عقل الشهوة

 

علي جازو

 

إن العقل كعنصر إدراك مجرد، يشكل المقابل الذهني للشهوة كغريزة فطرية. فالعقل عندما يعي الشهوة يحولها رغبة. يمكن للرغبة، حسب كتاب سبينوزا في علم الأخلاق، أن تكون سببًا للنشاط والسعادة كما يمكن أن تكون محلاً للألم والخمول. ولا يميل الإنسان عادة إلى الألم، فليست الفضيلة في جعل السعادة هدفًا، بل "السعادة هي الفضيلة ذاتها". للسعادة محل رغبة في العقل وفضاء فراغ في المحيط. وكي يحصل الإنسان السعادة عليه أن يخرق هذا الفضاء البهيم بتشكيل حيز له كفرد مستقل حر وراغب في آن واحد. هذا هو جوهر الجهد الفردي، والعنصر الفعال في تحقيق الفرد لحضوره كفرد متميز. ولا يغدو تميزه الإنساني تميزًا خارج عالم البشر فقط، بل هو بدقة أكثر تميزًا داخل محيطه البشري بالأخص. فافتراق الإنسان عن الحيوان يكون بالعقل كطاقة إدراك وخلق وتمييز، وافتراقه عن البشر كأفراد مستقلين متمايزين يكون بالرغبة التي يحملها العقل ويعي شهوة صاحبها المستقلة عن شهوة أقرانه من البشر.

لكن ماذا عن العاطفة؟ عن الحزن والفرح؟ يصف الأستاذ الباحث حسن أوزال في دراسته القيمة الفرد واستيطيقا الوجود الفرح والحزن بما يلي:

يعتبر الفرح انتقالاً إلى درجة عليا من درجات الكمال وهو سمة إيجابية على الدوام على نحو ما هو الحزن انتقال بالفرد إلى درجة أدنى وهو سمة سلبية باستمرار.

عندما تكون الفكرة واضحة، والعقل منبع أفكار ومجرى تأثر دائم، يمكن التحكم بمسارها. وقدرة الإنسان على التحكم دليل عافية العقل والجسد. فلا يمكن أن يكون الجسد خاضعًا، والعقل حرًا في الوقت نفسه. ويعود الفرح إلى التحكم السليم، والحزن إلى الخضوع المكروه. وبتحول الإنسان من فرد مستقل حر، إلى فرد خاضع مقيد، يخسر تميزه لصالح لاتميزه، ويغدو هلاميًا بلا حيز ولا شكل، وجسدًا بلا حضور وبلا ألق. ويتعرض عقل الفرد إلى عوامل الخضوع من قوانين دينية إجبارية وعادات اجتماعية كابحة، كما يتعرض جسد الإنسان إلى مشاعر حزن داهمة. ويتحكم الحزن من الجسد والخضوع من العقل، فيخسر الجسد فعاليته الواعية لصالح انفعاله المشوش، ويعجز العقل عن التحكم بقدراته وتكوين فكرة واضحة عن فرديته. وبخسارة الإنسان لفرديته كقيمة ذاتية خاصة وحرة، يفقد حضوره الأكثر قربًا وعمقًا، ويخسر جدوى وجوده. وما قيمة الإنسان الفرد حينها إذا كان بلا وجود فاعل، وبلا إرادة مستقلة، وبلا حضور حقيقي! كل تعليم لا يؤسس مقاصده على هكذا قيمة تعليم بلا نفع، وكل طموح لا يضع الحرية أفقًا طموح فاسد. وكل حوار لا يفضي إلى ترسيخ القيم الحرة وحمايتها ورعايتها، حوار ناقص. لا يمكن المضاربة على حرية الإنسان كما يضارب على قيمة العملات والسلع. ليس الإنسان شيئًا داخلاً في نظام السوق. ينبغي إخضاع أنظمة السوق إلى نظام حرية الفرد، لا العكس. ما لا ينبغي عليه الاستسلام ولا التراخي حوله هو العقل الذي يحمي القيم، والحكمة التي تنمي رهافة الإحساس. العقل منبع سلام، وطاقة حرية، هو ما نحتفظ بجدواه ويقظته، وهو ما يجدر بتفعيله والإصغاء إلى صوته، والسعي المستمر إلى (الإيمان) بقدرته على البقاء وسط الظلام، والسير برصانة وصبر داخل نظام الموت الفقير نفسه. ثم أليس الموت هو انعدام أي ممكن حياتي؟ أليس هو نفاذ كل احتمال؟ لا تفارقْ مزاج تأمل الحياة من خلال السعادة، أو كما كتب سبينوزا:

إن آخر ما يفكر فيه المرء الحر هو الموت، لأن حكمته ليست تأملاً للموت، بل تأملاً للحياة.

*** *** ***

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود