|
الكون المفتوح
سمير
كوسا
مؤلف
هذا الكتاب*
هو السير كارل بوبِّر Sir Karl Popper
– ذلك العلامة
الفيلسوف الذي طبعتْ أفكارُه، منذ أربعينات
القرن العشرين، الفكر الفلسفي–العلمي
والإبستمولوجي. إن أشهر مؤلفاته هو منطق
الاكتشاف العلمي، الذي صدر في صيغته الأولى
في العام 1934 وعرف طبعات وترجمات عدة. وبعدما
اطَّلع العلماء والمفكرون على هذا الكتاب قرر
بوبِّر في الخمسينات إضافة الحواشي والملاحق
على كتابه بغية الردِّ على تساؤلات وتعليقات
الكثير من الباحثين. وقد جُمع عددٌ من هذه
الملاحق في كتب مستقلة عن الكتاب الأم. ومع
الثمانينات ظهرتْ منها ثلاثة: الوضعية وهدف
العلم، الكون المفتوح، النظرية
الكوانتية والانشقاق في الفيزياء. ويعد
كلُّ واحد منها تحفة في التحليل المنطقي وقوة
التبصُّر. وقد سمح فقه بوبِّر أن يقدم لنا
نظرة شاملة وعميقة في مجالات عدة. والكتاب
الذي نحن في صدده هو الملحق الثاني؛ وقد حاز
على جوائز كثيرة.
والفكرة
الأساسية التي يتضمَّنها هي أن الحتمية ليست
علمية، وهي تختلف عن مفهوم السببية (أو
العلمية)، وأن "لاعلمية" الحتمية ليست
ناتجة عن معطيات العلم الحديثة، بل إنه يمكن
رؤية هذه الناحية في الفيزياء الكلاسيكية
نفسها. لكنْ
ما هي الحتمية determinism؟
لا شك في أن هذه الكلمة حَوَتْ وتحوي مفاهيم
مختلفة. يستعرض بوبِّر لنا هذه المفاهيم،
فيقول إن فكرة الحتمية دينية الأصل – ولو أن
بعض الديانات نادت باللاحتمية. وفكرة الحتمية
تشبه الفيلم السينمائي. فالحاضر هو الصورة
التي تُعرَض في هذه اللحظة؛ بينما الماضي هو
الصور التي تم عرضُها؛ أما المستقبل فهو
الصور التي لم تُعرَض بعد. ونحن، وإن كنا نعدم
وعيَ هذه الصور، فإن الله على علم كلِّي بها.
وهكذا لا يمكن تغيير المستقبل، تمامًا كما
أنه لا يمكننا تغيير الماضي. أما
الحتمية الميتافيزيقية فإنها شبيهة بالحتمية
الدينية. فهي ترى أن كلَّ حوادث الكون معينة
ومحددة، لكنها لا تصرُّ قائلة بأنه يوجد كائن
ما يعرفها، أو أنه يمكن التنبؤ العلمي بها.
ويرى بوبِّر أن ما نعرفه اليوم تحت اسم
الحتمية العلمية، من وجهة النظر التاريخية،
ناتج عن استبدال فكرة الطبيعة بالإيمان،
واستبدال فكرة القانون الطبيعي بالقانون
الإلهي. ويمكن تعريف الحتمية العلمية كما يلي: إنها
العقيدة التي تقول بأن بنية العالم هي على
صورة تسمح بتنبؤ عقلي لكلِّ ظاهرة أو حدث،
وبدرجة الدقة المطلوبة، شريطة أن يتوفر لنا
وصفٌ كامل ودقيق لكلِّ الحوادث والظواهر التي
وقعتْ في الماضي ولكلِّ قوانين الطبيعة. وهكذا
يجول بوبِّر بنا في عالم الحتميات المختلفة،
ليعود ويركِّز بحثه على مفهوم الحتمية
العلمية، فيُفرِد لها فصلاً كاملاً،
موضِّحًا أُطُرَها ومضامينها الفيزيقية
والبيولوجية والنفسية. ويبين بوبِّر أن
النظريات العلمية والممارسات المخبرية لا
تحقق واحدًا على الأقل من الحدود التي
يتضَّمنها التعريف الآنف الذكر. وتحت
عنوان "دفاع عن اللاحتمية" يقدم بوبِّر
الأسباب التي تدعوه لمناصرة اللاحتمية indeterminism: فمن الناحية الحدسية نشعر
أنه لا يمكننا التنبؤ بعمل مبدع كبير، كإنتاج
موتسارت لإحدى مقطوعاته الموسيقية. ثم إن
المعرفة العلمية ليست إلا معرفة تقريبية.
ويبحث بوبِّر في اللاتناظر asymmetry
القائم بين الماضي والمستقبل، ويرى فيه سببًا
آخر للأخذ باللاحتمية. ثم يضيف بوبِّر سببًا
مهمًا، وهو عدم تمكننا من التنبؤ في صورة
علمية بالنتائج التي سوف نحصل عليها مع
التزايد المطَّرد للمعارف. أما السبب الأخير
فهو عدم تمكننا من التنبؤ، في صورة علمية،
بحالاتنا الذاتية المستقبلية. وهذه الأسباب
مجتمعة تسمح لبوبِّر بدحض مفهوم الحتمية
العلمية. وفي
فصل تحت عنوان "مشكلات ميتافيزيقية"
يوضح المؤلف موقفه الرافض من الميتافيزيقات
الحتمية. ولكنه يضيف: "إن مفهومي الحتمية
واللاحتمية الميتافيزيقيين لا يمكن دحضهما
ولا إثباتهما." وفي
خاتمة بعنوان "اللاحتمية غير كافية"
يبيِّن الكاتب ما يقصده بالحرية الإنسانية؛
إذ يوضح بأن علم فيزياء لاحتمي غير كافٍ وحده
لتشييد الحرية الإنسانية وفهمها. ولهذا يطالب
بوبِّر بشيء آخر، ويقدم لنا مفهوم "الانفتاح
السببي" المبني على مفهوم العوالم الثلاثة. أول
هذه العوالم عالمُ الفيزياء: التراب والأشجار
وحقول القوى الفيزيقية والكيمياء
والبيولوجيا. أما العالم الثاني فهو العالم
الذي يدرسه علماء النفس، أي عالم المشاعر
والمخاوف والآمال والعقل الباطن واللاوعي.
وأخيرًا، العالم الثالث، وهو العالم الذي
يتألف من الإنتاج الإبداعي للنفس الإنسانية،
كالأعمال الفنية والأخلاق والعلوم إلخ. ويرى
بوبِّر أنه، لضمان الحرية الإنسانية، يجب على
هذه العوالم أن ينفتح بعضها على بعض ويتفاعل.
وهكذا فإن على العالم الأول أن يكون مفتوحًا
على العالم الثاني ومنفعلاً به، تمامًا كما
يجب على العالم الثاني أن ينفتح على العالم
الثالث وينفعل به. ويقول بوبِّر إن الإبداع
والحرية رهينين بقيود العوالم الثلاثة هذه
وحدودها. ثم
يضيف إلى كتابه أخيرًا ملحقًا يشرح فيه مفهوم
الاختزال reductionism العلمي (أي فكرة تفسير
النفس بالبيولوجيا، والبيولوجيا بالكيمياء،
والكيمياء بالفيزياء) ويبيِّن طبيعة العلم
الناقصة والمحدودة دومًا. *** *** *** * Sir Karl Popper, The Open Universe, Routledge, an imprint of
Taylor & Francis, 1988.
|
|
|