|
الدينُ وراثةٌ جسديةٌ
والإيمانُ شأنٌ روحيٌّ
حماده
الراسخ في أصوله الدرزية
والمبشِّر برسالة المسيح
لقاء
مع بهجت حماده
بهجت
حماده اسم لمع فنيًّا في لبنان أواخر
الأربعينات، واشتُهِرَ مغنيًا لنحو ثلاثة
أعوام. يروي أنه تتلمذ وفيروز، يوم كانت لا
تزال نهاد حداد اليافعة، على فليفل في
الكونسرفاتوار. من أوائل حاملي شهادة
الدكتوراة في التربية الموسيقية (من جامعة
فلوريدا). ورغم أنه يقول اليوم، بشيء من
الحسرة والحزن، "بهجت حماده مات، امَّحى
اسمه من تاريخ لبنان"، ملمِّحًا إلى نوع من
الإغفال أو الإهمال لتاريخه الفني – وإن
القصير – إلا أنه يبدو راضيًا بما حقَّقه
ويحقِّقه على مستوى اللاهوت والكتابة.
فالدكتور حماده الذي يحمل كذلك الماجستير في
اللاهوت من معهد دالاس اللاهوتي هو أستاذ في
الكتاب المقدس معروف في الخارج، إلى جانب
اضطلاعه بالعمل التبشيري في أنحاء مختلفة من
العالم، وإصراره دومًا على القول إنه "درزي
متجدِّد" تعلَّم أن يكون رسول سلام، وعلى
ضرورة التمييز بين المسيحية دينًا وبين شخص
يسوع المسيح: "إيماني بشخص، وليس بدين [...].
الدين وراثة جسدية، لكن الإيمان أمر روحي لا
نرثه من أحد." تاريخ
إيمانه بالمسيح يعود إلى منتصف الخمسينات إثر
نجاته من حادث سيارة خطير قُتِلَ فيه أربعة
أصدقاء كانوا برفقته، وتابع بعده تبشير أحد
المرسلين لعشرة أيام. له أربعة كتب يقول أنه
يسعى فيها إلى إزالة أفكار مغلوطة متعلقة
بالعرب، استنادًا إلى نصوص من العهد القديم
والكتاب المقدس. بهجت حماده: تجارب الفكر والحياة
عاد
د. بهجت حماده أخيرًا إلى لبنان ليستقر فيه
بعد خمسين عامًا أمضاها في الولايات المتحدة
الأميركية: "عدت لأعيش في وطني وأموت فيه،
ولأُسْمِعَ صوتي كرسول سلام." حاورتْه
النهار، فتكلَّم عن اللاهوت والإيمان
بالمسيح الذي بدَّل حياته. يقول إنه لا يزال
يتعامل مع اللاهوت كموسيقي. وقد تحدَّث عن
كتبه بالإنكليزية التي تُرجِمَ منها إلى
العربية حديثًا اثنان: كيف نفهم العالم
العربي (1990) وهل الأرض المقدسة مقدسة؟
(1994)، وآخران قيد الترجمة: الله يحب العرب
أيضًا (1968) والعرب واليهود في الأفق
التربوي (1999). ولفت إلى أن رواجًا كبيرًا
حصده كيف نفهم العالم العربي في الولايات
المتحدة، فضلاً عن الاهتمام الذي أبداه
بالكتاب الرئيسُ الأميركي السابق جورج بوش. *** كونك
لاهوتيًّا وموسيقيًّا في آنٍ واحد، كيف تنظر
إلى الصلة بين الميدانين؟
العلاقة
مهمة بين الموسيقى واللاهوت. ما نجده في
الموسيقى هو النظام والاتساق والنغم
والترابط والتوازن. والموسيقى من أرقى
الأنظمة الفكرية؛ ويأتي معها الدين
والرياضيات. كموسيقي، كانت لديَّ، منذ البدء،
نزعة لاهوتية؛ والآن، بعدما صرت لاهوتيًا،
تركت الموسيقى. لكنني أظل أتعامل مع اللاهوت
كموسيقي أيضًا، من الناحيتين الشعورية
والأخلاقية. اللاهوت يشبه السمفونية: في
الموسيقى نغم وإيقاع وهارمونية؛ وإذا لم
تَسِرْ تلك كلُّها بعضها مع بعض، وفي نظام،
تمسي الموسيقى عديمة المعنى، ولا ينشأ تأثير
منها على الإنسان ومشاعره. أرى اللاهوت
مماثلاً للموسيقى في السياق المذكور. ثمة
أشخاص يدرِّسون اللاهوت، إنما لا يملكون
ميزانًا معينًا؛ كأن يؤمنوا، مثلاً، بأمر ما
على حساب إيمانهم بآخر. صحيح أنني لاهوتي، لكن
الموسيقى تلبث في قلبي وإحساسي. وأنا خيالي
وثوري على مستوى الخلق. منذ عام 1987 أمسيتَ عضوًا
رسميًّا في "جمعية العلماء" في جامعة
أوكسفورد بفضل أبحاثك المتعلقة بحلِّ
المشكلات في العائلة والجماعة والكنيسة
ولمساهمتك في "المعرفة التي تعزِّز نموَّ
المسيحية". هل ثمة تأثيرات ميدانية لمستَها
كنتيجة لتلك الأبحاث؟
طبعًا.
وتلك المشكلات خبرتُها بنفسي، في الأقل على
المستوى الشخصي. كنت في السادسة حين مات أبي
مقتولاً؛ ثم ماتت والدتي متسممة أيضًا، وكنت
بلغت العاشرة. إذن، تيتَّمتُ طفلاً، فتعذبتُ
كثيرًا، وذقتُ طعم الحرمان والألم. وذاك ما
ساعدني على فهم سرِّ العذاب قبل أن أتعرف إلى
المسيح. وساعدني كذلك على إدراك كيفية مساعدة
الأشخاص الذين تعذبوا ويتعذبون مثلي. ولا
يمكننا تعلُّم ذلك في المدارس والجامعات. وفي
ما يخصُّ العائلة أتاحت لي تجربتي الزوجية أن
أختبر مشكلات عائلية كثيرة أفدتُ منها باحثًا
وأستاذًا [...]. يمكن اليوم إثارة دور الكنيسة.
أعتقد أن لها دورًا مهمًّا جدًّا في كلِّ
أنحاء العالم. المطلوب مزيد من التوعية
والإعداد والتثقيف. عظة الأحد وحدها لا تكفي.
على المؤمنين أن يدرسوا الإنجيل ويفهموه
ويفسِّروه. ذاك ما يغذي الروح وينبِّه المؤمن
إلى أمور كثيرة، سلبًا أو إيجابًا، فتتبدل
حياته كلُّها. أي أن نموَّه الروحي يؤدي إلى
تحسين حياته العائلية والاجتماعية. دور
الكنيسة جوهري على مستوى الإرشاد. ألاحظ أن
الشباب "جائعون" إلى الإيماني والروحي.
تعلَّمتُ أمرًا أساسيًّا، هو أنني رسول سلام،
ولا أبغي تفضيل شخص على آخر، أو انتقاد أحد.
أودُّ فقط أن أقول للآخرين بمَن أومن، وكيف
بدَّل المسيح حياتي. وأنا مستعد لتدريس من
يشاء. لِمَ
لمْ تدخل الكهنوت؟
لو صرت كاهنًا فذاك يعني أنني صرت
كاثوليكيًّا. حين الرسول بولس لم يكن
كاثوليكيًّا، ولم ينتمِ إلى أيِّ تيار، بل
لبث رسولاً، مؤمنًا بالمسيح. شخصيًّا، أرى أن
شهادتي المستمرة تخبر عنِّي وعن إيماني. تقول
إنك درزي متجدِّد؛ وتقول أيضًا إنك مؤمن
بالمسيح. هلاَّ أوضحت؟
المسيحية دين كسائر الأديان. والدين
وراثة جسدية، بينما الإيمان شأن روحي؛
والإيمان لا نرثه من أحد. يمكن أن تولدي في
عائلة كاثوليكية، لكنكِ لست بالضرورة مؤمنة
بالمسيح. أسمِّي نفسي درزيًّا متجددًا.
لماذا؟ لأنني لا أنكر أصْلي. أنَّى ذهبت أقول
إنني درزي. أي أنني ولدت في بيئة درزية، في
عائلة درزية، وكان جدي شيخ عقل الدروز. إذن،
الوراثة جسدية. لكنني تعلَّمتُ من المسيح أن
ثمة ما هو روحي. سأل نيقوديموس المسيح: "كيف
يمكن الإنسان أن يولد ثانية؟" ومما جاء في
ردِّ المسيح: "الجسد جسد والروح روح." أين
يَرِدُ تحديدًا ما ذكرتَه في الأناجيل؟
في يوحنا 3: 3. وعطفًا على ما كنت أقوله، ليس
للمسيح دين. الإنسان صَنَعَ الدين؛ والدين
سبَّبَ حروبًا. كتابي الأخير هل الأرض
المقدسة مقدسة؟ يتناول الأديان.
تاريخيًّا، لم تساعد الأديان الإنسان، بل
خرَّبتْ. للواعين أن يقرأوا، لكن المتعصِّبين
سوف ينتقدونني. الإيمان ينتج مِن وعي وتأمل
ودرس، ومِن قرع الأبواب. إذ قال الرب يسوع: "من
آمن بي وإن مات فسيحيا، وكلُّ من كان حيًّا
وآمن بي فلن يموت إلى الأبد." لم
تَقُلْ لي بعدُ ما هي الإيجابيات العملية
التي أثمرتْها أبحاثُك المذكورة آنفًا؟
كثرٌ قالوا لي، إما شفاهةً أو عبر
الرسائل، إن أبحاثي ساعدتْهم كثيرًا في
حياتهم الزوجية والعائلية، وساهمتْ في تذليل
مشكلات عدة كانوا يعانون منها. بعضهم قال لي:
الآن، بتنا نرى أخطاءنا في وضوح ونسعى إلى
التكفير عنها وعدم تكرارها. أتلقى رسائل
كثيرة في هذا الشأن. في اختصار، أقول إن
الكتاب يتضمن شروحًا لكلِّ المسائل، ويقدِّم
حلولاً لكلِّ المشكلات. ولو درسنا الكتاب
المقدس، وسرنا على هديه، نعثر على سلام –
وإلا فلا أمل. قلَّما يستطيع الطبيب النفسي
تقديم حلول نهائية؛ وأحيانًا ندفع مالاً
ونتعاطى العقاقير ولا نستفيد كثيرًا. المسيح
يعلِّمنا بلا مقابل ويساعدنا. لك أربعة كتب، تُرجِمَ اثنان
منها: كيف نفهم العالم العربي وهل الأرض
المقدسة مقدسة؟ من الإنكليزية إلى
العربية، ولم نلحظ اسم المترجم أو أسماء
المترجمين! خشي المترجمون كشف أسمائهم لأن كتبي
تنطوي على جرأة معينة. رأوا أنه لو أسيء فهم
كتبي فقد يتأثرون هم أيضًا. أين
تحدِّد وجه الشجاعة في كتبك؟
في كيفية صيرورتي درزيًّا ومتجدِّدًا.
إيماني هو في شخص، لا في دين. الإيمان مسألة
شخصية، والله وهب عقلاً لكلٍّ منا. أكرِّر
أنني لا أنكر أصْلي؛ لكن إيماني شخصي،
وإيماني هو الذي قد يوصلني إلى السماء، لا
ديني. هل
من سبب آخر حال دون تسمية المترجمين؟
السبب الثاني أنني ذهبت إلى إسرائيل.* وهنا أوضح أنني لو لم أذهب إلى إسرائيل لما وضعت أربعة كتب ساهمت في تعديل أفكار سائدة في أمريكا حول العرب.
كم
مكثتَ في إسرائيل؟ وماذا حصل هناك؟
ثلاثة أسابيع. و"حطم الله قلبي" هناك
حين رأيت كيف يعامل اليهودُ الفلسطينيين.
فضلاً عن أن اليهود أوكلوا إلى رجل شرطة سرِّي
تحرِّيَ ما أقوم به هناك. ظنوا أنني ذهبت
للتجسُّس. لكن تلك الأسابيع الثلاثة بدَّلتْ
مجرى تفكيري وخلقتْ لديَّ الرغبة في وضع ما
وضعتُه عن العرب. ثمة كثر سواي ألَّفوا كتبًا
عن العرب، وهم أفضل مني بكثير. لكن ما يميِّز
كتبي أنها مبنية على تقويم أفكار مغلوطة
تُبَثُّ عن العرب؛ وأستند في ذلك إلى نصوص من
الكتاب المقدس. المعروف أن اليهود يحكمون
أمريكا. ولا شك في أنهم لا يحبونني أبدًا؛
وأنا أحاربهم بالكلمة، لا بالسياسة. أحاربهم
بلغتهم؛ وقد درست لغتهم جيدًا، وأنا متخصص
بالعبرية. ماذا
عن كتابيك الآخرين؟
أحدهما الله يحب العرب أيضًا؛ والآخر
أتحدث فيه كيف أن الله أنقذ عربًا كثرًا في
العهد القديم، ومنهم ملكة سبأ، بلقيس، التي
قابلت سليمان الحكيم وآمنت بإلهه. قد
يُفهَم أنك تعمل على تعريف العرب إلى يسوع
المسيح. هل هذا صحيح؟
طبعًا. إنه أمر مهم جدًّا. بات لدي حبٌّ
غريب لشخص المسيح. كدرزي، علَّمني المسيح كيف
أتغلب على صعاب الحياة، وكيف أسامح أعدائي
وأحبهم. تعرَّضتُ لأذى كبير؛ وربما كنت اليوم
في السجن، لولا تعاليم المسيح؛ ربما كنت
ثأرتُ ممَّن قتلوا أهلي. أحبذ التبشير
بإيماني الشخصي لأشخاص غير مؤمنين لا يزالون
يبحثون عن إيمان ما. لكنني لا أودُّ إرغام أحد
على أن يؤمن كما أومن. يقول
ديفيد نوبل، رئيس مؤسسة الإرشاد اللاهوتي
للقادة ومؤلف كتاب تمييز الأزمنة، أن في
كتابك هل الأرض المقدسة مقدسة؟ الكثير
مما يفيد أتباع الديانات التوحيدية الثلاث.
كيف تشرح ذلك؟
ذلك يعني أن الديانات الثلاث التوحيدية
تؤمن بأنها جاءت من إبراهيم، وأن الله كلَّم
إبراهيم عن الأرض الموعودة – وهذا سبب الحروب.
ومن أجل تلك الأرض الموعودة، يتقاتل ملايين
البشر من المسيحية والإسلام واليهودية. وهذا
ما دفعني إلى وضع الكتاب المذكور. ثمة كثر
يعبدون الأرض – والله لا يحب أن يعبد أحدٌ
سواه. إذن الله هو المقدس، لا الأرض ولا أي شيء
آخر. ليس مقدسًا إلا الله. وأسعى دومًا إلى
البرهان على ما أكتب، من العهد القديم
والكتاب المقدس. *** *** *** أجرت
اللقاء: حنان عاد
عن النهار، 27 تموز 2000 *
قَصَدَه في
مهمة تبشيرية للعرب هناك، كما ورد في كتابه كيف
نفهم العالم العربي.
|
|
|