|
آه... أيها الشعر!
عُنف منذ سنوات، تلقيتُ دعوة للمشاركة في مهرجان شعري في كولومبيا. إنَّه المهرجان الدولي للشعر. بدأ منذ 1971، ولم أسمع بهذا المهرجان من قبل. شارك فيه 747 شاعرًا وناقدًا من 136 بلدًا – دولة (يعني جميع دول العالم تقريبًا). ينعقد هذا المهرجان تحت شعار "ضدَّ العنف". العنف ظاهرة عالمية، بين الإرهاب الجماعي والإرهاب الفردي، بين الثورات وحركات المقاومة التي يجري خلطها، أحيانًا، بالعنف والإرهاب. لذا وجب التعريف والتمييز، وهذا، على سبيل المثال مطلب عربي وإسلامي على منابر الأمم المتحدة، بعدما اعتبرت الولايات المتحدة أن جميع حركات المناوءة والمعارضة والمقاومة تدخل في باب الإرهاب، ثم اضطرت، أخيرًا، إلى أن تتروَّى قليلاً في إطلاق هذا التعريف. العنف موجود في سائر أنحاء العالم، الأول والثاني والثالث، من روسيا إلى فرنسا إلى ايطاليا واسبانيا، إلى الولايات المتحدة، وخصوصًا في أميركا الجنوبية وعلى الأخص كولومبيا، حيث يراوح هذا العنف بين حركة المعارضة المسلحة Guerillas والعنف الفردي، لأسباب متعددة، بحيث تعتبر كولومبيا من أخطر البلدان في العالم... على ذمة الفرنسيين. استقيتُ معلومات عن الوضع في كولومبيا وأنا أوازن بين الذهاب إلى المهرجان أو عدم الذهاب. فعلى ذمة الفرنسيين (أنترنت): - تجري عمليات خطف متعددة كل سنة، وفي الأشهر الأولى منها. - سياح أوروبيون قُتلوا مرارًا، في مدينة قرطاجنة. - يُنصح بشدة بعدم زيارة كولومبيا ما عدا جزر سان أندره وبروفيدانسيا. - أقصى الحذر ينبغي في مدينة قرطاجنة، حيث قُتل عدد من رعاة حقوق الإنسان. - يمكن الانتقال في المدن الكبرى، بوغوتا (العاصمة)، كالي، وميديين (حيث سينعقد المهرجان الشعري) لأسباب قاهرة. ذلك أنه سُجلت 23 حالة خطف في بوغوتا منذ بداية هذه السنة. - 17277 حالة خطف على 42 مليونًا من السكان، وهي النسبة الأكثر ارتفاعًا في أميركا الجنوبية. - عدا الحركات المسلحة المعارضة، هناك شبكات تهريب المخدرات، التي من ضمن عملها "الاضطرار" إلى الخطف والقتل. - الأخطار الأكثر شيوعًا هي: الخطف السريع أثناء عمليات سحب النقود من الآلات الأوتوماتيكية، حواجز طيارة على الطرق لغاية السلب، وفي المدن انتزاع "جزادين" النساء والهواتف المحمولة والباسبورات والمجوهرات. - التخدير بواسطة محلول مركَّب، ومن ثم السلب. - الهجوم بالسلاح الأبيض عند إشارات السير الحمراء. - ينبغي تجنُّب أي تنقُّل بين مدينة ومدينة، خصوصًا في الليل، ويُنصح باستعمال الطائرة. - عدم مقاومة أي اعتداء بالسلاح الأبيض. وفي سلسلة من النصائح الأخرى: - عدم الانتقال وحيدًا. - لا تأخذ إلاَّ "راديو تاكسي"، ولا تأخذ البتة تاكسي الشارع. - لا تحمل أشياء ذات قيمة (حُلى... كاميرات تصوير). - احمل دائمًا نسخة من أوراقك الثبوتية. - لا يغادر نظرك حقائبك. - في المقاهي والمطاعم، لا تترك طعامك أو شرابك من دون حراسة. - لا تركن سيارتك في أماكن معزولة أو غير محروسة. - اقصد المصارف الموجودة في وسط المدينة وفي الأماكن المكتظة، ولا تستعمل الموزِّع الآلي للنقود إلاَّ في وضح النهار. - الشيكات السياحية غير مقبولة في كولومبيا. - كولومبيا بلد تحدث فيه دوريًا، الزلازل والهزَّات الارضية وتنفجر البراكين الناشطة. عليك أن تطلب الإرشادات كيف تتصرف أثناء الزلازل والهزات وانفجار البراكين. هذا على ذمة الفرنسيين. وقد يحتوي على بعض المبالغة. لكن كل هذه الاسباب "المشجعة" على الذهاب أصبحت شبه عادية عندنا، من لبنان حتى العراق، إلى أي مكان آخر. إذ أن العالم يتحول إلى حالة أمنية بكل أسف. يبقى أن النظام الكولومبي حليف للولايات المتحدة وحليف في الوقت نفسه للنظام في فنزويلا (تشافيز) بحكم المصلحة الاقتصادية المشتركة. ولكن إذا أردت مقاطعة حلفاء الولايات المتحدة أو أصدقائها، فإنك لن تذهب إلى أي مكان. إننا في مناخ تفاوضي مع أميركا ولا يوجد عداء مطلق في السياسة. أما في الدائرة الثقافية وفي دائرة الفن – الشعر من هذه الدائرة، فلا بد من التفاعل واكتشاف المشهد بسلبياته وإيجابياته. يبقى أنك ستركب الطائرة 16 ساعة من باريس إلى كولومبيا مسافة 18 ألف كلم ذهابًا وإيابًا ومحطات "إسكال"، ما يُلزمك، إذ أصررت على الذهاب، استعمال الحزام الطبي للديسك، وإلا ستصل إلى المستشفى وليس إلى مهرجان الشعر. وقد يساعدك تذكُّر أن كولومبيا هي بلاد الروائي الشهير غبريال غارثيا ماركيز، ولا حول ولا قوة إلا بالله. مريام شجعتني مريام مونتويا على الذهاب إلى المهرجان. قالت: سوف تستمتع وتتسلَّى كثيرًا. مريام شاعرة كولومبية مقيمة في باريس، عرضت عليَّ المساعدة ومرافقتي إلى السفارة الكولومبية لتأمين الفيزا وبطاقة السفر، وأردفت أنها ستشارك أيضًا في المهرجان، شعريًا، بالإضافة إلى كونها في لجنة التنظيم والتنسيق، وستكون رفيقتي ودليلي عبر المطارات والطائرات، باعتبارها ذات خبرة. اتفقنا على اللقاء في مقهى "غامبيتا". - كيف سأعرفك وتعرفينني؟ - أنا خلاسيَّة. - هذا لا يكفي. في باريس الكثير من الخلاسيات. هل أنت جميلة مثلاً؟ - سوف ترى بنفسك. - طيب. سأكون مرتديًا قبعة رمادية. - اطمئن. رأيت صورتك في دليل المهرجان على الإنترنت. أقبلت مريام مرتدية ثوبًا أسود معرَّقًا بزهور ملونة يصل حتى ركبتيها ويتهدَّل على جسمها، ومن الواضح أن القماش من الحرير. شعرها أسود مسدل حتى كتفيها بتسريحة بسيطة. جسمها مائل إلى الطول والنحول من دون إسراف. عيناها سوداوان سنجابيتان لمَّاعتان ذكاء. تبادلنا التحية (سأعرف في ما بعد أن التحية بين الجنسين في كولومبيا هي تبادل القبلات من دون معرفة سابقة). المحطات الـ15 في مترو الأنفاق، ذهابًا إلى السفارة الكولومبية في باريس، ستكون كافية لتبادل التعارف. مريام شاعرة، عملها الأخير تُرجم إلى الفرنسية بعنوان جئت من ناحية الليل. تعلِّم دروسًا خصوصية باللغة الإسبانية. وهي إلى ذلك، اختصاصية في فن الدمى المتحركة (الماريونيت). منذ سنوات تعيش هنا وتواسي قلبها المحطَّم. فلقد تركها زوجها ليتزوج بأخرى أصغر منها عمرًا. وكانت أحبته كثيرًا ولا تزال تحبه، فهذه جراح لا تشفى. أنجبت منه فتاة أصبحت في الثامنة عشرة الآن، تقيم معها، ولكن سنتعرف إليها في ميديين حيث تمضي عطلتها الصيفية في الوطن. الفئات المثقفة عمومًا، ترتفع لديها نسبة القلوب المحطمة. إذ أنها فئات ذات أمزجة وخيارات، عرضة للتقلُّب والتأثر بمجريات العيش وتغيراته. وهي فئات ذات حساسية خاصة لما يُسمى الحرية الفردية. بينما العلاقات المسقرَّة تقتضي استقرارًا فكريًا ومزاجيًا، وانصياعًا إلى نظام ثابت من الفكر والعيش، نظام ديني أو اجتماعي أو عائلي... إلخ. مريام لا تمشي مشيًا عاديًا، بل تكاد تحلِّق كعصفور أو فراشة، لذلك كانت تسبقني بأمتار على الأرصفة، ثم تلتفت إليَّ وأنا واقف أشعل سيجارتي، وتضحك. في العودة، بعد إنجاز المعاملات، دعوتها إلى البيت، فجاءت. كنت وحدي وعلينا تناول الغداء. أخذتُ فرُّوجًا من البرَّاد وسألتها: ما رأيك؟ ماذا نفعل بهذا الفرُّوج البريء؟ قالت: عليَّ أنا، وانطلقت بالفرُّوج إلى المطبخ لكي تعمل منه "بصليَّة" على الطريقة الكولومبية. وجدتُ نفسي متورطًا. كان عليَّ العودة في اليوم التالي إلى بيروت مزوَّدًا بالبطاقة والحجز، فإذا بي مزوَّد ببطاقة وفيزا إلى كولومبيا وقاعد أنتظر بصلية الفرُّوج. السفر بعد غد. يعني سأقطع آلاف الكيلومترات وسأغيِّر طائرتين في مدريد وبوغوتا (عاصمة كولومبيا) إضافة إلى 150 كيلومترًا في السيارة إلى ميديين. ما يقتضي 18 ساعة في الجو، إضافة إلى انتظارات "إسكال" في كل مطار. يعني نهارًا وليلة كاملين من الازعاج والعذاب ومن دون تدخين! لماذا؟ من أجل أن أقرأ شعرًا هنا وأن أستمع إلى الشعر؟ بالكاد، في بيروت، أذهب إلى ندوة شعرية، أو ألبِّي دعوة إلى أمسية. ولقد تزحلقتُ في هذه الورطة تزحلقًا، ساعدتني مريام على التزحلق. الكثيرون يذهبون يوميًا إلى أميركا وغير أميركا. لهم هناك اهتمامات ومصالح. ما هي اهتماماتي ومصالحي في هذا المسار الماراتوني العنيف؟ وماذا أفعل بالديسك القابع بين الفقرتين الرابعة والخامسة من عمودي الفقري؟ اهتماماتي ومصالحي أن أتفاعل مع ثقافات أخرى وشعوب أخرى. التفاعل واجب وطني في هذه المرحلة التي تتعرض فيها البلاد والمنطقة لحملات شديدة الوطأة وإلى اتهامات أقلَّها الإرهاب. ينبغي أن نُبدي ثقافتنا وشعرنا أمام الآخرين. وترى أن حقول التفاعل هذا قد تكاثرت تكاثرًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة. فالمهرجانات الثقافية والشعرية على قدم وساق في فرنسا وألمانيا وأسبانيا وهولندا، وفي البلاد العربية، وكذلك الجوائز الثقافية والشعرية، حتى يُخيَّل إليك أن الكثرة من المثقفين والشعراء العرب في حالة طيران دائم. جاءني صوت مريام من المطبخ تسأل عن أماكن الملح والبهار والثوم والبصل... إلخ. - ماذا تفعل وحدك هناك؟ تعال نطبخ معًا. - إنني أسأل نفسي لماذا سأذهب بعد غد إلى كولومبيا. - لكي تقرأ شعرًا وتستمع إلى الشعر وتتفاعل مع الآخرين. ألستَ شاعرًا؟ قيل لي إنك شاعر معروف في بلادك! - آه... أيها الشعر! طيران تعبر إلى الطائرة وترتمي منهكًا على المقعد وأنت تستمع إلى مؤاساة رفيقتك في السفر وملاكك الحارس مريام مونتويا التي لا تؤثر في روحها المحلِّقة ولا في إرادتها الفولاذية أي تدابير أمنية أو غير أمنية. بدأ التحليق من مطار مدريد فوق المحيط الأطلسي الذي كان اسمه بحر الظلمات، لاضطراب أمواجه واشتداد عواصفه المفاجئة للبحَّارة والملاحين. استسلمت مريام لنعاس أجَّلته طويلاً (غادرنا باريس الساعة الرابعة صباحًا) ثم راحت تغطُّ في نوم يزداد عمقًا ويعبِّر عن عمقه بالأنفاس اللطيفة التي تتصاعد من أنفها الصغير. أُصبتُ بالعدوى مع أنني لم أنجح ولا مرة، في أن أنام في الطائرة، ونمت. أيقظتني المضيفة لتقدِّم إليَّ وجبة الطعام. ياه! يبدو أنني نمت ثلاث ساعات. نظرتُ إلى المضيفة اللطيفة وحاولتُ أن أكرهها فلم أفلح، فقط شكرتها وقلت إنني لست جائعًا. عاتبتُ مريام. كيف سمحت لها بأن توقظني؟ - ولكن ينبغي أن تأكل. - اسمعي يا مريام. لا يجوز إطلاقًا إيقاظ أي نائم لأي سبب كان، ولو كانت الحرب النووية على وشك الوقوع. النوم نعمة من الله، ثم أن النوم أصبح أمرًا عزيزًا في جميع أنحاء العالم، مع تصاعد أسباب التوتُّر والقلق والتشتت. وترين أن أغلب الناس، خصوصًا العاملين في الثقافة والفنِّ، وعلى الأخص في بلاد الغرب، يعيشون على الحبوب المهدِّئة وعلى الحبوب المنوِّمة، وأن الطب النفسي قد ازدهر ازدهارًا شديدًا، حتى في بلدان العالم الثالث والعالم الرابع، وأن أول العلاجات التي يعتمدها هذا الطب هو محاولة جعل صاحب الحالة النفسية، ينام بطريقة ما، ومن ضمنها الحبوب المهدِّئة والمنوِّمة. قاطعتني مريام: على رسلك يا رجل! عد إلى النوم ووفِّر على نفسك وعليَّ عناء هذا الخطاب، وضحكت. - ثم أقول لك يا مريام إنني لا آكل من طعام الطائرات، هذه النفايات التي يجري تحضيرها لآلاف الركاب قبل أسابيع، ثم يجري تسخينها بالمايكروويف وتقديمها على أنها طعام، وهي على الأقل، من دون طعم ولا نكهة، وعلى الأقل أيضًا، تتسبب بأنواع من الإسهال، وأحيانًا التسمُّم. لا أنصحك بتناول هذا الطعام. - لقد أفقدتني شهيتي يا هذا. إننا كسائر هؤلاء الناس الذين يركبون الطائرات ويتناولون طعامها. وكنت قد لاحظت أحد الركاب، في المقعد المقابل، وهو يأكل كل طعامه بشهية لا مثيل لها، وقد أجهز خلال دقائق على كل ما في الصينية أمامه، فحاولتُ أن أكرهه ولكنني عدلت، وفكرت لو أنني قدمتُ إليه حصتي أيضًا التي لم آخذها. حين بدا البرُّ، برُّ أميركا الجنوبية، على الشاشة التي تتابع مسار الطائرة، تنفستُ الصعداء، وأدركتُ فرحة كريستوفر كولومبوس وبحَّارته حين بدا لهم هذا البر. كولومبيا هي البلد الأميركي الوحيد الذي اشتق اسمه من اسم كولومبوس. بعد ساعة ونصف ساعة من مطار ميديين إلى المدينة نفسها، في السيارة وصلنا إلى الفندق. أدرك موظف الاستقبال، على الفور، حالتي الصعبة، فأجرى المعاملات الشكلية (التسجيل، مفاتيح الغرفة الاهتمام بالحقيبة...) بالسرعة القياسية. ابتسم لي وقال: أهلاً بضيوفنا. أهلاً بالشعر! تنهدتُ عميقًا: آه... أيها الشعر. فندق "الفندق الكبير" في ميديين ثلاث نجوم. في الغرفة الطابق 11 ثلاثة أسرَّة. لا طاولة ولا كرسي. بل "تابوريه" مقابل "دريسوار" صغير بمرآة. لا محارم ورقية بل فقط ورق حمَّام. المياه الساخنة متوافرة دائمًا ولا بأس بالدوش. اليوم الأول لراحة المسافرين ولتبادل التعارف. في المطعم الكائن في الطابق الأول وإلى فنجان نسكافيه، أطل الشاعر العراقي صلاح حسن. لا أعرفه سابقًا ولكن سمعتُ به وقرأتُ له في الصحافة. سنتكلم العربية وسط هدير اللغات الأجنبية المتصاعد في جميع الزوايا. يقيم صلاح في هولندا (لاهاي) وقد حصل على الجنسية. عاد مرة إلى العراق بعد انهيار صدام حسين، لزيارة أهله، وكذلك لتقديم 15 ألف كتاب علمي، جمعها من مؤسسات مختلفة، إلى مكتبة جامعة بغداد. وقد كتب كتابًا عن الرحلة هذه، أذكر منه أن صلاح كان مطاردًا وملاحقًا وسجينًا لفترة طويلة، وأن عدي صدام حسين شخصيًا، داس رقبته وركله مرات عدة على وجهه، ما أحدث ضررًا دائمًا في عينه اليسرى. القصائد التي بحوزتي غير مترجمة جميعها إلى الإسبانية، لم أجد مترجمًا من العربية إلى الإسبانية، إلى أن أطلت لويزا وهي صديقة لصلاح حسن، صحافية هولندية تقيم بين مدينتي بوغوتا وميديين. بمبادرة طيبة ترجم صلاح بعض مقطوعاتي إلى الهولندية التي يجيدها، ولويزا ترجمتها إلى الإسبانية التي تجيدها. ثم تولى في ما بعد مترجمي فكتور راؤول طباعة النصوص بعد شدشدتها وتصحيح أخطائها ومحاولة الوصول بها صياغة إلى التعبير الشعري. اصطحبتني مريام مونتويا، ملاكي الحارس، لتصريف بعض العملة الأوروبية، الأورو، إلى البيزو الإسباني – الكولومبي، فليس من المشكور أمنيًا أن تمشي وحدك في ميديين وغيرها من المدن، على الرغم من رغبتك في كل مدينة تسافر إليها، أن تجوسها وتستكشفها بنفسك. أطلَّت الشاعرة السورية لينا الطيبي بقامة ممشوقة وفستان حريري أسود فهفَّ لها صلاح حسن مرندحًا: قل للمليحة في الخمار الأسود ماذا فعلت بناسكٍ متعبِّد؟ فأجابته وقد وصلت: هذه هي المليحة وهذا هو الثوب الاسود فأين هو الناسك المتعبِّد؟ قال: أنا. ضحكتْ: أنت لست سوى منافق وفاجر. سألتني: أليس كذلك؟ ضحكتُ وقلت: لقد قصَّرتِ فيه تقصيرًا شديدًا. لينا رقيقة جدًا (بشرتها) كشِعرها، مما يستدعي أن تتوقى أشعة الشمس بكريمات مختلفة فيصح فيها قول جميل بثينة: يكاد فضيض الماء يخدش جلدها/ إذا اغتسلت بالماء من رقة الجلد. يبقى الشاعر السعودي عبدالله باشراحيل لكي يكتمل عقد الوفد العربي إلى المهرجان. عبدالله يرابط في "السويت" الذي يشغله ويستقبل فيه، ليليًا، بعد الأمسيات، مختلف الأصحاب والمعارف في ضيافة لا حدود لها. كان يستطيع أن ينزل في فندق 5 نجوم ولكن فضَّل معايشة الشعراء الزملاء حيث هم، كما يستطيع أن يشتري الفندق بكامله ويأتي إلى كولومبيا بطائرته الخاصة. وكان شعر كثير وشعراء كثيرون ومنادمات كثيرة عند عبدالله بشراحيل، ورقص كثير في باحة الفندق (سالسا) حيث حلَّقت فتيات كولومبيا الجميلات ساعات وساعات في فضاء الموسيقى. آه... أيها الشعر! ترجمة أرغب في أن أعطي بخشيشًا/ لجميع العمال هنا، في الفندق، في ميديينْ/ حين يقومون بخدمتنا/ منذ السادسة صباحًا حتى منتصف الليلِ/ فتياتٍ أو شبًّانًا/ لكني لست غنيًا/ إمكاناتي لا تسمح لي أن أفعل ما أرغبُ/ لست حزينًا جدًا، بل شبه حزينْ/ وأحاول أن أتعلم بعض اللغة الإسبانيةِ/ في هذي الأيام، المعدودة./ في الفندق في ميدينْ/ أرغب في أن أقرأ شعرًا يُعجب عمَّال الفندقِ/ أهل الحفل، هنا، والمستمعينْ/ لكنْ ترجمة الشعرِ/ من اللغة العربيةِ للغة الاسبانيةِ/ أو أية لغةٍ أخرى/ أمرٌ في ظنِّي، سيكون عسيرًا جدًا/ في ظنِّي، تشبه ترجمة الشعرِ/ مغازلةَ امرأة أخرى غير حبيبتنا/ وخصوصًا في اللغة العربية/ إذ أن اللغة العربية في ظنِّي،/ وكما أكتبها، شعرًا أو نثرًا/ لغةٌ عاشقةٌ/ لا تعطي موعدها في الحب لغير العاشقِ/ لكنِّي/ سأحاول أن أضع اللغةَ العربيةَ/ في صوتي/ أن أُوصل ما أمكن، ما يمكنُ/ من أسرارِ اللغةِ العربيةِ/ اللغةِ الشعريةِ/ في صوتي/ وسآخذ في تمييزِ الأحرفِ وقتي/ لستُ حزينًا جدًا، بل شبهُ حزينْ/ وأكاد هنا في هذي الأيامِ المعدودةِ/ أن أتكلم بالإسبانيةِ/ في الفندقِ، حيث أنا مدعوٌّ/ للقاء لغاتٍ أخرى شعوبٍ أخرى/ في ميديين. 28-07-2012 *** *** *** |
|
|