارية بيني وبين مارد آخر، لتصدير كميات من الثلوج هذه إلى هناك، إن ذهب الكاوبوي في غيِّه، وأشعل البلاد.

المارد: وماذا عن شلالات نياغارا؟ هل يمكن لكم الاستفادة منها؟

ج: نعم، سنفكر في الموضوع. أما سمعتَ، يا مارد، أنهم يومًا صدَّروا النيل، والتماثيل، وأشياء أخرى لا وقت لذكرها الآن. لستُ متأكدة من الفعل، هل: "صدَّروا"، أم "سرقوا"، أم...

 

6

جدي: إنني خائفة، ومفزع هذا الشتاء!

هل تعتقد أنني أبالغ؟ وهل أصدق الـCNN؟!

هل تعتقد أنه يجب، بعد كلِّ ما سمعته من استنكار في الشارع الكندي والأمريكي والأوروبي – هل تعتقد بأنه يجب أن أذهب وأشتري العازل اللاصق، وأُحْكِمُ إغلاق المسافات بين باب الشقة والحاجب، بين النافذة والفراغات، مخافة أية رائحة قاتلة قد تنتشر هنا بقدرة قادر!

لا أريد ذلك، يا جدي! فهذه الدفقة من الهواء الشحيح التي تتسرَّب من الخارج، محمَّلة بروائح مختلفة لا أحبها – ومنها رائحة الكاري مثلاً – لا أستسيغها، ولكنها تخبرني أنه يوجد بشر أحياء في جوار بيتي، يطبخون ويطعمون الأولاد.

وهذا الهواء القادم من نافذة الشرفة ضروري، يا جدي، على الرغم من أنه هواء مستعمَل وملوث بمخلَّفات السيارات والمعامل...

إلا أنه قد ينفد أو يتجمد... حينئذٍ، كيف ستهتز حبالي الصوتية وتُعلِمُكم بمكاني!

 

7

المارد: ماذا تقرأين في هذا السديم؟

ج: اسمع هذه، يا مارد، وتأمَّل كم النوافذ ضرورية والمصابيح – حتى الشحيحة والخجولة منها:

أنا أتكلم عن نهاية الليل/ أتكلم عن نهاية الظلام/ وعن نهاية الليل أتكلم.

إذا ما جئتَ إلى بيتي/ أيها العطوف/ فهاتِ مصباحًا ونافذة/ لأرى ازدحام الزقاق السعيد.

لا تعبس في وجهي، يا مارد! إنها قصيدة ليست لي؛ كتبتْها فروغ فرح زاده، الشاعرة الإيرانية، ووُضِعَتْ على شاهدة قبرها!

حتى في القبر ستحلمُ بأن ترى زقاقًا سعيدًا! يااااااااه، كم ترنَّحت المصابيحُ في العواصف!

 

8

ج: يا مارد، هل سمعتهم كيف كانوا يهتفون في المظاهرة، وبالإنكليزية: "شجرٌ أكثر، بوش أقل! شجر أكثر بوش أقل!"

حتى إنني تذكرتُ جدًّا قصيدة بعنوان "ورد أقل"!

المارد: ورأيت أيضًا المُقعَدين على كراسيهم العاجزة، وذاك الشاب العاجز، حبيبته على حجره، وعلى مقدمة كرسيه الجوال كان يعلِّق صرخته مكتوبة: "لا للحرب، الحرب تسبِّب العجز!"

ج: يا مارد، هل هناك علاقة بين الإبداع ومساحة الحرية والديموقراطية وازدهار البيئة!

المارد: انتظري، سوف أستشير زرقاء اليمامة، وآتيكِ بالخبر اليقين.

 

9

جدي، هل قلتُ لكَ إنهم في المظاهرة العنيدة صرفوا – كما يقول الناطق باسم الحركات السِّلمية – حوالى 10 آلاف دولار – هؤلاء الشباب الذين "لا يمتلكون إلا أنفسهم"، ولذلك طلبوا من الجماهير: تبرعوا تبرعوا – ليس لبناء جامع – لكي نسدَّ نفقات المظاهرة هذه، ونشدَّ عزمنا للنشاطات القادمة...

في نهاية المسير، كانت سطول كثيرة ممتلئة بنعمة الصوت المقدس، سطول ممتلئة بالدولارات! أذهلني ما يجري من طقوس في الشارع، وابتسمتُ لأنها المرة الأولى التي أرى سطلاً فيه دولارات! السطل مرتبط بذاكرتي، بعين الماء، بالتبن للحمار والخيول، ولشطف أرض الديار صيفًا، من أجل البرودة وإزالة الغبار.

بالله عليك، يا جدي، أن تبعثوا لهم بالمقابل سطلاً من التمر الأصيل، وربما برميلاً من النفط، فقط من أجل تعويض الطاقة في هذا الجوِّ البارد، وكي يعرفوا أن العربي كريم، ولا ينسى مَن يذكره بخير!

اعذرني، يا جدي، ربما ثرثرتُ كثيرًا. ولكن ذكِّرني في المرة القادمة أن أحكي لكَ حكاية طازجة عن الأمِّ الغولة أمـ...

*** *** ***

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود