|
احتفاءً بمئة عام
على صدوره نبذة في فن
الموسيقى:
أول كتاب لجبران خليل جبران لمناسبة مرور مئة عام على صدور أول
كتاب لجبران خليل جبران تحت عنوان نبذة في
فن الموسيقى [عن مطبعة
جريدة المُهاجر، نيويورك، 1905]،
وتمهيدًا لإطلاق مكتبة جبران خليل جبران في
الجامعة اللبنانية–الأمريكية، فرع جبيل،
دعت الجامعة مع "مركز التراث اللبناني"
إلى احتفال مسرحي موسيقي كوريغرافي غنائي من
نصوص هذا الكتاب [...] في مسرح سيلينا قربان
للجامعة اللبنانية–الأمريكية، بلاط، جبيل.
التأليف الموسيقي لجوزف خليفة،
والكوريغرافيا لنادرة عساف، والغناء والكورس
لطلاب الجامعة، والاستشارة الفنية لموريس
معلوف، والإعداد والتنسيق لهنري زغيب. غلاف الطبعة الأولى من كتاب الموسيقى
لجبران، أصدره أمين الغريِّب في نيويورك على
مطبعة جريدته المُهاجر في حزيران 1905.
ومساء 1 تموز 1905 حَمَلَه جبران إلى صديقته
الشاعرة جوزفين پرْستون پيبدي بعدما رَسَمَ
على غلافه، بقلم أحمر وبخطوط متلولبة، إلى
اليمين أحرف اسمها: ج.پ.ب.، والى اليسار أحرف
اسمه: ج.خ.ج، وكتب بخطِّه تحت اسمه عبارة "مع
محبة واعتبار وتمنيات". وكتبت جوزفين پيبدي
في دفتر مذكراتها ليوم 1 تموز 1905 أن جبران كان
يقرأ لها الكتاب بالعربية، ويترجمه لها جملةً
جملة بإنكليزيته الضعيفة (يومذاك)
وهو راكع على الأرض قرب كرسيِّها الهزَّاز. (نسخة
هذا الكتاب موجودة حاليًّا في مكتبة معهد
هارفرد، بوسطن.) *** نورِد هنا
مقاطع من كتاب جبران نبذة في فن الموسيقى: جلستُ بقرب مَن
أحبَّتْها نفسي أسمع حديثها. أصغيتُ ولم أنبس
ببنت شفة، فشعرتُ أن في صوتها قوَّة اهتزَّ
لها قلبي اهتزازات كهربائية فصلتْ ذاتي عن
ذاتي، فطارت نفسي سابحةً في فضاء لا حدَّ له
ولا مدى، ترى الكون حلمًا والجسد سجنًا ضيقًا. سحرٌ عجيب مازَجَ
صوتَ حبيبتي وفعل بمشاعري ما فعل، وأنا لاهٍ
عن كلامها بما أغناني عن الكلام. هي الموسيقى، أيها
الناس، سمعتُها إذ تنهَّدتْ حبيبتي بُعيد بعض
الكلمات وابتسمتْ في بعضها. سمعتُها لما حكت
تارةً بألفاظ متقطِّعة، وآونةً بجُمَل
متواصلة، وأخرى بكلمات أبقتْ نصفها بين
شفتيها. تأثيرات قلب حبيبتي،
رأيتُها بعين سمعي، فشغلتْني عن جوهر حديثها
بجواهر عواطفها المتجسِّمة بموسيقى هي صوت
النفس. بلى، فالموسيقى هي
لغة النفوس، والألحان نسيمات لطيفة تهزُّ
أوتار العواطف. هي أنامل رقيقة تطرق باب
المشاعر وتنبِّه الذاكرة، فتنشر هذه ما طوتْه
الليالي من حوادث أثَّرت فيها بماضٍ عَبَر. هي نغمات رقيقة
تستحضر، على صفحات المخيِّلة، ذكرى ساعات
الأسى والحزن إذا كانت مُحزِنة، أو ذكرى
أويقات الصفاء والأفراح إذا كانت مُفرِحة. [...] الموسيقى كالمصباح،
تطرد ظلمة النفس، وتنير القلب، فتُظهِر
أعماقه. والألحان، في قضائي، أشباح الذات
الحقيقية أو أخيلة المشاعر الحية. [...] [...] كذا تغريدة عصفور
تنبِّه الإنسان من غفلته، فيصغي، ويشعر، [...]
يسأل مستفهمًا عما إذا كان العصفور يناجي
زهور الحقل، أم يحاكي أغصان الأشجار، أم
يقلِّد خرير مجاري المياه، أم ينادم الطبيعة
بأسرها [...]. الإنسان لا يدري ما
يقوله العصفور فوق أطراف الأغصان، ولا
الجداول على الحصباء، ولا الأمواج إذ تأتي
الشاطئ ببطء وهدوء. ولا يفقه ما يحكيه المطر
إذ يتساقط منهملاً على أوراق الأشجار، أو
عندما يطرق بأنامله اللطيفة بلور نافذته، ولا
يفهم ما يقوله النسيم لزهور الحقل، ولكنه
يشعر أن قلبه يفقه ويفهم مفاد جميع هذه
الأصوات، فيهتز لها تارةً بعوامل الطرب،
ويتنهَّد طورًا بفواعل الأسى والكآبة. أصوات
تناجيه بلغة خفيَّة، وضعتْها الحكمة قبل
كيانه، فتحدثت نفسُه والطبيعةَ مرَّات
كثيرة، وهو واقف معقود اللسان حائرًا، وربما
ناب عن لفظه الدمع، والدمع أفصح مترجم. [...] وُجِدَ الإنسانُ،
فأُوحِيَتْ إليه الموسيقى من العلاء لغة ليست
كاللغات، تحكي ما يكنُّه القلب للقلب. فهي
حديث القلوب. وهي كالحبِّ، عمَّ تأثيرُها
الناسَ، فترنَّم بها البرابرة في الصحراء،
وهزَّت أعطاف الملوك في الصروح. مزجتْها
الثَّكلى مع نَوْحِها، فكانت ندْبًا يُفتِّت
قلب الجماد. وبثَّها الجَذلان مع أفراحه،
فكانت إنشادًا يُطرِب مغلوب الأرزاء. فقد
حاكت الشمس، إذ أحيتْ بأشعتها جميع زهور
الحقل. [...] كرِّموا، يا سكَّان
الأرض، كهنتَها وكاهناتِها، وعيِّدوا لذكر
خُدَّامها، وشيِّدوا لهم التماثيل. صلِّي،
أيتها الأمم، وسلِّمي على أورفيوس وداود
والموصلي، وعظِّمي ذكر بيتهوفن وفغنر
وموزارت. [...] كبِّر، أيها الكون، الأُلى
بثُّوا في سمائك أنفسهم، وملأوا الهواء
أرواحًا لطيفة، وعلَّموا الإنسان أن يرى
بسمعه ويسمع بقلبه. آمين. *** *** *** عن
النهار، الجمعة 17 حزيران 2005
|
|
|