|
||||||||||||||||||
| |||||||||||||||||||
|
العلاقة الحميمة من الذات إلى الآخر نحو رؤية جديدة
أيها القارئ الودود، أين هي المودة؟ أين أنت أيتها الرحمة؟ أين هي العلاقة الحميمة والصداقة الصادقة؟ أين نحن من هذه الكلمة: الحميمية؟
انطلاقًا من هذه الأسئلة، تطرح مريم نور، نقلاً عن فلسفة أحد الحكماء، أوشو، رؤيةً جديدة للحياة عِبْر الثقة بالنفس وبالآخرين، فتقدم إلى القارئ مفهومًا جديدًا للعلاقة الحميمة التي تنطلق من علاقة الفرد بنفسه، انتقالاً إلى الآخرين وإلى كلِّ شيء في هذه الحياة.
أوشو (1931-1990) – بهَغَفان شري راجنيش (سابقًا) العلاقة الحميمة: لغز العلاقة الحامية[*] كتابٌ يناقش الموضوع من منظار فلسفي عميق، فيشير إلى الخوف والخشية من "العلاقة الحميمة"، التي تعني كشف النفس أمام شخص غريب – وجميعنا "غرباء"؛ إذ إننا لا نعرف بعضنا بعضًا، ولا نعرف أنفسنا حتى، ونجهل مَن نكون. وخوفنا من الانكشاف هو خوف من سقوط جميع دفاعاتنا؛ فنخشى، بالتالي، أن يستغل أحدُهم نقاط ضعفنا وهشاشتنا وضعف حصانتنا. لكننا، إذا تجرأنا على كسر حاجز الخوف هذا، تخرج العلاقة الحميمة عن إطارها الجسدي، ليتقارب الشخصان تقاربًا وجدانيًّا، ولا يبقيان عندئذٍ غريبين.
يشير أوشو إلى ضرورة التأمل عبر إفراغ ما في اللاوعي إلى العقل الواعي، فتتبخَّر تلك الأفكار والهواجس والمخاوف. وهنا يَرِد ذكرُ العديد من النظريات الفلسفية الخاصة بفرويد وتأملات البوذا غوتاما وسواه ممَّن ساهموا كثيرًا في بلورة فكرة التأمل. والكتاب غني من نواحٍ كثيرة، إنْ لناحية المعلومات الوفيرة الذي يحويها أو لناحية إقران تلك المعلومات بأمثلة وخبرات وشهادات، لتصبح المعلومة أقرب إلى التصديق وأبسط على التحليل. وفصول الكتاب أربعة: فبعد التمهيد للخوف من العلاقة الحميمة، فصلٌ أول عنوانه "خطوة تلو خطوة، وألف باء العلاقة الحامية". كل منَّا يبدأ من مكانه في تحديد الهدف الذي يسعى إليه ومعرفة ما يبحث عنه، وبالتالي، القناعة بما يحصل عليه؛ وفي هذه الحالة، عليه أن يكون على حقيقته ويستمع إلى نفسه وما تريد، فيبلغ الثقة بالنفس. إلى المرحلة الثانية والعلاقة الحميمة مع الآخرين، التي تستوجب عددًا من الخطوات، أهمها الوضوح والشفافية مع النفس والآخر، من دون أن نفقد كامل خصوصيتنا التي نحن في أمس الحاجة إليها. وبذلك ينشأ التواصل، وليس إقامة علاقة: فالعلاقة عابرة، بينما التواصل عميق ومستديم. وإقامة ذلك التواصل لا تحتاج إلى لغة تُفقِده الكثيرَ من قيمته؛ فكثيرًا ما نكون في حاجة إلى الصمت، وهو أبلغ لغة، به نبلغ قمة التواصل الروحي والعقلي الحميم. في الفصل الثالث، "الورطات الأربع"، يتحدث الحكيم أوشو عن عادة ردِّ الفعل الذي يصدر عن الماضي، على عكس الرد الذي يصدر عن الحاضر، وعن وجوب إبدال الاستجابة الفاعلة بالانفعال، من دون أن نغفل التزام الحيطة والحذر؛ إذ ما من علاقة "آمنة" لأنها لن تكون جذابة. أما فصل "الملاكمة الوهمية"، فيطرح موضوع التخلص من الشهوات والغضب كي ننعم بالسعادة وعدم الهرب، مع أخذ الأمور في بساطة وبلا قتال، فنضع فكرنا جانبًا، وندخل الفيء الداخلي، حيث جوهرنا الصافي. وهنا يطل الفصل الرابع، "أدوات التحول"، الذي يخلص إلى نتيجة مؤداها أنه ما من تحسين في العالم، وأن الحياة مجرد احتفال. ومن هنا علينا أن نتقبل أنفسنا كما نحن لنصبح منفتحين. ولا يبقى ضروريًّا انتظار المستقبل، لأن الواقع جيد كما هو. وإلى القبول بالنفس، علينا بالانفتاح، مع المحافظة على شيء من أنانيتنا، بحيث لا نؤْثِر الآخرين على أنفسنا، لأن "فاقد الشيء لا يعطيه". فالحياة ينبغي أن تكون مثل رقص أو موسيقى يمكن المشاركة فيها. والمبدأ الأساسي للوجود هو أن النعمة تنمو إن تقاسمتَها. وهنا دور فن التأمل والشعور بأن وعي كلِّ شخص هو وعينا الذاتي. فالتغاضي عن الذات الفردية الضيقة يوصل إلى الكينونة. تلك الخطوات تبدأ من القناعة بالنفس أولاً، لبلوغ الثقة بالآخر عِبْر التنعُّم بما هو متوافر لدينا. وهذا معنى الصلاة: أن نكون على تواصل عميق مع الله والأفراد، أن نشعر بكلِّ كلمة نقولها، أن تنبع من قلبنا، لا أن ننطق بها فحسب. فهكذا فقط يمكن للإنسان أن يحقق التواصل مع الآخر، كاسرًا حاجز الخوف، ويصل، بالتالي، إلى حقيقة "العلاقة الحميمة". *** *** *** عن النهار، الثلثاء 5 تموز 2005
|
|
|
|
