قطوف من شجرة الحياة 14

 

اسكندر لوقا

 

ثمة قول لجبران خليل جبران يحذر فيه من اعتماد الكذب أو المراوغة في سياق بناء العلاقات بين الناس والناس. ويختصر رأيه بالقول: "إنك تستطيع خداع بعض الناس كل الوقت، وخداع كل الناس بعض الوقت، ولكنك لا تستطيع خداع كل الناس كل الوقت". ومع أن هذه المعادلة لا تحتمل التفسير بما يخدم مصلحة القادر على التلاعب بعواطف الناس أفرادًا كانوا أم جماعات، فإن ثمة من يؤمن أن باستطاعته خداع كل الناس كل الوقت. وغالبًا ما تبدو هذه المبادرة أكثر وضوحًا في الحقل السياسي، وخصوصًا في الزمن الراهن.

***

خلق الله للإنسان عينين كي يرى بهما المشاهد أمامه بأبعادها الحقيقية. ومع أنه يمتلك هذه الحاسَّة بين حواسه الخمس الأخرى كي يمارس حياته بطمأنينة وبراحة بال، فإنه يصرُّ أحيانًا على استخدام عين واحدة، وبذلك لا بدَّ أن يرى نصف المشهد أمامه. وحين تكون هذه العين لمن بيده قوَّة المال والنفوذ، فعلى الأرض السلام، لأنه حُكمًا لن يكون قادرًا على التمييز بين الأبيض والأسود، بين الخير والشر، بين الصحيح والخطأ. وبذلك تبقى الحقيقة المنشودة في سياق البحث عن أية قضية ضائعة، لأن العين الواحدة لن ترى سوى أحد أطراف المعادلة؛ فإمَّا الأبيض أو الأسود، وإمَّا الخير أو الشر، وإمَّا الصحيح أو الخطأ.

***

لا توجد في الحياة عقبة لا تستطيع إرادة الرجال قهرها. هذه القاعدة أثبتت ذاتها على مدى الأزمنة كافة ولم تفشل يومًا. وحتى تحقق هذه القاعدة حضورها على أرض الواقع لا بد أن تتوافر لدى المؤمنين بها الإرادة الكافية ليكون لها حضورها الفعلي الملموس على الأرض. وفي السياق المتصل تتخطى الشعوب المؤمنة بأبنائها ما يعترضها أو قد يعترضها من حواجز بغية إعاقة مسارها وصولاًَ إلى أهدافها في سلم التقدم والارتقاء في اتجاه الحضارة.

***

إن الفرد في مجتمعه يعدُّ، من حيث المبدأ، طاقة معنوية لا تقدر بثمن. ومن هنا يعتبره علماء النفس الاجتماعي العامل الحاسم في أزمنة إدارة الأزمات والمعارك التي تخوضها الشعوب لانتزاع حقها في الحياة. هذه الطاقة إذا ما جرى تحصينها جيدًا على خلفية ثقافية، وبشكل مدروس، لن تفقد يومًا ألقها، بل إنها سوف تزداد تألقًا مع مرور الوقت. وفي ساعات حسم المواقف خلال مواجهة أعداء وطنه أو حين يتعرض فيه وجوده كمواطن في بلده للتهديد، سواء أكان مصدر التهديد من داخل أو من خارج، لا بدَّ أن تؤكد هذه المعادلة أهميتها على أرض الواقع، ثباتًا وانتصارًا على المعتدي.

***

في اعتقادنا أن رسالة الحياة هي تحقيق الذات. ومع هذا فإن أحدنا لا يمكن أن يحيا بذاته ولذاته في منأى عن الآخرين، سواء من كان منهم على قيد الحياة أو لم يكن. كذلك ستكون رسالة حياة من سيأتون من بعدنا. من هنا يتساءل أحدنا بينه وبين نفسه: تراني أستطيع ممارسة حياتي من دون أن يكون لي ماض أو حاضر أو مستقبل؟ إن المغرورين بأنفسهم فقط يعتقدون أن الحياة خلقت لهم، ولهم فقط، وغالبًا ما ينزلقون إلى هاوية الخطأ القاتل.

***

يرى علماء النفس العام كما علم النفس الاجتماعي أن أي موضوع عندما يناقش بشكل علمي وعقلاني، يمكن أن يوجد له حل. وفي هذا الإطار لا نعني موضوعًا بحد ذاته، لأن ما يندرج تحت بند الاختلاف في وجهات النظر حول موضوع معين يشمل جوانب عدَّة، ولهذا فإن هذه القاعدة تنطبق على المسائل كافة التي يجري حولها النقاش وفي أي وقت. وطبقًا لهذه القاعدة أيضًا فإن الوصول إلى حلٍّ موضوعي، مهما كانت المسائل شائكة، ممكن. وتزداد فرص الوصول إلى حلول لتلك المشاكل، بمقدار ما ينفتح العقل على قراءة دوافع حدوثها ومعالجة تبعاتها.

***

يعتقد البعض من الناس أن المرونة في التعامل مع الآخر دليل ضعف. ومن هنا يحاول هذا الآخر استثمار هذه المعادلة في العلاقات الإنسانية–الإنسانية لجهة تحقيق مكسب أو مصلحة شخصية، وبمعنى ما هو يحاول أن يسجل موقفًا قد يتاجر به في وقت لاحق وفي مناسبة معينة. وهذا ما يتضح بين الحين والحين في سلوك البعض من هؤلاء الناس المنتمين إلى فئات مستثمري ما قد يبدو لهم ضعفًا لدى أصحاب المرونة في تعاملهم مع الآخر.

***

يحاول البعض من سياسيي عصرنا أن يقنعوا الشعوب المنتمية إلى ما يسمى بدول العالم الثالث، بأن القوة تكمن فقط لدى من يمتلك السلاح. وينسى هؤلاء أو يتناسون بأن القوة الحقيقية تكمن في ذات الإنسان، لأنه هو الذي ينتصر أو يهزم، بغض النظر عن نوع السلاح الذي يحمله. وفي تاريخ البشرية أمثلة لا تحصى عن غلبة الإنسان في صراعه مع القوى التي تحاول قهره، حتى باستخدامها الأسلحة المحرمة دوليًا، بقوة إيمانه بذاته لا بنوع السلاح الذي يحمله في ساحة قتال. ومن هنا كان انتصار الإنسان المدافع عن حقه في ممارسة حياته على النحو الذي لا يغتال حريته ولا ينتقص من كرامته.

***

إذا كان "صلاح أمرنا" بأيدينا على حد قول الشاعر، فمن الطبيعي أن يكون لهذا القول موقعه في مجتمع يتوقف رقيُّه حصرًا على تضافر جهود أبنائه بتغليب الغيرية لا الأنانية في سياق العلاقات بين أفراد البلد الواحد، وذلك في سياق سعيهم للوصول إلى ما يطمحون إليه، وخصوصًا في الظروف التي تتطلب مثل هذا التضافر دفاعًا عن وجود. وبذلك يمكن لأبناء البلد، أي بلد على سطح الكرة الأرضية، تخطي مقولات ذاتية باتت مكشوفة في أيامنا هذه، بغية تلبية غرائز التملك أو الاستعلاء، كتغليب الـ "أنا" على الـ "هو" بحجة أن الحياة يعيشها الإنسان مرة لا مرات.

***

ليس شرطًا أن يكون السعي إلى جعل مقولة الأخلاق حكرًا على أحد أو على جهة دون سواهما، ذلك لأن الغاية من هكذا سلوك هي السعي لتحصين الإنسان من خطر التماس منهج الالتواء في نطاق تمرير ما يسعى إلى تمريره على حساب المحيطين به، وبالتالي لتحصينه من خطر خسارة نفسه في مواجهة مغريات العصر أو البيئة التي ينتمي إليها. وفي التاريخ الإنساني أمثلة لا تحصى عن تغليب المصلحة الشخصية، تحت عناوين تلبي متطلبات هذه الناحية على المصلحة العامة. ومن هنا كان سقوط الإمبراطوريات وصناعها بقوة العضلات والسلاح وبقيت أسماؤها مجرد حكايات في الذاكرة.

*** *** ***

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود