زُرْقَــــــــــة
أنس مصطفى
هُنَا عِندَ كُلِّ شيَء...
فِي اللَّيلِ الَّذِي يَغمُرُ المدينَةِ بِزُرْقَةٍ صَافِيَة، فِي
السُّفِنِ الَّتي سَكنَت عَلى أرصِفَتِهَا ولَم تُغَادِر، في
الفنَارَاتِ تَذرُفُ في العُمرِ خُضرَة نُورِهَا وَلا تَنتَهي.
لا شَيء هُنَا يَنَتهي،
ولا أحَدَ
يَنَام، فَالَّذِي يَعرِفُ البَحرَ لا يَنَام، المدينَةُ لا تَنَام،
وَالفَنَارَاتُ لا تنَاَم، كلُّ الأكوانِ هُنا سَاهِرَة، كلُّها
مُطمئنَّة، على الرَّصيفِ تَمضِي الشَّاحِنَاتُ بأثقَالها رَاضِيَة،
تَمضِي حَيثُ طُرُقَاتُها المنتَظرَة، لا تَنتَهِي الشَّاحِنَاتُ
يَومًا وَلا الطُّرقَاتُ تَنفَد، وَلا الأرصفةُ تَضِيع، وَلا أحَدَ
يَضيع، وَلا خَوفَ فِي البَحر، ولا نَارَ فِي البَحر،
فالبَحرُ
سَلام، هُنا الله عِندَ كُلِّ شيء، فِي خَفقِ النَّوَارِسِ البيَضَاء،
فِي أُغنَيَاتِها الفَجرِيَّة، فِي رَائِحَةِ الضِّفافِ البَعِيدَة، في
لهَفةِ المَوج، في سِكَّةِ العَائِدِين، تَشدُو الأَنوَارُ عَلى
المياهِ أنَاشِيدَهَا القَدِيمَة، مثلَ طُفُولَة، لَمْ يَذهَب أَحَد،
ولا أحَدَ يَغيب، كُلُّ الأشياءِ هُنَا حَاضِرَة، وكُلُّها
مُطمَئِنَّة،
وَكَأنَّها الأبديَّةْ...
وكأنَّها الوَهلَةْ.
كَيفَ أمضِي إذًا...؟
كَيفَ أُغَادِرُ البحرَ والبَحرُ أيَّامِي الَّتي انْطَوَتْ، وَالبَحرُ
أيَّامي التي سَتَجِيء.
وَالبحرُ ما لا يَغِيب...
ما لا يَغِيب.
علِّمْنِي أيُّها البَحر:
كيفَ تَبقى وَسِيمًا هَكَذَا؟
أَنتَ بَحر،
وأَنَا سُهَادُ البَحرِ فِي النَّاس.
قُل لي:
كيفَ أعبرُ يَابِسَةً عَلى هَذَا النَّحو؟
...
ديسمبر 2008 / بورسودان
*** *** ***