|
النبع الأسود* ضجَّ
العالم الغربي، منذ منتصف سبعينيات القرن
الماضي، بالأنباء التي نقلها أطباءٌ كانوا قد
استجوبوا بعض المرضى الذين عانوا من موت
سريري (أي اختفاء كلِّ العلامات الحيوية
وانعدام مظاهر الحياة المعروفة، ثم عودتها
مجددًا). فقد تبيَّن أن ذهن عدد كبير من هؤلاء
المرضى ووعيهم استمرا في العمل في أثناء "موتهم".
وقام هؤلاء المرضى بوصف المشاهد والحالات
التي عاينوها خلال تلك الفترة، وخرج الكثير
منهم بشعور يقيني عن استمرار الحياة بعد
الموت. يروي لنا الكاتب
باتريس فان إيرل، ببراعة نادرة وأسلوب شائق،
قصة الأبحاث الحديثة التي دارت حول هذه
الظواهر، وذلك من خلال تحقيق طويل قاده إلى
الولايات المتحدة وإنكلترا، قابل من
خلاله الباحثين أنفسهم وعددًا من المرضى،
واطَّلع على كلِّ ما يدور في هذا الشأن. وقد تعرَّض الكاتب
لكلِّ التفسيرات الممكنة لهذه الظاهرات: هل
هي نتيجة آلية دفاع ذاتي عند حدوث خطر الموت
الوشيك – كأنْ يخلق دماغُنا، بفضل بعض
التفاعلات الكيميائية، "مسرحية" تَقينا
من هلع الموت؟ وهل يمكن أن نعتبر أن هؤلاء
المرضى ماتوا فعلاً ماداموا قد عاشوا فيما
بعد؟ أم أن وعينا يتمتع بنوع من الاستقلالية
عن وظائف الجسم يُفسِّر ما سبق؟ للإجابة عن هذه
الأسئلة وغيرها، دار المؤلف في فلك الباحثين
والعلماء. ويبيِّن البحث الدقيق، بحسب رأي
المؤلف، أن الفرضية الأخيرة هي الأقرب إلى
الواقع من سابقاتها. ذلك أن عدد الذين "عاشوا
موتهم" في ازدياد. وتفسير ذلك هو الرأي
القائل بأننا نجتاز عتبة تطورية. فغالبية "الأموات–الأحياء"
خرجوا من تجربتهم بنظرة متفائلة إلى الحياة،
بتقبُّل لها، وبنهم إلى المعرفة، وباهتمام
كبير بالمشكلات الإنسانية. ويُفرِد المؤلِّفُ
الفصلَ الأخير من كتابه للكلام على التغيير
الحديث الحاصل في نظرة الإنسان إلى الموت،
خاصة في المستشفيات، التي بادر بعضُها إلى
توعية ممرضات وأطباء وتأهيلهم، بغية مرافقة
المرضى الميئوس من شفائهم في أثناء عبورهم
عتبة الموت بكلِّ حضور ومحبة. ويروي لنا
الكاتب كيف أن دورات تُقام الآن لمساعدة بعض
المرضى في مواجهة فكرة الموت وتقبُّلها. إنه كتاب شائق ومفيد. *** *** *** *
Patrice
Van Eersel, La source noire, Éditions Grasset.
|
|
|