الطبابة البديلة: الدقة شرط العلميّة٭

إدوين ل. كوبر٭٭

البدايات المبكرة في الصين:

في تشرين الأول من العام 2003، وخلال المؤتمر الثاني عشر للطب الشرقي في تايبه عاصمة تايوان، نظم متحف القصر القومي معرضًا كبيرًا في قاعة المعارض 313 استمدها إلى حد كبير من مجموعة النصوص الطبية القديمة الموجودة في المتحف والتي تشتمل على كلاسيكيات في موضوعات كثيرة. كان عنوان المعرض: الحياة أغلى من الذهب: معرض خاص لكلاسيكيات الطب القديمة. وفي الترجمة الإنكليزية للوصفات الصينية ضُمنت عبارات تخص كلاً من أصول الطب الغربي وتاريخ الطبابة البديلة، ووصفت بشكل موجز كما يلي:

كان المرض على الدوام موضوع اهتمام عظيم في المجتمع الإنساني. فمن الصلوات إلى الرُّقى وصولاً إلى ولادة الطب كعلم عقلاني، كان الإنسان قادرًا على تطوير كل أنواع العلاجات الطبية في كفاحه ضد الأمراض والعلل المختلفة، وذلك لأن الحياة كما يقول المثل الصيني أغلى من آلاف القطع الذهبية. عند نهاية حقبة الهان الشرقية (في القرن الثالث) كان التيفوئيد متفشيًا في الصين، وكانت نسبة الهلاك عالية جدًا. وقد كتب تشانغ تشونغ تشين، وهو ذو خبرة واسعة في العلاج السريري، رسالته حول الحمى المسببة بالبرد وأمراض شتى أخرى، وبذلك وضع أسس "العلاج المستند على التفريق بين أعراض معقدة" في الطب الصيني التقليدي. وبعد ذلك، وإذ بدأت الحكومات تبني المعاهد الطبية، وبدأت خبرات الأطباء الخاصين تقدر جيدًا، فإن كثيرًا من النظريات الطبية الهامة والمعالجات، والكثير من المعرفة الدوائية، شرعت تتنظم بالتدريج منهجيًا. وكانت التطورات في علم الأدوية ملحوظة على نحوٍ خاص. على سبيل المثال، أصدر الإمبراطور كاو تسونغ من سلالة تانغ الحاكمة في السنوات العشر الأولى من عهده (659) مطبوعة Materia Medica المنقَّحة وكانت بذلك الموسوعة الدوائية الأولى التي حررت ونشرت من قبل الحكومة، وقد أخذ مبعوثون يابانيون نسخة منها إلى اليابان بعد أن اكتملت مباشرةً.

لماذا إطلاق مجلة الطبابة البديلة المبرهنة؟

بعد هذه النزهة التاريخية القصيرة، من المناسب أن نذكر لهؤلاء القلقين من قراءة العدد الأول من مجلتنا (مجلة الطبابة البديلة المبرهنة eCAM) ما الذي نسعى إليه، فمرةً أخرى تولد مجلة جديدة، وفي الربيع حيث ثمة صحوة من نوم الشتاء، ثمة تجدد للشباب (إعادة بناء، تجديد، إحياء)، ثمة نهضة (ولادة جديدة، انبعاث، إحياء، صحوة جديدة). وسوف يقابل الكثيرون هذه الولادة بمشاعر مختلطة. فمع وجود مجلات عديدة مكرسة للطبابة البديلة ترعرعت سابقًا، سوف يعتبر القراء أنه من قبيل الهراء التام الشروع في تكريس مجلة أخرى مخصصة للموضوع ذاته. لكن عددًا متعاظمًا من ممارسي الطبابة البديلة والعلماء الأساسيين من كل الأصناف وافقوا على العمل في هيئة التحرير وعلى دعم أهداف مجلة الطبابة البديلة المبرهنة وهم متأكدون من الحاجة الحقيقية لهذه المجلة. ونحن نتشارك أبعادًا متنوعة من الابتهاج والتفاؤل الحذر. وهذا يعود جزئيًا إلى أننا نقوم بشيء فريد نوعًا ما، وأيضًا إلى أنه علينا أن نتنافس مع المجلات الأخرى المكرسة حصريًا للطبابة البديلة، أو لأن مقاربات المؤلفين تجعل مخطوطاتهم تتناسب على نحو متعادل مع مجلات الطب الحيوي الراسخة. في مقابل هذه المشاعر المحيرة نضمر وعدًا واعتقادًا قويًا بأن هذه المجلة الجديدة، مجلة الطبابة البديلة المبرهنة، سوف تزدهر بواسطة الخيال والدقة العلمية والتشجيع المتعاون. فكل الفروع المعرفية لها بداياتها من حماس المؤسسين الذين يجب أن يكونوا، بالضرورة، مخلصين - خصوصًا من أجل اتقاء هجوم المشككين الذين يبدو أنه يحصل دومًا عندما تبدأ حركة جديدة. وكعالمٍ في نشوء وتطور بيولوجيا المناعة مهتم بالأصول والأسس، فإنني متشرب، ببدايات علم المناعة الحديث. دعونا نعالج سوية وببعض التأمل مبحث المناعة والعلم والطبابة البديلة.

هل تكون مجلة الطبابة البديلة المبرهنة علمية؟ دروس من علم المناعة:

وفقًا لما يقوله بيرنت:

إن الهدف الأول في المقاربة الجدية لعلم المناعة يجب أن يتمثل في إحراز فهم واسع بأقل قدر من التفاصيل لكيفية إدراج علم المناعة في نموذج البيولوجيا - أي، لطريقة تطور منظومة المناعة، ولوظيفتها وتناسقها مع منظومات الجسم الأخرى، ولنموها انطلاقًا من الجنين. وفي الوقت نفسه، يجب أن تقدم هذه النظرة الإجمالية أرضية كافية لتطبيق سهل لأفكار علم المناعة في تفاصيل العمل في ميدان الصحة العامة والممارسة السريرية والطب البيطري.

قد يكون ممكنًا أن نوازي هذا الاقتباس في سياق الطبابة البديلة المبرهنة بحيث نقرؤه كما يلي:

إن الهدف الأول في المقاربة الجدية للطبابة البديلة يجب أن يتمثل في إحراز فهم واسع، بأقل قدر من التفاصيل، للكيفية التي يمكن بها إدراج الطبابة البديلة في نموذج البيولوجيا - أي، الطريقة التي تطورت بها المنظومة المناعية-الهرمونية-العصبية، ولوظيفتها وتناسقها مع منظومات الجسم الأخرى، ولنموها انطلاقًا من الجنين. وفي الوقت نفسه، يجب أن تقدم هذه النظرة الإجمالية أرضية كافية لتطبيق سهل لأفكار الطبابة البديلة في تفاصيل ممارستها في ميدان الصحة العامة والممارسة الطبية السريرية، دون أن تتيه بعيدًا عن علم البيولوجيا الذي يدعمها. إن الطبابة البديلة عضوانية شاملة وليست خاصة.

إذن، كيف نعرِّف الطبابة البديلة؟

هل يصلح كل ذلك؟ ربما يستغرب القراء ما هو بالضبط الطب المتمم وما هو الطب البديل؟ فيمكن تقديم تعريفات متعددة مؤسسة على وجهات نظر مختلفة، وهذه بدورها قد تتأثر بالخبرات الاحترافية، والممارسة، وربما بمؤشرات وكالات التمويل. فهذا الفرع العلمي ذو موضوع متعدد العناصر، هذا على الأقل، ومن غير المحتمل أن كل الفروع المتلاحمة تحت مظلة الطبابة البديلة سوف تحمل وزنًا أو تأثيرًا متساويًا، أو يمكن أن تكون موضوعًا للدة ذاتها في البحث العلمي. إن بعض هذه العموميات ينطبق على جميع الفروع، بما في ذلك تلك الفروع الجزئية التي تشملها مظلة علم المناعة. ولكن، ربما تكون الطبابة البديلة من النضج بما يكفي لكي تتشرب بالنزعة التجريبية. فعلم المناعة الحديث، مثله مثل الطبابة البديلة، له جذوره الأولى في الاهتمامات بالصحة والمرض، لكن علم المناعة لم تلحق به أبدًا وصمة العار التي غالبًا ما توسَم بها الطبابة البديلة. فقد كانت ثمة على الدوام مجموعة من العلماء المجربين، وبالتالي، ضرورة لاستخدام الحيوان من أجل التحقق من الفرضيات.

الطبابة البديلة المبرهنة مفهوم جديد يشمل نطاقًا واسعًا متزايدًا من علم الطب حصريًا تقدمه منظومات راهنة، وهذا المفهوم الأكثر تكاملاً يركِّب الطب التقليدي والمتمم والبديل. ففي بداية هذا القرن الجديد، نحن نقر بالنجاح الهائل الذي أحرزه علم الطب الحديث في تشخيص وعلاج عدد من الأمراض التي كانت تعد مستعصية. وأصبح ممكنًا التدخل المباشر باستخدام الوسائل التكنولوجية والجزيئية. ونحن نتلقى الآن كامل النفع من التقدم في علوم الطب الحديث، والغربي على الأخص. وبالرغم من ذلك فقد أصبحنا أيضًا على وعي بأن عددًا مقابلاً من الأمراض ما تزال غير قابلة للشفاء بواسطة الطب الغربي، وأن المرضى يعانون دون أي أمل بعلاج فعال. فمع كل النجاح الذي حققه، فإن للطب الغربي الحديث حدوده أيضًا، كالآثار الجانبية التي لا يمكن تفاديها، والأكلاف الطبية العالية، والمرافق التي لا تتاح لكل شخص، والمشكلات الأخلاقية، الخ. وحديثًا، حظي كل من الطب المتمم والطب البديل، إلى جانب الطب التقليدي والطب الشرقي، بالمزيد من الانتباه. يشمل هذا الاهتمام الجديد، المداواة بالعطور والعلاجات العشبية والوخز بالإبر والشياتشو واليوغا. لكن، وفي الغالب، لم يتم تعريف هذه العلاجات بشكل جيد. إن بعضًا منها يستند، وببساطة، على الخرافة أو الاعتقاد، بينما طبق بعضها الآخر تقليديًا إنما بدون دليل علمي.

الحاجة إلى طبابة بديلة مبرهنة

إن الإضفاء المفرط للطابع التجاري الذي حصل مؤخرًا في الصناعة الصحية جعلنا في حيرة تجاه ما هو صحيح وما هو زائف. فالمعلومات المضللة تتدفق إلى الصحف والمجلات، ويمكن رؤية الإعلانات المبالغ بها في كل مكان. مع هذا، ثمة ما هو ذو مصداقية في كل ذلك. وهذا مدعاة للتشوش خصوصًا عند المرضى والأطباء الذين يلتمسون علاجات لأعراض مرضية غير معرفة حتى الآن. وفوق ذلك، بما أن هذه التدابير العلاجية لم تخضع لاختبار دقيق صارم، فهي ليست آمنة دومًا، وربما يؤدي العقار ذاته إلى تأثيرات مختلفة تبعًا لاختلاف المريض أو الجرعة. ومن الضروري لحظ اعتبارات معقدة عند تطبيق ممارسات كالتي نجدها في الطب التقليدي الصيني. إن ضبط النوعية مهم أيضًا من أجل الاستخدام الآمن للمنتجات الطبيعية. ونظرًا للمعضلات التي ذكرناها، فقد كان هذا المجال من الطب مستبعدًا من قبل مجالات الطب الغربي الرصينة. وقد أصدرنا مجلتنا من أجل تحسين هذه الحالة وذلك بتشجيع نشر البحوث العلمية المبتكرة المستندة إلى توجهات علمية مضبوطة، وبدون تحيز ضد الفعالية المحتملة لهذه التدابير العلاجية القديمة والجديدة. تلتمس هذه المجلة الدولية الجديدة فهم الأصول وتشجيع البحث الدقيق في عالم الطبابة البديلة الجديد-القديم. وتلتمس هذه المجلة الدولية، الخاضعة لمراجعة نقدية مدققة، تطبيق الصرامة العلمية في دراسة الأساليب العلاجية للطبابة البديلة، خصوصًا منظومات الشفاء الآسيوية التقليدية. وسوف تشدد المجلة على الحصيلة الصحية وتوثق آليات التأثير البيولوجية وسوف تكرس للتقدم العلمي في حقول البحوث الأساسية والدراسات السريرية والطرائقية أو النظرية العلمية في أقسام متنوعة من علوم الطب الحيوي. وبامتلاكها قاعدة في اليابان، سوف تكون المجلة أول منبر حقيقي للعلماء والممارسين في آسيا. وبما أن آسيا موطنهم، فإن هؤلاء المساهمين على دراية بالطريقة التي تمت بها ممارسة كثير من تقنيات الطبابة البديلة عبر القرون، وهذا يجعل للمجلة قدمًا راسخة في تاريخ وتراث الطبابة البديلة. وكما هي الحالة في أي بحث هام حقًا، ينبغي التفكير على نحو جذري، أو بكلمات أخرى، العودة إلى أساس وجذور المسألة أو المهنة. إن فهمًا أكبر لآلاف السنين من التاريخ سوف تتيح وصولاً أكبر إلى الجذور وربما تقود بحق إلى اكتشافات جديدة مثيرة. إن الطبابة البديلة ظاهرة عالمية الانتشار، وسوف تسعى المجلة إلى أن تكون شاملة للعمل القديم والجديد في جميع أنحاء الأرض. وبهذه النظرة الواسعة ذاتها، سوف نسعى لجعل المجلة متداخلة المناهج في واقعها، وذات هيئة تحرير متنوعة حيث ينخرط فلاسفة ومؤرخون في حوار مع علماء البيولوجيا بجميع صنوفهم والأطباء الممارسين. وأملنا أن القاعدتين، واحدة في الشرق والأخرى في الغرب، خصوصًا في جامعة UCLA سوف تكون أماكن تجميع للمعلومات وأن جهودنا المتحدة سوف تقيم جسرًا بين الثقافات وكذلك بين الطبابة البديلة والطب الحيوي الحديث.

مستقبل وتأثير الطبابة البديلة المبرهنة

إذن أين نحن؟ لقد بدأنا في الصين في سياق تاريخي، ثم مهدنا أساسًا للطبابة البديلة والطب الغربي واستنتجنا إمكانية بناء جسور بينهما، ثم ربطنا القاعدة العلمية للطبابة البديلة مع فرع آخر (علم المناعة) كان أيضًا في بداياته يومًا ما، ولا يفتقر الآن للتجريب، وبذلك مهدنا أساسًا للأمل ووصلنا إلى اقتراح استخدام النماذج الحيوانية والمنتجات الطبيعية. وتبعًا لما يقوله نورمايل، ثمة وجه جديد للطب الصيني التقليدي. وتأمل الحكومات الآسيوية بأن الغربلة الدقيقة والتجارب السريرية الصارمة سوف تكشف أسرار العلاجات العشبية القديمة - وأن النتائج سوف تفي بمعايير العلماء الغربيين. ووفقًا لما يقوله فايكرز، يبدو أن هناك حماسًا شعبيًا متزايدًا واستثنائيًا للأدوية النباتية، أو العشبية، خصوصًا بين مرضى السرطان. وقد بدأ هذا الأمر يحظى مؤخرًا باهتمام علمي متزايد. إن ضبط خصائص العقاقير النباتية يطرح تحديات مثيرة: فالاختلافات الطفيفة في المورثات والتربة الزراعية ودرجة الحرارة وزمن الحصاد يمكن أن يقود إلى اختلافات ذات شأن في تركيز المركبات الهامة. وثمة إشكالية أخرى أيضًا: فالعقاقير النباتية تتمتع بمستوى سُمية [فعالية] منخفض ومن غير المحتمل أن تسبب تراجعًا سريعًا للأورام. إن ضبط وتنظيم الأدوية النباتية، هو في حده الأدنى حاليًا.

إن التحول إلى منتجات مستخلصة من الحيوانات، خصوصًا البحرية، وفقًا لما يذكر هافنز، وكذلك التنقيب الحيوي عن المنتجات الطبيعية البحرية في الأعوام الأخيرة، قد أثمر عن ترشيح عدد جدير بالاعتبار من العقاقير. وأغلب هذه الجزيئات ما تزال في الطور ما قبل السريري أو السريري الباكر، لكن بعضها نزل إلى السوق للتو مثل السيتارابين، أو يتوقع أن يحظى بالموافقة فورا مثل ET743 (Yondelis). وقد أظهر البحث في إيكولوجيا المنتجات الطبيعية البحرية أن كثيرًا من هذه المركبات يؤدي وظيفة دفاعات كيميائية وقد تطورت إلى صادّات فعالة جدًا في السيرورات الفيزيولوجية للفرائس والمفترسين أو للمتنافسين من الكائنات الحية البحرية التي تستخدمها. وبعض المنتجات الطبيعية المستخلصة من اللافقاريات البحرية أظهرت، أو يتوقع أن تظهر، أصولاً ميكروبية ويعتقد الآن أن هذه هي حالة أغلب الجزيئات المماثلة. فالكائنات الحية البحرية التي ما زلنا في بدايات تقدير تنوعها البيوكيميائي والوراثي الهائل، يبدو من المحتمل أن تصبح مصدرًا غنيًا لمواد كيميائية جديدة وتسهم في اكتشاف عقاقير أكثر فعالية. إن اللومبروكيناس منتج مستخلص من ديدان الأرض ويباع في السوق كعامل يؤدي لانحلال الألياف. يجب أن نذكر أن هذه المنتجات غالبًا ما ترتبط بالمنظومات المناعية لهذه المخلوقات وأنها تطورت عبر ملايين السنين الماضية - ولذلك فإن هذه المنظومات المناعية مثلت استراتيجية بقاء فعالة. فإذا كانت قد نجحت لدى هذه المخلوقات فيجب أن يسخرها البشر كموجة جديدة من المضادات الحيوية أو الجزيئات المضادة للسرطان، وهما ليسا سوى اثنين من تطبيقات الطب (الطبابة البديلة) الحيوي.

ترجمة: معين رومية

*** *** ***