|
حوار
الغرب مع الإسلام كيف
تتعامل أوروبا مع الإسلام؟ لا يوجد جوابٌ واحد عن هذا
السؤال. فهناك قوى ثلاث تتصارع لإثبات صحة
الجواب الذي تقترحه: 1.
القوة
الأولى تقول بأن الغرب والإسلام لا يلتقيان،
وبأنه إذا كان للغرب أن يعيش في استقرار داخل
مجتمعاته فعليه أن يقلِّص من وجود الجاليات
الإسلامية فيه وأن يسدَّ أبوابَ الهجرة إليه.
ولعل أبرز رموز هذه القوة الكاردينال
لوستيجيه (رئيس أساقفة باريس) الذي يحذِّر من
أنه إذا استمرت الأمور في فرنسا على ما هي
عليه الآن فإن "الإسلام قد يتسلل من الباب
الخلفي ليصبح دين الدولة". ولهذه القوة
رموز أخرى، خاصة في هولندا، بعد اغتيال
المخرج السينمائي ثيو فان غوغ في تشرين
الثاني 2004، على خلفية انتهاكه حرمةَ القرآن
الكريم. 2.
وثمة
قوة أخرى تقول بالحوار مع المسلمين،
المعتدلين منهم والمتطرفين على حدٍّ سواء.
ومن أبرز رموز هذه القوة أمين عام "مؤتمر
كنائس أوروبا" كيث كليمنت. ومقر هذا
المؤتمر في جنيف، سويسرا؛ وهو يتألف من مئة
كنيسة إنجيلية وأرثوذكسية، ويدعو إلى إجراء
حوار شامل ومنفتح، ويحذِّر من حصول أيِّ حوار
"انتقائي"، إذ يرى فيه تضليلاً للآخر
وتضليلاً للذات معًا. 3.
أما
القوة الثالثة، فتتمثل أساسًا في الفاتيكان،
ليس من خلال "مجلس الحوار بين الأديان"
الذي كان يترأسه الكاردينال أرِنْزي والذي
تجمدتْ، أو تقلَّصتْ، أعمالُه بعد وفاة
البابا يوحنا بولس الثاني، إنما من خلال الأب
كوكانزا بالدا الذي يُعَد خبيرًا معتمَدًا في
الإسلاميات. فالأب بالدا يحذِّر من أن
العلاقات الإسلامية–المسيحية، في الشرق وفي
الغرب معًا، مُقبِلة على مزيد من التحديات،
وأنه لا بدَّ من تفاهُم متبادل لمواجهة هذه
التحديات قبل فوات الأوان. فالفاتيكان يخشى
على مستقبل المسيحيين في عدد من الدول
الإسلامية، وخاصة في نيجيريا والسودان؛ وهو
يرى أن التعامل مع المسلمين في أوروبا
بالحسنى من شأنه أن ينعكس إيجابًا على
المسيحيين في العالم الإسلامي، والعكس صحيح. هنا تبرز أهمية التباينات
في وجهات النظر الأوروبية حول كيفية التعامل
مع المسلمين: هل يكون هدف التعامل إبعادَهم من
أوروبا؟ أو تذويبَهم في المجتمعات
الأوروبية؟ أو استيعابَهم ودمجَهم، بما
يعنيه ذلك من تقبل واحترام للخصوصيات
الثقافية الإسلامية المرتبطة بالعقيدة؟ تبلورت هذه القوى الثلاث في
تشكيل ما يُعرَف الآن بـ"المفوضية
الأوروبية الخاصة لحوار الحضارات"،
وعُهِدَ بأمرها إلى المستشرق الألماني غونتر
مولاك (سفير سابق في بيروت، يعرف الإسلام
جيدًا، كما يجيد اللغة العربية). وكانت باكورة
أعمال هذه المفوضية تنظيم مؤتمر موسَّع
عُقِدَ في برلين لتحديد آلية الحوار مع
المسلمين في أوروبا وخارجها. والمهم في هذه
الآلية المعتمَدة أنها لا تقف عند حدود الدول
والحكومات فقط، بل إنها تذهب إلى الجماعات
والهيئات المدنية، وحتى إلى الأفراد، من
مفكرين وإعلاميين إسلاميين. وفي المقابل، لا توجد "مفوضية
إسلامية للحوار مع الغرب"، على الرغم من أن
القمة الإسلامية التي عُقِدَتْ في ماليزيا
أقرَّت توصيةً بوجوب الحوار مع الغرب بهدف
"إزالة التشوهات من صورة الإسلام في
الثقافة الغربية". إن جوهر المشكلة في
العلاقات الإسلامية–المسيحية في الغرب يكمن
في أن المسلمين أقلية تنمو، وأن المسيحيين
أكثرية تتضاءل؛ ثم إن المسلمين أكثر شبابًا
والمسيحيين الغربيين أكثر شيخوخة. كما يكمن
جوهر المشكلة في أن المسلمين أشد تدينًا
والمسيحيين أشد عَلمانية: ففي فرنسا، مثلاً،
حيث يُقدَّر عددُ المسلمين بحوالى خمسة
ملايين، كان يوجد 992 مسجدًا ومصلًّى في العام
2003، فارتفع العدد هذا العام [2005] إلى 1230.
وعندما ارتفعت الشكوى الفرنسية من تطرُّف بعض
أئمة المساجد الذين يُستقدَمون من الدول
الإسلامية، وجدتِ السلطاتُ المختصة الحلَّ
في تأهيل الأئمة من المسلمين الذين يحملون
جنسية الدولة ويعرفون عاداتِها وتقاليدَها
ولغتَها. ولكن هذا الحل اصطدم بمبدأ "فصل
الدين عن الدولة". وسرعان ما ارتفعت أصوات
تقول: إذا كان للدولة دين، فلماذا يكون
الإسلام ولا تكون المسيحية؟! ليس سهلاً أن يتمسك الغرب
بعَلمانيته وأن يقف، في الوقت نفسه، مكتوف
الأيدي أمام انفلاش الإسلام، بمؤسَّساته
الدينية والاجتماعية والتعليمية. ثم إن الغرب
لا يستطيع أن يرفع لواء الحريات الخاصة
والعامة – وفي مقدمتها حرية الاعتقاد – وأن
يفرض قيودًا تنتهك هذه الحريات وتعتدي عليها
في الآن نفسه. ولحلِّ هذه الإشكالية المعقدة
كانت "المفوضية الأوروبية لحوار الحضارات". فمتى تكون للعالم الإسلامي
"مفوضية" تعرف ماذا يريد العالم
الإسلامي، لتجلس إلى الطرف المقابل من طاولة
الحوار؟! ***
*** *** عن
المستقبل، 29/8/2005
|
|
|