|
رسالة إلى الأصدقاء
الأميركيين*
بسبب
تطوِّرها الاقتصادي الفعَّال، كما بسبب
الدمار الذي خلَّفتْه الحرب، تتمتع الولايات
المتحدة، اليوم، بوضع خاص ومميَّز. ففي مقابل
أوروبا التي أصابها الفقر والدمار، نجد أن
الولايات المتحدة ستشكِّل، مستقبلاً، القوةَ
المهيمنة في الحضارة البيضاء. حتى وإن لم تكن
ترغب في ذلك، ستجد نفسها مدفوعةً باتجاه أن
تغتصب الحياة السياسية والاجتماعية لجزء من
الكرة الأرضية – الأمر الذي سيضع أمامها
واجباتٍ تفوق حقوقها. إذ إن العالم سيتحمَّل
نتائج ما ستكون عليه روحُ الولايات ووعيُها.
من هنا، هل يستطيع الأجنبي أن يعبِّر، مع كلِّ
الاحترام الذي يكنُّه للولايات المتحدة، عن
مخاوفه التي تثيرها لديه بعضُ سمات الطبائع
الأمريكية؟ يبدو
مزاج الأمريكيين الأنغلوساكسون مزاجًا
حادًّا ومعتدًّا بنفسه، متكاملاً في نوعه
واتجاهاته ومفاهيمه وبشكل واثق ومتطلِّب.
مزاج فريد في عدم لياقته (وهذا ما يصدمنا نحن
الأوروبيين) في فهم الأعراق الأخرى، كما في
الدخول إلى نفسياتهم (وحتى إلى مظاهرهم
الفسيولوجية) – عدم لياقة، ومثلما يقال، في
"احتذاء" نفسياتهم وشغفهم وحوائجهم
الخاصة. مزاج يميل إلى اعتبار أن ما يراه
صحيح، وأن ما يشكِّل منفعته الخاصة يجب أن
يكون كذلك بالنسبة إلى الشعوب الأخرى، لدرجة
أن الذين لا يفكِّرون بهذه الطريقة لا بدَّ
أنهم مخطئون. من هنا تجد أمريكا الحقَّ في أن
تفرض عليهم ذلك كلَّه لما فيه مصلحة العالم
ومصلحتها الخاصة. هذا الإدراك المماثل يقودها
إلى الرغبة في فتح العالم، تحت غطاء
الأخلاقية الضيقة المترافقة مع غريزة
شَرِهَة وطبيعية في السيطرة. لا شيء أكثر
توجسًا من ذلك. وكلما طُلِبَ من الولايات
المتحدة أن تتحرك في العالم وَجَبَ عليها أن
تفهم طبيعة هذه الشعوب الأخرى الحقيقية، كما
وحاجاتهم ومثالياتهم، لأن من واجب القويِّ أن
يساعد الضعيف على تحقيق نفسه، لا على اضطهاده
من خلال دفعه إلى الكذب على نفسه. ستكون
كارثة إنسانية لو فَرَضَ أحدٌ على عرق أو شعب
أو دولة كبيرة كبيرة جدًّا، كما على هذا
التنوع الرائع للكون، أحاديةَ شخصيَّته
القاسية والرتيبة. وأضيف إلى ذلك قائلاً إن
هذه الكارثة ستعود لتصيب الشعبَ الذي يمارس
هذا الاضطهاد الأعمى: لأن القوى التي لا
تُقهَر، العائدة للطبيعة المكظومة، ستقتصُّ
منه. من المفيد إذًا، في هذا الساعة من
التاريخ، أن يوجد، لا في خارج أمريكا، بل في
قلب الولايات المتحدة نفسها مواطنون
مستنيرون وشجعان، يشكِّلون منارةً لشعبهم،
ليجبروهم على معرفة أنفسهم في عظمتهم وضعفهم،
في فضائلهم ورذائلهم، كي يتعرَّفوا إلى هذه
الكائنات المختلفة، على هذه المحاسن
المتمِّمة لهم، الموجودة عند الأعراق الأخرى. ***
*** *** ترجمة:
إسكندر حبش *
هذا النص كَتَبَه الكاتب الفرنسي رومان
رولان في العام 1926 كافتتاحية لمجلة Europe التي أسَّسها في
العام 1923 (والتي لا تزال تصدر حتى اليوم؛ إذ
تشكل المقالة هذه افتتاحية عدد المجلة
نفسها الذي صدر عن شهر نيسان 2003). بعد أكثر
من 75 سنة من ذلك يبدو النص وكأنه يحتفظ
براهنيَّته – ومن هنا مسوِّغ ترجمته. (المترجم)
|
|
|