|
إلى
عبد الكريم الأشتر القصد من نشر
هذه الرسائل التي تلقيتُها ممَّن اتَّصلتُ
بهم من أدباء المهجر أن أجعلها في متناول
الدارسين والنقاد. فإن أثر الحركة المهجرية
في أدبنا الحديث ما يزال قائمًا: نلمسه في
اتجاهات الشعر، في مضامينه وأشكاله على
السواء، ابتداءً من غلبة الرومانسية عليه، في
الربع الثاني من القرن العشرين، إلى شيوع
الواقعية بمذاهبها فيه من بعد، ومن تحرير
لغته وصياغاته وتجديد بنائه، إلى ما اصطلحتْ
بعضُ الأوساط على تسميته اليوم بـ"قصيدة
النثر"؛ ونلمسه في النثر، على اختلاف
أجناسه، ابتداءً من المقالة وانتهاءً
بالأمثال والشذور والرسائل. سنجد في هذه
الرسائل حقائق وأسرارًا صغيرة، تفيد كثيرًا
في فهم هذا الأدب، وتعمِّق من معرفتنا برجاله.
وقد غيَّب الموتُ وجوه المهجريين جميعًا –
وكان آخرُهم الأستاذ ميخائيل نعيمه، الذي
توفي سنة 1988 وقد أوشك أن يستكمل المائة من
عمره المديد (ولد سنة 1889). وقد تلقيت
قسمًا من هذه الرسائل وأنا أعمل في كتابة
رسالتي عن نثر المهجر وفنونه، وتلقيت بعضها
بعد أن صدرت هذه الرسالة في جزأين،[1] وقرأها
مرسلوها وعلَّقوا على بعض ما جاء فيها من
أحكام. وكان للأستاذ نعيمه، باعتباره آنذاك
العضو البارز الوحيد الباقي من أعضاء "الرابطة
القلمية"، النصيب الأكبر منها. وتلقيت
رسالة واحدة من الأستاذ عبد المسيح حداد،
صاحب مجلة السائح التي احتضنتْ نتاج
أعضاء الرابطة، منذ نشوئها (1920) إلى انحلالها
(1931)؛ ورسالتين من الأستاذ جورج صيدح، الشاعر
الذي عاش في المهجر الجنوبي (الأرجنتين)،
وصاحب الكتاب القيِّم الذي جمع فيه محاضراته
التي كان ألقاها في معهد الدراسات العربية
العالية (معهد البحوث والدراسات العربية
اليوم) في القاهرة سنة 1956؛ ورسالة من الدكتور
جورج جريح، زميل جبران في المهجر، وقد فاجأني
بإرسالها (ولم أكن أعرفه) بعد أن قرأ كتابي. وهذه حصيلة
رسائل الأستاذ نعيمه التي أنشرها اليوم. *** 1 تلقيت من
الأستاذ ميخائيل نعيمه ست رسائل، وُقِّعَتْ
كلُّها بين عامي 1958 و1961؛ وأكثرها كان ردًّا
على رسائل أرسلتها إليه، وهو في بسكنتا (قريته
في قضاء المتن بلبنان). والأولى منها كانت
ردًّا على أول رسالة أرسلتُها إليه، أسأله
فيها أن يحدِّد لي موعدًا ألقاه فيه. وكان
انتقل إلى بيروت إثر حادث وقع له في الشخروب (مزرعة
الأسرة في جبل صنين، وصورُها شائعة في أدب
نعيمه)، تلقَّاه نعيمه بصبر جميل، وكان يقول
لمحدِّثيه في بيروت: "كنت أعلم أن الشخروب
لا بدَّ أن يشرب من دمي يومًا." بسكنتا
لبنان[2]
28 ت 1958 عزيزي السيد عبد الكريم عليك مني أطيب السلام. وبعد
فقد تلقيت رسالتك اللطيفة، وأسفت كثيرًا
للأحداث في لبنان[3]
تحول دون تلاقينا في الصيف. ومما يزيد في
الطين بلة أن حادثًا وقع لي في أواخر آب
أقعدني عن العمل نحو ثلاثة شهور. وتراني، بسبب
ذلك الحادث، قد هربت مؤخرًا من برد بسكنتا إلى
دفء بيروت. وسيسرني أن أراك فيها نهار الخميس
– الرابع من كانون الأول – نحو الساعة
العاشرة صباحًا. وإليك عنواني: شارع المقدسي – رأس بيروت –
بناية لبابيدي – مسكن رقم 2. ورقم تلفون
البناية: 37398. أرجو أن يصلك هذا الجواب
بغير إبطاء، وأن يجدك في أحسن حال. وإلى
اللقاء إن شاء الله. المخلص ميخائيل
نعيمه وقد قابلت
نعيمه في الموعد المضروب، وامتد الحديث، في
جلسات، بينه وبيني على مدى ثلاثة أيام،
سجَّلت فيها عنه ما يزيد عن ثلاثين صفحة.[4] 2 وتلقيت
الرسالة الثانية بعد أن غادرت بيروت بأيام
قليلة، أرسلت إليه خلالها رسالة أستوضحه فيها
عن دقائق أتينا على ذِكْرِها في مقابلات
بيروت. وتلقيت الرسالة مع نسخته التي يحتفظ
بها من كتاب عبد المسيح حداد حكايات المهجر
– وكنت سألته في بيروت أن يأذن لي في
استعارتها، فاستجاب. صورة
عن الصفحة الأولى من الرسالة الثانية وفي الرسالة
مجاملة أرجو أن يعذرني القارئ في نقلها،
حفاظًا على أمانة النص: بسكنتا
لبنان[5]
9 ك 1958 عزيزي الأستاذ عبد الكريم عليك مني أطيب السلام. وبعد
فلعلك تشعر مثلما أشعر بأن الأحاديث التي
تداولناها في بيروت لم تكن غير وشل من بحر مما
كان من الممكن – والنافع – البحث فيه والكلام
عنه. ولكن الظروف قضت أن نجتمع بعيدًا عن
المواد والموارد الضرورية للبحث والموفورة
في مكتبتي في بسكنتا. ورجائي أن يكون ما تجمع
لديك من المعلومات وافيًا بغرضك. ولست أشك في
قدرتك على خلق أطروحة ناجحة منه بالنظر لما
لمسته فيك من تيقظ فكري، وإخلاص في النية،
وتحمس لموضوعك. إليك النسخة التي وعدتك بها
من حكايات المهجر. أما المسودات التي تمثل
أهم المراحل الزمنية في حياتي، فقد وجدت من
العسير جدًّا تلبيتك بشأنها، لأنني لا أحتفظ
بشيء من مسودات ما كتبته في المهجر. وليس لدي
إلا القليل من مسودات ما كتبته بعد عودتي إلى
لبنان. فلا بأس إذا أنت استغنيت عنها. وأما الترتيب الزمني
لمؤلفاتي – بحسب تأليفها لا صدورها – فهو كما
يلي: الآباء والبنون،
الغربال، همس الجفون، كان ما كان،
المراحل، جبران خليل جبران، زاد
المعاد، البيادر، الأوثان، لقاء،
كرم على درب، صوت العالم، مذكرات
الأرقش، النور والديجور، في مهب
الريح، مرداد، دروب، أكابر، أبعد
من موسكو ومن واشنطن. وبدلاً من أسماء الآثار
العالمية التي كان لها شأن في حياتي رأيت أن
أعطيك أسماء أصحابها. ولست أريد أن تستنتج أو
أن يستنتج قارؤك[6]
أن هؤلاء الناس وحدهم كان لهم الفضل الأكبر في
تكوين شخصيتي الأدبية. فقد طالعت من الكتَّاب
فوق ما أستطيع استعادته إلى الذاكرة. إلا أن
ما أفهمه بالتأثر هو غير ما يفهمه عامة النقاد.
فما من كاتب استطاع أن يعطيني شيئًا لم يكن
عندي. بل كان كالشرارة توقظ الشرار الذي في
داخلي، أو كالمفتاح يفتح أبوابًا موصدة في
نفسي، ولكنه لا يضيف شيئًا إلى ما في خزانة
نفسي، ولا يبدل شيئًا في ترتيبها. وإليك بعض
الأسماء التي تحضرني الآن: في الشعر: المتنبي، أبو
العلاء، بوشكين، نكراسوف، شكسبير، كيتس،
هوثمن. في النثر: ابن المقفع في كليلة
ودمنة. في الرواية: دوستويفسكي،
تورغنييف، تولستوي، دكنس، كنوت هنسن، بلزاك. في القصة: غوغول، تشيخوف،
غوركي، موبسان. في المسرحية: شكسبير،
موليير، إبسن، أوستروفسكي، غوركي. في النقد: بيلينسكي، رسكن،
ماثيو أرنولد. في الفلسفة: أفلاطون،
سبينوزا. في الدينيات: الإنجيل،
القرآن، البهاغافاد غيتا. مقالاتي التي لم تُنشر بعد
في كتب كثيرة. منها طائفة في النقد. ومنها
نظرات في شتى شؤون الحياة. أما أيها "الأهم"
فلا أدري. وإليك عناوين بعضها: "خليل مطران – فاتحة عهد
وخاتمة عهد"، "نسيب عريضة – شاعر الطريق"،
"إلياس أبو شبكة"، "دميتري كرامازوف"،
"الفارس النحاسي" (لبوشكين)، "حلفاء
الاستعمار"، "العروبة – ولكن..."، "الغربة
العظمى"، "عندما يحرن الزمان". أرجو أن تجدك هذه السطور في
بحبوحة من العافية والنشاط وأن يكون التوفيق
حليفك في كل ما تعمله وتنويه من خير. المخلص ميخائيل
نعيمه 3 وتلقيت
الرسالة الثالثة بعد حوالى أسبوعين – وكان
نعيمه عثر على بعض مسودات كان كتبها في
المهجر، فأرسل إليَّ منها، مع الرسالة، مسودة
قصتيه القصيرتين "سنتها الجديدة" و"كسَّار
الحصى"، ومسودات بعض رسائله، وصورة له كنت
رأيتها في بيروت: بسكنتا
لبنان 26 ك 1958 عزيزي الأستاذ عبد الكريم أسلم عليك أطيب السلام
وأرجو أن تكون في خير حال. وبعد فقد وصلتني
رسالتك الأخيرة مع حكايات المهجر. والذي
تقوله في هذه المجموعة حق. فهي ليست على شيء
يُذكَر من الفن القصصي كما تفهمه وأفهمه.
ولكنها تمثل لونًا من حياة المهجر ومن نثر بعض
أعضاء "الرابطة". فتشوا تجدوا. وقد فتشت في
أوراقي القديمة فعثرت على بضع مسودات لأشياء
كتبتها في المهجر أيام دراستي في الجامعة. وها
أنا أبعث إليك بمسودة قصتي "سنتها الجديدة"،
وهي تحمل تاريخ 28 ت سنة 1913. ومعها مسودتان
لرسالتين بعثت بهما إلى نسيب عريضة، وفيهما
أشياء عن مجلة الفنون وعن نشأة الحركة
الأدبية في المهجر الشمالي وعظيم اهتمامي بها.
إنني في هاتين الرسالتين وفي تلك القصة عين
الرجل الذي يخط الآن هذه السطور. فالشوط هو هو.
وتقديس الكلمة هو هو. والشعور بالمسؤولية
العظيمة التي يتطوع الكاتب لحملها تجاه قارئه
هو هو. ولكن البون بعيد وواضح بين لغة الطالب
الذي كنته منذ خمس وأربعين سنة، ولغة الرجل
الذي هو أنا اليوم، وبين أسلوب ذلك وهذا. إليك الرسم الفوتوغرافي
الذي طلبته، راجيًا أن تعيده إلي مع مسودات
الرسالتين لنسيب و"سنتها الجديدة"
ومسودة "كسار الحصى" المكتوبة منذ أربع
سنوات. لا تتردد في طلب أي معونة قد
تحتاجها مني. فأنا، وقد عرفتك عن كثب، بت
أتوخى لك منتهى التوفيق، لا حبًّا بما تكتبه
عني، بل حبًّا بك. وفقك الله ومهد طريقك إلى
الخير والنور. المخلص ميخائيل
نعيمه 4 وتلقيت
الرسالة الرابعة من نعيمه بعد ما يقرب من
عامين ونصف العام. وكنت انقطعت عنه لكتابة
الرسالة. ثم إني طبعت الجزء الأول منها، بعد
أن تمَّتْ مناقشتُها، وأهديته الأستاذ
نعيمه، وهو في بسكنتا. فأرسل إليَّ هذه
الرسالة، بعد أن قرأه: بسكنتا
لبنان 25 – 5 – 1961 عزيزي الأستاذ عبد الكريم
الأشتر هذه كلمة عجلى أبعث بها إليك
لأهنئك بحصولك على درجة الماجستير ولأشكر لك
تلطفك بإهداء نسخة إلي من الجزء الأول من
كتابك النثر المهجري. قرأت الكتاب بلذة، وأكبرت
الجهود التي بذلتها في تقصي مصادره، وتنسيق
مواده. وهي، كما يبدو لي، تفوق، في دقتها
واتساعها، الجهود التي بذلها غيرك ممن تصدوا
للأدب المهجري حتى الآن. لست أدري من أين جاءني
الشعور بأننا سنتلاقى في هذا الصيف فنتحدث
مطولاً عن كتابك وعن عملك كأستاذ في معهد
الدراسات العربية العالية. ولعل الجزء الثاني
يأتيني قريبًا، فيكون حديثنا عن الكتاب أعم
وأتم. أرجو أن تكون في بحبوحة من
العافية والنشاط والسلام عليك من المخلص ميخائيل
نعيمه 5 ولكن لم
يُكتَب لنا اللقاء في الصيف، كما تمنى نعيمه،
بل كان اللقاء في صيف بعده. وقد حدثت أحداث
ووقائع تجلوها الرسالتان الأخيرتان
التاليتان. كانت الرسالة
الخامسة ردًّا على إهدائي إياه الجزء الثاني
من كتاب النثر المهجري؛ وقد خصَّصته
لدراسة ما سميته آنذاك "الفنون الأدبية"،
أعني أجناس النثر أو أنواعه، ووردتْ فيه
أحكامٌ على ما يتصل بنتاج نعيمه منها، لم
تُرْضِه فيما أظن، ولم يقبلها. وكان أكثرها
متصلاً بكتابه مرداد الذي كَتَبَه نعيمه،
في رأيي، على نسق كتاب النبي لجبران،
وأراد، على مثال جبران أيضًا، أن يحمل من
خلاله كلمته إلى العالم. وكان الحق إلى جانب
نعيمه في بعض هذه الملاحظات، على ما يرى
القارئ: بسكنتا
لبنان 30 حزيران 1961 عزيزي الأستاذ عبد الكريم تلقيت بالشكر الجزء الثاني
من أطروحتك النثر المهجري. وقد طالعته
بلذة، فأكبرت الجهد العظيم الذي بذلته في
تقصي مصادر الكتاب، بجزئيه الأول والثاني،
وفي تنسيقها وعرضها والتعليق عليها تعليقًا
ينم عن فهم وذوق ومقدرة في الشرح والتحليل.
وأنت، في الغالب، تصيب الهدف. وحيث تخطئه
فاللوم ليس عليك، بل على المعلومات الخاطئة
التي لديك. ولا عجب، فالشقة بعيدة بين بيئة
أنت فيها والبيئة التي نشأ فيها وترعرع وبلغ
أشده أدب "الرابطة القلمية". لقد كرست لي جانبًا لا
يستهان من كتابك. وقد عرفتني دون غيري من رجال
"الرابطة"، باستثناء عبد المسيح الذي
التقيته في السنة الماضية. وكانت لي معك جلسات
طويلة، وأحاديث متشعبة جعلتني أحس المحبة
التي تحملها لي في قلبك أعمق الإحساس. وأراك،
مع ذلك، أسأت تفسير البعض من اتجاهاتي الفنية
والفكرية، ومن أساليبي البيانية، مثلما أسأت
تفسير الرموز التي تنطوي عليها "حكاية
الكتاب" في مرداد. فمنحدر الصوان وما
عانيته في تسلقه إلى القمة هو أكثر بكثير من
"تجسيم ضخم جدًّا" للخيالات التي تثيرها
طريقي إلى الشخروب. إنه طريق التغلب على الجسد
وحاجاته وشهواته، طريق التجرد من الذات
الفردية قبل أن يصبح في مستطاع طالب الحقيقة
بلوغها، والاندغام في الذات الشاملة التي
يمثلها مرداد ويهدي إليها حوارييه. ومرداد
غير المسيح. ولولا ذلك لما رفضت نشره دار نشر
إنكليزية محترمة، بحجة أنه "يتنافى
والعقيدة المسيحية". لئن تلاقى مرداد
والمسيح في جوانب، فهما يفترقان في أخرى. وذلك[7]
هي الحال دائمًا مع الساعين إلى المطلق
والمبشرين بالحياة الكاملة. لو كنت بجانبي لتناولت
بالتفصيل معك ما ليس تتسع له هذه الرسالة من
ملاحظات. على أنني أكرر القول إنك، في كتابك،
قمت بعمل جدير بالتقدير، بل بالإعجاب. بارك
الله فيك، وزادك نشاطًا وإنتاجًا. والعقبى
للدكتوراه إن شاء الله. المخلص ميخائيل
نعيمه حاشية: هل يباع كتابك في
بيروت، وأين؟ إني في حاجة إلى نسخة أرسلها إلى
نديم[8] الذي يهيئ
اليوم في إنكلترا أطروحة عني للدكتوراه. 6 أما الرسالة
السادسة فقد تلقيتها بعد أن كتبت إليه
اعتذارًا مما أحسست أنه أساءه في الجزء
الثاني من الكتاب. وقد طلب إليَّ أن أصور له
الدراسة التي كتبها إسماعيل أدهم عنه ونشرها
في مجلة الحديث الحلبية، وأرْفَقَ
بالرسالة عشر ليرات لبنانية لتغطية نفقات
التصوير! بسكنتا
لبنان 14 تموز 1961 عزيزي الأستاذ عبد الكريم دعني أنزع من ذهنك صورة ليست
صورتي، ولا أدري أي العبارات في رسالتي
الأخيرة نقلها إليك. فأنا غير مستاء أبدًا من
أي شيء قلته عني في كتابك، بل إنني لا أستاء
حتى من الذين يتعمدون الإساءة إلي. فكيف أستاء
من رجل مثلك أعرف حق المعرفة أنه يكن لي من
التقدير نظير ما أكنه له من المحبة؟ والحقيقة
هي أنني سررت كثيرًا بالعمل الذي قمت به،
وصفقت لك غير مرة وأنا أمر في كتابك بمقاطع
تتجلى فيها ثقابة فكرك، ورهافة حسك، ولطافة
ذوقك. وإذا ما أبديت لك بعض الملاحظات البريئة
فليس لأنكر عليك حقك في أن تراني دائمًا أبدًا
بعينك لا بعيني. ولكنها محبتي لك – لا استيائي
منك – دفعتْني على إبداء ما أبديت من ملاحظات.
وأي بأس إذا هي لم تتفق وما تراه أنت الصواب؟
وأنا لست من السذاجة بحيث أتوقع من جميع الذين
يقرأونني ويكتبون عني أن يتقمصوني، وأن
يفهموني مثلما أفهم نفسي. كيفما كان الأمر، فالمهم أن
تعرف يا أخي أن ليس هنالك أي استياء من قبلي.
ورجائي أن تتحقق رغبتك فأحظى بلقياك عندنا،
ومعك زوجتك الكريمة، في أواخر آب القادم إن
شاء الله. وحينئذٍ نتوسع في الحديث ما شئت. ثم دعني أشكر لك النسخة التي
تلطفت بتقديمها إلى نديم، والتي تسلمتها
اليوم. ولست أشك في أنه سيستأنس بالكثير من
آرائك، وسيسر بالمصادر المذكورة في الكتاب
التي قد لا يكون على علم ببعضها. وقد طلب إلي
مؤخرًا الحصول له على دراسة إسماعيل أدهم
المنشورة في الحديث، وهذه كانت عندي،
ويبدو أنني أهملتها فلم أحتفظ بها. فهل لك أن
تكلف أحدًا نسخها لي؟ وصديقنا الأستاذ سامي
الكيالي سيسهل للناسخ مهمته. وها أنا أبعث
إليك بعشر ليرات لبنانية لتلك الغاية. وعليك وعلى زوجك أطيب
السلام مني ومن ابنة أخي مي. المخلص ميخائيل
نعيمه ***
*** *** تنضيد:
نبيل سلامة [1]
انظر: النثر المهجري، ج 1 (المضامين
وصورة التعبير)، وفنون النثر المهجري،
ج 2 (الفنون الأدبية)، القاهرة، مطبعة لجنة
التأليف والترجمة والنشر، 1961. [2]
أغلب الظن أنه أرسلها من بيروت، لكنه لم
يعدِّل في عنوانه المطبوع. [3]
يشير إلى أحداث لبنان، صيف 1958، في عهد
الرئيس كميل شمعون. [4]
انظر: مقابلات المهجريين، الحلقة
الثانية. [5]
لا يبعد أن يكون أرسل هذه الرسالة من بيروت
أيضًا. [6]
هكذا كتبها نعيمه، وقد يترخص في إملاء
الكلمات أحيانًا. [7]
كذا في الأصل. [8]
هو اليوم الدكتور نديم نعيمه أستاذ
الجامعة، وابن أخي نعيمه.
|
|
|