|
أبجديَّةُ
التَّكوين إلى
رقَّة الآس في صوتها واحتشاد
المكان في غليان النار. الليلة
الأخيرة قبل الميلاد يغزلُ
العرَّافون وصايا الصمت بتهاطيل كلامٍ/ ونجومِ سماء/ وهراطق كتبٍ صفراء/ وحروفٍ مذبوحة – إذ يلتوي الوقتُ كانتشاء الجثث فوق صمتِ المدينة. الترابُ
يئن تحت لهاث الشمس التي في عين الإله. ضوءٌ
بوحُه المدى/ تنكمشُ الأرضُ، ثم تضيق/ يتسعُ الصدى بين النار
والماء/ ويكون اليباس – من روحه – نفخةً في السعير تُوازي نبضةَ عراءِ التشكل/ ليعلِّقه المدى من نظراته
الضائعة خلف سياج الوقت/ يضيع في إيقاعه غير الرتيب. الأفقُ
ينزفه قطرةً من وجومٍ/ ليكون مساءٌ/ ويكون صباح/ ولا ظهيرة في بساتين الروح/ ليمشي، ويمشي، ذارعًا الأرضَ التي تتنفس
في شهقته. كُنْ
كما يكون الماء: عذبًا وسلسبيلا/ طارئًا ونزيلا/ قائمًا ومقيما – أيها الفاتحُ أردانَ
الأنهار – لتزرعَ بويضاتِ ضياع المحيط وتفجِّرَ الماءَ الساكنَ في
بطنِ الوجومِ الذي يُعَسْكِرُ في وحدتك. أنتَ
وحدكَ الآن: تجدلُ الوقتَ والمسافاتِ، سائرًا في غضب السكون. عمَّ
تبحث في لهاث الشجر؟! عمَّ
تبحث في لهاثك الضائع في الوحدة؟! امتدادٌ
كفسحة الخراب الدامي يعلِّقُ رموشَ المسافة
بمسامات جسدكَ – وأنت، أنت وحدك. عمَّ
تبحث، يا فتى؟ – وحواءُ غافيةٌ في مسالكها قرب بحيرة لا تصل إليها
الروح، ولا أحلامُ الرعونة. عمَّ
تبحث؟ – وفي نبضكَ يسترسلُ الغيبُ نشيدًا ضائعًا في تشكله
الأول/ كأيقونات مهملة، كزوابع لم تعرفْ مداراتِها، كلهفة المخاض وولادةٍ من ثبج الفراغ – أنتَ أتيتَ لتكون. مَنْ
أنتَ؟! مَنْ
أنت؟! ليلة
الميلاد هادئًا
يستفيقُ الصباحُ بعينيك/ من تعبٍ نمْتَ/ وها قد صحوتَ لتعرفَ أنكَ أنت، وأن الصباحَ بحلمكَ كان
هباءَ ضياء. وها
قد بدأتَ لتبدأ: من سرَّة الأرض/ من كلمةٍ لا تُغافِل سرَّكَ إلا لتحملَ جمرَ الهموم
بصدرك. أنت
ولدتَ هنا/ وهنا شدَّكَ الله في هذه
الأرض التي تبتغيها ولا تصقل
الروح في منتهاها – لتبدأ ثانيةً من عناقكَ والرَّحِم. حواء
ليس لها متسع/ تستكين، تغيبُ، لتبزغَ ثانيةً من
دموع الإله – وأنتَ احتدامُ المواقيت،
والتعبُ المتواصل، والمسيرُ بلا غاية. كيف
تمشي وروحُكَ لا تحفل الآن بالمعجزات؟! هلمَّ
إلى غاية الصبح/ يشرق، إذ تشرق الروحُ فيك – فلا تنبضِ الآن إلا بورد
الولادة/ لا تنبضِ الآن إلا بصمت
الخلود/ فَسِرْ أينما كانتِ الخطوةُ
– الأرضُ لا تتَّقي شرَّكَ الآن – وَسِرْ مثل الهواء الخفيف لتحفل بالمعجزات/ تنفَّسْ كما يليق بك، ونَمْ في تَعَبِ الطقس/ لا تفسِّرْ وجودكَ، أيها الضالع بالسهر والتعب
والسؤال – فلا تسألْ! كم
تنام لتسأل! وتصحو
لتسأل! – وما
من جواب. حواءُ
طالعةٌ من خدرها الآن/ تفتح كلَّ انشطارٍ إليك/ إليكَ تهمهم، ثم تلوب/ وتنقرُ خطوتُها الوقتَ/ يشرقُ أكثر مما يكون الشعاع
– وأنتَ احتدامُ الشعاع، وبرد
السكون/ لتحلم أكثر مما يشيل
السواد، وتصحو أكثر مما يشيل الضياء
– فأنتَ ولَّدْتَّها من
ضلعكَ، هذه الأرض – وإرثُها الأكيد خلاصةُ إرثها المحتوم. ولدتَ،
فانشقَّتْ ظلمةٌ لتكون، وبزغَ الضوءُ لتكون وحدكَ
الآن – إنها المعجزة. جاوزتَ
التسعين/ أطفأتَ نجومًا، وأضأتَ
نجومًا/ غادرتَ بلادًا وعوالم/ ودخلتَ مصائر وشِباكًا/ وتَلَوْتَ الصلواتِ وحيدًا/ ووحيدًا شكَّلكَ الغيبُ
الطافح في مشكاةِ سماءٍ لا تشفعُ
للسَّجدة – إلا لنذيرٍ يهتكُ بمسرَّة
هذا الكون. أنت
الآن عصيٌّ/ تَرْجُمُكَ الحمَّى/ يشغلكَ الحبلُ الملتف على
عنقك. الليلة
الأولى بعد الميلاد بطيءٌ
هو الجرح/ حبلُ السرَّة مازال وراءك – يا رجلاً سيعيش مداراتٍ
وحقولاً ونجوما. تمتمْ
شيئًا/ فُضَّ بكارةَ هذا الطقس – فحواء يغيِّبها النورُ
الساطعُ خلفك. كيف
تحلِّل ضوءَ نشيدكْ؟! كيف
ترمِّم ميلادَ خلودكْ؟! أحدٌ
يهمس في ضلعك/ أحدٌ يهمس في رأسك: لا
تلتفتِ الآن لمخاض الدرب، وشوك الأيام – لا تلتفتْ. الأيامُ
خوالٍ – ويقينُك طفلٌ يحبو/ ولهاثُك شاخَ/ تحملُ غيمًا في معطفكَ
الأبدي، والأمطارَ بعينيك/ نَزَقُ الأرضِ يشرِّشُ في
كلماتك/ غضبُ الجوعِ يعرِّيكَ – وتبدأ ثانيةً. أية
ولادة تتقصَّى دهاءَ الأيام؟! أيُّ
مصيرٍ تَعِبٍ خفَّ بجرحِك؟! أنت الآن ملاذُ الشفقِ/ نبوءةُ سجدتِكَ الأولى،
وتمردُكَ الأوَّل – فارفع جنَّازَ فضائكَ كي
تصرخَ أكثرَ كما يليق بك/ لتنهدمَ رغوةُ
المدن وتبقى على حالكَ، سابحًا في
فضاءٍ – ولا مدينة. حبلُ السرَّة مازال يدور
وراءك/ مازال الصمتُ يلاحقُ إرثَك/ تفتح بابًا للترحال، فتدخل
أبوابًا لا توصل إلا للروح – وأنت بميلاد السرَّة تفتحُ
بابًا آخر/ تلهجُ بالوَلَهِ الساكن في
جيب الصمت – والصمتُ له أنداءُ مداراتٍ/
مازالَ يلاحقُ روحَك/ تبني من ضلعكَ مرآةً
لحياتك، وتغيب بعيدًا في صمت الأيام/ تكتظُّ عليكَ نواجذُهُمْ/ يحكمكَ الشبقُ الأعمى
الطافحُ في عينيكَ/ تدورُ – وحبلُ السرَّة
مازال يدورُ وتسأل... كيفَ
ستسأل، وأنت
السؤالُ الوحيدُ – الجوابُ
الذي لا سؤالْ. 30-31/12/1995 1/1/1996
|
|
|