ولد السوسنة وقصائد أخرى
حسين
بهاء الدين
الزيارة
يزورنا "موتْ"
ثلاث مرات أسبوعيًا
في غرفةِ شمسنا المترقرقة بالضياءْ
أستقبله بنظرة العارفْ
وابتسامة اليائسْ
وسكونِ المحاربينَ الغرقى...
يخلعُ بردتهُ الكنعانيةْ.. المتلبدةْ بغبارِ الأعفارْ
ويختارُ ركنهُ المعتادْ في مركزِ
تجلياتـــهْ
أضعُ أمامه تقارير الينابيع المسافرة
وتبريرات الصراخ المتجدد
ونماذج مصغّرةْ من عواطفَ مختنقةٍ
بالذهبْ
أقنعهُ بسير العمل في معسكرات النشيجْ
وأعطيهِ بارقةَ الأملْ بحياةٍ موتيةٍ جميلةْ
مشروخةٍ بسكين الحبْ
ملتفةٍ على شفرةٍ متسرعةْ
لفرز أعصابِ الشهوةْ
متجرأةٌ للوصول إلى نبع الدمْ
حيث تسكنُ حقيقةٌ قديمةٌ
عميقةٌ جميلة .... محاصـــرةْ
* *
*
أهديهِ صورةَ مستقبلهِ المشرقةْ
رهينةٌ محتجزةٌ في حياة مصابة بالنشيدْ
حياةٌ مختلطةٌ بأوراق ونداءاتٍ وأخيلةٍ وزهورْ
حياة هشائمَ وارتجافاتٍ وخلائطَ ونوازفَ وصواعدَ عذاباتْ
حياة استغاثاتٍ صائتةِ العوراتِ مخبولةُ الصلاتِ
وثنيةُ العزيفْ
حياة مسوّرةٌ بالأسلاكِ الشائكةِ
زاحفةٌ على أحجار الغرف الباردةْ
حياة النهرِ المجهدْ حين يقتربُ
من قوسِ النوافذِ المتباعدةْ والأضواءِ المترجحةْ.
حياة التلويحِ والانتظارْ
مغموســةٌ بالغسقْ
وجاهزةٌ للاغتصابْ
عودةٌ ملتفةٌ بشباكِ الصيادينْ
عالقةٌ بحلقات الأبواب الصدئةْ
طوافٌ متقن التجتهيزْ
لجسدٍ مجرورٍ بالخيولِ البطيئةِ التأودْ
* *
*
منْ يُرشدُ صديقنا الموتْ
إلى بابهِ الشخصيْ
من يمنحهُ عكازةَ العمىْ
وترنيمةَ الطريقِ وزادَ الحزنْ؟
من يهديهِ موتهُ المتلففَ ببتلاتِ
زهرةِ الضوءْ؟
من يخلصهُ المصارحةْ
ويُصدُقهُ بتفاصيلِ الفضيحةْ
والإجراءات المتبعة
في مراسمِ الذلْ؟
من يخلّصُ هذا الموتَ
من كبرياءِ موتهْ
ويُحذّرهُ من ارتداده إليهْ؟
من يأخذُ بيديهِ في دبكةِ الزرّاعينْ
ويمنحهُ تلامسَ الأيديْ
وخطوةَ تململِ الأرضْ
وامتدادَ العِرقِ المحليْ
بلهاث أشجارهْ
وصخب مياههْ
وتدفق شهواتهِ الجماعيةْ؟
من يَصهرُهُ بقبائل النورمانْ
والحثْ....
ومطرودي روما
وأبناءِ خلائلِ القوادْ
وأعلاج البوادي العنيفةْ؟
من يَفتحُ عينيهْ
بالعيونِ السوريةْ
ولفتاتِ بناتِ سمعانْ
المخضبةِ بأرجوانِ الصباحْ
المتسلقِ في الأوديةْ
وكحل الليل الذائبْ
في عاداتِ
ارتواءِ
الحبِ القديمْ؟
من يضمهُ في عناقيد الرجال والنساءْ
المحملةِ بصريرِ المكانْ
ورائحتهِ القديمةْ
وغبارهُ المُتصاعدْ
من براري خليقتهْ؟
من يوسده أذرعة السهول المستسلمةْ
ويدعوه لاحتفال العراءْ
وجماع الآلهةْ
في أسرةِ
العشبِ المديدةْ؟
من يعانقهُ
قبل أن يطلقَ رصاصةَ رحمتهِ
على صدغهِ الملتهبِ بالسوائلِ المحترقةْ؟
من يضمهُ هذا المساءْ؟...
..... من؟ ...
12/7/2006
***
ولد السوسنة
تدحرجت غيمةْ
استفاقَ نبعٌ من نومٍ قديمْ
حدثني ولدُ السوسنةْ عن أُّمهِ العشيقةْ
وأبيهِ المغطى بجناحِ الغراب
أن الجبلَ مدَّ سبعَ خيوطٍ فضيةْ من معاطفِ الذرى الباردةْ
ونَسَلها على معازف الرياحْ
أوتارًا لغنائيةِ وداعْ
وأنهُ الغسقْ سارقُ أستارِ الجفونْ
راميها خلفَ أجنحةِ النسرِ
شاهقِ الكبرياءْ
وأنهُ ضارٍ كما عهدتْ
وحزينٌ كما ألفَ نفسهْ
هذا المتسكعُ الحائمُ على
حاناتِ الغبارْ
* *
*
كيمياؤهُ الضاريةْ.. لهبٌ أزرقْ
أضاءَ أعماقهُ في سنيِ العصفْ
هذا الراعي (المجرودْ) في بريةِ (هيدرا)
هذا المُتصلبْ.. فيما يخصُ عقائدَ الغيومِ الحزينةْ
هذا المقتضمُ ذراعيهْ
في رقصة السيفِ والزوبعةْ
مجنونُ حكمتهِ التي أملتها مدارسُ الذهولِ
في اسكندريةِ الهباءْ
وروما الرعبْ
ومكة البكاءْ.
إنه قصيدةُ خَلقهِ المنبتِّ من ضلع صخرة
بتاتًا بتاتًا شردتهُ إيماناتهُ المتعددةْ
وثلاثًا ثلاثًا عانقهُ ما يشبهُ الله
في عُصافةِ الرحيلْ
* *
*
انكسرَ بلّور السنة الضائعة في السديمْ
وانهمرَ كريستالٌ ضوئيْ .. مبعثرٌ على سجادة الصدرْ
وفاضت بحيرةُ الفلورْ والنورْ
ساعديني قليلاً لأقفَ على شرفةِ عينيكِ
بيديك المتسعتين للوليد القديمْ
لأرى وديانَ الرغبةْ
تزرقها شرائطُ الماءْ
وقممَ النشيجِ المرتجفةْ
تحتَ وتر السوناتا
وبنات السهول المذعورةْ
بسلاسل زينتها المباحة
وعقود أعناقها المنتثرةْ
تتخطفها عرباتُ الصهيلْ.
* *
*
رفرفي ...
رفرفي كما شئتِ تحتَ سقوفٍ قرميديةٍ ساكنةْ
وحدثيهِ عن زغرداتٍ متوردةْ
وهمومٍ هفهافةِ الأسىْ
ووجوداتٍ نباتيةْ
وخصائلَ برق الولاداتْ
ومراهقاتُ المصابيحْ.
ستمسكينَ بيديهِ قبلَ الرحيلْ
بوَثاقةِ الأسى الزرقاءْ
سَتسندينهُ في خشبةِ الصعودِ
ومنازفِِ المساميرْ
آلهتهُ
تقعي خلف سياجِ الملكوتْ
وأنبياؤهُ الصامتونْ
يحدقونَ في مياهِ مصيرهِ المقتربْ
تراتيلُ معزفهِ الباردْ
سترافقُ أشدَّ مشاهدِ عريهِ ابتذالاً.
ستبتدرهُ موسيقى السواحلْ بالضربةِ الأولى
ويلاحقهُ الكمانُ إلى حديقةِ هروبهْ
ستبعثرهُ الرمالْ في بقايا الرمالْ
وأوراقهُ المتطايرةْ من شباكِ الرياحْ
ستدينهُ كلٌ على حدةْ
بجرائمِ الحبْ
وخطايا البقاءْ
* *
*
ستضمينهُ خوف البردِ والليلِ والمطاردةْ
وتوسدينهُ القلبَ المعرىْ
والمهدَ الممتدَ بين النجومِ والشفاهْ
سيحاولُ لملمةَ بقاياهُ
متلفعًا بعنادهْ ...
سيقنعُ قصائدهُ المتسائلةْ
بنبالةِ أحزانهِ المترتبةْ
على جراحهِ الخصوصية،
ويحاولُ النهوضَ مستترًا بخرقةِ النشيدْ
متلمسًا مداخلَ الحاراتْ
ملتصقًا بالجدرانْ
خوفَ الحجـارةِ المتســاقطةْ.
* *
*
احملي إليه قمصانَ الجداولْ
والتماعةَ الماءِ في آبارِ القرىْ
أشعلي صبوةَ الشقيقِ في ذراعيهْ
وضرجيه بكرز الزوادات
ودم الرغبــة
ضعي على طاولتهِ الباردةْ بحرًا عاشقًا
ورمالاً متضريةْ
وصباحًا فاغرًا للحبْ.
* *
*
عانقيه كما يليقُ
بذراعيّ فضة سائلةْ ... ولهاثِ بحيرةٍ يُرفَعُها المدّْ.
إنهُ شريد النهاياتْ
مصباحُ قلــقْ
فرسٌ في البيــاضْ
تمثالُ رمادٍ في ريـــاحْ
موتٌ مرسومٌ بشهوةِ اللونْ
لوثةٌ زرقاء في
مسافةِ النشيدْ
أنزليهِ بجسمكِ المختلطِ بالأشجارِ المراهقةْ
وتفـاحِ الجبـالْ
ارشفيهِ بنبيذكِ المائرِ بالإكسيرْ
ودواركِ الصاعدِ في السحـــابْ.
أوسعيهِ بعناقكِ الصائرِ نحوَ النوازعِ المبللة
وأبراجِ مسالكِ الدموعْ
وغطيهِ بسريرتكِ المتلألئةِ بخضابِ الليلكْ
وأرجوانِ المعاودةِ الهائمةْ
إنهُ لهاثكِ في قاعِ اللحظةِ المسافرةِ
وصراخكِ في بريةِ الحبْ.
إنه طريقكِ الترابيُ نحو عرائشِ الأنهارِ المترديةْ
وشجيراتِ نشوةِ الملاكْ.
إنه متشردُ النهاياتْ
ملقىً على عشبِ المجرةْ
1994
***
الغــــرفة
لمّا دخلتُ البابَ في بيتِ النوافيرِ التي تصعدُ
أدراجَ الألقْ
رأيتُ وجهًا مثل وجهي ... واقفًا في رُدهةِ المدخلِ
مرفوعَ اليدينْ
شاخصَ العينينِ في جرحيهما ....
... ماء الغسـقْ
قلتُ لي... ياأنتَ ياهذا ابتعدْ عن خطوتي
انني ماضٍ إلى بوّابةِ الزهرِ التي
تمتدُ حتى غرفتي،
حيثُ أسجي صورتي في جثتي،
وبأنني حيٌ كبازلتِ الجدارِ
مؤرَّخٌ مثلَ الكتابة فوقَ تمثالٍ قديمٍ
نابضٌ كالفيزياءِ المستمرةِ بالتنفسِ،
مستديمٌ لا أرى إلا جرارًا
تسكب الأنوار من أعلى شقوق العتمة،
في حوض ذاكرة تسيلُ
على بلاط الغرفةِ.
* *
*
ورأيتٌ أنيَّ كالأنا
وكذلكَ الشخصُ الذي اعترضَ الطريقَ إلى هنا
ورأيتُ (فيما يبصر الممسوسُ) أني قد رأيتُ
وجوههُ المنسية،
تدنو وتبعد مثل مروحةٍ من البشرِ المضرّبةِ الملامحِ
بالشقوقِ الرخوةِ
كانت تعابيرُ السماءِ مريبةً
وكأن هذا الأمر لايعدو انتفاخ الطينِ
ثم ظهورُ أيدٍ عارياتٍ من شقوقِ التربةِ
شيىءٌ سيتبعهُ ظهورُ الشكلِ في ملفوفةِ الأنوارِ
هرولةُ الزمنْ
كي يفتح الأبوابَ للمتوافدينَ على خيولِ ضمائرٍ مجهولةٍ
...... من أَربَعٍ مجهولةِ.
* *
*
ماذا يقولُ الخوفُ
لا جدوى من الجدوى
صَفرْتُ لحنًا من بقايا الحبِ
حاولت ادّعاءَ شجاعةٍ ليليةٍ
تبدو بلا جدوى
فقلتُ بإنني: وأنا أحاولُ أن أمرَّ نسيتُ أني قد تركتُ
هُويتي
في رف مكتبةٍ قديمٍ كان غلفهُ الغبارُ
بمتجرٍ للكائناتِ
يقايضون به النقودَ
بأوجهٍ بشرية
وهمست لا جدوى إذًا من اقتناصِ الذكرياتِ الصعبةِ
وهمستُ لاجدوى من الإنكارِ
تلكَ علامةٌ متروكةٌ
حاولتُ أمسحها ولكن
كلما حاولتُ
تبدو مثل مسمارِ الصليبِ مرصّعًا في الجبهةِ.
* *
*
ورأيتُ أهربُ نحو شعب الأرضِ
علْي أفهمُ الأحداثَ في أقصى حدودِ الغربةِ
شاهدتُ أيدٍ ما تزالُ تحوكُ صورتها بخيطِ جفونها وتطعّم الجلدَ
الممزقَ كل زخارفِ الشرقِ المنزّلِ في دمِ المعنى شـديدِ الوطأةِ.
كان السعال ُوسيلةَ الجاثينَ قيدَ الانتظارِ لمشهدِ المطرِ المخبأِ في تواريخِ
الجفافِ العامّةِ. خوفًا من الآتي، ومن جَوَّاحَةِ الشَفرات ممن يقرعونَ البابَ
عندَ الفجرِ، أو خوفًا من الحرسِ الرفيعِ السمعةِ. وكأن هذا الانتظار وصيةُ
الميراث. من جسدٍ إلى جسدٍ ومن أبدٍ الى أبدٍ يعسكر في مصفوفةِ الكتمانِ ... أعمدةُ
الخلاصِ السبعِ ... أمُ التقيةِ.
وحضرتُ أمسية الغناء (لما تيسر) من تقاسيمِ الضراعةِ أو
ترانيم النشيج العذبةِ ... صوّرتُ كورالَ الأنينِ ...
(الفرقة الرسميةِ) .... إذ يبتدي ليمارس
الإنشاد بالآلاف فوق مدارجٍ ومدائنٍ مفتوحة،
بلغات أقصى الاعترافِ، وغرغرات مرة.
كانت رسائلهم ثُغاءَ عيونهمْ
وتذيعُ شيئًا من تُراثِ غيومهمْ
وتخطُ بعضَ النمنماتِ
على صباحاتِ الندى المبتلةِ.
صافحتهمْ فامتدت الأيدي جميعًا كي تصافحني
(وهذا يربكُ السياحَ)
إذْ لامستها فنمتْ ومالتْ ...
... ثم عادتْ فاستطالتْ
واستطالتْ ... مثلَ حورِ حدائقٍ مـمدودة.
* *
*
ياأنتَ ... همْ من أنتَ؟
أم نحنُ ... الأنا ... الإثنانِ؟
همْ من جَلوةِ الثالوثِ؟ ... أم همْ نحنُ؟
لكنّا انقسمنا
زوبعتْ ريحٌ بنا
فتبعثرتْ قطعُ الضمائرِ
كالنيازكِ، وانحدرنا ساقطينَ ودائرينَ
وحائمينَ على غيومِ الأرضِ في فَلكِ الرؤى الفضيةِ.
* *
*
كنا ولدنا ... غير أنا لم نلدْ.
إذ أن وقتَ المسرحيةِ لا يوفرُ للحضور ِنهاية تصف المصير الآدميَ، لا توليفة
الأحداثِ، لا الأحياء في المشهدِ، لا للصاعدين إلى جروفِ الموتِ، أو لا ... للضحايا
الميتةِ.
* *
*
يا أنتَ
مرآة من الأشباه عبر العالمِ. يامَجْدَلَ المتقاطرينَ، القادمينَ،
الذاهلينَ عن انتظاراتِ السماءِ، الخارجينَ على التعاريفِ، الزناةُ
مع الطبيعةِ. ألعراةُ. الطائرونَ، جميعُ أبناء الخلائلِ
يجأرونَ على مخداتِ المروجِ ... بأعينٍ مقلوبة
ويقطرون منيهمْ ودمائهمْ
زيتَ السقايةِ في جراحِ الشهوةِ
في كارنفالِ ضحيّةِ القربانِ، فَرْجُ المأزقِ الأبديِ،
حراثُ السرير
لقيطُ بئرِ المتعةِ.
* *
*
يا أنتَ، همْ من أنتَ؟
قمْ
وأدرْ ذراعكَ
مُدها ... ما بعدَ جٌرف القارّةِ
فلربما بعثتْ منَ الأرضينِ كلُ سلائلِ الأٍسباطِ
شَقَّقَتِ الحفائر من شفاهِ مغائرٍ
سرية
وتجمعتْ في ساحة الشهداء
لفتْ عريها بالبيرقِ الوطنيِ خوفَ البردِ.
تلكَ قبيلةُ الموتىْ التي وُلدتْ تُرتّلُ بالرباعياتِ
ترفعُ حزنها
فوقَ المدينةِ باقترابِ الظلمةِ.
وأدرْ ذراعكَ مدها كالرايةِ
نوابُ أجيالِ السلاسلِ يقرعونَ ببرلمانِ الأرضِ فوقَ السدةِ
الخشـــبية
وأدرْ ذراعكَ مايسترو ... هذا الغناء المستمر
ومدها نحوَ السماءِ الحــــرةِ.
21/9/2007
***
رباعيات ليلية
الليلُ أبو اللون الداجيْ
خيامُ العتمةِ
أو خطافُ الضوءِ الوهّاجِ
شاهدناهُ
يتسللُ خلفَ الأحراجِ
فتبعناهُ
خلف العلّيقِ بفسحةِ عشبٍ بريٍ تتمددُ من خلف سياج
فسمعناهُ
الليلُ يهمهمُ حينَ تنزّلَ وحيُ الرغبةِ بدماهُ
حدقنا فيهِ
أَزحنا أغصانَ أناهُ فَرأيناهُ
الليلُ يعانقُ أنثاهُ
* *
*
ثمةَ نجمٌ يتعلقُ في جنزيرِ سماءْ،
ثمةَ نجمٌ ... وجهٌ،
نجمٌ ... عينٌ
نجمٌ ... جنيٌ يرقصُ في عرسِ الظلماءْ.
ثمّةَ خفقٌ خلفَ زجاجي
يستندُ المارّةُ بالجدرانِ وبالنافذةِ الصماء
يستندُ المارّةُ خوفَ سقوطِ العتمةِ في الحفرِ السوداءْ.
يستندُ المارّةُ خوفَ العصفِ المهتاجِ
بجدارِ خواءْ
يبكي المنفيُ بمنفاهُ
يجأرُ في العتمِ بشكواهُ
فيكفكفُ دمعتهُ الشعراءْ.
* *
*
أُغلقُ عارضة المزلاج
قد ينفجر
الضجرُ
المتململُ في رئةِ الصحراءْ.
قد ينتحرُ
القدرُ
المنتظرُ حبيبتهُ من دون رجاءْ.
قد ينكسرُ
هذا الحجرُ
قد تخطفُ أرتالُ الآتينَ من الموتى
جثث الأحياءْ.
قد تختمرُ
في الرغوةِ أخلاطُ التكوينِ
وتنتثرُ
أرواحًا تدنو نحوَ الشطِ
قناديلاً للصيادينَ
وتنتشرُ
فوقَ الأمواجِ الزرقاءِ
الأمواج البيض ... الزرقاءْ.
* *
*
ينزلُ مطرُ
أغلقُ بيدي العاريتينِ شقوقًا ينفذُ منها الماءْ
يتسللُ خيط منْ ماءٍ ماسيٍ،
يقطرُ منْ بحرٍ خلفيٍ،
مختلطٍ حتمًا بدماءِ الغرباءْ.
وينحدرُ
في إفريزِ الحجرِ المكسورِ
فينكسرُ
يتشعبُ سبعةَ أنهارٍ
تمضي في سبعِ بساتينٍ
تروي أوراقَ
نباتِ الحزنِ المتلفّفِ فوقَ الجدرانِ
وتنهمـــــــرُ
* *
*
يهبطُ ليلٌ قذرُ
موتٌ نصفيٌ منحسرُ
غرّغَرَ في الخارجِ ذئبُ مســاءْ.
خَفقتْ أجسامٌ فارهةٌ تتعلقُ في صلبانِ هـــواءْ.
فزّاعةُ عصرٍ قادمةٍ بعيونٍ خائرةٍ عمياءْ،
فأَشدُ بجذعي مستندًا بحديدِ سريرٍ صدىءٍ
أو أخفي رأسي بجميعِ الأطرافِ الممتدةِ من أجساد الأشياءْ.
صوتُ يتسللُ من سقفِ الغرفةْ
أقدامُ نمالٍ قادمةٍ
وأوامرُ صمتٍ صارمةٍ
وغناء قبائل ريح منصرفة
وتراتيل مجوسِ الصحراءْ
وعُواءاتٍ خَرفـــهْ.
1986
***
*** ***