قصائد مختارة

 

مكسيم نوفل

 

1

أبطِئ قليلاً فِيَّ
لا أقوى على مطر العواصفِ والليالي الغاضبات..
أبطئ قليلاً فَيَّ لا أقوى عليكَ!
فآخِري قطرُ النَّدى
في الفجرِ
والطَّلُّ الخجولُ على زجاج مسائيَ الخمريِّ
والغَزَلُ المُروَّضُ أُغنيات.
واكبَح خيولَكَ عن سهولِي الأُنثويَّةِ،

دَرَّبَتْ أرضي الغزالةُ
لا الخيولُ الجامحات..
... أبطئ قليلاً
إنَّ قلبي ليس نِدًّا للهوى المجنونِ مثلكَ!
مثلَ عينيَّ التي
- عن غير قصدي – جارحات!
أبطئ..
فأنت الآن في أرضي سكنتَ
فما يُضيرُك لو تمهَّلتِ الحياة.

2

أَتَقولُ لي ما قُلتَهُ لسوايَ!
حين يَضِجُّ قلبي بالرَّماديِّ الأثيمِ
وأنزوي
في عُزلتي عن كلِّ شيءٍ ما عداكَ
تقولُ لي ما قُلتَهُ لسوايَ!
حينَ أصدُّهم عن مسِّ جلدي
تاركًا ليديكَ وحدَكَ نبشَ قلبيَ كُلَّهُ عن آخري...
فتقول لي ما قُلتَهُ لسواي!!..
لولا أن سكتَّ وأفرغتْ
عيناكَ بعض بريقها الخمريِّ فيَّ،
على الرَّماديِّ الأصمِّ وأهمَلَتْ كُلَّ الكلام..
قُل ما تشاءُ
فلستُ أسمعُ غيرَ صوتك إنَّما...
أتقولُ لي ما قلتهُ لسواي...!!

3

... وفقيرةٌ حاجاتنا، كقلوبنا،
دَعَواتُ أُمٍّ في الدُّجى،
همساتُ أغنيةٍ،
تفتُّحُ وردةٍ،
مطرٌ على دفء المدى،
فنجان قهوتنا على الشُّباكِ،
ضحكةُ طفلةٍ تكفي،
لكي تضع المعارك وزرها،
تكفي ابتسامةُ حلوةٍ
في الدرب كي يحلو النهار.
وفقيرةٌ حاجاتنا كقلوبنا،
لو كنتِ قرَّبتِ المسافة بيننا
بإشارةٍ
لتركتُ بابَ القلبِ مفتوحًا
عليكِ وكُنتُ فَوَّتُّ القطار...

4

... وكأن أسراب المطر تُناورُ طريقها مذعورةً،
هربًا من معارك الريح المجنونة...
ومثلها أغصانُ الشَّجر.
وفي رحلة الهرب من معركةٍ ليست لهما، يلتقي الهاربان
والريح تعبر كالسكين على جلد الشَّجر... لكن وحده المطر،
ينفذُ إلى القلب.
ممتلئةٌ هذه الأرض بالحكايات الغريبة
كأن الدنيا كلها صيغت من اختلاط الفرح بالتَّعب
وكل ما يمكننا هو أن نختار ما ينفذ إلى القلب.
ممتلئ هذا القلب بكل شيء،
بالمعارك
والابتسامات
لكن ليس بك
أيتها الريح.

5

الذين خبَّأتُهم لِلَّيلِ
كبُرَت في صدورهم الشَّمس.
... الذين خبأتُهم للشتاء
جرَّفَت قلوبهم صبيانية الصيف.
فتحتُ باب الخزانة
فلم أجد إلّا أحمقًا واحدًا عاريًا
يتكئ على الحائط في انتظار الليل
في انتظار الشتاء
لا أنا أقفلتُ الخزانة.. ولا هو يستفزُّهُ بابها المفتوح.
...
الفجرُ وأنفاسُ الطرقاتْ

تُفتِّحها أقدامُ الساعين لخبز اليومِ،
تُلملم أِشلاء الليل وأشلائي
والساعاتْ:
ورقٌ يحترق ويحرقني،
ينقلني من يومي لغدي...
يختصرُ العُمرَ ببعض العمرِ

ويتركني سطرًا ما عاش سوى لحظات.

6

يُرخي الليلُ ستائِرهُ المشتهاة،
يُذهِّبُ ذُهولَ الروح
تلك التي فضحتها شمس هذا الصيف إلى حدِّ الفجور.
يغمرُ سلامٌ هادئٌ الآن أرجاء عَكّا،
بعدَما ضجَّ يومها كاملاً في جَنَباتِ الصدر.
الآن تلتقي الخواطر الحريريةُ كالعشَّاق
على أسوار عكّا المشرفةِ على البحر.
الساعة الآن منتصف العشق تمامًا،
وأنا على أقصى السور،
أراقبُ عاشقين غافلين عنِّي،
أَصِفُ جسد الماء الشَّبِقِ، ولا أبْتَلُّ.

7

ودونًا عن كُلِّ شوارع المدينة،
كالشَّارعِ الوحيد الذي لا يُذكِّرُ عاشِقةً بشيء..
يا قلب..
لا أسماء على أرصفتك
لا بقايا باقات وردٍ يابسة..
ولا حتى كومة لفافات تبغٍ إثر انتظار
ساهمًا في الغناء وحدك
لا ظِلَّ يُثقِلُ قلبك
ولا جسدَ يُقاسمك حبَّات المطر..
ذنوب العاشقين كثيرةٌ وأنت بلا ذُنوب!
وتشتهي لو تخلعُ نعلَيْك
تتسلَّقُ أعلى السُّور!
لتسترق النَّظر إلى شوارِعَ تُثقِلُها الذُّنوب!

8

على ضفَّة النهر تُحدِّثني وردةٌ حافية..
تقولُ الكلام الذي كالغناء:
عن النهر، عن ضفَّةٍ خاوية..
ودربٍ تقودُ لموت المسافر...
وسفرٍ يبتدئ قبل الرَّحيل!
وما شأني بطريقٍ تنتهي حين أنتهي.. ولا تنتهي!
على ضفَّة النهر وحدي،
هنالك أمشي مع النهر أو عكسه ولي دائمًا حريتي الكاملة في الوقوف،
لألقي التحيَّة على من يغرقون
على من يختصرون الحياة بفنِّ البقاء لأجل "لا أشياءهم" الثَّمينة!
وأقرأُ ما شئتُ من تفاصيلَ تتضح الآن أكثر من فوق غوغاء أمواج النهر
فلا شأن لي بطريقٍ لا ينتهي إلا بانتهاء الذين فيه..
وتقتلني رمادية الصمتِ حينًا،
فأشتاق لو يلفظ النهر لي رفيقًا يؤنس هذا السفر..
أمدُّ يدي لعلَّ أصابعَ كفٍّ تشاءُ، كما شئتُ،
أن تتمرد على هذا الطاغوت العدمي الذي لا وقتَ لديه ليسمع أو يفهم.
ألمس، حينًا، يدًا أو أصابع قبل أن يسرقها النهر مني من جديد
وحينًا ألامس أطراف قلبٍ يئنُّ بهذا العبث..
ينظرُ فيَّ! فأرى ما سوَّلت لِيَ نفسي...
أشدُّ على يده علَّ يأتي معي،
لكنني لستُ إلا أنا ولستُ إلهًا ولا خارقًا في الطبيعة..
ويوجعني وضوحُ الحقيقة،
فأُفلت قلبًا يئنُّ...
وأبقى وحيدًا كما كنتُ دومًا
لأعرف أكثر أن ليس لي غير نفسي وهذا الحطام.
وتقتلني مرتين، النظرةُ المبتعدة حزنًا، لِعَيْنٍ سيسرقها النهر منِّي...

قريبًا تغيبُ ولا يتبقى سوى النظرة الآسرة..
وأمضي لشأني على ضفة النهر أمشي.. أغني أخالف درب الجثث الحيَّة المنجرفة...
وإمَّا أشاءُ اتَّكأتُ كطفلٍ يحدِّقُ في النهر مكتفيًا من الماء بما لامس أصابع قدمي...
كأنَّا نُتقنُ هذا الانكسار كيلا نموت؟
كأني أدمنت أن أُراوح بقعتي الصامتة وأعرف أن لا وصول إلى أي شيء..
ويُخجلني أن أنادي في الغارقين أنْ اتّبعوني إلى "لا شيئي أنا!"
فأكتفي بوحدتي وبالغناء عن النهر..
وعن وردةٍ حُرَّةٍ
على ضفَّةٍ حافية.

*** *** ***

 

 

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني