|
فراس وربى 3: قصص
بيئية
في
مسعى جاد،
يتابع الدكتور برجيس الجميل كتاباتِه في نطاق
التربية البيئية، التي نجح في إطلاقها
موضوعًا مدنيًّا وبحثيًّا، وعمل على
استثمارها تربويًّا، من خلال تأسيسه لهذا
النمط من التوجيه التربوي، الهادف إلى خلق
شعور مدنيٍّ وحسٍّ إنسانيٍّ لدى الناشئة،
وتشجيعهم على الالتصاق بالأرض أكثر، ودفْعهم
إلى العمل لإنقاذها من أخطار التلوث الذي
يهدد كل حياة فيها. وانطلاقًا
من مفهومه للتربية البيئية المستدامة sustainable
ecological education، يستمر برجيس
الجميل في رسالته، محيطًا بالموضوع من جوانبه
كافة، فيُفرد قصصًا تستجيب لمتطلبات المحور
الذي يعالجه، مما ييسر الشرح، ويبسِّط
عمليتَي الإفهام والفهم، ويولِّد رغبةً لدى
التلميذ في القبول والاستيعاب والاستزادة من
المعلومات التي توفِّرها سلسلة "القصص
البيئية" التي تدرجت في ثلاثية تأليفية
انتظمتْها عناوين ثلاثة. يركِّز
الإصدارُ الأول على "انتقام الطبيعة
لنفسها"، في حين يدورُ الإصدار الثاني حول
"حب الأرض لأقدام أبنائها"، فيما يعالج
الإصدارُ الثالث هذا موضوع التلوث البيئي
الذي يهدد الأرض، الكوكب المريض الذي لا
تنقذه إلا الصلاة! وهكذا يبادر المؤلِّف إلى
خلق حسٍّ جماعي لدى التلامذة للحفاظ على هذا
الإرث الحياتي بالعمل والمساهمة الميدانية و"الصلاة"
من أجل أن ينقذ الله هذا الكوكب الذي عبثت به
البشرية في فوضى تدميرية منظمة، مما جعل
الأخطار البيئية تتعاظم تعاظُمًا حادًّا
يستوجب استنفارًا على مستوى الدول، تمثَّل في
"قمة الأرض" التي عُقدت في ريو (البرازيل،
1992)، وفي جوهانسبرغ (جنوب أفريقيا، 2002)، وفي
كيوتو (اليابان، 2003)، للخروج بحلول تضمن "الحق
ببيئة سليمة وأرض نظيفة" للأجيال اللاحقة. من
هذا المنطلق الإنساني، جهد الدكتور الجميل في
كتاباته التي تركزت على مبادئ الثقافة
المبسطة في أن يخلق وعيًا شاملاً، لدى
المسؤولين والأهالي والتلامذة على السواء،
في خدمة رسالته التي تتمحور حول إنقاذ الأرض
والعمل على خلق مجتمع أرضيٍّ سليم بيئيًّا.
فالأرض السليمة تتيح بناء مجتمع إنساني أكثر
نقاوة في التفكير والسلوك، وأكثر إنسانية في
تحسس مشكلات الذات وفهم الآخر وقبوله، لأن
مصير الشعوب على هذه الأرض مصير واحد. البنية
التأليفية لكتاب لأجلك أيتها الأرض نصلي (سلسلة
"فراس وربى 3")، الذي أهداه الكاتب "إلى
كلِّ ضمير يعمل على التنمية المستدامة لخيرات
الأرض بدلاً من الحروب الزاحفة إلينا، فقرًا
ومرضًا وجوعًا وضحايا ودمارًا للبيئة"،
تنطلق من الهدف الذي رسمه في مؤلَّفاته
التربوية السابقة في مجالَي الإعلام
والتربية والذي تركَّز على نواة–هدف، قاعدته
بناء إنسان أفضل لغد أسلم وأرقى وأنظف. ولعل
إصرار الدكتور الجميل على التوجه بكتاباته
إلى جيل الناشئة طَبَعَ مداخلاتِه
ومعالجاتِه بأسلوب التوعية التبسيطي.
فالتعريف بالمواضيع والإضاءة عليها مقدِّمة
للتثقيف والتدريب على الانخراط في ورشة
الإنقاذ البيئي التي نجح في إطلاقها
ميدانيًّا ورعايتها أكاديميًّا ومواكبتها في
بحوث كتابية تمتاز بالعلمية وبالغيرة على
الأجيال ومستقبلها. وهذه العلامات في كتابات
برجيس الجميل ظهَّرها أنطوان بخعازي، رئيس
"الندوة اللبنانية للحفاظ على البيئة"،
الذي قدَّم للكتاب واعتبر أن "التربية تبدأ
حتمًا بالتربية البيئية [...] ومنها تنطلق إلى
آفاق متنوعة المنال والجمال [...]". الفائدة
النظرية التي سعى إليها المؤلِّف من خلال
اختياره لمواضيع أقاصيصه، أرفقها بتدريب
عملي يحصِّل التلميذ من خلاله معارف أكيدة
لناحية تقنية اختيار الأسئلة الاختبارية
المحرِّضة على التعلم المستمر والاستزادة
العلمية بالاطلاع وجمع المعلومات لاستثمارها
في إطار توظيف المعرفيات المحصَّلة وما
تولِّده هذه العملية من حثٍّ على استشعار
المسؤولية والمساهمة في تحمل مسؤولية تكوين
مجتمع أهليٍّ أكثر تحسسًا للقضايا المفصلية. ولعل
"قضية الأرض"، التي جعل منها الدكتور
الجميل عنوانًا عريضًا في اهتماماته
التأليفية، هي أبرز هذه القضايا التي من
خلالها ظهر الانتماء والالتزام بالمسلَّمات
الوطنية والالتصاق بالتراث والتاريخ.
فالترابط بين الإنسان والأرض لازم، ولا يمكن
لنا فهمه إلا من خلال فهم التراث والاعتبار من
دروس التاريخ. عن
النهار، الأحد 1 حزيران 2003 ***
*** ***
|
|
|