مشاركة حركة السلام النسائية الإسرائيلية

في النضال اللاعنفي

 

جيلا سفيرسكي*

 

مارستْ حركةُ السلام النسائية الإسرائيلية النضال اللاعنفي كاستراتيجية منذ تأسيس منظمة "سيدات في حداد" بداية العام 1988، بعد شهر واحد من اندلاع الانتفاضة الشعبية الفلسطينية الأولى. وقد بدأت حركة "سيدات في حداد" كمجموعة صغيرة من النساء الإسرائيليات يستخدمن أشكالاً متواضعة للاحتجاج، حيث كن يلبسن ثيابًا سوداء ويتجمَّعن مرة في الأسبوع في وقت واحد عند تقاطع طرق رئيسي في مدينة القدس، ويرفعن لافتة سوداء على شكل يد عليها كتابة بيضاء تقول "ضعوا حدًّا للاحتلال".

بسبب هذه البداية المتواضعة، سمعتْ نساءٌ في إسرائيل بهذا الشكل من الاحتجاج، وبادرن بدورهن إلى تبنِّيه وممارسته. وفي شمال إسرائيل، حيث يقطن عدد لا يُستهان به من الفلسطينيين من مُواطني إسرائيل، وقفت النساء الفلسطينيات، جنبًا إلى جنب مع اليهوديات، للإعراب عن احتجاجهن، وامتدت الحركة من إسرائيل إلى عشرات الدول الأخرى. وتنبع قوة هذه الحركة من رسالتها الواضحة والثابتة التي يروَّج لها بأسلوب لاعنفي: ضعوا حدًّا للاحتلال! وتستهدف هذه الرسالة الجمهور الإسرائيلي وقيادته، والجمهور والقيادات في المجتمع الدولي، والشعب الفلسطيني. أما الغاية من ذلك فإعلاء صوت الذين يرفضون الاحتلال، لكنهم لا يملكون أية سلطة سياسية كأفراد. ويبدو أن تصميم تلك النساء والعدد المتزايد من أنشطة الاحتجاج قد حقق تأثيرًا واسعًا.

وعند اندلاع انتفاضة الأقصى في نهاية أيلول 2000، انضمَّت تسع منظمات نسائية إسرائيلية تعمل من أجل السلام إلى "تحالف النساء من أجل السلام"، وقامت بإطلاق سلسلة من الأنشطة اللاعنفية، تضمَّن بعضُها أعمالَ عصيان مدني، كالاستلقاء على أرض الشارع لإغلاق مدخل وزارة الدفاع الإسرائيلية، احتجاجًا على إغلاق مداخل ومخارج المناطق الفلسطينية. وتبعتْ ذلك أنشطة، أحيانًا بالتعاون مع منظمات سلام أعضاؤها من الرجال والنساء، تضم أشكال مقاومة لاعنفية أخرى، لكنها تنتهك القوانين والأوامر العسكرية الإسرائيلية، كإعادة بناء المنازل التي هدمتْها السلطات الإسرائيلية، أو إزالة الحواجز وإعادة ردم الخنادق التي حفرتْها السلطات لتعزيز إغلاق المناطق الفلسطينية. وفي حالات أخرى، اعترضت نساءٌ بمفردهن جرَّافات الجيش الإسرائيلي، أو قُمْنَ بربط أنفسهن بالسلاسل إلى أشجار الزيتون، في محاولة منهن لمنع تدمير المزيد من المنازل والممتلكات الفلسطينية. وقد أدى بعض هذه الأنشطة إلى اعتقال عدد من الناشطات.

كذلك قام بعض المنظمات من الأعضاء في "تحالف النساء من أجل السلام" بعدد من أنشطة الاحتجاج اللاعنفي القانونية. فقبل سنة ونصف السنة، أي في كانون أول 2001، نظَّمتْ خمسة آلاف امرأة فلسطينية وإسرائيلية مسيرة من الجانب الإسرائيلي من القدس إلى الجانب الفلسطيني، تحت شعارين متلازمين: "الاحتلال يقتلنا جميعًا" و"نحن نرفض أن نكون أعداء". وفي حزيران الماضي، نظَّمتْ النساء الإسرائيليات عملية استلقاء جماعية على الرصيف في تل أبيب، لبستْ خلالها ألف امرأة ثيابًا سوداء حدادًا على ضحايا الاحتلال.

وينفِّذ بعض أعضاء التحالف أشكالاً أخرى من المقاومة اللاعنفية. فوجود نساء لمراقبة سلوك الجنود عند الحواجز ونقاط التفتيش كثيرًا ما يساهم، بشكل خاص، في منع التحرشات والاعتداءات الوحشية ضد الفلسطينيين. وقد حدث مؤخرًا أن منعتْ هؤلاء النساء جنديًّا من إطلاق النار على طفل بعد أن قُمْنَ بإزاحة فوهة بندقيته بعيدًا عن جسم الطفل، وأدى هذا الفعل إلى اعتقالهن بتهمة "إعاقة عمل جيش الدفاع الإسرائيلي".

كما تقوم منظمة "ملامح جديدة" بتوفير الدعم والمعونة للَّذين يرفضون الخدمة في الجيش الإسرائيلي لأسباب تتعلق بضميرهم. كما قُمْنَ السنة الماضية بإطلاق حملة "نساء يرفضن". فما الذي ترفضه تلك النساء؟ "نحن نرفض تربية أطفالنا للذهاب إلى الحرب، ونرفض تجاهُل جرائم الحرب التي ارتُكِبَتْ باسمنا، ونرفض دعم الاحتلال، ونرفض الاستمرار في ممارسة حياة عادية بينما يعاني شعبٌ آخر بسببنا."

وهذا استخدام حصيف للنضال اللاعنفي: فهو محاولة لوقف عَسْكَرَة ثقافة المجتمع الإسرائيلي ولغرس مفاهيم اللاعنف في أطفال إسرائيل.

ولعل أكثر حالات استخدام اللاعنف في خدمة السلام نجاحًا في إسرائيل "حركة الأمهات الأربع". فقد سَعَتْ هذه المجموعة، التي أوجدتْها في العام 1997 أربع نساء كان أبناؤهن يخدمون في الجيش الإسرائيلي، إلى تعبئة الجمهور الإسرائيلي للمطالبة بسحب الجيش من جنوب لبنان، لأن بقاء إسرائيل هناك لفترة طويلة لا يخدم أيَّ هدف أمني، وإنما يعرِّض حياة الجنود للخطر. وقوبلت الحركة في البداية بسخرية كبار ضباط الجيش ("ماذا تعرف النساء عن الأمن؟")؛ لكن جوهر استراتيجية حركة الأمهات الأربع كان التأكيد على دورهن كأمهات. وقد كان لذلك أثرٌ في مجتمع قد لا يكنُّ احترامًا للنساء العاملات لكنه يحترمهن كأمهات.

لم تلجأ حركة الأمهات الأربع إلى العصيان المدني أبدًا، لكنها نظَّمتْ مظاهرات واعتصامات صغيرة أظهرت صدقَ التماسهن كأمهات يحترمن القانون، ولا يتطلعن لأيِّ طموح سياسي. وقد أعطاهن وضعهن، كأمهات يخدم أبناؤهن في وحدات قتالية، الحقَّ في نظر الجمهور لتحدِّي السياسة الإسرائيلية في لبنان. وقد قابلن المسؤولين الحكوميين من المستويات العليا، وكشفن للجمهور ضعف حجة المسؤولين بفضل جهدهن الإعلامي الدؤوب. وأصابت الثقة، التي اكتسبتْها هذه الحركة، بفضل تبنِّيها منطق الأم الحريصة على أبنائها وابتعادها عن السياسات الحزبية، عصبًا حساسًا للجمهور الإسرائيلي. فعدد القتلى بين أفراد الجيش في جنوب لبنان كان في ازدياد؛ لذا لاقت رسالةُ الأمهات الأربع آذانًا مصغية، وغذَّت مشاعر القلق عند الجمهور بسبب العدد الذي لا يُحصى من القتلى. وبعد سنوات ثلاث من انطلاقة الحركة، انسحب الجيش الإسرائيلي من لبنان.

لقد تبنَّتْ حركة السلام النسائية في إسرائيل أساليب لاعنفية متنوعة وخلاقة. وبينما تضمنت الأعمال الأكثر درامية عنصرَيْ المخاطرة والعصيان المدني، فإن الحركة تبنَّتْ أنشطة لاعنفية قانونية لا تقل تأثيرًا وفاعلية. وتشعر النساء المتظاهرات بأنهن محصَّنات، اعتقادًا منهن بأن الشرطة والجيش لن يؤذيا النساء – رغم أن هذا الاعتقاد ثَبَتَ عدمُ صحته.

لقد أثبتتْ التجربة أن استراتيجية اللاعنف تمنح قوة أخلاقية أكبر وأبعد تأثيرًا من استراتيجيات العنف. فأنشطة اللاعنف تساهم في تمكين هؤلاء الذين يشعرون بأن لا حول لهم ولا قوة؛ ويبدو أن النتائج تثبت وتؤكد مدى فاعلية النضال اللاعنفي وتأثيره.

*** *** ***


* جيلا سفيرسكي ناشطة سلام وحقوق إنسان إسرائيلية، وشريك مؤسِّس لـ"تحالف النساء من أجل السلام"، وعضو في حركة "سيدات في حداد" منذ قيامها، والمدير التنفيذي لـ"بات شالوم" ("ابنة السلام" بالعبرية). والمقال جزء من سلسلة مقالات عن اللاعنف تُنشَر بالتعاون مع خدمة Common Ground الإخبارية. (المحرِّر)

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود