|
ينفي
إجراء موقع إيلاف مقابلة معه روزالين
الجندي – خاص بـالبعث: نفى فراس السواح أن يكون
المدعو سعود السرحان قد أجرى المقابلة معه
التي نَقَلَها موقع إيلاف [انظر أدناه]،
مؤكدًا أن آخر مقابلة له كانت لصالح جريدة البعث،
وأنه، منذ تلك المقابلة، لم يقم بإجراء أية
مقابلة أخرى. وأشار السواح إلى أن ما نشره إيلاف
مأخوذ من عدة مقابلات سابقة معه. وبخصوص رأيه في مثل هذه
الظواهر، يعتقد السواح بضرورة وجود "ضوابط"
على ما يُنشَر في مواقع الإنترنت – وذلك على
الرغم من أن مُعِدَّ المقابلة الوهمية
المذكورة قد التزم فيها الأمانة في النقل؛ –
غير أننا – يضيف السواح – "إذا وافقنا على
مثل هذه الظواهر فقد نشجع آخرين على ابتكار
مقابلات بناءً على أسئلة وأجوبة خيالية تنسب
إلى الكاتب ما لم يقله أو لا يتفق مع أفكاره".
وفي رأيه أن "هذا التصرف سيئ لأن مُعِدَّ
"الحوار" معه قد انتحل مجهود المحاورين
الآخرين وادَّعاه لنفسه". عن البعث، رقم 12408،
22/8/ 2004 *** رغم
أني لستُ معاديًا للدين إلا أن هناك تيارات
علمانية تبحث في كتبي عما يؤيِّد موقفها
المعادي للدين! كلُّ
الطرق تؤدي إلى الله – فلا وجود لفرقة ناجية
وبقية هالكة! الإسلاميون
غير راضين عنِّي لأنهم غير راضين عن أحد! ساحة
البحث خالية على مستوى الثقافة العربية، ولا
يملؤها ألف كمال صليبي ولا ألف فراس السوَّاح! لستُ
معنيًّا برصد كلِّ ما يكتبه الصليبي، ولديَّ
أشياء أهم تستغرق وقتي! حوار مع
فراس السوَّاح[1] إذا نظرنا إلى
الموضوعات التي يناقشها المفكِّر السوري
(أو أية صفة يمكن أن تجدها مناسبة) فراس
السوَّاح في كتبه نجدها جذابة للقارئ العربي،
وهي: ماهية الدين، وتاريخ الأديان،
والميثولوجيا (الأساطير)، والتاريخ القديم.
لكن جاذبية السوَّاح الطاغية ليست مقصورة على
جاذبية القضايا التي يكتب فيها، أو على كونه
يتناولها بمستوى علمي راقٍ، ولا لكونه
يَعْرِض لهذه القضايا ذات التعقيد الكبير
بلغة سلسة جذابة. بل إن الذي يجذب كثيرًا من
القراء إلى ما يكتبه فراس هو تلك الحميمية
والروحانية العالية التي يطبع بها كتبَه،
فيجعل قارئه يعيش الأجواء
الحقيقية (التاريخ،
الأديان، الأساطير، إلخ) التي يعالجها. أما
مقدمات كتبه فكثير منها يُعَدُّ قطعًا أدبية
قائمة بذاتها. ولا ينسى السوَّاح أن يختم كتبه
بعبارات منتقاة بعناية من كتابات كبار
الصوفية المسلمين، كالنفَّري. أما المآخذ على
السوَّاح فأترك تبيينها للمختصين في
الموضوعات التي يتطرَّق إليها. لكني أخص
بالذكر مأخذين: أحدهما تجنُّبه (ولن أقول
تخوفه) الخوضَ في أيِّ خلاف مع أيِّ تيار فكري
أو سياسي، أو حتى نقد للكتابات المتعلقة
بمجال اختصاصه (إذا استثنينا ردَّه على
الصليبي)؛ ففي بداية الحوار اشترط عليَّ
السوَّاح أن لا أسأله عن رأيه في أيِّ عمل
قدَّمه باحثٌ آخر. والثاني: هو شيء من "غرابة
الأطوار"، ما يجعلك لا تتنبأ بتصرفاته. فمع
ترحيبه بإجراء الحوار معه، والاتفاق على
إعطائه الأسئلة على دفعات، أجاب فراس عن
الدفعة الأولى من الأسئلة، ثم رفض الإجابة عن
باقي الأسئلة بحجة أنه "أصيب بالملل"! س.س. *** تكتب
في مجال تفسير الدين والتجربة الدينية، وفي
الأساطير، وفي التاريخ القديم. ما الذي يربط
بين هذه الاختصاصات الثلاثة؟ لكي
نتحدث بمصطلح أدق، أنا أكتب في مجال فينومينولوجيا
الدين، أي دراسة الظاهرة الدينية من موقع
مفارق، والسعي إلى التعرُّف عليها دون موقف
مسبَّق أو إيديولوجيا جاهزة، ولكن مع التعاطف
مع إيمان البشر، أنَّى كان دينُهم ومعتقدُهم،
وعدم المَساس بأيِّ إيمان لصالح إيمان آخر أو
لحساب علمانية محدودة الأفق. في
فينومينولوجيا الدين، الأديان كلُّها
سواسية، وتنتظم على مسطَّح واحد، لا على
سلَّم متدرِّج من الأدنى إلى الأرقى؛ إذ لا
وجود لدين سامٍ، راقٍ، وآخر بهيمي متخلِّف.
فكما تختلف الحضارات، في لغتها وفي فنونها
وعمارتها وما إلى ذلك من تبدِّيات الحياة
الثقافية، فإنها تختلف أيضًا في معتقداتها
وحياتها الدينية. كل دين
هو طريق خاص، وكلُّ الطرق تؤدي إلى الله – فلا
وجود لفرقة "ناجية" وبقية هالكة! الفرقة
"الهالكة" هي الفرقة التي تؤمن
باحتكارها للطريق المؤدي إلى الله، والفرقة
الناجية هي التي تؤمن بأن طريقها ليس إلا واحدًا
من الطرق المتاحة للصلة مع الله. وعلى
عكس مؤرخ الأديان الذي يسعى إلى الكشف عما جرى
في الماضي، فإن فينومينولوجي الدين يحاول
البحث عن المعنى في ذلك الماضي، وعن الخيط
الجامع الذي يوحِّد بين مختلف المعتقدات
الدينية والمعاني الكامنة خلف تبدِّيات
الحياة الدينية. وبتعبير آخر، فإن
فينومينولوجي الدين هو مؤرِّخ أديان من نوع
خاص: إنه يبحث في المادة نفسها، ولكن أهدافه
تتجاوز أهداف مؤرخ الأديان. نأتي
الآن إلى بقية المجالات التي ذكرتَها في
سؤالك. فالأسطورة هي أحد المكوِّنات الأساسية
للدين؛ إذ لا وجود لدين بلا أساطير، أي من دون
حكايات مقدسة تشرح المعتقد بأسلوب القصِّ
الأدبي ولغة الرمز. الأسطورة تتوجَّه إلى
الجوانب العاطفية والانفعالية في
الإنسان، بينما يخاطب المعتقدُ جانبه العقلاني.
وإن كلاً من المعتقد والأسطورة يشكِّلان
الجانب النظري في الدين. أما الجانب العملي
فتوفِّره الشعائر والمناسك والعبادات، التي
تعمل على خلق الصلة مع العوالم القدسية التي
رَسَمَتْ صورتَها المعتقداتُ والأساطير. أما
التاريخ فهو الأرضية التي تنشأ عليها
المعتقداتُ والأساطير. ونحن لا نستطيع فهم
أيِّ دين إلا في سياقه التاريخي الذي يلقي
ضوءًا على البيئة الثقافية التي أحاطت بنشوء
هذا الدين، وعلى المؤثرات الثقافية الخارجية
التي ساهمت في تكوينه. إن أيَّ
دين لا ينشأ في فراغ؛ ولفهم مكوِّناته
ومصادره وأصوله وإبداعاته الخاصة، لا بدَّ أن
نفهمه تاريخيًّا. فلكي نفهم الديانة البوذية،
مثلاً، لا بدَّ لنا من دراسة البيئة الثقافية
الهندية التي أنتجت البوذية الأصلية؛ ولكي
نفهم الهندوسية، لا بدَّ لنا من دراسة
المعتقدات الفيدية السابقة عليها؛ ولكي نفهم
المسيحية، لا بدَّ لنا من دراسة المؤثرات
التوراتية والزرادشتية والأفلاطونية
الحديثة ومعتقدات الأسرار الهلنستية؛ ولكي
نفهم الإسلام، لا بدَّ من إلقاء الضوء
على المؤثرات المسيحية
والتوراتية والزرادشتية والمانوية و"وثنية"
الجزيرة العربية. وهكذا ترى إلى أيِّ حدٍّ
تتداخل هذه المجالاتُ المعرفية الثلاثة التي
تشكِّل بؤرة اهتمامي. في
أيٍّ من هذه المجالات تجد نفسك أكثر؟ أجد
نفسي في ما أنا منكبٌّ عليه الآن، فأعطيه كلَّ
وقتي واهتمامي، ويتولَّد عندي الإحساسُ بأن
أعمالي القادمة سوف تكون توسيعًا له وتنويعًا
عليه. وبعد الانتهاء من العمل، أشعر
باستقلالي عن الكتاب، واستقلاله عني، وتهبط
عليَّ أفكارٌ جديدة، تدفعني في مسارات جديدة. على
الرغم من أنك غير مَرْضيٍّ عنك من قبل
الإسلاميين، إلا أنك ترفض أن تُستَلَبْ من
قبل غير المؤمنين (كما فعلت مع صادق جلال
العظم). ففي أيِّ صفٍّ تقف: مع غير المؤمنين أم
مع الإسلاميين؟ فراس
السوَّاح يقف مع نفسه – لا مع هذه الفئة
أو تلك، ولا ضد هذه الفئة أو تلك. أنا مفكر
حرٌّ، يقف على منأى من الإيديولوجيات، دينية
كانت أم سياسية. الإسلاميون (كما تسمِّيهم)
"غير راضين" عنِّي لأنهم غير راضين عن
أحد – وذلك على مبدأ "مَن ليس معنا فهو
عدوُّنا"! وتعبير "غير راضين" الذي
استخدمتَه في سؤالك هو تعبير في محلِّه، لأن
"عدم الرضا" لم يتطور إلى حرب معلنة. فهم
يعرفون أنهم في مواجهة فكر مُحاوِر، لا في
مواجهة فكر صِدامي استفزازي. أنا جاهز
للحوار؛ وأعمالي حِوارية تنطلق من النقد
البنَّاء، لا من محاولة إلغاء الآخر. ولكنهم
غير جاهزين للحوار، لأنهم يمتلكون الحقيقة
المطلقة! إنهم "الفرقة الناجية"! وفي
المقابل، هنالك تيارات علمانية معيَّنة تبحث
في كُتُبي عمَّا يؤيد موقفها المعادي للدين،
في الوقت الذي أعلن فيه، صراحةً وبكلِّ وضوح،
أنِّي لستُ معاديًا للدين، ولكني مُعادٍ
للسلفية والحرفية في فهم الدين. الدين قوة
محرِّرة ودافعة إذا فُهِمَ على أرضية إنسانية
شمولية؛ ولكنه، في المقابل، قوة كابحة إذا
فُهِمَ من منظور شوفيني ضيِّق. تحدثت
في كتابك دين الإنسان عن مسألة وحدة
التجربة الدينية. فما الفرق بين هذا الرأي
وبين ما يذهب إليه فلاسفة الصوفية من القول بـ"وحدة
الأديان"؟ قد يصل
الصوفي، من خلال تجربته الذاتيَّة، إلى اختبار
وحدة الأديان؛ ولكن منهجي لا يقوم على مثل هذه
التجربة، وإنما على دراسة استقرائية
للوقائع، ويؤسِّس نتائجه بناءً على فهم
التجربة الدينية للإنسانية عبر تاريخها
واستيعابها. وبتعبير آخر، فأنا لا أتفلسف،
ولا أنقل إحساسات ذاتيَّة، بل أبحث في وقائع
موضوعية وأحاول تفسيرها. لك
رأي مثير حول أديان الشرق القديم وأنها أديان
"توحيدية"! فما معنى التوحيد عندك؟
وكيف كانت هذه الأديان توحيدية؟ أنا
لم
أقل إن أديان الشرق القديم هي أديان توحيدية،
ولكني تحدثت في كتابي الأسطورة والمعنى
عن نزعة توحيدية واضحة في أديان الشرق
القديم، التي يقوم معتقدُها على الإيمان بإله
واحد أعلى خَلَقَ بقيةَ الآلهة، مثلما خَلَقَ
العالمَ وسائر الكائنات الحيَّة. أمام
مثل هذا المعتقد نحن قرابة خطوة واحدة من
معتقد التوحيد، الذي يقوم على الإيمان بإلهٍ
واحدٍ خَلَقَ العالم والكائنات الحيَّة،
وخَلَقَ الملائكة، فأوكل إليهم وظائف معينة،
مثلما خَلَقَ الإلهُ الأعلى للشرق القديم
آلهةً ثانوية وأوكل إلى كلٍّ منهم وظيفة. إن
الخطَّ الفاصل بين التوحيد والتعدديَّة، كما
أراه، هو خطٌّ واهٍ جدًّا. ففي التوحيد هنالك
شيء من التعدديَّة؛ وفي التعدديَّة هنالك شيء
من التوحيد. مع
أنك كتبت عن أساطير بلاد الشام ومصر والهند
والصين وأديانها، إلا أنك لم تكتب شيئًا عن
أساطير الجزيرة العربية وأديانها. فما سبب
هذا التجاهُل؟ لكلٍّ
شيءٍ أوان. ولقد جاء أوان الحديث عن دين العرب
قبل الإسلام هذا العام، عندما كتبتُ فصلاً
حول هذا الموضوع في الجزء الثاني من موسوعة
تاريخ الأديان، التي أُشرِفُ على تحريرها
وتصدُر تِباعًا. نشر
د. كمال الصليبي كتابه التوراة جاءت من
جزيرة العرب، ورددتَ عليه بكتاب الحدث
التوراتي والشرق الأدنى القديم. ثم أصدر
الصليبي ثلاثة كتب طوَّر فيها نظريته، وهي: خفايا
التوراة وأسرار شعب إسرائيل، وحروب دولة
داود، والبحث عن يسوع. لِمَ توقفتَ عن
نقد أطروحة الصليبي ولم تطبع كتابك إلا طبعة
واحدة؟ أنا
لستُ معنيًّا برصد كلِّ ما يكتبه كمال
الصليبي، ولديَّ أشياء أهم تستغرق وقتي الضيق.
أعتقد أن كتابي الحدث التوراتي والشرق
الأدنى القديم قد أوضح أهمَّ المشكلات التي
تواجه نظرية التوراة جاءت من جزيرة العرب
– ولا حاجة إلى الكتابة مجدَّدًا في هذا
الموضوع. ولقد صَدَرَتْ من مؤلَّفي المذكور
حتى الآن أربع طبعات، لا طبعة واحدة فقط؛
وهنالك طبعة خامسة ستصدر قريبًا. ذكر
الصليبي أنه لم يطَّلع على أيِّ نقد وُجِّهَ
إلى نظريته (مما كتبه الباحثون العرب طبعًا).
فما تعليقك على هذا؟ لا
تعليق عندي على ما ذكرتَ من قول الصليبي إنه
لم يطَّلع على أيِّ نقد وُجِّهَ إلى نظريته من
العالم العربي سوى القول بأني قد التزمتُ في
كتابي الموقف العلمي ومراعاة الزمالة
الأكاديمية. ولا أريد الانحياز إلى مواقف
شخصية. إني أُكِنُّ تقديرًا لمجهود الصليبي،
على الرغم من اختلافي معه؛ وأعتقد أن للصليبي
الموقف نفسه. وعلى
كلِّ حال، ساحةُ البحث خالية على مستوى
الثقافة العربية، ولا يملؤها ألف كمال صليبي
ولا ألف فراس السوَّاح! الجميع مدعوٌّ إلى
الإدلاء بدلوه. ***
*** *** حاوره: سعود
السرحان عن موقع إيلاف، الخميس 17
حزيران 2004 [1] ولد فراس السواح في
حمص في العام 1941. حصل على شهادة البكالوريوس
في التجارة وإدارة الأعمال، وعمل بعد تخرجه
في مجال تطوير الإدارة في سوريا. سافر للعمل
في إحدى شركات النفط في أبو ظبي في
الثمانينيات؛ ثم رجع إلى سوريا، وأقام في
دمشق ثم في حلب. ثم أعاده الحنين إلى مسقط
رأسه حمص، التي يقيم فيها الآن. نشر أول
مقالة له في الصحافة في الخمسينيات. أما أول
كتاب نشره فهو مغامرة العقل الأولى في
العام 1976؛ وله أكثر من عشرة كتب مطبوعة.
|
|
|