النسوية الإيكولوجية
نحو عدالة عالمية وصحة كوكبية
غريتا غارد
-
لوري غروين
ترجمة: عزة حسون
كالعديد
من الحركات الحديثة، للنسوية الإيكولوجية جذور في صلب حركات التغيير
الاجتماعي التي تعاقبت بين ستينات وسبعينات القرن الماضي[1].
هناك العديد من النصوص بدءًا بـ الربيع الصامت لرايتشل كارسون
(1962) وامرأة جديدة/أرض جديدة لروزماري ردفورد روثر (1975)
والمرأة/الايكولوجيا لماري دالي(1978) والمرأة والطبيعة: الهدير
في داخلها لسوزان غريفن (1978) والجنة الخضراء المفقودة
لإليزابيث دودسون غراي (1979) وحتى موت الطبيعة لكارولين ميرشنت
(1980) التي أسست لما سيصبح لاحقًا منهجًا نسويًا مكتملاً يقارب
الإيكولوجيا والبيئوية خلال فترة الثمانينات. وقد عُقد مؤتمر "النساء
والبيئة" الأول في جامعة كاليفورنيا، بيركلي (1974) وتناول الاضطهاد
المزدوج للمرأة والطبيعة، ولحقه العديد من المؤتمرات فيما بعد[2].
هناك حاليًا أربع مجموعات (مختارات) وعدد من المقالات ومجلدات كاملة من
المجلات المتخصصة في موضوع النسوية الايكولوجية[3].
سعى الكتَّاب فيها بشكل أولي إلى تحقيق هدفين: أولًا ربط النسوية
والإيكولوجيا، وثانيًا إثبات عدم كفاية أية نظرية بيئية لتحقيق رؤى
الحركة النسوية. في هذه المقالات يُرسِّخ المؤلفون مشروع النسوية
الإيكولوجية من خلال التشديد على أن هدف هذه النظرية مفيد ومميز في
إطار علاقتها مع النظريات البيئوية الأخرى.
خلال عملهم على نظرية النسوية الإيكولوجية أجاب مجموعة من المؤلفين
والبحاثة والنشطاء عن ثلاثة أسئلة:
-
كيف ظهرت هذه المشكلات؟
-
لماذا هذه المشكلات مهمة للنسويين؟
-
لماذا قد تقدم النسوية الايكولوجية إطارًا لتحليلها؟
في هذه المقالة سأبحث في الطرق التي لجأ إليها النسويون الإيكولوجيون
للإجابة عن كل سؤال.
ماهي المشكلات؟
سيوافق معظم الناس حتى الذين يعيشون في الولايات المتحدة التي تعد أغنى
الأمم، أنَّ العالم ليس كما يجب أن يكون. رغم إدراك العديد من الناس
للظلم الكبير في توزيع الثروة عالميًا إلا أنَّ قلة فقط تدرك حجم هذا
الظلم. في الحقيقة يمتلك ما يقارب 23% من سكان
العالم
83% من الثروة العالمية
[4].
وهذا يعني أن البلدان الصناعية (الشمال) تستنزف موارد العالم الثالث
(الجنوب)[5].
ترى مارغاريتا أرياس من كوستاريكا[6]
"أنَّ المرء في الشمال يستهلك من اللحم ما يعادل 52 أضعاف ومن الورق
115 أضعاف ومن الطاقة 35 أضعاف ما يستهلكه مواطن أمريكي لاتيني".
ورغم أن سكان الولايات يشكلون خمسة بالمئة من سكان العالم إلا أنَّ
الولايات المتحدة تستخدم ثلث موارد العالم غير القابلة للتجدُّد وربع
السلع العالمية. يستخدم المواطن الأمريكي العادي من الطاقة ما يعادل
300 أضعاف الطاقة التي يستهلكها مواطن من العالم الثالث[7].
وكنتيجة لهذا الاستهلاك المفرط هناك إنتاج مفرط للنفايات. ووفقًا
لإحصاءات 1991 يبدو أن المواطن الأمريكي العادي ينتج ما يفوق نصف طن من
النفايات الصلبة كل عام. وفقًا لهذا المعدل وبحلول العام 2009 ستمتلئ
ثمانون بالمئة من مكبات النفايات[8].
يؤثر التلوث على المياه في العالم وهناك ما يقارب 1.2 بليون شخص حول
العالم ممن لا يحصلون على مياه شرب نظيفة[9].
في البلدان النامية يقتل الإسهال وأمراض أخرى أربعة ملايين طفل تحت عمر
الخمس سنوات كل عام[10]،
ورغم أنَّ هذا لا يقارن بتراجع كمية المياه في الجنوب إلا أنَّ نوعية
المياه في الولايات المتحدة تتراجع أيضًا. فحسب تقديرات عام 1991 يشرب
شخص من بين ستة أفراد مياه مشبعة بالرصاص، المعروف أنَّه المسبب
الرئيسي لتراجع نسبة ذكاء الأطفال. علاوة على ذلك قد تحوي المياه في
الولايات المتحدة على مبيدات حشرية (PCBs
وDDT)
والزئبق والأسبست ومواد كيمائية سامة ومبيدات حشرية أخرى ألقيت مباشرة
في القنوات المائية أو تسربت إلى مخزون المياه الجوفية جراء الأعمال
الزراعية وسوء التخلص من النفايات الصناعية[11].
وبالإضافة إلى خسارة موارد المياه العذبة على الصعيد العالمي فإننا
أيضًا نخسر الغابات، حيث لم يبق من الغابات القديمة في الولايات
المتحدة سوى 10 بالمئة مما كان موجودًا، وخسرت كندا 60 بالمئة من
غاباتها القديمة بسبب التحطيب بينما يقع 20 بالمئة فقط مما تبقى في
مناطق محمية. وحسب معدلات التحطيب الحالية ستختفي كل الغابات القديمة
غير المحمية في واشنطن وأوريغون بحلول العام 2023[12].
وتختفي الغابات حول العالم بمعدل سبعة عشر هكتار في السنة[13].
بالتأكيد الغابات ليست مجرد أشجار بل أنظمة إيكولوجية وموائل للحشرات
والحيوانات على حد سواء ومصدر للهواء والمياه النقية عندما لا يؤذيها
التلوث البشري. فعلى سبيل المثال تعيش شجرة التنوب بين 400 و1000 عام
وهي على مدار حياتها تمنع انطلاق ما يقارب 400 طن من غاز الكربون إلى
الغلاف الجوي. وخلال هذا الوقت تؤمن الغذاء والمأوى لما لا يقل عن 45
نوع من الحيوانات الفقارية[14].
إن خسرنا الغابات سنخسر الحيوانات التي تحتمي بها وتقدر الاحصاءات
الحديثة انقراض ما لا يقل عن 140 نوع من الأنواع النباتية والحيوانية
يوميًا[15].
هناك صلة دقيقة وحقيقية بين الغابات والبقاء البشري، فهي مسؤولة عن
تزويد الناس حول العالم بمعظم الطعام والوقود.
لايزال الجوع والأمن الغذائي من المشكلات العالمية، ووفق معهد السياسة
الغذائية والتنموية هناك يوميًا ما يقارب 40 ألف طفل جائع حتى الموت
على هذا الكوكب[16].
وتذكرنا عضوة مؤسسة المدافعين عن الأمن الغذائي الافريقي روث
انغو-تجيغا (Ruth
Engo Tjega)
أنَّه في كل دقيقة يموت خمسة عشر طفل من الجوع حول العالم[17].
ويعتبر معظم المهتمين بالبيئة أنَّ
مشكلة
الجوع مرتبطة بمشكلة الاكتظاظ السكاني، ويؤكدون نمو العدد السكاني
العالمي بمعدل 92 مليون شخص سنويًا، يولد 88 مليون شخص منهم في البلدان
النامية[18].
يعيش الناس مع هذه الحقائق يوميًا ولكن الوعي العميق بها قد يُصعِّب
عليهم المضي قدمًا في الحياة لذلك يختار معظمهم إنكار قساوتها أو فكرة
وجودها[19].
كلنا نتصرف كالنعام ونؤمن بأنَّ ما لا نراه غير موجود. رغم ذلك إنَّ
إنكار هذه الحقائق الأساسية يؤكد بالفعل على طابعها المصيري.
تقع النظرية النسوية الإيكولوجية بتحليلها الشمولي لهذه المشكلات ضمن
السياقين الطبيعي والبشري عند مفترق الطرق بين البيئوية والنسوية.
أمَّا حجة النسويين الإيكولوجيين الأساسية فهي أنَّ هذه المشكلات ناجمة
عن القمع الشديد المتبادل بين البشر والعالم الطبيعي. لم يعد من الممكن
مناقشة التغيير البيئي من دون مناقشة التغيير الاجتماعي، ولا يمكن
مناقشة قمع المرأة من دون مناقشة قضية التدهور البيئي. يبدو العالمان -
العالم الطبيعي والعالم البشري - وثيقا الصلة ببعضهما ولذلك من الصعب
تخيل إمكانية مناقشة أي منهما بشكل منفصل عن الآخر.
كيف ظهرت هذه المشكلات؟
قاربت النسوية الايكولوجية عددًا من المناهج التي تكفل فهم الآلية
الحالية والمسؤولة عن القمع العالمي[20].
وسنقوم هنا بدراسة الشروح المعروفة التي تعلل حالة الفصل بين العالمين
الإنساني والطبيعي.
يرى بعض النسويين الإيكولوجين ككارولين ميرشنت أنَّ الفصل الذي حصل بين
الثقافة والطبيعة هو أحد نتائج الثورة العلمية[21].
كان يُنظر فيما سبق إلى الطبيعة على أنها كائن حيٌّ ولكن بحلول الثورة
العلمية، خاصة بعد أعمال فرانسيس بيكون ورينيه ديكارت، أصبحت الطبيعة
مجرد آلة تخضع للتحليل والتجريب والفهم بالمنطق. ووضعت هذه النظرية
الحيوانات ضمن مجال الطبيعة وبالتالي من المسموح إجراء تجارب لامحدودة
عليها من دون تخديرها، وتم اعتبارها على وجه التحديد آلات متقنة الصنع
قابلة للتعذيب في أي وقت فصرخات ألمها ليست حقيقية بل أقرب إلى ضربات
ساعة دقيقة. ووفق هذه العقلية الطبيعةُ ميتة وجامدة وآلية، بالتالي فإن
التحكم بها أو قمعها لم يعد أمرًا غير أخلاقي بل استخدامًا حكيمًا
للموارد.
ويرى بعض النسويون الإيكولوجيين أنَّ الأديان الأبوية أساس هذا الفصل،
ويرجعون أصول قمع الطبيعة إلى 4500 قبل الميلاد، وذلك قبل الثورة
العلمية بكثير، بالتحديد عندما حدث الانتقال من الثقافة التي تعبد
الآلهة الأنثى إلى العبادات الذكورية[22].
في الديانات الأنثوية احتلت كل من الأرض وخصوبة المرأة موقع القداسة،
لم يكن هناك تراتبية جنوسية وكانت الألوهة أمرًا راسخًا. ومع قدوم
الديانات الأبوية بدأ الناس بعبادة إله السماء وأصبحت الطبيعة من صنعه،
ورفعت مكانة الذكر في التناسل مقابل مكانة الأنثى. وأصبحت المرأة
تُشبَّه بالحقول التي ستحمل البذرة الذكرية. بالتأكيد لم يحدث هذا
الانتقال من ثقافة الآلهة الأنثى إلى الديانات الذكورية بين ليلة
وضحاها وقد قاوم العديد من الرجال والنساء هذا الانتقال، ولكن هذا
التغيير ترسخ بشكل أوسع زمنَ اليهود واليونانيين. وفق التعاليم
اليهودية-المسيحية هناك سلسلة وجود كبرى تبدأ في الأعلى بالإله الذي
طلب من آدم أن يكون مسؤولاً عن كل خلقه. وخلقت المرأة من ضلع آدم وكانت
أدنى منه وكانت الحيوانات والطبيعة في المرتبة التي تلي مرتبة الكائنين
السماويين. كانت الهيمنة الأبوية على كل من الطبيعة والنساء أمرًا
إلهيًا.
واقترح آخرون أنَّ الهيمنة الأبوية نتجت عن التطور البشري[23].
وتقول إحدى القصص الأنثروبولوجية المشهورة أنَّ الانتقال التطوري حدث
نتيجة ظهور سلوك الصيد عند الذكر البدائي. فقد كان نشاط الصيَّاد
المُدمر والتنافسي والعنيف والموجه نحو فريسته السمة التي ميزت الإنسان
عن الطبيعة بشكل أساسي. ووفق هذه النظرية في التطور الاجتماعي البشري
يحول جسد المرأة الصغير والضعيف والخصب بينها وبين المشاركة الكاملة في
الصيد وبالتالي ينفيها إلى عالم اللا-حضارة. ووضعتها قدرتها التناسلية
والحمل في تناقض حاد مع أعمال القتل والموت التي تؤسس الحضارة، وبناءً
على هذا تم اعتبار كل من المرأة والحيوانات والطبيعة وضيعة ودونية
مقابل الأعمال الحضارية أو البناءة للرجال، وبالتالي اعتبرا منفصلين.
لا يزال بعض النسويون الإيكولوجيون يستخدمون التفسيرات المجازية أو
الإيديولوجية لتعليل هذا الفصل بين الثقافة والطبيعة وينظرون في
الطريقة التي تصف بها الثقافة الأبوية العالم وفق الذات والثنائيات
daulisms
الأخرى. هذه الثنائيات القيمية تؤدي إلى ظهور تراتبيات قيمية حيث كل
الأشياء المرتبطة بالذات قيِّمة أمَّا الأشياء التي توصف بأنها غير ذلك
أو أنها أشياء أخرى فهي أقلُّ قيمة[24].
تتمظهر هذه الثنائيات (الأنا/الآخر) على شكل ثنائيات أخرى:
الثقافة/الطبيعة، الرجل/المرأة، الأبيض/اللاأبيض، الإنساني/غير
الإنساني، المتحضر/المتوحش، السوي/الشاذ، العقل/العاطفة،
الغني/الفقير... وما إلى هناك[25].
وتأصلت الهيمنة بسبب هذه الثنائيات فقد تم إقصاء الآخر خلال سيرورة
تعريف الذات المسيطرة. ولا يقتصر الأمر على امتلاك الذكر في مثل هذه
الثنائيات على الذات صاحبة الامتيازات والأنثى على الذات المحرومة من
القيمة بل تم ربط كل المكونات المهمة في هذه الثنائيات بالذكر وكل
المكونات غير المهمة بالأنثى. ويرى النسويون الإيكولوجيون ممن يستخدمون
هذا المنهج أن الفصل بين الذات والآخر أداة فعَّالة في تفسير الهيمنة
المشتركة على النساء والطبيعة فلطالما تم ربطهما معًا تحت مسمى
"الآخر".
ويشدد هؤلاء النسويون الإيكولوجيون المهتمون بشكل خاص بمكانة الحيوانات
في الحركة النسوية الإيكولوجية على الربط بين المرأة والحيوان لكونها
يقعان تحت مسمى الآخر. ويشيرون إلى أنَّه غالبًا ما يكون "تأنيث"
feminisation
و"تطبيع"
naturalization
و"حيونة"
animalization
الآخر شرط تبعيته الحتمية[26]،
ويستخدمون استعارات اللغة التي تفضح البنى الإيديولوجية. هناك مصطلحات
"اغتصاب الطبيعة" و"الطبيعة الأم" و"الغابات العذراء" تؤنث الطبيعة
وهذا بدروه يسمح بإخضاع الطبيعة في أي ثقافة المرأة فيها خاضعة.
بالمقابل هناك في اللغة المحكية مفردات تخاطب المرأة كحيوان. على سبيل
المثال "الهرة" و"الكلبة" و"الدجاجة العجوز" و"الخنزيرة"، وتعمل هذه
المفردات على ترسيخ الحالة الدونية للمرأة من خلال مخاطبة الطبيعة
الحيوانية (غير الإنسانية بالتالي) للنساء.
ويبني النسويون الإيكولوجيون ممن يأخذون علم النفس أو الأدوار الجنوسية
بعين الاعتبار رؤاهم على العمل التحليلي النفسي النسوي الذي قامت به كل
من كارول غليغان
Carol Gilligan
ونانسي تشودرو
Nancy Chodorow[27].
تقترح أعمال تشودرو في نظرية علاقات الموضوع فيما يتصل بالعائلة
الأبوية أنَّ الهوية الذكرية تشدد على التمايز عن الآخرين كنوع من رفض
الترابط وميل متعاظم للتجريد. وفي المقابل، الهويات الأنثوية علائقية
وترابطية ومجسَّدة. وتظهر دراسات غليغان حول التطور الأخلاقي أنَّ
الأخلاق القائمة على الحقوق سمة أقرب للرجال وفيها تعتمد المسؤوليات
على إحساس الشخص بذاته في علاقته بالآخرين والمجتمع.
تقترح تلك النظريات أنَّ التعريف الذاتي للرجال يتحقق من خلال فصلهم عن
الأم بينما التعريف الذاتي للنساء يقوم على الاستمرارية والذاتية في
العلاقات. وخلال اتخاذ قرارات أخلاقية عادة ما ينظر الرجال إلى الناس
الواقع عليهم القرار أو المتأثرين به كأفراد منفصلين تحركهم مصالح
تنافسية. من المرجح أن يبني الرجال القرارات الأخلاقية بما ينسجم مع
القواعد أو القوانين المجردة، بينما تنحو المرأة إلى الأخذ بعين
الاعتبار التأثير النهائي للقرار الأخلاقي على جميع الناس وتتخذ خيارات
قد تبدو أخلاقية فقط في السياق المحدد لذلك القرار. تشدد غليغان على
أنَّ وجهتي النظر الأخلاقيتين متاحتان لكل من الرجال والنساء، ولكن
ظاهرة "بؤرة التركيز" التي تحدد أي الأصوات سنستمع إليها تعمل وفق
الجنوسة. وبناءً على هذه الرؤى يشير النسويون الإيكولوجيون إلى أنَّ
فصل الثقافة عن الطبيعة يتوازى مع فصل الذات عن الآخر، وهذا الفصل
أساسي في البناء الاجتماعي للذكورة.
أمَّا النسويون الإيكولوجيون ممن يفسرون الفصل من منطلق اقتصادي
فيعتمدون على الرؤى الماركسية التي تناولت الإقطاعية وظهور الرأسمالية
بالإضافة إلى الممارسات الاستعمارية. في أوروبا سبب تقييد الملكيات
العمومية ونشوء الملكية الخاصة تراتبية بين صاحب الأرض والفلاحين الذين
لا يملكون الأرض. ويرى أنجلز أن تطور الملكية الخاصة قاد أيضًا إلى
"الهزيمة التاريخية الأكبر للأنثى"[28].
ومع انتشاره عبر أوروبا ثم إلى آسيا وافريقيا استعبد هذا النظام السكان
الأصليين واستولى على الأرض واستغلها لمصلحة القلة[29].
وهكذا بدأ ما أطلقت عليه فاندانا شيفا
Vandana Shiva
مصطلح "التخلف الممنهج". يرى الأوربيون أنَّ الشعوب الأسيوية
والافريقية تعيش في فقر مدقع ولذلك قرروا أنهم سوف يتولون "واجب الرجل
الأبيض" عبر إيصال الحضارة الغربية والتصنيع إلى هذه البلدان. في
الحقيقة ما يصفه الأوربيون بالفقر هي حياة اكتفاء و"التحسينات" التي
أدخلوها من خلال الاحتلال والتنمية خلقت فقرًا ماديًا حقيقيًا.
كان يُنظر إلى الشعوب المحلية على أنها عمالة رخيصة. ولأنَّ توزيع
العمل يتم وفق الجنس كان الرجال يُستخدمون مقابل المال من قبل المحتلين
بينما تؤدي النساء المهام البيتية ويحصلن مقابل عملهن على الطعام لكل
العائلة. وتحت قناع الإحسان كان المستعمرون يقرضون السكان الأصليين
المال لبناء صناعات تشبه الصناعات في أوروبا. أدخل الأوربيون هذه
الصناعات ثم استغلوا الموارد الطبيعية (الأشجار والحيوانات والمحاصيل)
ووظفوا السكان المحليين بأجور زهيدة حتى يساهموا في الاستغلال الذي
يتعرضون له. واستبدل المستعمر بالمحاصيل الغذائية الأصلية محاصيل
تجارية مخصصة للتصدير وحاول إقناع السكان بأنَّ هذا سيضمن تدفق المال.
في الحقيقة وخلال مدة زمنية معينة سببت هذه العملية ضائقات مادية للناس
المحليين. فمن دون الغطاء الشجري لم تتمكن التربة من امتصاص مياه
الأمطار وبالتالي بدأت ظاهرة تعرية شديدة واستنزفت حقول التربة السطحية
الثمينة. وبسبب التحطيب الكثيف من قبل المستعمر اضطرت النساء إلى
الذهاب إلى أماكن أبعد كل يوم لجمع الحطب وهي مهمة تعتبر من مهام
النساء. وفي المحصلة استنزفت الزراعة الأحادية التربة. الآن، وحيث كان
الغذاء متوافرًا في ما مضى انتشرت المجاعة والتدهور البيئي وتراكمت
ديون كبيرة لمصلحة الدائنين المستعمرين. هذه هي منظومة "التنمية" التي
يعتقد النسويون الإيكولوجيون أنها السبب في اضطهاد المرأة والسكان
المحليين والعالم الطبيعي في الوقت الراهن.
من السهل اعتبار أن هذه التفسيرات حول الوضع العالمي الراهن متوافقة
فيما بينها، ولكن على العكس، كل منظور يضع تفسيرًا محددًا للاضطهاد،
ولكن عندما نضمها إلى بعضها بعضًا فإن هذه التحليلات تصف النقلة
العالمية في التوجه من إجلال واحترام المرأة والطبيعة ومن رؤية العالم
كوحدة إلى رؤية عالمية تقوم على الانفصالية واعتبار النساء والطبيعة
والحيوانات والشعوب الخاضعة أشياء دونية وقابلة للسيطرة.
لماذا المشكلات البيئية العالمية مهمة للنسويين؟
للوهلة الأولى قد تبدو المنظومة الراهنة للظلم والعنف بين-الشخصي
والعالمي والتدهور البيئي بعيدة عن نطاق اهتمام التحليل النسوي. ولكنْ
إن استطعنا إثبات أنَّ أي نشاطٍ أو عمل يساهم في إخضاع النساء حينها
وبالضرورة ستغدو القضية قضية نسوية. حتمًا قضايا النفايات السامة وتلوث
الهواء والمياه الجوفية والعسكرة المستمرة وإلى ما هناك ليست قضايا
محصورة بالنساء بل قضايا بشرية تؤثر في الجميع. ولكن يصرُّ النسويون
الإيكولوجيون على أنَّ القضايا البيئية قضايا نسوية لأن النساء
والأطفال هم الضحايا المباشرون لما ينجم عن الظلم والتدمير البيئي.
بالنسبة للبعض قد يبدو من العبث إقناع النسويين في "العالم الأول"
بأنَّ الطبيعة قضية نسوية. وبالنسبة لمن لا يعيش على خيرات الاقتصاد
الصناعي العالمي سيكون للتدهور البيئي تأثيره المباشر والملموس
كالمجاعة والعطش وندرة الوقود وما إلى هناك من تأثيرات. لذلك ووفق هذه
الشروط يغدو النشاط في مجال البيئة شكلًا من أشكال الدفاع عن النفس[30]
طالما أن الأقلية المحظوظة في العالم الصناعي التي لا تشعر بالتبعات
الكاملة والمباشرة لهذا التلوث لا تخفف من تأثيره على الغالبية التي
تعيش في الجزء غير المحظوظ من العالم. وإن بقي الوضع على حاله الراهنة
سيكون الأمر مسألة وقت حتى يضطر حتى الأكثر حظًا إلى سحب رؤوسهم من
الرمال.
ولتوضيح العلاقة بين البيئة والنسوية يشير النسويون إلى عدد من الحالات
يسبب التدهور البيئي من خلالها تراجعًا في نوعية حياة النساء والأطفال
والملونين. ويشير النسويون بشكل خاص إلى العلاقة بين قمع النساء وقمع
الطبيعة من خلال مراجعة الاقتصاد العالمي (ديون العالم الثالث والتخلف
وصناعة وتوزيع الغذاء وحقوق النسل والعسكرة والعنصرية البيئية). سنناقش
كل قضية من هذه القضايا على حده.
في السوق العالمية لا تملك منظومة الأمم المتحدة للحسابات الوطنية
UNSNA
أي منهجية في تحديد ما تنتجه الطبيعة وما يُدمَّر فيها طالما لم تُدخل
منتوجات الطبيعة في الاقتصاد النقدي وتقر بأنَّ معظم العمل تقوم به
النساء. على سبيل المثال أشارت مارلين ورينغ
Marilyn Warning
أنَّ الماء الذي تحمله النساء الريفيات من الآبار إلى منازلهن ليس له
قيمة نقدية ولكن الماء الذي يُنقل عبر الأنابيب يتمتع بقيمة نقدية[31].
ووفق هذه الأنظمة الحسابية يعد وجود بحيرة تزود النساء بمياه عذبة عديم
القيمة، ولكن عندما تتلوث هذه البحيرة على الشركات الدفع من أجل
تنظيفها وعندها يتم تسجيل نشاط التنظيف الذي يقوم به رجال على أنَّه
عمل يدرُّ دخلًا. أيضًا، الغابات التي تؤمن للنساء الطعام والوقود
وأعلاف لا قيمة لها وفق حسابات
UNSNA
حتى يتم احتطابها وتحويل منتوجها إلى بضائع قابلة للبيع فعندها فقط يتم
إدراج كل الصناعة المرتبطة بالخشب والتي غالبًا ما تكون عملًا يقوم به
الرجال على أنَّه يدر دخلًا. ولذلك يُعتبر جمع الخشب والحطب وإزالة
الأعشاب الضارة وتنظيف الأرض وإنجاب الأطفال وتحضير الطعام من عمل
النساء لأنَّ هذه الأعمال تحدث في القسم "الخاص" أو المنزل وبذلك لا
يدخل في الناتج الوطني الإجمالي
GNP
في أي بلد. وبهذه الطريقة لا يتم "احتساب" الطبيعة والنساء في اقتصاد
السوق العالمي، ومع ذلك يتعين على النساء والطبيعة دفع ديون العالم
الثالث. وكما لاحظنا حتى الآن فإن موروث الغزو الأوربي الاستعماري في
أسيا وافريقيا يتجلى في الانتقال من الزراعة الاكتفائية إلى زراعة
المحاصيل التجارية من أجل التصدير. يتطلب التقسيم الجنسي للعمل من
الرجال أن يتولوا أمور المحاصيل التجارية بينما تهتم النساء بالمحاصيل
الغذائية. وبما أنَّ التنظيف وإزالة الأعشاب الضارة من مهام النساء
عليهن بالتالي تنظيف حقول الرجال كما ينظفن حقولهن. تؤدي النساء
الافريقيات حاليًا ستين بالمئة من العمل الزراعي، ومن ستين إلى ثمانين
بالمئة من الصناعة الغذائية[32].
بالتالي ومن أجل إنتاج محاصيل تجارية ينتج عنها دخل يفي الديون الوطنية
على النساء الكدح أكثر من الرجال وكل ذلك من دون تعويض. هذا ويسمح
للرجال فقط بالتصرف بالمال أو الاستدانة في معظم البلدان النامية بناء
على الاعتقاد بأنَّ المال سوف " يفيد الأفقر مع ازدياد ثروة الأغنى"
وهذا مالا يحدث إلا نادرًا.
علاوة على ذلك تستنزف المحاصيل التجارية الموارد الطبيعية لهذه البلدان
النامية. في الهند على سبيل المثال، استبدلت بالغابات المدارية
المتنوعة محاصيلُ تجارية غير محلية كأشجار الأوكاليبتوس وقصب السكر
اللذين يتطلبان كمية كبيرة من الماء في منطقة شبه جافة. ونتيجة إزالة
الأشجار وخسارة المياه اضطرت النساء الريفيات إلى السير لمسافات أطول
كل يوم لجمع الحطب ونقل المياه[33].
ووفق إحدى الإحصاءات تمشي النساء في نيودلهي ما يعادل عشر كيلومترات كل
ثلاث إلى أربع أيام لما يعادل سبع ساعات تقريبًا في كل مرة لجمع الحطب
فقط[34].
مما يعني مرة أخرى أنَّ النساء يحملن أعباء غير متساوية ضمن منظومات
التخلف هذه.
تحتاج الدول الغنية في الشمال إلى الإقرار بدورها في خلق منظومات
التخلف الحالية والديون التي يستفيدون منها. وأساس الوفرة في الشمال
يكمن في وفرة الموارد الطبيعية والقوة العاملة في الجنوب. تزدهر حاليًا
مقايضة "الدين-مقابل-الطبيعة" حيث تقوم بلدان العالم الثالث من خلاله
بمقايضة جزء من ديونها بمواردها الطبيعية لسداد جزء من الدين الوطني
وهذا ليس سوى ظلم آخر في هذا النظام القمعي. تعد الفليبين، وهي بلد
مديون، من بين سبعين بلد يقومون سنويًا بتسديد ما يعادل خمسين مليار
دولار كفوائد فقط إلى الدائنين في العالم الأول[35].
وبهذا المعدل سيصبح العالم الثالث خادمًا أبديًا للدول الصناعية وهذه
النتيجة ستصب في مصلحة الرأسمالية. ولأنَّ الطبقية والإمبريالية
الاقتصادية (أو الاستعمار الجديد) قضايا نسوية ولأنَّ منظومة المحاسبة
الدولية تقتطع أثمانًا كبيرة من النساء والطبيعة فإن تحقيق فهم أفضل
لحالة القمع المتأصل في السوق العالمي سيحدث من وجهة نظر نسوية
إيكولوجية.
على الصعيد العالمي تنتج النساء ما يقارب ثمانين بالمئة من الغذاء
العالمي ولهذا السبب تتأثر النساء بشكل كبير عندما يحدث نقص في الطعام
أو الوقود أو تلوث في الموارد المائية. رغم أنَّ النساء ينتجن الطعام
إلا أن غالبية التدريب على التنمية الزراعية موجه للرجال، إضافة إلى
ذلك فإن الرجال والصبية أول من يحصل على الطعام وبالتالي يحصلون على
الأطعمة المغذية أكثر[36].
إنَّ المسؤول الأساسي عن ظاهرة الجوع العالمي هو التخلف وواقع السوق
العالمي الذي يتطلب من بلدان العالم الثالث تصدير المزيد من الطعام
والموارد من أجل سداد ديونهم الوطنية[37].
في الحقيقة تخصص البلدان النامية وسطيًا ما لا يزيد عن عشر بالمئة من
ميزانيتها للزراعة التي تطعم شعوبها[38].
علاوة على هذا الظلم في مجال التجارة وصناعة الغذاء هناك نمو هائل في
إنتاج واستهلاك اللحوم الذي يساهم بدوره في المجاعة العالمية.
وقد شجعت وكالات التنمية العالمية تربية الماشية في البلدان النامية
وموَّلت عددًا من المشاريع التي تستهدف تربية الماشية[39].
ولم تعد تلعب تربية الماشية دورًا أساسيًا في الحياة الأسرية أو مصدرًا
يقف في وجه التغيرات التي قد تحدث في السوق أو يسببها الطقس ولم تعد
مصدرًا للسماد والوقود الثمين للعائلات الريفية، فقد أصبحت التربية
الواسعة والمخصصة للتصدير عاملًا كبيرًا مسؤولًا عن التصحر وتلوث وندرة
المياه وتخريب طبقة الأوزون والمجاعة. وبدلًا من إنتاج المحاصيل
للتغذية تحولت مساحات واسعة من الأراضي الزراعية العالمية إلى إنتاج
علف للماشية. وتصل نسبة الحبوب العالمية المخصصة للماشية إلى 38
بالمئة، سبعين بالمئة منها في الولايات المتحدة فقط[40].
أمَّا مساحة الأراضي التي تحولت إلى زراعة الحبوب من أجل تربية المواشي
الخاصة بالاستهلاك البشري في الولايات المتحدة فتكفي لإنتاج 130 مليون
طن من الطعام الكفيل بإطعام 400 مليون جائع
[41].
بالتأكيد إن توافر هذا القدر من الطعام لا يعني أنَّ هذا العدد من
البشر قد حصل على الطعام لأنَّ تحقيق هذا الأمر يتطلب عدالة سياسية في
التوزيع. على أي حال لابدَّ أنَّ هذا السعي إلى الحصول على الطعام
الأفضل يناسب ذائقة الشركات العديدة في البلدان الصناعية ويتحقق على
حساب ما يقع بين 40 و60 مليون إنسان غالبيتهم من الأطفال ممن يموتون
سنويًا من الجوع أو سوء التغذية.
تعد تربية الماشية السبب الرئيسي للتصحر حيث يتم القضاء على الغابات
بالتدريج من أجل توفير مساحة للماشية. في أمريكا الوسطى قُضي على ما
يقارب 25 بالمئة من الغابات منذ 1960 من أجل هذا الغرض، وفي المكسيك
لوحدها تم تحويل ما يصل إلى 37 آكر من الغابات إلى مراعي منذ 1987[42].
ويتطلب إنتاج ربع رطل من البرغر إلى 55 قدم مكعب من الغابات المدارية
التي اقتلعت لإنتاج ما يكفي من اللحم لهذا الربع[43].
وعدا عن رصِّ التربة بسبب حوافر القطعان الثقيلة سبَّب الرعي الجائر
منع الأرض من القدرة على امتصاص مياه المطر وهذا بدوره أدى إلى جرف
مياه المطر للتربة السطحية. تتطلب تربية القطعان أيضًا كمية كبيرة من
المياه حيث يتم استخدام ما يفوق ثلاث آلاف لتر من المياه لإنتاج
كيلوغرام من اللحم[44].
وعندما تضطر النساء إلى المشي سبع ساعات يوميًا للحصول على الماء من
أجل عائلاتهم وماشيتهم فلا بد أن تصبح تبعات هذا الأمر على البيئة قضية
نسوية إيكولوجية.
أيضًا تعد تربية المواشي الموسعة مصدرًا للتلوث. تطلق الحيوانات ما بين
الفضلات الغازية وتلك الصلبة منها غاز الميثان وهو ثاني أسوأ غازات
الدفيئة. حاليًا وعلى نطاق العالم تطلق الماشية ما بين 15 إلى 20
بالمئة من غاز الميثان إلى الجو[45].
ويتسرب غاز النتروجين في روثهم إلى الجو على شكل مركبات نشادر غازية
تسبب بدورها الأمطار الحمضية. وتصل نسبة الفضلات التي تخلفها التربية
الحيوانية كل عام إلى ما يقارب 2 مليار طن[46].
بالإضافة إلى هذا هناك مصادر تلوث أخرى غير طبيعية، حيث يتم حقن
القطعان بالمضادات الحيوية والهرمونات والمواد الكيماوية التي تبقى في
لحومها وتنتقل إلى البشر عندما يستهلكونها.
ويشيع الاعتقاد بأنَّ استخدام هذه المواد الكيماوية يزيد الإنتاج
وبالتالي يرتفع الربح، ولكن لهذا التدخل التكنولوجي البيولوجي عواقب.
يعاني البشر والحيوانات من هذا التلاعب العلمي في الإنتاج والتربية.
على سبيل المثال، الأبقار الحلوبة التي عادةً ما تُحلب بأكثر من طاقتها
مجبرة على إعطاء المزيد ولذلك تُحقن بهرمون النمو بوفين
BGH[47].
ولا يؤثر هذا التدخل الهرموني على الحيوانات التي تحولت أيضًا إلى
"معامل للطعام السريع"[48]
ولكن على المربين الصغار أيضًا ممن يعجزون عن منافسة هذه الصناعات
الكبرى. ويشير المربون المتضررين إلى أنَّ شركات الأدوية المتعددة
الجنسية هي المستفيد الأكبر من هذا التدخل التكنولوجي[49].
فالأسواق الأمريكية متخمة بمنتجات الألبان مما سبب انخفاضًا شديدًا في
أسعارها. وسيدفع تراجع أسعار الألبان بسبب استخدام هرمون النمو بوفين
وبالتالي إنتاج المزيد معظم المزارعين الأمريكيين إلى الإفلاس[50].
إنَّ تصاعد وتيرة التدخل البيولوجي في الزراعة ونمو الصناعة
التكنولوجية البيولوجية الواسع من القضايا التي تهم النسويين
الإيكولوجين. هناك زيادة متواترة في تشييء أجساد النساء والحيوانات
والتحكم بها على حد سواء بالإضافة إلى الاستغلال الاقتصادي للطبقة
العاملة لشعوب العالم الثالث. ولم يعد يخفى على أحد أنَّ هذا التدخل
التكنولوجي الذي كان ينظر إليه على أنَّه دواءٌ لكل العلل وطريقٌ
للتطور والتنمية وزيادة الإنتاج وبالتالي تحسين نوعية الحياة قد خلق
مشكلات أخطر من المشكلات التي يفترض به حلَّها. وكما اقترحت فاندانا
شيفا يبدو أنَّ هذه "التحسينات" التي قدمتها "الثورة الخضراء" قد حولت
البذرة إلى بضاعة امتلكتها وتحكمت بها قلة من الشركات الغربية الثرية،
ونهبت من المزارعين ومن منتجاتهم النزاهة والصلاحية: "لم يكن هدف
التخطيط الاجتماعي والسياسي للثورة الخضراء تغيير البذور فقط بل
العلاقات الاجتماعية أيضًا"[51].
وساهم التدخل التكنولوجي البيولوجي في الزراعة في تكريس علاقات التبعية
بين الدول الأفقر ومواطنيها و"المُطورين" الأغنياء للبذور الخارقة.
يمكن ملاحظة علاقة تبعية أخرى موازية للعلاقة السابقة بين النساء ومن
يتحكمون بالمعرفة التي تتحدث عن أجسادهن. فالأخطار الناجمة عن التدخل
العلمي في أجساد النساء والحيوانات أكثر وضوحًا على وجه الخصوص في مجال
تكنولوجيات التناسل. وقد وثقت جينا كوريا
Gena Corea
معاناة النساء من التجارب التناسلية والكيفية التي يُدمِّر بها العلاج
بالهرمونات المبايض. وكيف أنَّ الآثار البعيدة المدى لهذا العلاج لم
تُدرس بعد، وكيف يدمِّر التدخل الجراحي المبايض والرحم، بالإضافة إلى
التقليل من خطر التخدير والالتهابات[52].
وهناك أيضًا إيديولوجيا الأمومة التي تجبر النساء على الاعتقاد بأنهنَّ
فاشلات إن لم يستطعن إنجاب الأطفال وهي إيديولوجيا راسخة جدًا لدرجة
تدفع النساء القادرات ماديًا على "الموافقة" على التدخل الطبي في
أجسادهن. وقد تمَّ تطوير وتطبيق العلم من قبل البيض ومن قبل رجال
الطبقة الوسطى الغربيين على وجه الخصوص، فقد استغل هؤلاء أجساد النساء
والحيوانات والطبيعة أيضًا. وكان مبرر هذه الممارسات أنَّ النساء
والحيوانات مختلفان ودونيان لذلك فإن استغلالهما من أجل "التطور" شرعي.
يشير النسويون إلى المضامين السلبية للسيطرة العلمية على أجساد النساء
وقدرتهنَّ التناسلية. وتظهر هذه المضامين بشكل أكبر في الجدل القائم
حول الكثافة السكانية العالمية. من الضروري أن نميز بين التحكم بالعدد
السكاني وخيار التناسل من حيث الاصطلاح ومن حيث الفرضيات الأساسية لكل
منهما. وترى بيتسي هارتمان أنَّ سياسة التحكم بالعدد تفترض أنَّ
الاكتظاظ السكاني هو السبب الرئيسي لكل المشكلات في العالم من المجاعة
والتصحر والصعوبات الاقتصادية والسياسية[53].
وبناءً على هذا الاعتقاد يجادل أصحاب إيديولوجيا التحكم بالتعداد بوجوب
إقناع الناس أو إجبارهم على إنجاب أطفال أقل وهذا يمكن تحقيقه من خلال
إيصال وسائل منع الحمل إلى نساء العالم الثالث وإشراف السلطة المحلية
على فرضها. قد يكون النمو السكاني قضية حقيقية. ويعد مشروع الأمم
المتحدة لإحصاء السكان والذي يقول بأن عدد السكان الذي سيصل إلى 10.5
مليار نسمة بحلول عام 2011 مما سيسبب تراجعًا بيئيًا وصعوبات اقتصادية
على السكان في العالم الثالث هو شكل آخر من أشكال العنصرية والتمييز
الجنسي ولوم الضحية.
لا يمكن تجاهل قضية الكثافة السكانية العالمية ولكن من وجهة نظر نسوية
إيكولوجية لا توصف كلمة "الكثافة السكانية" المشكلة بطريقة يمكن التوصل
إلى حل لها. فالأمر هو عبارة عن إفراط الغرب في الاستهلاك بالتوازي مع
التوزيع غير العادل للثروة والموارد والقوة على الصعيد العالمي وهذا
سبَّب مجاعة عالمية وتراجعًا بيئيًا. يهمش التحكم بالعدد السكاني
القضايا الحقيقية التي تتناول حيوات النساء وتلقي بمسؤولية الاكتظاظ
السكاني العالمي عليهن. ومن وجهة النظر النسوية الإيكولوجية يجب النظر
إلى مشكلة عدد السكان بالتقاطع مع عدة عوامل: التحكم بالنسل والاقتصاد
الاجتماعي والوضع الاجتماعي للنساء على وجه الخصوص.
يعني التحكم بالنسل سهولة الوصول إلى وسائل منع الحمل، من بينها
الإجهاض الاختياري، وهذا بدوره يعني التحرر من التحكم الطبيعي
والإجباري بالحمل والأمومة أيضًا والقدرة على التحكم بالعدد والزمن
الفاصل بين الأطفال. رغم هذا فإن وسائل منع الحمل المتوفرة حاليًا
خطيرة على حياة النساء. على سبيل المثال عندما تذهب النساء الفقيرات
إلى العاملين في مجال الصحة عادة ما يخترن بين عدة وسائل غير آمنة كوضع
أداة في الرحم
IUD
أو زرع أداة تطلق هرمونات مثل
Norplant
أو الحقن بمواد تمنع الحمل كمادة ديبوبروفيرا
Depo-provera
أو اللجوء إلى العمليات الجراحية. بالنسبة للوسائل الثلاث الأولى فمن
الشائع أنَّها تسبب نزيفًا دائمًا والتهابات وأمراض وقد تؤدي إلى
الموت. أمَّا خيار العملية الجراحية التي تنهي خصوبة المرأة فقد يسبب
في العديد من البلدان تجويع أو موت المرأة حيث ينظر إلى المرأة العاقر
كزوجة غير مناسبة لأنها غير قادرة على حمل الأبناء. وبما أنَّ بقاءها
على قيد الحياة يعتمد على دورها كجزء في الوحدة الإنتاجية للعائلة فقد
تجبر على التسول أو الدعارة لدعم نفسها وأطفالها.
ولكن برامج التحكم بالنسل لوحدها مسؤولة فقط عن 15 وحتى 20 بالمئة من
التراجع العام في نسبة الخصوبة، وتعزى النسبة الباقية إلى العوامل
الاجتماعية والاقتصادية كالأمان الاقتصادي وتزايد معدلات محو الأمية
والتعليم والرعاية الصحية وفرص عمل أفضل للنساء. في المجتمعات الزراعية
الريفية قد يتوقف رفاه العائلة على امتلاك عمال أكثر لزراعة الطعام
وإحضار المياه وجمع الحطب، والغالبية العظمى من العائلات في العالم
الثالث لا تملك رواتب تقاعد أو تأمين اجتماعي وبالتالي يغدو الأطفال
الشكل الوحيد للأمان عند تقدمهم بالعمر. لكن لا يصل كل الأطفال في
عائلات العالم الثالث إلى مرحلة البلوغ فمعدلات الوفيات بين الأطفال في
العالم الثالث تصل 90 وفاة بين كل ألف طفل و150 وفاة لكل ألف طفل في
بعض البلدان الافريقية في حين تصل النسبة إلى 20 طفل في البلدان
الصناعية.
علاوة على ذلك فإن منظومات التناسل عند النساء وأجهزة مناعة الأطفال
الحساسة مع معدلات نموهم السريعة تجعلهم عرضة للأمراض التي تسببها
البيئة بشكل خاص. ولكن مع التغير في الاقتصاد حتى الفقراء جدًا لن
يحتاجوا إلى هذا العدد من الأطفال، فعندما تتمكن النساء من الحصول على
التعليم والعمل سيرغبن بعدد أقل من الأطفال. ويُظهر بحث هارتمان
"بأنَّه لا يوجد بلد حقق معدلات ولادة أقل مالم تنخفض معدلات وفيات
الأطفال فيه"[54].
وحتى تحصل النساء على التقدير المنفصل عن الوظيفة الإنجابية ويكون
للفحولة الرجولية دور غير إنجاب المزيد من الذرية سيكون هناك أمل ضعيف
في تقليل معدلات الولادة.
مع هذا الخلل الكبير في الكثافة السكانية وتوزيع الطعام والموارد من
الطبيعي أن تشعر القلة الغنية بالحاجة إلى حماية حصتها غير العادلة من
موارد الأرض من الأغلبية. لهذا حصل خلال هذا القرن نمو هائل في العسكرة
سببه إحساس كبير بالخوف الناجم عن الحاجة إلى فرض السيطرة. وحسب
تحليلات نشطاء السلام النسويين يكمن جذر قضية العسكرة في البنية
الاجتماعية للذكورة القائم على فكرة الذات كأمر منفصل، فقد جرى عزل
الذات الذكورية لدرجة أنَّ الطريقة الوحيدة لكسر حدود الأنا المتشددة
هي الصراع المصيري الذي قد ينتهي بالموت[55].
وبالنظر إلى مشكلات الذكورة يُنظر إلى البطولة كوسيلة للتأكيد وإثبات
الذكورة بشكل مستمر. والبطولة كما توضح نانسي هارتسسوك
Nancy Hartsock
تتحقق من خلال عدة خطوات: أولًا، يجب إقصاء النساء؛ ثانيًا، المحافظة
على حالة المنافسة المستمرة والقائمة على الربح والخسارة، وحتى يربح
رجل سيخسر رجل آخر؛ ثالثًا، العمل البطولي الممكن سيحدث فقط بطريقة
منفصلة عن الحياة والحاجات اليومية؛ رابعًا، فصل الذات واللحظة عن الكل
الأكبر[56]،
فلا يمكن أن تتحقق الأعمال البطولية ما لم يكن الوضع خطير جدًا لدرجة
يهدد فيها بقاء الرجل. ويقترح النسويون الإيكولوجيون أن العقلية
البطولية بحد ذاتها هي ما جر العالم إلى حالة دمار إيكولوجية، ولكن
للأسف لن يتصرف الأبطال ما لم تصل الأزمة إلى حدود الكارثة[57].
في الحقيقة ما يحصل الآن هو هذه المنافسة القائمة على الربح والخسارة
حيث يغدو الربح العسكري خسارة تعاني منها النساء والأطفال بشكل لا
يُصدق. في عام 1987 بلغت الميزانية العسكرية الأمريكية 293 مليار دولار
وكانت تشكل 27.8 من النفقات الفيدرالية[58].
في عام 1990 بلغت نسبة النفقات العسكرية 980 مليار أو ما يعادل 185
دولار لكل فرد على الكرة الأرضية بينما وصلت نسبة النفقات على التخطيط
الأسري إلى حوالي 4.5 مليار دولار[59].
وكما يبدو فإن الأولوية العالمية هي قتل الناس وليس خلق الحياة أو
الحفاظ عليها. وبالنسبة للملايين ممن يعانون من سوء التغذية والجوع
وغياب الرعاية الصحية والمياه الملوثة وكل المشكلات التي تنجم عن الفقر
فإن تزايد الإنفاق العسكري شكل من أشكال الحرب بحد ذاتها.
وتعد العسكرة السبب الرئيسي للتشرد البشري وهي مشكلة يعاني منها
الأطفال والنساء كثيرًا. على الصعيد العالمي هناك ما يفوق 15 مليون
لاجئ حرب وتصل نسبة النساء والأطفال منهم بين 75 وحتى 90 بالمئة[60].
على سبيل المثال نجم عن الحرب الاسرائيلية-الفلسطينية 600 ألف لاجئ
يعيشون في قطاع غزة بكثافة تصل إلى خمسة آلاف وأربع مئة وأربعين شخص
لكل ميل مربع[61].
ومعظمهم من الأطفال تحت سن الرابعة عشر. في الهند يصل عدد اللاجئين إلى
150 ألف لاجئ أغلبيتهم من مناطق ريفية تصحرت بسبب السياسيات الاقتصادية
الاستعمارية للتخلف وهم يعيشون الآن في شوارع بومباي[62].
وحول العالم ينال سكان المدن الفقيرة حصة هائلة من المشكلات المدنية
التي تتراوح بين مشكلات مكبات النفايات السامة والمصادر المائية
الملوثة وحتى الحركة المرورية السريعة. ويحدث كل هذا لأنهم لا يملكون
الإمكانات الاقتصادية والسياسية التي تحميهم من هذه الظروف.
علاوة على هذا تعد القوى المسلحة المسبب الأول للتلوث عالميًا، فإنتاج
وتجريب الأسلحة مع نفاياتها الكيماوية والنووية السامة بالإضافة إلى
ممارساتهم العنيفة سببت ضررًا غير مبرر على النساء والأطفال وعلى الأرض
والحيوانات والبشر وغير البشر ممن يعيشون عليها[63].
خلال حرب الخليج تم القضاء على 80 بالمئة من الجِمال في الكويت وهذا
يعني أنَّه قُضي على ثمانية آلاف جمل بالإضافة إلى ما تصل نسبته إلى
ثلاثين ألف طير نافق بسبب بقع النفط. وخلال الحروب الأهلية في العديد
من البلدان الافريقية قُضي على الكثير من الحيوانات كوحيد القرن
والفيلة وأفراس النهر وحديثًا غوريلات الجبال بمعدلات مخيفة. وتَظهر
الآثار المخيفة للحرب على البرية والحياة البرية في فيتنام، فالصراع
الذي حصل في فيتنام كان له التأثير الأكثر تدميرًا للبيئة حيث أُبيد ما
يعادل 5.43 مليون آكر من الغابات المطرية المدارية. وأصبح أحد عشر
نوعًا من الحيوانات التي تعيش فقط في منطقة الحرب الواقعة في جنوب شرق
أسيا معرضًا حقًا لخطر الانقراض. وإن مات ما تبقى من ثيران الغابة
البرية والقرود ذات القلنسوة فإن هذه الأنواع ستختفي للأبد[64].
يهتم النسويون الإيكولوجيون على وجه الخصوص بالعنصرية البيئية التي
تُعرف بأنها "التخلص من أو وضع أو استجلاب مواد أو أدوات خطيرة بيئيًا
إلى مجتمعات الملونين في أمريكا الشمالية وحول العالم وذلك لدواعي
العرق وضعف تلك المجتمعات"[65].
في الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال يعد العرق السبب
الأساسي في اختيار مواقع رمي النفايات الخطيرة حيث ثلاثة من بين خمسة
أمريكيين سود أو أمريكيين لاتينيين يعيشون في مناطق تعد مواقع نفايات
سامة غير مراقبة. ويشرب 75 بالمئة من سكان المنطقة الغربية الجنوبية
ومعظمهم من اللاتينيين مياهًا ملوثة بالمبيدات الحشرية، ويعاني ما يصل
إلى 700 ألف طفل في المدن من التسمم بالرصاص الذي يسبب صعوبات في
التعلم، وتم التخلص من حوالي مليوني طن من مخلفات اليورانيوم في أراضي
هندية مما سبب ارتفاع نسبة الإصابة بسرطان الأعضاء التناسلية بين
المراهقين من شعب نفاغو إلى سبعة عشر أضعاف المعدل الوطني[66].
أمَّا بالنسبة لحاجات وثقافات السكان المحليين فهي بالكاد تدخل في
اعتبارات مشاريع التنمية. في بابوا غينيا الجديدة ساهم إنشاء منجم
بانغونا لاستخراج النحاس بمنطقة بوغينفيل في تشريد السكان المحليين،
حيث أقامت الحكومة هذا المنجم المربح جدًا لقاء تعويضات رمزية عن بيوت
وأراضي السكان المحليين. وحتى عام 1989 حين نجح السكان المحليون
المشردون في إغلاق المنجم نهائيًا كان المنجم يساهم بسبعة عشر بالمئة
من عائدات البلد الجارية وأربعين بالمئة من الدخل الذي يأتي من
الصادرات[67].
يتم حاليًا في الأمازون تشريد شعب اليانومامي الأصلي[68]
بسبب عمليات التنجيم في مقاطعات رورياما وأمازوناس وهي مقاطعات في شمال
البرازيل. وتلوث هذه المناجم الأنهار المحلية بالرواسب والزئبق وهو
المسؤول عن 15 بالمئة من نسبة الوفيات بين السكان الأصليين. في هاوي
يقع الحفر الحراري على منحدرات بركان مونا لوا
Mauna loa
النشط في كيلوي
Kilauea،
ويمكن اعتبار هذا الحفر عمل من أعمال العنصرية البيئية فهو يخرق
المعتقدات الدينية والثقافية لسكان هاوي الأصليين ممن يعتقدون بأنَّ
البركان تجسيد للآلهة بيلي
Pele.
ويطلق هذا الحفر الحراري غاز كبريتيد الهيدروجين السام الذي يسبب
التآكل والمرض بمعدلاته الدنيا والموت بمعدلات مرتفعة. ويعني الحفر على
بركان نشط أنَّ أي حالة فوران ستدمر الآبار والأنابيب وستنطلق غيمة
سامة فوق آلاف البيوت. ويتم استخدام الطاقة الناجمة عن الحفر في
الصناعة المتنامية في كل من أوهو وماوي. هناك أيضًا مشروع إنشاء معمل
لتذويب المعادن وهو أحد مشاريع التنمية التي سيسهم بدوره في تغطية سطح
المحيط بالمنغنيز والكوبالت والنيكل مما سيسبب مشكلة نفايات سامة حيث
سيتم القاء السموم عبر خنادق تنتهي في المحيط الذي يعد المصدر الرئيسي
للصيد للسكان المحليين[69].
ومن خلال هذه الأمثلة الوافرة أصبح من السهل فهم السبب الذي يدعو إلى
اعتبار الصحة الكوكبية والدمار البيئي العالمي قضايا نسوية. فالالتزام
بصحة المرأة، بالصحة التناسلية (الحرية من الأمومة الإجبارية وحرية
الاختيار بين الأمومة وتنظيم الحمل) وصحة العمال (من حيث الظروف الآمنة
والتعويضات العادلة) والصحة العامة (من حيث توفير موارد غذائية وافية
ووقود ومياه ومأوى) يعني الاهتمام بالصحة الكوكبية. رغم هذا يتم توجيه
استثمار المزيد من الموارد الاقتصادية والطبيعية من أجل دمار الحياة
بدلاً من دعمها. وفي بلدان العالم الثالث يموت كل عام أكثر من مليون
ونصف طفل تحت سن الخامسة جراء مرض الحصبة وأكثر من 900 ألف طفل يموتون
سنويًا من الكزاز[70].
ولذلك يمكن أن تساهم الرعاية الصحيَّة
غير المُكلفة والفعَّالة في انقاذ 14 مليون طفل تحت سن الخامسة بتكلفة
تصل إلى 2.5 مليار دولار سنويًا وهو ما يعادل الإنفاق العسكري العالمي
في يوم واحد[71].
وتستهلك النزعة الصناعية والعسكرة والاستهلاك المفرط معظم موارد الأرض
وتلوث الهواء والماء والتربة على سطح الأرض في الحين الذي تدفع فيه
النساء والأطفال والشعوب الملونة والأرض بحد ذاتها الثمن من صحتهم
وحياتهم. النسوية الإيكولوجية حركة نسوية من أجل السلامة العالمية ولكن
هذه السلامة لا يمكن أن تتحقق في سياق حالة الظلم. يؤمن النسويون
الإيكولوجيون أن تكلفة تجاهل حاجات النساء كثيرة: نمو سكاني عشوائي
وارتفاع معدل وفيات الرضع والأطفال واقتصادًا مُنهكًا وزراعة غير
فعَّالة وبيئة متدهورة ومجتمع مُنقسم وحياة فقيرة للجميع[72].
وإن أردنا حقًا أن نحقق تغييرًا لابدَّ من معالجة القمع الواقع على
النساء وعلى الأرض معًا.
بناء إطار عمل نسوي إيكولوجي
وسيرًا على نهج النسويين الاجتماعيين الأمريكيين ممن بدأوا خلال
سبعينيات القرن الماضي بتحليل القمع الذي تتعرض له النساء من قبل
السلطة الأبوية والرأسمالية معًا، قام
النسويون
الإيكولوجيون بتطوير نهج "متعدد النظم" لفهم القوى المتداخلة والعاملة
على قمع النساء والطبيعة. وبناءً على الرؤى المبدئية للنظريات النسوية
الاجتماعية[73]
وتجارب النشطاء في حركات السلام والحركات المعادية للتوجه النووي
والعنصرية والاستعمارية والصديقة للبيئة وتحرير الحيوانات، تبني
النظرية النسوية الإيكولوجية وتقدم منهجًا تاريخيًا مؤطرًا وشاملًا لحل
القضايا التي ناقشناها قبل قليل. يؤمن النسويون الإيكولوجيون بأنَّ
الأزمات العالمية الحالية سببها التعزيز المتبادل بين أيديولوجيات
التمييز العنصري والجنسي والطبقية والإمبريالية والطبيعانية/عبادة
الحالة الطبيعية
Naturism
والنوعانية
speciesism.
ويرون أيضًا أنَّ أفضل طريقة لفهم هذه الأيدولوجيات المنفصلة من حيث
المفهوم أخذها بعن الاعتبار كمسارات قوية تتقاطع مع بعضها بعضًا (بدرجة
قليلة أو كبيرة وبما يتفق مع السياق) وتؤسس بذلك نظم القمع المُركبة.
ومن أجل إيضاح اختلاف التحليل النسوي الإيكولوجي عن النظريات الأخرى
رغم استعانته بها، سندرس قضية معينة وهي التربية الحيوانية التي يمكن
اعتبارها منظومة تبقي الحيوانات محجوزة في حظائر كبيرة حيث كل جانب من
جوانب حياتها مُنظم لتحقيق عائد أكبر بتكلفة أقل. سندرس هذه القضية من
منظور نظري وحسب عدد من المناهج المختلفة وستكون هذه التحليلات وجيزة
بالضرورة وتهدف ببساطة إلى الإشارة إلى أن لجوء العديد من المنظرين إلى
الاستعانة بحجج ومراجع مختلفة في معالجة قضية ما ينتهي أحيانًا بخلاصات
مختلفة ولكنها غير متعارضة.
قد يجيب النسويون على مسألة التربية الحيوانية المكثفة بطرق عدة. فمن
منظور نسوي ليبرالي على سبيل المثال قد لا يعد استخدام الحيوانات كغذاء
بغض النظر عن أسلوب تربيتها إشكاليًا. بالنسبة لهؤلاء النسويين يدور
الاعتبار الاخلاقي حول امتلاك القدرة العقلية وهي قدرة تفتقدها
الحيوانات، وهم وفق هذه الرؤية يرسخون الانقسام الليبرالي التقليدي
الذي يفصل بين الثقافة والطبيعة[74].
وينصب اهتمامهم على الاعتراف بالنساء كمخلوقات عقلانية بالكامل
وبالتالي منحهن الامتياز الكامل في المشاركة ببناء الثقافة البشرية.
وكالطبيعة فالحيوانات تقع خارج مملكة الثقافة حيث يمكن استخدامها
لتحقيق الغايات البشرية. أيضًا يركز النسويون الليبراليون على
استقلالية البشر كأفراد في اختيار طعامهم. ووفق نظريتهم يمكن للأفراد
القيام بكل ما هو ممتع ومشبع مادام لا يؤذي أي إنسان آخر بهذا العمل.
وبما أنَّ الحيوانات لا تدخل ضمن هذه الاعتبارات سيكون اهتمام النسوي
الليبرالي بالتربية الحيوانية المُكثفة منصبًا على التوزيع غير العادل
للبروتين الحيواني وتأثير مثل هذا التوزيع على حيوات النساء من دون أخذ
تأثير هذا التربية الصناعية على الحيوانات بعين الاعتبار[75].
ويركز النسويون الاشتراكيون أيضًا على البشر لكن رغم هذا فإن مجال
تركيزهم في تحليل قضية التربية الحيوانية المكثفة يختلف عما ركَّز عليه
النسويون الليبراليون. وسيتمحور نقد النسويين الاشتراكيين في قضية
أساليب تربية الحيوانات واستهلاك البروتين الحيواني المُصنَّع معمليًا
على الطبيعة الرأسمالية الأبوية للتربية الحيوانية. وقد يشيرون على
سبيل المثال على أنّه في الولايات المتحدة هناك ثمانية شركات مسؤولة عن
موت 5.3 مليون طائر سنويًا وهي تتحكم أيضًا بأكثر من نصف سوق الدواجن[76].
وقد يشيرون أيضًا إلى أنَّ 95 بالمئة من كل العاملين في قطاع الدواجن
نساء سوداوات مسؤولات عن تنظيف ما يزيد على خمسة آلاف دجاجة كل ساعة
وينجم عن هذا معاناتهم من العديد من الاضطرابات نتيجة للحركة والتوتر
المستمر[77].
ويلجأ المستفيدون من تربية الحيوانات المعملية إلى هذا من خلال استغلال
المجموعات المُعدمة التي قد تكون مجموعات من العاملات البيضاوات
اللواتي ينتمين إلى الطبقة العاملة أو مجموعات الملونين. وقد يتضمن
التحليل النسوي الاشتراكي أيضًا دراسة حول كيفية تسليع أجساد الحيوانات
وتسويقها إلى النساء اللواتي يعتبرن مسؤولات عن طبخ اللحم وتحويله إلى
عشاء لأزواجهن وأولادهن. وسيدرس هؤلاء النسويون أيضًا الحالة
الاجتماعية المرتبطة بمن يستطيع في هذا البلد تحمل تكاليف تناول
الشرائح الرفيعة الغالية مقارنة يمن يستهلك القطع الصغيرة ولحم الصدر
الرخيص، بالإضافة إلى مضامين أنماط الاستهلاك السالفة الذكر في
العلاقات الاجتماعية-الاقتصادية الأوسع بين الطبقات.
ينظر المنظرون البيئيون إلى الاستهلاك البشري للحيوانات كجزء أساسي في
السلسة الغذائية الإيكولوجية: "فالعالم الطبيعي في الحقيقة عالم يعيش
فيه كائن على حساب كائنات أخرى"[78].
ويركز هؤلاء المنظرون على التحليلات البيولوجية والشمولية وبالتالي فهم
يرفضون النباتية كخيار يبعد الكائنات البشرية عن آليات عمل الطبيعة[79].
وهذا لا يعني على أية حال القول إنَّ كل هؤلاء
المنظرين
سيوافقون على التربية الحيوانية المكثفة. على العكس تمامًا فإن
تحليلاتهم لمثل هذه الممارسات تركز على "التحول الكامل من السيرورات
العضوية إلى الآلية"[80].
وما يثير الاحتجاج في طريقة التربية الحيوانية الصناعية هو العملية
التي يتم من خلالها تدجين الكائنات الحية والتلاعب بها من خلال إكثارها
والتدخل البيولوجي التقني وبالتالي اختصارها إلى وحدات منتجة للغذاء.
إضافة إلى ذلك فإن عملية تصنيع الغذاء تتطلب كميات هائلة من الطاقة
والمياه والمراعي وتنتج كميات كبيرة من الفضلات المُدمرة للبيئة بحد
ذاتها.
وسيغدو التركيز عند تحليل التربية الحيوانية الصناعية في العالم الثالث
على المؤسسة لكونها واحدة من بين العديد من المؤسسات التي تساهم في
الاستهلاك الزائد في الشمال[81].
وكما أشرنا سابقًا فإنَّ هذا النوع من التحليل سيدرس الطرائق التي تبدد
فيها التربية الحيوانية المكثفة كميات كبيرة من البروتين يمكن استخدامه
لإطعام الملايين من البشر الجائعين حول العالم. ولا يتم الاستفادة إلا
من17 بالمئة من الطاقة والحبوب التي تتغذى عليها الحيوانات وذلك بشكل
حليب وستة بالمئة كلحم[82].
علاوة على ذلك قد يربط هذا التحليل بين زيادة التربية الحيوانية
الصناعية وبين التطورات الاقتصادية التي حدثت بعد الحرب العالمية
الثانية عندما قامت الشركات المتعددة الجنسيات العاملة في القطاع
الزراعي باستغلال العالم الثالث من خلال فرض سياسات زراعية معينة
كالمحاصيل التجارية والزراعة الأحادية والدمج. وقادت هذه السياسات إلى
حالة جديدة خسر فيها المنتجون المستقلون استقلاليتهم ولم يعودوا قادرين
على تحمل تكلفة الإنتاج. وبالتوازي فإنَّ هذا ما يحدث في التربية
المكثفة في العالم الأول حيث الشركات الصغيرة التي تملكها العائلات
تعلن إفلاسها لأنها ببساطة لا تستطيع منافسة الشركات الكبرى. تتوجه
أيضًا الشركات الزراعية الكبرى إلى بلدان العالم الثالث فتقطع الأشجار
وتهجر السكان وتشوش المنظومة الاقتصادية بهدف استيطان الأرض من أجل
التربية الحيوانية المكثفة.
وسيطرح منظور تحرير الحيوانات أنَّ التربية الصناعية غير أخلاقية بحد
ذاتها. ويجادل المدافعون عن الحيوانات أن الكائنات غير البشرية كائنات
قادرة على الشعور بجودة أو سوء حياتها، وتشعر بالألم وتختبر المتعة
وتهتم بالعيش حرة من أي قيد. وتتجاهل شروط التربية في المزارع الصناعية
أبسط حاجات الحيوانات، ولهذا على
البشر الكف عن استهلاك الطعام المُصنَّع والتحول إلى النباتية[83].
على المستوى الفلسفي وبسبب الفوارق في الحجج التي تنحاز لمصلحة
الحيوانات[84]،
قد يوجد إجماع صعب حول الوضع الأخلاقي المتعلق بالحيوانات وأنهم
متساوون مع البشر ولذلك لا يجب إلغاء الاعتبارات الأخلاقية في التعامل
معهم. ويعد الفشل في أخذ مصير الحيوانات وفق الاعتبارات الأخلاقية
تحيُّزًا نوعانيًا وهو موقف يصرُّ على أنَّ الكائنات غير البشرية أقل
قيمة من أن تؤخذ بعين الاعتبار لأنها غير بشرية[85].
وهذه التحليلات التي تتناول التربية الحيوانية ليست الوحيدة، فعلى سبيل
المثال قد يستعين النسويون الاشتراكيون بالمنظور البيئي و/أو
بالتحليلات التي تتناول واقع العالم الثالث. ويستعين أيضًا مناصرو حركة
تحرير الحيوانات بالمنظور البيئي فيما يتصل بموضوع تأثيرات التربية
المصنعية على الحيوانات المُدجنة وعلى الحيوانات البريّة التي دمرت هذه
الصناعة مواطنها الأصلية. أمَّا النقطة التي نحاول تسليط الضوء عليها
فهي أنَّ كل منهج من هذه المناهج المختلفة يركز على عنصر أو اثنين من
عناصر القمع كجزء محوري في التحليل. فإطار عمل نسوي إيكولوجي سينظر إلى
كل هذه الأشكال المختلفة من القمع على أنَّها مركزية في فهم مؤسسات
معينة. ولذلك على سبيل المثال يعد التحليل النسوي الإيكولوجي من بين
العديد من التحليلات التي تدرس الطريقة التي يدعم فيها منطق الهيمنة[86]
هذه المؤسسة وليس فقط تأثيره على حياة الحيوانات بل تأثيره على حياة
العمل والنساء والطبيعة.
من خلال دراسة العلاقة بين أنواع القمع المختلفة يقدم النسويون
الإيكولوجيون نقدًا فريدًا للتربية الحيوانية الصناعية. من المهم
الإشارة إلى أنَّ هذه التحليلات لم تظهر حتى عام 1964 حين خرج كتاب روث
هاريسون الآلات الحيوانية
Animal Machines
وقدمت فيه أولى التحقيقات الكبرى في مجال التربية
الصناعية. رحبت الرائدة النسوية الايكولوجية ريتشل كارسون
Rachel Carson
بهذا الكتاب وكتبت في مقدمته: "عند قراءة كتاب الآلات الحيوانية سيثير
هذا من كل بد مشاعر الخيبة والاشمئزاز والغضب"[87].
حاليًا يناقش النسويون الإيكولوجيون قضية النباتية الأخلاقية السياقية
وهي إمكانية تحمل مسؤولية الظلم الذي تسببه التربية الحيوانية
الصناعية ولكن في الوقت عينه السماح أو تبرير التقاليد الغذائية
للسكان الأصليين[88].
ويعد التركيز على السياق والتنوع أحد نقاط القوة في النظرية النسوية
الإيكولوجية. على أي حال، وخلال العقد الأخير خلق التنوع في وجهات
النظر التي أصبحت معروفة بالنسوية بالإيكولوجية توترًا نظريًا مهمًا،
فعلى سبيل المثال لا يتفق معظم النسويون الإيكولوجيون حول أهمية
المعاناة الحقيقية للحيوانات[89]
وهناك أيضًا نقطة أخرى تسبب الخلاف وهي مكانة الروحانية في النظرية
النسوية الإيكولوجية. فالبعض يعتبر الروحانية مهمة تاريخيًا ومُعززة
على الصعيد الشخصي[90]،
بينما يصر البقية على أنَّ الروحانية ليست شرطًا ضروريًا في النظرية
النسوية الإيكولوجية[91].
إن استخدام الاستعارات النسوية والجنسانية في الحديث عن الطبيعة كمصطلح
"الطبيعة الأم" أو "اغتصاب البرية" تحول إلى موضوع للجدل البنَّاء[92].
وكما هو واضح حتى الآن فإن النظرية النسوية الإيكولوجية لاتزال نظرية
قيد البناء. وما قد يبدو مهمًا في هذه اللحظة التاريخية والثقافية
الخاصة قد لا يكون مهمًا في مكان وزمنٍ آخر. ورغم اشتراك النسويين في
رؤية مستقبلية عادلة ومستدامة إلًا أنّهم يختلفون في رؤيتهم لشكل هذا
المستقبل القادم، وذلك بسبب الأصوات والتجارب المتنوعة لهؤلاء الناس
المنخرطين في تطوير نظريات النسوية الإيكولوجية.
في الحقيقة إنَّ النظرية النسوية نظرية مبنية على المعرفة والتقييم على
المستوى المجتمعي، وتعتمد قوة هذه المعرفة على الشمولية والمرونة وردة
فعل المجتمع الذي ينتجها. تنبعث النظرية النسوية من الحوار وتركز على
الوصول إلى إجماع عام. وتعد العمومية
commonality
إحدى الوسائل لتحقيق هذا الإجماع مع احترام الاختلاف وبناء التحالفات
مع أي عدد من الأفراد أو المجموعات التي تصارع القمع كالإيكولوجيا
العميقة
deep ecology
والإيكولوجيا الاجتماعية
social ecology
والإقليمية الحيوية
Bioregionalism
(أي الاعتقاد بأنَّ النشاط البشري يجب أن تحدده الحدود الجغرافية أو
الطبيعية وليس السياسية) ومناصرو التقاليد الأمريكية الأصلية
والمناهضون للإمبريالية والإيكولوجيون الاشتراكيون والخُضر وآخرون. يجب
أن تشدد هذه المحاولات الساعية إلى تشجيع الحوار رغم هذه الخلافات على
رسوخ الوحدة في التنوع. فمستقبل الأرض وكل سكانها يعتمد حقًا على
فاعلية عملنا معًا لتحقيق العدالة العالمية والصحة الكوكبية.
*** *** ***
المصدر مجلة المجتمع والطبيعة (1993)
التي تُعرف بأنها أول من استخدم مصطلح "النسوية الايكولوجية"
ولكن تشير آريل صالح في (Hypatia,
Vol.6, No.1 (Spring 1991), pp. 206-14, esp.p.206)
إلى أن النص تُرجم إلى الانكليزية بعد
خمسة عشر عام ولذلك تأثيره ضعيف على المقالات والنصوص التي
نُشرت قبل عام 1989. ويعد الظهور العفوي للمصطلح أو مفهوم
"النسوية الايكولوجية" عبر القارات دليل على أنّه ظاهرة عالمية
حقيقية وليس بتأثير كاتب معين.
[3]
See the reading list at the end of the article as well as
the sources in the footnotes.
إن استخدامنا لمصطلح "العالم الثالث" كما فعلت كل من غيتا سين
و كارين كراون يعني احترامانا لهؤلاء النساء ممن ترتبط هويتهم
كنساء من العالم الثالث "بالصراع مع القمع المتعدد الأطراف (
الأمّة والجندر والطبقات الاجتماعية والعرق)"
Development, Crises,
and Alternative Visions: Third World Women`s Perspectives
(New York: New Feminist Library, 1987), P.9.
[9]
Brown, State of the World: 1992.p.4.
[10]
Lloyd Timberlake and Laura Thomas, When The Bough
Breaks…..Our Children, Our Environment ( London: Earthscan
Publication, 1990), p.128.
[12]
1992 Environmental Almanac, pp. 143-45
[19]
In Brown, State of the World: 1992,
يستخدم الكُتاب في معهد ورلدووتش استعارة "الإدمان" لتوصيف هذا
الانكار ويجادلون بالحاجة المُلّحة إلى تدخل جماعي. ونجد أنّ
نموذج "الإدمان" غير مناسب لتطوير نظرية النسوية الايكولوجية
لأسباب كثيرة. بغض النظر عن حقيقة أنّ استعارة "الإدمان" تأخذ
المنحى الطبي وبالتالي تنزع السمة السياسية عن مشكلة الاستهلاك
المفرط ومظالم أخرى, فإنها تفرض مشكلة أكبر ألا وهي اختيار
مركز علاج كبير بما يكفي ليناسب المجتمع الأبوي.
[20]
For a philosophical taxonomy of these approaches, see Karen
Warren, “ Feminism and the Environment: An Overview of the
Issues,” APA Newsletter on Feminism and Philosophy, Vol.90.
No.3 ( Fall 1991), PP.108-16.
[24]
See Karen Warren, “ Feminism and Ecology” Making
connections,” Environmental Ethics, Vol.9 (Spring 1987),
pp.3-20, and “The Power and the Promise of Ecological
Feminism,” Environmental Ethics, Vol. 12, No.2 ( Summer
1990), pp. 125-46.
[36]
Brown, State of the World: 1992, p.87.
[37]
بالإضافة إلى كتاب المجاعة العالمية (1986) هناك مجموعة من
الدراسات التي أثبتت أن المجاعة العالمية نتيجة للتخلف
والاستعمار. على سبيل المثال هناك الكتب والدراسات التالية:
Tom Barry, Roots of
Rebillion: Land and Hunger in Central America ( Boston:
South End Press. 1987); Susan George, How the Other Half
Dies: The Real Reasons for hunger (Penguin, 1976), and Ill
Fares the Land: Essays on Food, Hunger, and Power (
Washington, D.C. :Institute for Food and Development Policy,
1979); Betsy Hartmann and James Boyce, Needless Hunger:
Voices from Bangladesh Village ( San Francisco: Institute
for Food and Development Policy, 1979); Fances Moore Lappe,
Joseph Collins, and David Kinley, Aid as Obstacle: Twenty
Questions about Our Foreign Aid and the Hungry ( San
Franscisco: Institute for food and development Policy,
1980).
[41]
See Jeremy Rifkin, “ Beyond Beef,” The Utne Reader, Vol.50 (
March/Apr.1992), pp. 96-109. Rifkin now has a book, Beyond
Beef: The Rise and Fall of the cattle culture ( New York:
Penguin/Pume, 1992). According to John Robbins, “ The
livestock population of the U.S. Today consumes enough grain
and soybeans to feed over five times the entire human
population of the country….” ( Robbins, Diet for a New
America, pp.350-51).
[46]
Jim Mason and Peter Singer, Animal Factories ( New York:
Crown, 1980), p. 84.
[48]
Pat Hynes, The Recurring Silent Spring ( New York: Pergamon
Press, 1989), p.185.
[49]
As reported in Peter Singer, Animal Liberation ( New York:
Avon, 1990), p.138.
[52]
Gena Corea, The Mother Machine ( New York: Harper and Row,
1985).
[54]
See Betsy Hartmann, Reproductive Rights and Wrongs, p.9.
[56]
Hartsock, “ Masculinity, Heroism,” p.141.
[57]
See Chaia Helper, “For the Love of Nature: Ecology and the
Cult of the Romantic”; and Marti Kheel, “From Heroic to
Holistic Ethics: The Ecofeminist Challenge, “ in Ecofeminism:
Woemn, Animals, Nature, Greta Gaard,ed.
[63]
See Rosalie Bertell, “Charting a New Environmental course,”
Women and Environments, Vol.13, No.2 (Winter/Spring 1991),
pp.6-9.
[70]
Timberlake and Thomas, When the Bough Breaks, p.161.
[71]
Timberlake and Thomas, When the Bough Breaks, p.168.
[80]
J. Baird Callicott, In Defense of the Land Ethic,” p.35.
[87]
Ruth Harrison, Animal Machines ( Vincent Stuart Ltd: London,
1964), p.viii.
[88]
See, especially, Deane Curtin, “Toward an Ecological Ethic
of Care,” Hypatia, Vol.6,No.1 (Spring 1991), pp.60-74.