|
سبيرتو الهزائم سبيرتو للذات العربية المنهزمة؟! مرآة سورية مقدمة ضرورية ربما ندرج كتاب سبيرتو... هزائم
مرقطة*
للكاتب والشاعر السوري فراس سعد (أوغار) في
باب الأدب السياسي، الغائب – أو المغيَّب –
عن الإنتاج الأدبي الحديث منذ زمن، وذلك
لاعتقاد راسخ عند جمهور الأدباء، العرب وغير
العرب: مفاد هذا الاعتقاد أن الأدب أدب،
والهموم والكوارث السياسة الوطنية هموم
وكوارث، وكلٌّ يغنِّي على ليلاه! فلا علاقة
للأدب بالهمِّ الوطني السياسي، حتى لو كان
مصيريًّا ويقرِّر مستقبل البلاد لقرن قادم.
ففي أحسن الأحوال، كان هؤلاء الأدباء يجدون
"تخريجة" ما للمسألة، مفادها أنه يمكن لك
أن تعرِّج على مسألة وطنية تتعلَّق بالمصير
الوطني لشعب ما، كالشعب الفلسطيني أو
العراقي، عبر التناوُل غير المباشر: تناوُل
من بعيد أو "عَ الريحة"، بحسب التعبير
الشعبي السوري، فتتناول تاريخ الشعب أو
الوطن، وتتغنَّى بجمال نسائه وجباله ووديانه
– والمشكل إذا كان البلد سهليًّا أو
صحراويًّا أو تغطيه الثلوج طوال العام! –
وتعرِّجُ على بعض مأكولاته وذكرياتكَ فيه
ومغامراتك مع امرأة تنتمي لهذا البلد، أي
تتحدث عن كلِّ ما يخصُّ البلد أو الشعب
المعني؛ لكنك لا تتحدَّث عن الحدث أو محتل
البلد، أو عن الظرف الذي سيحوِّل البلد إلى
أشلاء أو ذكرى. فالمطلوب من الأدب العربي –
خصوصًا حيال القضايا الوطنية الكبرى – أن
يكون أدبًا "سياحيًّا"، أو أدبًا
جبانًا، أو أدبًا سرياليًّا، يدفن رأسه في
الرمل؛ أدبًا لامنتميًا أو "عالميًّا" –
كما أوهمونا – في اللحظة التي يجب على أصحاب
الكلمة أن يطلقوا نار الكلمات على اللصوص
والغزاة ومنتهكي الحقوق من أولياء الأمر. يتألَّف كتاب سبيرتو... هزائم
مرقطة من أربعة فصول، هي: "ألو تاريخ عربي...
ألو عراق..."، "هذيان: أبوها الهزيمة"،
"عابرون على خيط عنكبوت"، "اقتربت
القيامة... هل يأتي؟"، وملحق هو: "ديالكتيك
الهزيمة"، كُتِبَ على وَقْع الهزيمة
العربية الكبرى الأخيرة – وليست الآخرة – في
العراق، مستحضرًا، في الوقت نفسه، سائر
الهزائم العربية الأخرى؛ فكأن الكتابة عن
هزيمة العراق كتابة عن هزائم العرب كلِّها:
هزائم الداخل وداخل الداخل، أقصد هزيمة
النفسيَّة العربية في تأسيسها الصحراوي
الاستبدادي؛ وهو أساس هزائم العرب كلِّها
أمام "الآخر"، الغربي والشرقي، وسببها.
الكتاب، باختصار، مزيج أو "خلطة"،
بتعبير أحد الأصدقاء، يتداخل فيها كلُّ
الهمِّ الإنساني والعربي: السياسي والوطني
والاجتماعي النفسي، الراهن والماضي. يعتمد الكاتب لعبةَ التخيُّل
في عدد من النصوص، لاسيما في الفصل الأول، عبر
استحضار رموز وأسماء قديمة وجعْلها ناطقة
بلسان الكاتب وقلبه. هذه "اللعبة"
ابتُكِرتْ في الظروف السياسية التي تمنع
الإنسان من التعبير صراحة عمَّا يفكر فيه أو
يريد قوله؛ وبذلك يتم الاحتيال على الرقيب
العربي، سواء كان أمنيًّا أو إعلاميًّا أو
اجتماعيًّا. وفي فصل آخر، استخدم الكاتب لعبة
التخيُّل بالذهاب إلى الماضي، ليتحدَّث باسم
كاتب أوغاريتي قديم؛ وهو أسلوب جديد أو قليل
الاستخدام في الأدب العربي الحديث، كان
اعتمده الكاتب في كتابه الأول قدَّاس
سرياني... نصوص عن الحب والموت. الفصل الأول مجموعة من النصوص
بعنوان "ألو تاريخ عربي... ألو عراق...".
ويتحدَّث بلغة أدبية، يُخالِطها الكثير من
الفجائعية، عن بعض المواقف والأحداث السوداء
والخيانية في تاريخنا العربي، لاسيما
العراقي منه. من عناوين هذا الفصل: "رافعو
المصاحف ورأس الخليفة"، "ابنة قاتل
العرب"، "أوثان عصر الطوائف"، "العدو
مظهِّرًا صورة وليِّ الأمر". ومن نصٍّ
بعنوان "هل ننسى المبارزة؟" نقرأ: فمن نبارز/ إذا كانت
البلاد بخير/ مستقرة آمنة/ صامدة في وجه
المخططات والمؤامرات/ تشتري السلاح/ وتدفع
أموال النفط... لـ"تتسلَّح" أو تتسلَّخ؟! فمَن نبارز/ إذا كان
الحزب يحكم/ وكلُّنا رفاقٌ في الحزب الواحد/
الأول الآخر. الفصل الثاني مجموعة من النصوص
والقصائد الصغيرة والخواطر، وحتى الأفكار؛
فهو مزيج من مختلف أنواع الكتابة الأدبية. من
عناوين هذا الفصل: "صمت حتى الانفجار"،
"دليل على الاستعداد السرِّي للمعركة"،
"آباء أكبر"، "الجحيم الأصلي"، "آن
وقت الحساب"، "الشعب الذي لن يقاتل"،
"الحجاب والمغناطيس". يغلب على هذا الفصل
الهمُّ العام اليومي، وكذلك الهمِّ العراقي.
فهو مزيج من اليومي الاجتماعي والسياسي،
تختمه ثلاثة مقاطع هي شبه قصائد حب. استخدم
الكاتب في هذا الفصل كتابة الهذيان، كما في
"صورة القبيلة". وهي كتابة تعكس صدمة
العقل العربي في سقوط بغداد "التلفزيوني"
المنقول على الهواء مباشرة! – الذي يخفي
السقوط الأعظم. كما استخدم أسلوب النصَّين
المتداخلين في أسلوب آخر لكتابة الهذيان، كما
في نصِّ "ديالكتيك الهزيمة". باستثناء هذين النصين، تمضي
مقاطع وقصائد هذا الفصل بسلام! نقرأ: الشعب الذي لن يقاتل:
ينام عند الفجر، ويستيقظ عند الظهر، في يده
اليمنى سلاح النرجيلة وفي اليسرى الريموت
كونترول (سلاح إشارة؟)/ ... الجميع يخاف
المخابرات، ولا أحد يخاف الله. وفي خاطرة بعنوان "سلاح
البترول" يقول الكاتب: بترول العرب أفسد العرب
والغرب والعالم. ويقولون إن العرب لم
يستخدموا سلاح البترول!؟ ومن نصِّ "الحجاب والمغناطيس"
نقرأ: الحجاب اكتمال أم ظهور الحجاب ذهب الرغبة – من
ضيَّع مغناطيس الجذب الحجاب أم السفور؟! وهكذا يمضي الكتاب في الفصلين
الثالث والرابع، حيث يختلط وعيُ الألم والحزن
بوعي الجمال والحب، فيتوحَّد الكتابُ
بالكاتب في كلمات الألم النائم فوق الحبِّ
والحبِّ المجهَض الذي لا ينتج سوى الألم. وهو
أمر يستغرب له البعض أن يجتمعا ويختلطا في
كتاب واحد، ويستهجنه البعض الآخر بادعاءات
ودعوات عديدة. وهو ما رآه أحد الشعراء
الأصدقاء الذين كتبوا شهادة مقتضبة عن
الكتاب، ثبَّتها فراس سعد (أوغار) على غلافه
الأخير: "على الرغم من عدم قناعتي بنصفها
الأول وقسوته، لكن محبتي واحترامي لرأي
الشاعر الذي كتبها وشخصه جعلني أُقدِم على
تثبيتها، على الرغم من اعتراض بعض الأصدقاء
بحجَّة أنها شهادة غير مشرِّفة!" يبقى أن نختتم هذا العرض الموجز
بإيراد هذه القصيدة المستقاة من الكتاب: فينيق رمادنا إلى سعاده في غيابه وحضوره الحارقين جبلٌ, في غيبِه يحمل جبلاً يقف إليه. كأنه، في صبحه، نتناسله
شموسًا، تضيء منه عليه. هكذا القادم دومًا من غيبه المشعِّ، ينهض كساحنا العثماني، يُعلِّم قلوبنا النبض
السوري، فتهطل فينا البلاد
المُشلَّعة، لنصحو قليلاً قليلاً من رمادها الفينيقي. *** *** *** * فراس
سعد (أوغار)، سبيرتو... هزائم مرقطة،
دار أمواج،
بيروت، 2004.
|
|
|