الصوفيِّ المُعَذَّب

 

التجاني يوسف بشير*  

هذهَِ الذَّرَّةُ كمَْ تَحــمِلُ في العالَمِ سِرَّا

ذاتِها عُمْقاً وغَوْرا

قِفْ لَديْها وامْتَزِجْ في

وانْطَلِقْ في جَوِّها المَمْـلوءِ إِيماناً وبِرَّا

في الذَّرارِيِّ وصُغرَى

وتَنَقَّلْ بينَ كُبْرَى

تَرَ كُلَّ الكونَِ لا يَفْـتُرُ تَسْبيحاً وذِكْرا

***

وانْتَشِ الزَّهْرَةَ والزَّهْـرةُ كمْ تَحْمِلُ عِطْرا

نُدِّيَتْ واسْتَوثَقَتْ في الأَرضِ أَعْراقاً وجِذْرا

خَضِلٍ يَفْتأُ نَضْرا

وتَعَرَّتْ عَنْ طَريرٍ

سَلْ هَزارَ الحَقْلِ مَنْ أَنـْبَتَهُ وَرْداً وزَهْرا

وسَلِ الوردَةَ مَنْ أَوْدَعَها طِيباً ونَشْرا

بينَ أَعماقِكَ أَمْرا

تَنْظُرِ الرُّوحَ وتَسمعْ

***

الوجُودُ الحقَُّ ما أَوْسَعَ في النَّفْسِ مَدَاهْ

والسُّكُونُ المَحْضُ ما أَوْثَقَ بالرُّوحِ عُراهْ

في حَناياهُ الإله

كُلُّ ما في الكونِ يمشي

هذهِِ النَّمْلَةُ في رِقَّـتِها رَجْعُ  صَداهْ

هُوَ يحيا في حَواشيـها وتحيا في ثَراهْ

وهْيَ إِنْ أَسْلَمَتِ الرُّوحَ تَلَقَّتْها يَداهْ

لَمْ تَمُتْ فيها َحياةُ اللَّـهِ إِنْ  كُنْتَ تَراهْ

***

أَنا وَحْدي كُنْتُ أَسْتَجْـلي مِنَ العالَمِ هَمْسَهْ

وأَسْتَبْطِنُ حِسَّهْ

أَسْمَعُ الخَطرَةَ في الذَّرِّ

واضْطِرابَ النُّورِ في خَفْقَتِهِ أَسمعُ جَرْسَهْ

وأَرى عِيدَ فَتىَ الوَرْدِ وأَسْتَقْبِلُ عُرْسَهْ

وانْفِعالَ الكَرْمِ في فَقْـعَتِهِ أَشْهَدُ غَرْسَهْ

رَبِّ سُبْحانَكَ إِنَّ الـكونَ لا يَقْدِرُ نَفْسَهْ

صُغْتَ مِنْ نارِكَ جِنِّيـهِ ومِنْ نُورِكَ إِنْسَهْ

***

رَبِّ في الإشراقةَِِ الأُولَى على طِينةِ آدَمْ

أُمَمٌ تَزْخَرُ في الغَيْـبِ وفي الطِّينةِ عالَمْ

ونُفوسٌ تَزْحَمُ الماءَ وأَرواحٌ  تَحاوَمْ

سَبَّحَ الخَلْقُ وسَبَّحْـتُ وآمنْتُ وآمَنْ

وتَسَلَّلَتُ مِنَ الغَيْـبِ وآذَنْتُ وآذَنْ

رَبِذَ الخَطْوِ إِلى مَنْ . .؟

ومشىَ الدَّهرُ دِراكاً

***

في تَجَلِّيَّاتِكَ الكُبْـرَى وفي مَظْهَرِ ذَاتِكْ

والجَلالِ الزَّاخِرِ الفَيَّـاضِ مِنْ بَعْضِ صِفَاتِكْ

والحَنانِ المُشْرِقِ الوَضَّـاحِ مِنْ فَيْضِ حَياتِكْ

والكمالِ الأَعظَمِ الأَعْـلَى وأَسمَى سُبُحاتِكْ

ذائِداً عنَْ حُرُماتِكْ

قدَْ تَعَـبَّدْتُكَ زُلْفَى

فَنِيَتْ نفسي وأَفْرَغْـتُ بها في صَلَواتِكْ

***

ثُمَّ ماذا جَدَّ مِنْ بَعْـدِ خُلُوصِي وصَفائيِ

أظلمتَْ رُوحِيَ ما عُدْتُ أَرَى ما أَنا راءِ

أَيَّهذا العِثْيَرُ القائِمَُ في صَحْوِ َسمائيِ

للمناياَ السُّودِ آماليِ وللموتِ رَجائيِ

آهِ يا يومَ  َقضائيِ

آهِ يا موتََ جُنوني

قِفْ تَزَوَّدْ أَيُّها الجَبَّـارُ مِنْ زادي ومائيِ

مُثْقَلٌ  بالبُرَحَاءِ

واقْتَرِبْ إِنَّ فُؤادِي

***

يا نعيماً مُشرِق الصفـحَةِ يَسَّاقَطُ دُوني

نَضِرَتْ في قُرْبِهِ نَفْـسي وزَايَلْتُ غُضونيُ

فَمَشَتْ غائِلَةُ (الشَّـكِّ) إِلى فجرِ يقيني

قَضَتِ اللَّذْةُ فاسْتَرْجَعَها لَمْحُ ظُنونيُ

واسْتَردَّ النِّعْمَةَ الكُبْـرَى مِنَ الدَّهرِ ْحَنيني

مَنْ تَرَى اسْتأثَرَ باللَّذْةِ واسْتَبْقى جُنوني ؟

***

أُذُنيِ لا يَنْفُذُ اليومَ بها غَيرُ العَويلْ

دَقِيقٍ وجَلِيلْ

َنظري يَقْصُرُ عنْ كُلِّ

غابَ عنْ نَفْسيَ إشراقُكَِْ والفجرُ الجميلَْ

واسْتَحالَ الماءُ فاسْتَحْـجَرَ في كُلِّ مَسِيلْ

رَجَعَ اللَّحْنُ إِلى أَوْتارِهِ  بَعْدَ  قَلِيلْ

واخْتَفَى بينَ ظلامِ الـمِزْهَرِ الكَلِّ العَلِيلْ

*****


* يوسف بشير التجاني (1912-1937) شاعر متصوف كبير من السودان. والقصيدة من ديوانه إشراقة. اكتمل الديوان وعُرِضَ للطباعة في العام 1934، لكن المخابرات البريطانية حالت دون نشره.

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود