|
منامات طالعة من أجواء القصص
لا أعرف لماذا ذكرتني نصوص الكاتبة سمر يزبك بنصوص الكاتب الإيطالي انطونيو تابوكي، لكنها لا تتناول شخصيات معروفة. الكاتبة السورية تقترب من كوابيسنا، وبدا المناخ السوريالي طريقها إليها.
يحضر الموت قويًا عندها، حتى أن فرجينيا وولف كانت بطلة أكثر من منام. مناماتها مستمدة من واقعنا، عذابنا، الأصولية، الصراع الدموي بين العرب وإسرائيل، اختيارات من الأفلام والكتب... ولعل أجمل نصوصها تلك التي استخدمت فيها الأحرف مادة قصصية فاقتربت بها من الصور المتحركة أو الشريط المصور، وكانت تبحث عن روح الحرف ورمزيته لا عن شكله فحسب. غنية مادتها وقد تتجاوز حتى القارئ المطلع باتساع اقتباسها من مصادر عدة. متشائمة المؤلفة في جبل الزنابق[1] وهو ما أبعدها عن غرائب عالم تابوكي التي لا يمسها الحزن. هناك التقاليد وصعوبات الطفولة، ثم الأمومة والضيق الذي تحسه وأنت تريد نفسك مشرعًا على كل الحضارات. ولكن تجدها مأسورة في قالب محدد. إنها تتماهى بكل الضحايا في العالم من الفلسطينيين إلى الهنود الحمر، وهي تتخيل أحيانًا أنها تمنع حدوث ما حدث، ولكن تفشل، فيظل حسها الإنساني يرفض هذا العنف. أطرف نصوصها تلك التي حمَّلتها دلالات الأحرف الجنسية فخرجت بمقولات ساخرة من التقاليد والمحرمات، وأمدّت الكتابة بمسرب تتسرب منه التهويمات. صراعها مع الحياة، كما تحياها جعلها تتمنى الموت، فتجيبها العرافة: «البؤساء هم من يتصالحون مع الموت». لغة سمر يزبك متميزة وإن كانت سورياليتها مبالغًا فيها. تعرف اختيار التعابير وتبث خواطرها بين حناياها، فتقع بين الحين والآخر على درر ثمينة: «لا فرق بين النوم واليقظة» يقول لسان حالها، فكأنها تقارب الموت كلما قاربت بياض صفحة. عوالم سمر يزبك تبدأ بالكُتَّاب وبقصص الأطفال وشخصياتهما ولا تنتهي بالقريبين منها. وقد تجمع بين أكثر من شخصية في منام واحد. فهي تحس أن هناك قدرًا ما يجمع بينها ويجعلها تحضرها في المنام. مدام بوفاري وأنّا كارنينا، أوليفر تويست و«أليس في بلاد العجائب»، لكنّ مغامرات هذه في مناماتها عذابات طويلة. سيتمتع القارئ بأسلوبها المحوك بدقة، والذي يمد عوالمها بدعامته. تبقى ملاحظة أن عناصر مناماتها أشبه بعناصر الكون الأربعة التي قيل قديمًا أنها شكّلته، فإذا بالفراغ لا يغيب عنها وهو الهواء، والماء وهو الابتلال أو الغرق، والنار وهي الإحتراق فعليًا أو رمزيًا؛ عنصر التراب غاب تقريبًا فحلّ محله الموت كما لاحظنا، وهو الاستقرار أو الصمت. التحول فكرة أخرى لازمت النصوص، فكان رمز الفراشة بارزًا فيها، لأنها تولد وتتحول وقبل أن تموت تتحول مرة ثانية. سوريالية تتراوح بين الشبق والروحانية، الأول هو الهوة المتكررة في نصوصها والثانية هي الولادة وما أكثر ما تكون من العدم. ولكن لا، فهناك حيوات سابقة تقلقها ومنها تنبع المنامات. *** *** *** الحياة 27-10-2008 [1] جبل الزنابق، سمر يزبك، دار المدى، دمشق 2008.
|
|
|