|
تقاطعات سرَّانية ما بين إخوان الصفا والوردة+الصليب
... وحيدًا في الأعماق حيث الفوضى وحيث الخراب
1 لا شيء ملموس في النهاية، لا شيء مؤكد. ولكن، رغم هذا، ينتابك شعور جامح بوجود ما تصبو إليه غامضًا ورائع الجمال معًا. وأنت تعرف أن لا قيمة علمية رصينة ودقيقة تؤكد، في نهاية المطاف، صحَّة ما تذهب إليه. ورغم هذا تجدك متأكدًا من أن ما تتلمسه وتفترضه لم يأت من فراغ إنما من الأرضية الراسخة لواقع حلم معاش. فالأخوة وجدوا ههنا كما وجدوا هناك. وما يؤكد صحة ما تذهب إليه هو ما تركوه خلفهم، وفي كل مكان، من أثر فلسفي وروحاني لا يمكن لأحد تجاوزه و/أو إنكاره. والأخوة ما زالوا بيننا - حتى الآن - كما كانوا على مرِّ العصور، رغم تغيُّر الظروف والمعطيات وتغيُّر المفاهيم. وما يدفعك إلى مثل هذا التخمين هو ما تتلمسه من فكرٍ يعود اليوم، بكل محبة وثقة، ليواجه كلَّ الجهالات التي كانت وما زالت تسعى للتحكم بنا. وهذا ليس مجرَّد شعور. وتتساءل عن الفائدة من مثل هذه المحاولة التي قد لا توصلك إلى شيء في نهاية المطاف؟ لست أدري أيها الأحبة... لست أدري. ولكن... لتنأمل معًا في الموضوع ولنتفكر في أيام خوال... وفي واقع كان قائمًا...
2 وتقرأ في الرسائل[1]، وكأن ما تقرأه ما زال إلى يومنا هذا يخاطبك قائلاً إنه... ... ينبغي لإخواننا، أيدهم الله، حيث كانوا من البلاد، أن يكون لهم مجلس خاص يجتمعون فيه في أوقات معلومة، لا يدخلهم فيه غيرهم، يتذاكرون فيه علومهم، ويتحاورون فيه أسرارهم[2]. وتتصفح في منشور قديم آخر، من بلد آخر، يقول، في نفس السياق، إننا... نحن معتمَدو المجمع الرئيسي للوردة+الصليب المقيمون، بمشيئة العليِّ الذي تتوجَّه إليه توجهًا منظورًا وغير منظور قلوبُ أبرار هذه المدينة، جئنا لنبيَّن ونعلِّم، من دون كتب وبلا مواربات كلامية، لغات جميع البلدان التي نرغب في الإقامة فيها، من أجل أن ندرأ خطيئةَ الموت عن إخوتنا في البشرية[3]. وتنطلق من هنا، مما تفترضته مصادفة، إن لم نقل مما شعرت بأنه تقاطع أولي بين نصين مختلفين لمجموعتين مختلفتين من بلدين مختلفين. وتتفكر في أنه من المنطقي جدًا أن يسعى الأخوة (أو الرفاق) في العرفان للالتقاء حين يتواجدون في المدينة، فيتعارفوا ويتناقشوا ويتعاضدوا فيما بينهم. خاصةً وأن الأخ (أو الرفيق)... ... ليس (ذلك الذي) يريدك من أجل شيء ... بل من أجل أنه يرى ويعتقد أنك إياه وهو إياك نفس واحدة في جسدين متقابلين، يسره ما يسرك ويغمه ما يغمك، يريد لك منه مثل الذي تريد له منك، واعلم أن قلوب الأخيار صافية، لأن نفوسهم طاهرة، ولا تخفى عليهم خفيات الأمور، لا تتراءى فيها كما تتراءى في أعين البصراء ظواهر كليات الأمور، فلا تضمرن لإخوانك الأصفياء خلاف ما تظهر لهم، فإن ذلك لا يخفى عليهم ولا ينكتم عليهم منك...[4] لأنه... ... ينبغي (للأخوة)، أيدهم الله، حيث كانوا في البلد، إذا أراد أحدهم أن يتخذ صديقًا مجددًا أو أخًا مستأنفًا، أن يعتبر أحواله، ويتعرف أخباره، ويجرب أخلاقه، ويسأله عن مذهبه واعتقاده، ليعلم هل يصلح للصداقة وصفاء المودة وحقيقة الأخوة أم لا، لأن في الناس أقوامًا طبائعهم متغايرة خارجة عن الاعتدال، وعاداتهم رديئة مفسدة، ومذاهبهم مختلفة جائرة[5]. وتصبح دعوةُ المريد الصادق و/أو الرفيق العارف إلى التواصل مع رفاقه وإخوانه، ليسارر بأسرارهم ويلقَّن من معارفهم، محصلة حاصل. ما يجعل الإخوة، وكما يقول النصُّ الآخر... ... مرئيين–غير مرئيين أو غير مرئيين–مرئيين معًا، (ويتنقلون) إلى جميع البلدان الأجنبية التي يرغبون في زيارتها...[6] ويتملكك شعور بالرهبة والشكِّ والفضول. وتتساءل عن ماهية تلك العلوم التي يدَّعيها هؤلاء العارفين...
3 حيث يحدثنا كتاب قديم نسبيًا عنوانه الإصلاح الشامل العام للعالم بأسره، وهو يتضمن نصًّا بعنوان الـ Fama fraternitatis des löblichen Ordens des Rosencreutzes، أي سيرة أخوية الوردة+الصليب الغراء، الموجهة "إلى جميع علماء أوروبا وزعمائها"، والذي صدر في العام 1614؛ (يحدثنا) عن سيرة حياة شخص يُدعى كريستيان روزنكرويتس Christian Rosenkreutz... (فـ) يقصُّ علينا قصةَ المؤسِّس الأسطوري لأخوية الوردة+الصليب، الأخ الفارس والروحاني الكبير، الذي لا تذكر اسمه، إنما تكتفي فقط بتعريفه بحرفي C.R.، والذي كرَّس حياته كلَّها لمحاربة الشرِّ في عالمنا – هذا الفارس الذي ولد في العام 1378 لأسرة فقيرة شريفة الأصول، وعُهِدَ به في سنِّ السادسة إلى دير تعلَّم فيه بعض اليونانية واللاتينية وتلقَّى فيه أيضًا بعض مبادئ السحر[7]. وهذا التعليم، إن لم نقل هذه المُسارَرة الأولى، دفعه عند بلوغه سنَّ السادسة عشرة إلى القيام برحلة حجٍّ إلى الأرض المقدسة برفقة صديقه الأخ P.A.L. الذي لم يكمل الرحلة معه، إنما توفي على الطريق في جزيرة قبرص، الأمر الذي أجبر صاحبنا على متابعة رحلته وحيدًا. وإذ وصل الشاب بمفرده إلى الشرق الأدنى، سعى إلى التواصل مباشرة مع حكماء "دَمْكَر" في اليمن. ثم اتفق له أن مرض، مما اضطره إلى اللجوء إلى دمشق للتداوي. وهناك عالجه أطباؤها، واختلف إلى حكمائها الذين تعلَّم على أيديهم أصول الحكمة والعلوم، فبقي فيها ثلاث سنوات، قام إبانها بترجمة كتاب العالم Liber mundi، الذي أعطاه منظورًا شموليًّا إلى الكون. ثم، بعد أن تلقَّى مسارَرته في دمشق، سافر من الشرق الأدنى غربًا إلى مصر، ثم إلى ليبيا، ثم مضى إلى مدينة فاس المغربية التي عُرِفَتْ أيضًا، شأنها شأن دمشق، بعلمائها وحكمائها، فبقي فيها سنتان مكَّن إبانهما تعليمه الباطني على أيديهم، تلك التعاليم التي عمَّقت فهمه لمعتقده الداعي إلى وضع أفضل الأسُس لعالم قائم على التناغم...[8] وتتساءل عن ماهية تلك المساررة التي تلقاها ذلك الفارس المسيحي من الغرب والباحث عن الحقيقة في الشرق، حيث يسود الإسلام، على يد علمائه وحكمائه. وتتساءل عن مضمون ذلك الكتاب الذي يتحدث عنه - وأسماه بكتاب العالم Liber mundi، والذي قدم له منظورًا شموليًا للكون وللحياة. وتتصفح في ذلك الكتاب الآخر الذي من الشرق، في تلك الرسائل التي كتبها ذات يوم إخوان في العرفان، مستورين ومعروفين معًا، فنراه يقول... وقد ذكرنا في الرسالة الثانية أن علومنا مأخوذة من أربعة كتب: إحداها الكتب المصنفة على ألسنة الحكماء والفلاسفة من الرياضيات والطبيعيات؛ والآخر الكتب المُنزَلة التي جاءت بها الأنبياء – صلوات الله عليهم – مثل التوراة والإنجيل والفرقان وغيرها من صحف الأنبياء المأخوذة معانيها بالوحي من الملائكة، وما فيها من الأسرار الخفية؛ والثالث الكتب الطبيعية، وهي صور أشكال الموجودات مما هي عليه الآن من تركيب الأفلاك وأقسام البروج، وحركات الكواكب ومقادير أجرامها، وتصاريف الزمان، واستحالة الأركان، وفنون الكائنات، من المعادن والحيوان والنبات، وأصناف المصنوعات على أيدي البشر [...]؛ والنوع الرابع الكتب الإلهية التي لا يمسها إلا المطهرون الملائكة التي هي بأيدي سفرة كرام بررة، وهي جواهر النفوس وأجناسها [...][9]. وتجدك أمام كتاب شامل هو في الواقع رباعي المصادر. كتاب هو فعلاً كما يصفه بكل دقة الأستاذ سيد حسين نصر الذي قال معلِّقًا على الموضوع: يوجد إذًا أربعة "كتب" استقى منها إخوان الصفا علومهم، وهي: كتب الرياضيات والعلوم التي كُتِبَتْ قبلهم، والكتب المقدسة، والمُثُل أو "الأفكار" الأفلاطونية لأشكال الطبيعة، وكتب الوحي من الملائكة، أو ما يُسمَّى بـ"الكشف العقلي" في المصطلح المعاصر. وتشابُك هذه المجالات، الذي يعتبر حاليًّا أمرًا منفصلاً ومميزًا، هو، في حدِّ ذاته، مفتاح فهم الرسائل باعتبارها نتيجة أخرى لوجود الحقيقة الواحدة التي هي أساس جميع الأشياء[10]. وتتساءل ألا يمكن تسمية هكذا كتاب حاول بكل جدِّية، من منظور تلك الأيام، تقديم منظور شمولي للكون وللحياة وللإنسان، من منطلق فهم عميق لوجود حقيقة واحدة هي أساس جميع الأشياء، بكتاب العالم؟ ألا يمكن أن يكون هكذا كتاب قدم فعلاً نظرةً أكثر شمولية للكون هو – بشكل أو بآخر - ما تحدث عنه وعناه ذلك الفارس المسيحي؟ وتتفكر أن لا دليل قطعي يثبت بدقة صحة ما تذهب إليه، وإن كان ما تفترضه ممكن ووارد جدًا. ونتعمق أكثر مع سيد حسين نصر الذي يمكن اعتباره من أفضل أهل العرفان المعاصرين الذين فهموا وقدَّموا وشرحوا رسائل إخوان الصفا، حيث قال في تنظيم هذه الأخيرة[11] إنه: وعلى الرغم من الصفة التكرارية لبعض أفكار الرسائل، فإن أسلوب تقديم موضوعاتها يتفق مع فلسفة إخوان الصفاء، ويعكس الأهمية التي يعلِّقونها على دراسة الطبيعة بالمقارنة مع اللاهوت، من جهة، ومع الرياضيات والمنطق، من جهة أخرى. إنهم يصنِّفون العلوم ويقسمونها إلى ثلاثة أنواع: 1. العلوم الرياضية. 2. العلوم الشرعية والوضعية. 3. العلوم الفلسفية الحقانية. وقُسِّمَتْ هذه الأنواع بدورها إلى: أ. العلوم الأساسية: 1. القراءة والكتابة. 2. النحو والمعجمات. 3. المحاسبة والمعاملات التجارية. 4. العروض والقياس. 5. عقائد طالع الخير وطالع الشر. 6. عقائد السحر والتنجيم والتمائم والحيل وما شابهها. 7. الأعمال والحِرَف. 8. التجارة والزراعة وما شاكلها. 9. القصص والسير الذاتية. ب. العلوم الدينية: 1. علم التنزيل. 2. علم التفسير. 3. الحديث. 4. القانون والتشريع. 5. الزهد والتصوف. 6. تفسير الأحلام. ت. العلوم الفلسفية: 1. الرياضيات المكونة من الرباعيات (أو المربعات). 2. المنطق.
3.
العلوم الطبيعية؛ وهذه تُقسَم إلى سبعة أجزاء هي:
4.
العلوم الإلهية: واعتمادًا على هذا التصنيف، نظَّم أخوان الصفاء رسائلهم تنظيمًا يضمن شمولَها لجميع حقول المعرفة، بدءًا من العلوم الرياضية والمنطق، مرورًا بالعلوم الطبيعية والجسمانية، ومنها إلى العلوم النفسانية، وانتهاءً بالعلوم اللاهوتية. ومن خلال المحافظة على هذا الهدف في أذهانهم، فإنهم قسَّموا الرسائل الاثنتين والخمسين، ما عدا الرسالة الجامعة، التي تأتي في النهاية كتلخيص عام، إلى كتب أربعة، وفق ما يلي: أولاً: الرسائل الرياضية التعليمية، وتشمل: 1. خواص الأعداد؛ 2. الهندسة؛ 3. النجوم؛ 4. الجغرافية؛ 5. الموسيقى؛ 6. القيمة التعليمية لهذه الموضوعات؛ 7 و8. الصنائع العلمية النظرية والعلمية والمهنية؛ 9. أفعال وأقوال الأنبياء والحكماء وأقوالهم؛ 10-14. المنطق (ويتضمن الإيساغوجي، الأقوال العشر، الباريمانياس، والأنالوطقيا الأولى والثانية). ثانيًا: العلوم الجسمانية الطبيعية: 1. الهيولى والصورة وماهيتهما وما الزمان والمكان والحركة وغيرها؛ 2. السماء والعالم؛ 3. الكون والفساد؛ 4. الآثار العلوية؛ 5. تكوين المعادن؛ 6. ماهية الطبيعة؛ 7. أجناس النبات؛ 8. أجناس الحيوان وغرائب تكوينها؛ 9. تركيب الجسد؛ 10. الحاس والمحسوس والغرض منهما؛ 11. مسقط النطفة؛ 12. الإنسان عالم صغير؛ 13. كيفية نشر الأنفس الجزئية في الأجساد البشرية؛ 14. بيان طاقة الإنسان في المعارف؛ 15. ماهية الموت والحياة؛ 16. ماهية اللذات والآلام الجسمانية والروحانية؛ 17. علل اختلاف اللغات ورسوم الخطوط. ثالثًا: العلوم النفسانية العقلية: 1. المبادئ العقلية على رأي الفيثاغوريين. 2. المبادئ العقلية على رأي إخوان الصفاء. 3. أن العالم إنسان كبير. 4. العقل والمعقول. 5. الأكوار والأدوار. 6. ماهية العشق. 7. ماهية البعث والنشور. 8. كمية أجناس الحركات. 9. العلل والمعلولات. 10. الحدود والرسوم. رابعًا: العلوم الناموسية والإلهية: 1. الآراء والمذاهب. 2. ماهية الطريق إلى الله عز وجل. 3. بيان اعتقاد إخوان الصفاء. 4. كيفية عِشرة إخوان الصفاء. 5. ماهية الإيمان وخصال المؤمنين. 6. ماهية الناموس الإلهي وشرائط النبوة وكمية خصالهم. 7. كيفية الدعوة إلى الله عز وجل. 8. كيفية أفعال الروحانيين. 9. كمية أنواع السياسات. 10. كيفية نضد العالم. 11. ماهية السحر والطلسمات. وتجدك، كلما توغلت في القراءة في صفحات الرسائل، أمام محاولة عرفانية هي فعلاً الأعمق والأجمل في تراثنا، أمام كتاب حاول واضعوه أن يجمعوا معارفهم، ومنذ تلك الأيام، فيما يشبه ما ندعوه اليوم بالموسوعة. محاولة، هي الأعمق في زمانها، وربما ما زالت إلى الآن، للجمع بين العقل والإيمان، وفهم فلسفي يستند إلى حكمة خالدة هي فعلاً واحدة ومشتركة بين العارفين. أمام أناس أدركوا لاشخصانية وكلّية الألوهة وعمقها وشموليتها حيث جاء: أن الأشياء هي أعيان، أي صور غَيرِيات أفاضها وأبدعها الباري تعالى، كما أن العدد هو أعيان أي صور غَيرِيات، فاض من الواحد بالتكرار في أفكار النفوس، والأشياء كانت في علم الباري تعالى قبل إبداعه واختراعه لها، كما أن الواحد لم يتغير عما كان عليه قبل ظهور العدد منه في أفكار النفوس. ومن أخص أوصاف الباري أنه غير الوجود، وأصل الموجودات وعِلَّتها، كما أن الواحد أصل العدد ومبدؤه ومنشؤه، فلو كان الباري تعالى ضِدًا لكان العدم، ولكن العدم ليس بشيء، والباري تعالى في كل شيء، ومع كل شيء، من غير مخالطةٍ لها ولا ممازجة معها، كما أن الواحد في كل عدد ومعدود... وهذه أمور ليس بوسع القوامين على الشرع فهمها و/أو تقبلها. من هنا جاءت، من منظوري المتواضع، سرَّانية ذلك العرفان الذي استمر على مرِّ العصور، والذي ما زال من حيث الجوهر مستمرًا إلى يومنا. أناس يصورون الإنسان بالعالم الصغير والعالم بالإنسان الكبير، تمامًا كإخوان لهم في بلد آخر ومن منطقة أخرى، توصلوا في النهاية إلى نفس ما توصلوا إليه، فاستعملوا نفس التعابير وقالوا إنه... ... غير أنه ليس ثمة بنظرنا إلا فلسفة واحدة، ألا وهي تلك التي تتوِّج جميع الملَكات والعلوم والفنون. وهذه [الفلسفة] تشمل بالأخص، فيما يتعلق بقرننا، علومَ اللاهوت والطب، وقبل كلِّ شيء، علم القانون؛ إنها فلسفة تسبر أعماق السماء والأرض بمعونة فنٍّ تحليليٍّ ممتاز أو، بكلمة واحدة، تعبِّر أساسًا عن أن الإنسان عالم صغير...[13] وتشاء الألوهة أن تضيء للإخوة مشعلاً يريهم العجب... ... (فتتيح) للإخوة أن يتواصلوا مع بلاد الهند، كما ومع الپيرو (أي بلاد الإنكا)، و(تمكنهم) من القراءة في كتاب واحد يتضمن كلَّ ما كُتِبَ في الماضي وما سيُكتَبُ في المستقبل. وعن طريق الموسيقى، (ما يجعلهم) يحولون الصخور إلى أحجار كريمة، ويخترقون قلب إله الجحيم (پلوتون)، كما وقلوب عظماء هذه الدنيا. فالإله شاء أن يقدِّم للعالم، وهو على مشارف نهايته، ما يحتاج إليه من نور وحياة رغيدة تضاهي تلك التي عرفها آدم قبل "الخطيئة الأصلية. ولأن هذه النهاية أضحت وشيكة، يحث كتاب الآخر[14] الذي من الغرب، والذي بعنوان إفشاء عقيدة أخوية الإخوة الصليب قراءه على ... التمعن في الكتاب المقدس، ذلك الكتاب "الأروع"، والأكثر خلاصًا، والأجمل، الذي أتيح للبشر أن يقرؤوه منذ كان هذا العالم، كما ويحثهم أن يسترشدوا به في حياتهم، لأنهم بهذا سيتواصلون مع روح الأخوية. ذلك لأن عليهم أن لا يعلِّقوا الكثير من الأمل والرجاء على الإصلاحات الاجتماعية والأخلاقية والسياسية: فخلاص الإنسان يكون من داخله، ويرتبط بمقدار نكرانه لذاته، كما يرتبط بصفائه، ومحبته لأخيه الإنسان. فالشخص المتعاطف مع آلام البشر وعذاباتهم هو الأقرب إلى الله الذي سيكافئ المتواضعين ويستبعد المتكبرين: لأن الله يُسمِعه صوتَ ملائكته... كما ويعطي بعض شروح ذات علاقة بأهداف الأخوية وروحها. فهي ذات تراتبية معينة، وهي، من أجل القيام بأعمالها، تضم صغار الناس إلى جانب عظمائهم وعلمائهم، إنْ كانوا جديرين بذلك...
4 وننوقف هنا قليلاً لنتأمل في تلك التراتبية كما تصفها رسائل الإخوان التي تقول: واعلم أن قوة نفوس إخواننا في هذا الأمر الذي نشير إليه ونحث عليه على أربع مراتب: أولها صفاء جوهر نفوسهم وجودة القول وسرعة التصور، وهي مرتبة أرباب ذوي الصنائع في مدينتها التي ذكرناها في الرسالة الثانية، وهي القوة العاقلة المميزة لمعاني المحسوسات، الواردة على القوة الناطقة بعد خمس عشرة سنة من مولد الجسد، وإلى هذا أشار بقوله تعالى: "إذا بلغ الأطفال منكم الحلم" وهم الذين نسميهم في مخاطبتنا ورسائلنا إخواننا الأبرار والرحماء. وفق هذه المرتبة مرتبة الرؤساء ذوي السياسات، وهي مراعاة الإخوان، وسخاء النفس، وإعطاء الفيض والشفقة والرحمة والتحنن على الإخوان، وهي القوة الحكيمة الواردة على القوة العاقلة بعد ثلاثين سنة من مولد الجسد، وإليه أشار، جل ذكره، بقوله: "فلما بلغ أشده واستوى آتيناه حكمًا وعلمًا". وهم الذين نسميهم في رسائلنا إخواننا الأخيار والفضلاء. والمرتبة الثالثة فوق هذه، وهي مرتبة الملوك ذوي السلطان والأمر والنهي والنصر والقيام بدفع العناد والخلاف عند ظهور المعاند المخالف لهذا الأمر بالرفق واللطف والمداراة في إصلاحه، وهي القوة الناموسية الواردة بعد مولد الجسد بأربعين سنة، وإليها أشار بقوله: "حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي". وهم الذين نسميهم إخواننا الفضلاء الكرام. والرابعة فوق هذه، وهي التي ندعو إليها إخواننا كلهم في أي مرتبة كانوا، وهي التسليم وقبول التأييد، ومشاهدة الحق عيانًا، وهي قوة الملكية الواردة بعد خمسين سنة من مولد الجسد، وهي الممهدة للمعاد والمفارقة للهيولى، وعليها تنزل قوة المعراج، وتصعد إلى ملكوت السماء، فتشاهد أحوال القيامة من البعث والنشر والحشر والحساب والميزان والجواز على الصراط والنجاة من النيران ومجاورة الرحمن ذي الجلال والإكرام...[15] وتجدنا فعلاً، كما قال السيد حسين نصر، أمام مراتب أربعة هي مراتب: 1. مَن يملكون صفاء جوهر نفوسهم وجودة القبول وسرعة التصور. ولا يقل عمر العضو فيها عن خمسة عشر عامًا؛ ويُسمَّوْن بالأبرار والرحماء، وينتمون إلى طبقة أرباب الصنائع. 2. مَن يملكون الشفقة والرحمة على الأخوان. وأعضاؤها من عمر ثلاثين فما فوق؛ ويُسمَّوْن بالأخيار الفضلاء، وطبقتهم ذوو السياسات. 3. مَن يملكون القدرة على دفع العناد والخلاف بالرفق واللطف المؤدِّي إلى إصلاحه. ويمثل هؤلاء القوة الناموسية الواردة بعد بلوغ الإنسان الأربعين من العمر، ويُسمَّوْن بالفضلاء الكرام، وهم الملوك والسلاطين. 4. المرتبة الأعلى هي التسليم وقبول التأييد ومشاهدة الحق عيانًا. وهي قوة الملكية الواردة بعد بلوغ الخمسين من العمر، وهي الممهِّدة للصعود إلى ملكوت السماء؛ وإليها ينتمي الأنبياء، مثل إبراهيم ويوسف وعيسى ومحمد، والحكماء مثل سقراط وفيثاغورس[16]. وهو تصنيف (كما قال محقًا بهذا الخصوص أيضًا السيد حسين نصر) يطابق التقسيم المعروف بين الحرفيين والملكيين والمريدين الكهنوتيين الذي ساد في أوروبا في العصور الوسطى، والتي منها تراتبية أخوة الوردة+الصليب التي استقت عنها بعدئذٍ الماسونية التأملية. وأيضًا... إذا كان أتباع أخوية الوردة+الصليب، كما يقول روبرت فلود، يؤمنون بأن: الغاية الوحيدة والنهائية للسحر، كما وللقبالة، الحق إنْ هي إلا الحكمة، الكلمة، المسيح[17]. فإن الإخوة، وكما جاء في الرسائل يقاربونهم حيث يعتقدون أن ... السحر الحلال، وهو الدعاء إلى الله، سبحانه، بالحق وقول الصدق...[18] وإذا كان أتباع الوردة+ الصليب يدعون إلى[19]: - العفَّة ... والتخلِّي عن الرغبات الجسدية وعن كلِّ مستقر ثابت. و... - ... اتخاذ الطب مهنة لهم وممارسته بلا مقابل. و... - ... التكيف مع عادات البلد الذي يسكنون ولبس أزيائه. و... - ... إلى تجمع الإخوة... و... - ... اختيار كلِّ أخ خلفًا له... فإنهم في ذلك يقاربون كثيرًا الإخوان الذين يدعون أيضًا إلى: - التهاون بأمر الأجساد إذ تبعث الأنفس، لأنهم يرون أن هذه الأجساد حبس للنفوس، أو حجاب لها، أو صراط، أو برزخ، أو أعراف... - إلى تعارف والتقاء الأخوة في المدينة. وأخيرًا، إذا كان الفارس كريستيان روزنكرويتس قد مرَّ باليمن، وتواجد لفترة لا بأس بها في دمشق كما في فاس، فإن الأخوة في العرفان من المشرق قد تواجدوا أيضًا في اليمن وحتمًا في دمشق وفاس، كما تواجدوا في الغرب... وتراك، من دون التوصل إلى أي برهان أكيد، تقارب نهاية محاولتك حيث تقف حالمًا تتأمل ما تلمسته. وتجدك...
5 أمام خلاصة كنتَ تعرفها منذ البداية، وليس بوسعك، كما ليس بوسع أحد في نهاية المطاف، إثباتها بشكل قطعي. خلاصة تقول، وبكل ثقة، إن العرفان واحد من حيث الجوهر في كل مكان كان، ولم يزل. وهو عرفان سرَّاني للحفاظ على قداسته من تدنيس الجهالة، وإن لم يكن سرّيًا يومًا بالنسبة للباحث الصادق. وأنه لم يتغير من حيث الجوهر لأن ما تغير فقط هو: - أولاً: أن مفهوم المدينة قد توسع اليوم ليشمل الأرض برمتها وكذلك وسائل الاتصال والتواصل بين العارفين. وما تغير... - ثانيًا: هو أن فهم الإنسان للعلوم قد تعمق ما أضحى يتطلب منه تعميق فهمه لكتبه المقدسة وتطوير شرائعه لتتناسب مع هذا الفهم. وهذا... - ثالثًا: ما يجعل من الممكن أكثر، اليوم، الجمع بين العقل وبين الإيمان من دون أن ينفي أحدهما الآخر بالضرورة. ونكتفي بهذا القدر... *** *** *** [1] رسائل إخوان الصفا. [2] رسائل إخوان الصفا، الرسالة الرابعة: في كيفية معاشرة إخوان الصفا. [3] من منشور ألصق على جدران باريز في صباح يوم من أيام شهر آب 1623. [4] رسائل إخوان الصفا، الرسالة الرابعة: في كيفية معاشرة إخوان الصفا. [5] المرجع السابق. [6] من منشور آخر ألصق على جدران باريز في صباح يوم من أيام شهر آب 1623. [7] جدير بالذكر أن السيدة هـ.پ. بلاڤاتسكي H.B. Blavatsky تؤكد، في مقال هام، الأصلَ التاريخي لأسطورة C.R.، إذ تعيد التأسيس الفعلي للأخوية إلى أواسط القرن الثالث عشر، وتنسبها إلى فارس ألماني تعاطى ممارسة السحر الأسود، ثم تاب على أثر رؤيا، وأقسم يمينًا لا حنث فيه بالإقلاع عن ممارساته الشريرة، ومضى إلى فلسطين حاجًّا سيرًا على قدميه، وهناك تراءى له المسيح بالروح. وهي تضيف أن الأخوية قد استترت، وأن مركزها الفعلي آسيا الصغرى؛ لكنها لم تصرِّح باسمها الحقيقي. [9] الرسائل، ج 4، ص 106. [10] راجع مقال: رسائل إخوان الصفاء هويتها ومحتواها، سيد حسين نصر، معابر: http://www.maaber.org/issue_august04/spiritual_traditions1.htm [11] المرجع السابق. [12] "الإنسان عالم صغير [...] مختصر من العالم الكبير". رسالة جامعة الجامعة، الفصل الرابع. [13] إفشاء عقيدة أخوية الوردة+الصليب Confessio Fraternitatis R.C.. راجع: http://www.maaber.org/issue_august07/mythology1.htm [14] المرجع السابق. [15] رسائل إخوان الصفا، الرسالة الخامسة والأربعون: قوة نظام إخوان الصفا ومراتبه. [16] راجع مقال: رسائل إخوان الصفاء هويتها ومحتواها، سيد حسين نصر، معابر: http://www.maaber.org/issue_august04/spiritual_traditions1.htm [17] Summum Bonum – Robert Fludd? [18] رسائل إخوان الصفا، الرسالة الحادية والخمسون، بيان حقيقة السحر وغيره... [19] سيرة أخوية الوردة + الصليب الغراء Fama fraternitatis.
|
|
|