شَعيرة للوحدة الوطنية (من أوغاريت)*

 

دينيس باردي

ترجمة: وفيق فائق كريشات

 

لهذه الشعيرة نموذج مثالي معروف محفوظ جيدًا هو (RS 1.002) بينما هاهنا نموذج آخر (RS 17.100A+B) محفوظ على نحو يكفي لبيان أنه قد كان في أداء الشعيرة اختلافات ذات شأن. هاهنا أربع كسر أصغر من أن تحتوي على معلومات ذات مغزى في ما يتعلق بتنوعات في الشعيرة (RS 24.270A, RS 24.270B, RS 24.650B, RS 24.652G+K). ومع أننا قد حكمنا على هذه النماذج الأخرى من نمط النص بأنها أكثر تكسيرًا من أن تُضمَّن هاهنا، فإنها ليست مما لا يستحق الاهتمام. إن الكبر النسبي لعدد النصوص التي تعكس ما هو، من جهة أهم الأمور، نفس المنسك، إنه شيء عديم النظير في أوغاريت، علمًا بأن انتشار موقع اللقى وخطوط الكَتَبَة (وجدت النصوص في ما يدعى بمكتبة الكاهن الأكبر على الأكروبوليس، وفي القصر الملكي، وفي منزل كاهن العِرافة في الجانب الجنوبي من التل) يبيِّن أن النصوص لم تكن نتاجًا لمدرسة واحدة.

الشعيرة فريدة أيضًا في بنيتها (ثلاثة أشفاع من الفقر مصنفة بحسب ذكرها للسكان من الذكور والإناث؛ كل فقرة تدعى أدناه "مقطعًا")، بموضع التكرار فيها، والأمور التي تشغلها (كثير من المفردات هو مما تتفرَّد به هذه النصوص). كثيرًا ما يستعمل لفظ "كفَّارة" في تصنيف هذا المنسك. إنني أجتنب هذا المصطلح بسبب إيحاءاته التوراتية وبسبب أن اللفظ العبري (Öك پ ر) لا يرد هنا. أضف إلى ذلك أن التوليف بين ما دعوته العناصر البنيوية "الأفقية" و"الشاقولية" (أعني العناصر التي تخترق كل فقرة وما يقابلها من عناصر تكوِّن بنية النص في مجمله) هذا التوليف يمكن أخذه كإشارة إلى أن القصد من المنسك قد كان، في حقيقة أمره، هو الاستجابة لانشغالات "لاهوتية" ثلاثة، لا واحد فقط. اللفظ الأساس إنما هو محفوظ في حال الموضوع الثالث فقط: إنه "م ش ر" (السطران 26 و36) ومعناه "الرُشْد، الاستقامة" وهذه الصفة تؤكَّد بقتل حمار. يعكس هذا الأمر ممارسة أَمورية، تؤدى على وجه الخصوص في أوقات عقد العهود، وفيها "قُتِل" الحمار (يعبَّر "ن ك ت" عن هذا المعنى العام في النص)[1]. بالعمل رجوعًا، غاب المصطلح الخاص الدالُّ على الصفة المنشودة من المقطعين 3 و4، بيد أن طبيعة المنسك والقول بصلته بالكفارة قد تُستنتج من المصطلح "خ ط ي" ("خطيئة")، وبه يُقرن فعل الذبح "ث ع ي" - ويؤدى بكبش - على المستوى الشاقولي (يظهر "ث ع ي" بين "د ب ح" و"ن ك ت" في كل فقرة، ومثال ذلك المقطع 4، السطران 23-24). صِنف الذبيحة المصاحب للموضوع الأول وحده هو المعروف، وهو "د ب ح"، وهو أول أصناف الذبح المذكورة في كل فقرة (مثال ذلك المقطع 4، السطر 23)، وهو أعم مصطلح للذبح في المفردات الأوغاريتية. لما كان يظهر أن الشغل الشاغل للنص هو الوحدة بين شتى الزمر الاجتماعية داخل مملكة أوغاريت ولما كان "د ب ح" هو اللفظ الدال على وليمة الذبيحة، فإن وظيفة المقاطع الأولى من المنسك ربما كانت هي الارتقاء بالصلة الحميمة بين الزمر الاجتماعية المذكورة في النص وكذلك بين البشر والآلهة المكرمة (إيل[2] وأسرته). وعليه، فمن المحتمل أن الموضوعات الأساسية الثلاثة بحسب ترتيب ظهورها كانت هي الصلة الحميمة بين طبقات البشر كما بين البشر والآلهة، والتكفير عن الخطايا، و"الرشد" في العلاقات البشرية والإلهية.

إن يكن وجود نماذج مثالية عدة، فيها ما لا يقل عن نسختين متباينتين، يبين أن المنسك قد كان يؤدى، قطعيًا، بشيء من الانتظام، فإنه ليس من دلالات في النصوص نفسها على تكرار المنسك، ولا على الوقت من السنة الذي يؤدى فيه إن كان يؤدى سنويًا. المقارنات مع عيد الكفارة التوراتي مغرية، بيد أن الاختلافات المهمة بين هاتين الطائفتين من المناسك تعني أن التشابهات العامة هي كل ما يمكن إيراده من شواهد على ذلك إلى حين ورود بيانات مرتبة زمانيًا عن الليتورجيا[3] الأوغاريتية.

   

الترجمة

المقطع؟ (1 أو 2)

(1) [...] وحسْن حال [...]

(2) [... حسْن حال أو[غاريت ...]

(3) [...] ي؛ إن يكن بحسب قول [...]

(4) [...] ع ب ر، أو بحسب قو[ل ...]

(5) [...] [...]

المقطع 2

(6) [                   ذبيحة ث ع قد قُرِّ]بت

(7) [                           إلى دائرة أبناء إيلُ

(8) [                                   ]

المقطع 3

(9) [                                           ] وحسْن حال

(10) [                         وحسْن  ] حال أوغاريت

(11) [                         قَطـ]ـين

(12) [                         ]

(13) [                         ]

(14) [                                 ]

(15) [                                 ذُبحَـ]ـتْ

(16) [         ] فَلْتُرْ[فع       ]

(17) [         مجمـَ]ـع [أبناء إيلُ، ثُكَمُنَ وشُنَـ]ـمَ:

        هوذا الكبش.

المقطع 4

(18) [

حسْن]حال[4] الأجنبي [(داخل) أسوار أوغاريت،

وحسْن]حال (19) [             ]

وحسْن[حال             ]؛

إن تُخطِئـ[ـن:

بحسب قول[5] القطين]،

(20) أو بحسب قول د د م ي[6]،

        أو بحسب قول [الحوري[7]،

أو] بحسب قول الحثي[8]،

أو بحسب قول [الألاشي[9]،

أو بحسب قول] غ ب ر،

(21) أو بحسب قول مظلوميكن،

        أو بحسب قول [فقر]ائـ[ـكن]،

        أو بحسب قول [ق ر ز ب ل؛]

(22) إن تُخطئن:

        في غضبكن،

        أو في عدم [صـ]ـبركن،

        [أو في عمل فاسد] (23) ترتكِبْنه؛

إن تُخطئن:

        في ما يتعلق بالـ<ذ>بائح

        أو في ما يتعلق بذبيحة ث ع.

[الـ]ـذبيحة، قد ذُبحـ]ـت،

(24) ذبيحة ث ع قد قُربت،

        القتل[10] قد وقع.

فلتُرفع [إلى أبي أبناء إيلُ]،

(25) فلتُرفع إلى دائرة أبناء إيـ[ـلُ،

        إلى مجمع أبناء إيلُ،

        إلى ثُكَمُنَ وشُـ]ـنَمَ:

هوذا الكبش.

المقطع 5

(26) أدنوا حمار "الرُشْد": رشد ابن

أوغاريت: وحسْن [حال الأجنبي داخل أسوار]

أوغا<ريت>،

(27) وحسن حال ي م أَ ن،

وحسن حال ع ر م ت،

وحسن حال [           ]

(28) وحسن حال نِقْمَدُّ[11]؛

إن يتغيَّر "جمالكم"[12]:

بحسب قول القطـ[ـين،

أو بحسب قول د د م] ي،

        (29) أو بحسب قول [الحوري،

أو بحسب قول الحثي،

أو بحسب قول الألاشي،

أو بحسب قول غ ب ر]،

أو بحسب قول (30) مظلوميكم،

        أو بحسب قول فقر[ائـ]ـكم،

        أو بحسب قول ق ر ز ب ل؛

إن يتغيّر "جمالكم":

        (31) في غضبكم،

        أو في عدم [صـ]ـبركم،

        أو في عمل فاسد ترتكبونه؛

(32) إن يتغيَّر "جمالكم":

        في ما يتعلق بالـ[ـذ]بائح

        أو في ما يتعلق بذبيحة ث ع.

[الـ]ـذبيحة، قد ذبحت،

ذبيحة ث ع قد قُربت،

        (33) القتل قد وقع.

فلتُر[فـ]ـع إلى أبي أبناء إيلُ،

فلتُرفع إلى دائرة (34) أبناء إيلُ،

        <إلى مجمع أبناء إيلُ>،

        إلى ثُكَمُنَ وشُنَمَ:

هوذا الحمار.

المقطع 6

(35) وارجعوا إلى تلاوة "الرشد": رشد

ابنة أوغاريت: وحسن حال الأجنبي (36)

(داخل) أسوار أوغاريت،

        و[حسن] حال المرأة/الزوجة؛

إن يتغيَّر "جمالكن":

بحسب قول القطين،

(37) أو بحسب قول د د م ي،

        أو بحسب قو[ل الحو]ري،

أو بحسب قول الحثي،

أو بحسب قول الألاشي،

(38) أو بحسب قول غ ب ر،

أو بحسب قول مظـ[ـلوميكن]،

        أو بحسب قول فقرائـكن،

        أو بحسب قول ق ر ز ب ل؛

(39) إن (!) يتغيَّر "جمالكن":

        في غضبـ[ـكـ]ـم،

        [أو في] [عدم] صـبركن،

        أو في عمل فاسد (40) ترتكبنه؛

إن يتغيَّر "جمالـ[ـكن]":

        [في ما يتعلق بالذبائح]

        أو في ما يتعلق بذبيحة ث ع.

الذبيحة (41)، قد ذبحت،

ذبيحة ث ع [قد قُربت،

        القتل] قد وقع.

(42) فلتُرفع إلى أبي أبناء إيلُ،

فلتُرفع إلى د[ائرة أبناء إيلُ،

        إلى] مجمع أبناء إيلُ،

        (43) إلى ثُكَمُنَ [وشُنَمَ:]

هوذا الحمار.

*** *** ***


 

horizontal rule

* المصدر:

Pardee, Dennis; edited by Theodore J. Lewis. Ritual and Cult at Ugarit. Atlanta: Society of Biblical Literature, 2002, pp. 77-83.

[1] تبين الرابطة بين "م ش ر" وقربان الحمار أن هذا النص ليس هو مجرد أخْذٍ بتصرُّف عن المرسوم البابلي القديم "ميشَرُم"، وهو مرسوم ملكي أريدَ به التعويض عن الأضرار بإعلان تأجيل دفع الديون والمستحقات الأخرى. بل بالضد من ذلك، من الراجح على نحو معقول أن هذا المقطع  يعكس رؤية أمورية قديمة لـ"ميشَرُ" ومن المعقول أن النص يعكس واحدًا من المراسم فيه ثلاثة أجزاء أساسية واحد منها فقط مكرس "للرشد".

[2] هو الكائن الأعلى بحسب اعتقاد الأوغاريتيين. [المترجم]

[3] هي مجموع الشعائر الدينية لفئة ما موضوعة في أنساق ثابتة. [المترجم]

[4] يظهر المصطلح "ن پ ي" في كل مقطع مباشرة بعد التصريح بالموضوع؛ فيعلن بالمنفعة المراد حصولها لطائفة من الأشخاص من تقريب الحيوان المسمى في المقطع ذي الصلة، وتتراوح تلك الطائفة من اثنين إلى خمسة في المقاطع المحفوظة. حللتُ اللفظ "ن پ ي" باعتباره اسمًا مشتقًا من فعله أوله "ن" من الجذر "ي پ ي" ومعناه يجْمُلُ. وددت لو أتيت بمصطلح انكليزي آخر سوى "حسْن حال"، الذي استعمله لترجمة "ش ل م"، بيد أنه ليس من لفظ آخر أحسن منه تلخيصًا لوظيفة "ن پ ي" و"ي پ" في هذا النص، أعني تلخيصه للوحدة والرخاء سياسيًا واجتماعيًا.

[5] "أُ ل پ" هذه عبارة أساسية، أُخذت باعتبارها تمثل ثلاثة ألفاظ: حرف العطف أُ (أ...أم, أو)، وحرف الجر ل (إلى، ل) و"پ" (فم)؛ فالتعبير هو "بحسب فم" شتى الأقليات الإثنية والاجتماعية. ومن الظاهر أن الإشارة هي إلى الشكوى من سوء المعاملة المباشرة (إذ يُتهم رجال أوغاريت ونسوتها بعمل "الخطيئة" – المقطعان 3-4) أو غير المباشرة (إذ يُقال إن رجال أوغاريت ونسوتها قد شهدوا تغيُّر "حسْن حالهم" – المقطعان 5 و6).

[6] من الراجح أن هذه الحروف "د د م ي" تمثل سكان نفس المنطقة التي تمثلها عبارة "آلهة أرض حلب".

[7] من الشعوب التي سكنت الجزيرة السورية وما جاورها. [المترجم]

[8] من شعوب الأناضول. [المترجم]

[9] من سكان قبرص. [المترجم]

[10] يدل "ن ك ت" على "القتل" ويوافق استعمال الفعل السامي الغربي "قَتالُ" والفعل الأكادي "داكُ" ومعنى كليهما هو "يقتل" وكلاهما يستعملان في نصوص قرابين الحمير من ماري. وإن الذِكْر المرتب المتسلسل للأفعال الثلاثة "د ب ح" و"ث ع ي" و"ن ك ت" هو الذي أوحى لي بالتأويل الشاقولي للنص من جهة الصلة الحميمة والتكفير و"الرشد" في علاقات العهود.

[11] من ملوك أوغاريت. [المترجم]

[12] اللفظ الدال على حسْن الحال هاهنا هو "ي پ"، وهو شقيق اللفظ العبري "يوﭘـي"، ومعناه الحرفي هو "الجمال" وهو من نفس جذر اللفظ "ن پ ي"؛ والظاهر أن الإشارة بذلك هي إلى حسْن الحال اجتماعيًا وسياسيًا التي تمثَّل نموذجيًا بجمال مدينة جيدة التحصين وذات رخاء. قارن استعمال هذا الجذر في العهد القديم من الكتاب المقدس وإشاراته إلى الكيانات الاجتماعية والسياسية: إشعيا 33: 17؛ وحزقيل 27 : 3 , 4 , 11 وغيرهما.

[تذييلاً على هذه الحاشية والحاشية رقم /4/، وبعد الإشارة إلى ما في الألفاظ العربية والأوغاريتية الشقيقة من تقابل مطّرد بين الفاء و"پ" نقول في لفظي"ن پ ي" و"ي پ": جاء في معجم لسان العرب في "ن ف أ": "النَفَأ رياضٌ مجتمعة تنقطع من معظم الكلأ وتُربي عليه." وجاء فيه في "ي ف ع": "غلام يافع ...شابّ." فإذا عُلم أن زيادة الجذر العربي "ي ف ع" على الجذر الأوغاريتي "ي پ" هي مثل زيادة "شاة" (ويطلق على ذكر الضأن والمعز وأنثاهما) على "ش" الذي يرد في هذا النص اسمًا للكبش في الأوغاريتية، إذا عُلم هذا، كان الحاصل مما تقدَّم أن في العربية جذرين (ن ف أ – ي ف ع) يدلان على النضارة وحسْن الحال في الإنسان والأرض كمثل ما حققه المؤلف من أمر اللفظين الأوغاريتيين "ن پ ي" و"ي پ". [المترجم]

 

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني