بين جوهر الإبداع ووحدة التحقُّق
رحلةٌ في الفلسفة والحكمة والأديان

 

نجيب بعيني

 

صدر كتابٌ جديد لكمال جنبلاط يحمل عنوان بين جوهر الإبداع ووحدة التحقق[*]، يخوض في قضايا كثيرة: في ماهية الدين والإيمان والفلسفة والعلم والعرفان والتطور والفكر والعدل والاشتراكية والحياة والتحرر والموت والحكمة والحقيقة والعقيدة والتصوف والتأمل والإصلاح والأنانية والكراهية والسلام والرضا والتسليم. والكتاب مقالات جُمِعَتْ في هذا المصنف؛ وسنحاول استعراضَ بعض هذه الأفكار التي طرحَها.

الألم: كلمة غاندي في الألم: "علينا أن نتألم كثيرًا لنهدي شعبنا إلى طريق الحياة ولنشقَّ له وجهةَ السعادة والمعرفة والنور..." على الأجيال القادمة أن تمتطي سلَّم الحرية والسعادة والمعبد الإنساني الكامل على آلامنا وجروحنا وأفراحنا وأصفادنا ودمائنا المبعثرة. في الألم صفاءٌ وجلاءٌ وتفهُّمٌ عميق. مَن لم يتألم لا يستطيع فهم الحياة ولا يستطيع أن يتقبَّل الوجود.

ويقول في الحرية:

الحرية، كما يتوَّهمها رجالُ السياسة وقوَّالو الصحف [...]، اسم بلا مسمَّى. الحرية الكاملة، الحرية المطلقة، الحرية الأصيلة، هي حبة الذات تتحقق في السيادة على الجسد والروح. فأنت، إذا كان هدفُك التخلصَ من الحواجز ومن القيود الخارجية ومن حدود الجسد والبلد، فأنت لا شكَّ فاشل.
فالمدنيَّة تخلق لك كلَّ يوم حواجز وقيودًا وحدودًا جديدة لا يجمعها حصرٌ ولا عد. الحرية صراع دائم وانتصار ذاتي مستمر، غلاَّب. لقد شوَّه الفريسيون والمستغلون للعقاقير والأسرار والمراسيم حتى وجه الموت الحقيقي. في الموت غبطة.

ويقول في القومية:

إن الظاهرة الاجتماعية هي في الواقع أعظم ظاهرة في عصرنا، وتلتبس أحيانًا بالقومية أو بالأممية أو الدولية الشيوعية والفوضوية أو بالتكتلات الدينية على اختلافها. والقومية هي مظهر من مظاهر الاجتماعية، وهي مظهر لتيار (الروح) التجمع البشري الرامي إلى التوحيد بين المجتمعات.

ويقول في الموت:

الجيل الواعي الجديد لا يخاف الموت. فالموت غبطة وإشراق وانعتاق [...] لأنه السبيل إلى توحيد الشخصية مع الإنسانية ومع ذات الوجود.
التضحية تجلب التضحية، والإيمان الذي كان عليه من نبيِّه شهادة يُذْكيه يقينُ الحقيقة ويدفعه نحو الغلبة الساحقة ونحو الانتصار.
يتوهَّم الكثيرون أن الموت عذاب وألم، وفي الواقع الموت فيه سعادة.

ويقودنا جنبلاط في موضوع آخر إلى "الإيمان المطلق"، حيث يرى أن معراج التحرر واحد: هو الإيمان المطلق والمحبة الكاملة، فيهما تتلاقى خدمةُ الله وتقديسه وخدمةُ الإنسان وتقديسه وتتوافقان. وهو يرى أن الإيمان المطلق، أو الإيمان الواعي، هو الذي يدرك ما يؤمن به، ويقصد ما يدرك، ويبصر ما يدرك وما يقصد، لأنه جعل من معتقده مادةَ اختبار في حياته اليومية، لا صورة وفكرة تتعلق بالذهن وتتأرجح في الخيال، فتحجب عن المعتنِق نورَ البصيرة، فيتعصَّب ولا يؤمن – والتعصب نقيض الإيمان. ثم يخلص إلى القول:

إن الإيمان المطلق هو الذي ينزع بطبيعته إلى أن يكون أداةً للخير وواسطة الإقدام ومتكأ للإخوان منَّا وللأبطال وغلبةً على النفس مستديمةً ومتجددةً على الدوام، لا روحية تطاول على الآخرين وسبق وفعالية.

ويستعرض جنبلاط في أحد المقالات بعنوان "الدور الحقيقي للمسيحيين في لبنان"، فينوه بالدور المسيحي في العالم لانتشار الدين المسيحي وبمبادئه، ثم يتطرق إلى الحديث عن الديموقراطية السياسية في أوروبا، قائلاً إن كبار المشترعين الدستوريين، كهوريو ولوفور، وبعض الفلاسفة، كبرغسون، اعتبروا أنها تحققت بالتطور السِّلمي في بريطانيا وبلدان اسكنديناڤيا وبالثورات الشعبية في فرنسا والولايات المتحدة، التي كانت في أساسها وجذورها مبادئ الأخوَّة والمساواة الإنجيليتين. وهو يُبيِّن كيف يريد للمسيحية في الشرق أن تكون:

هو في تزعُّم فكرة التقدم، والدعوة لتحقيق مبادئ المساواة والأخوَّة والتضامن في الاقتصاد وفي الاجتماع وفي السياسة – تلك المساواة الوظيفية التي تؤمِّن على الأقل فرصَ المبادرة ذاتَها للجميع – وأن يسعوا إلى تقويض المظالم وإلى هدم الاحتكارات وتجنيب جماهير الشعب من العمال والفلاحين والفئات المتوسطة والمثقفين جحيم الحرمان والتخلف الذي يعيشون فيه، قبل أن يبعد عنهم خشية الوقوع في الجحيم الآخر.

وفي مقال آخر بعنوان "محاولة في تفهُّم مصادر وأصول الحكمة والعرفان"[†] – وهي المقدمة التي عقدها كمال جنبلاط على كتاب سامي مكارم أضواء على مسلك التوحيد (دار صادر، 1966) – يستعرض معتقد الدروز الديني ومنابع الحكمة عندهم، والمبادئ العامة لمسلك الحكمة والتوحيد، والسرية في المذهب، والإصلاح الحقيقي، وشروط الولاية الروحية، والعقل الأدنى والعقل الأرفع، ونهج العقل والقلب، واكتمال العلم والعرفان وتوافُقهما، ووحدة الوجود، والتنزُّل والتجلِّي، والكيفية والجوهر، وغيبيَّات العلم، وديمومة العرفان واستبطانه في جميع المعتقدات، وتوافُق الدين والعرفان وتلازُمهما.

وخلاصة الكلام في كتاب بين جوهر الإبداع ووحدة التحقق أنه جولة في عالم المعرفة والإبداع والحقيقة، وفي بعض الأطروحات الفلسفية والدينية، وفي نظريات جامعة شاملة وتطبيقات شرعية ورؤى نضالية، علمية وسياسية.

*** *** ***

عن النهار، الأحد 28 أيار 2006


[*] كمال جنبلاط، بين جوهر الإبداع ووحدة التحقق، الدار التقدمية، المختارة، طب 1: 2005، 286 ص.

[†] للاطلاع على هذا النص راجع: "الحكمة الخالدة: محاولة في تفهم مصادر وأصول الحكمة والعرفان"، معابر، أيلول/تشرين الثاني 2006، باب "منقولات روحية". (المحرِّر)

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود