|
أيام "مؤتمر أمين
الريحاني الدولي" في واشنطن المفكِّر الآتي من
المستقبل والرائي الأول للتقارب بين
الحضارات الهوية لديه تفتُّح
مستمر يتمثل فيها الكونيُّ والسَّفَر من
الذات إلى الآخر واشنطن، خاص بـالنهار: يعود
لبنان هذه الأيام ليحتل مكانته الفكرية ويقوم
بدوره الثقافي في عاصمة الولايات المتحدة
الأمريكية، من خلال "مؤتمر أمين الريحاني
الدولي" الذي افتُتِح يوم الجمعة 19 نيسان
[2002] في قاعة مؤتمرات كلِّية الحقوق في
الجامعة الأمريكية، واشنطن، برعاية صاحب
السمو الملكي الأمير طلال بن عبد العزيز،
ومشاركة سفير لبنان فريد عبود، وجيمس زغبي،
رئيس "الجمعية العربية–الأمريكية"،
وعبد العزيز سعيد، رئيس "مركز السِّلم
الدولي" في الجامعة. "واشنطن
تستقبل أمين الريحاني" كانت العبارة
الأكثر تردادًا على ألسنة الحضور الذي جمع
الأمريكيين والعرب واللبنانيين، وسط حشد من
رجال الإعلام، يتقدَّمهم مراسلو Washington Post
وNew York Times وCNN وسواها من وسائل
الإعلام الأمريكية، بالإضافة إلى الإعلام
اللبناني والعربي. وللمرة الأولى، يجتمع سبعة
عشر فردًا من أسرة الريحاني، قادمين من لبنان
والمكسيك وكندا وسائر أنحاء الولايات
المتحدة، لحضور المؤتمر وليشارك بعضهم في
أعماله. افتتح
الجلسة رئيس "مركز السِّلم الدولي" عبد
العزيز سعيد، الذي استهل الكلام بالقول: "نجتمع
اليوم لنحتفل بأمين الريحاني. ولئن كان جيلنا
لا يحتاج إلى التذكير، فالأجيال القادمة في
حاجة إلى ذاكرة جديدة ترتكز على فكر الريحاني
وروحه. منذ مطلع شبابه بدأ في حركة إبداعية
فكرية خلاقة، وفتحت جهودُه المجال لحوار بين
الحضارات وحوار بين الشرق والغرب. ولطالما
اعتبر أن الصوفي المشرقي والصناعي الأمريكي
يشكلان قطبي المعادلة الإنسانية. صاحب رؤيا
مستقبلية عمَّقت معنى وحدة الوجود ووحدة
الحسِّ الإنساني. انه أمين الريحاني، الناقد
الاجتماعي والمفكر السياسي، الذي بنى مشروعه
على مستقبل الإنسان المعاصر." وأكد
السفير فريد عبود أن "هذا المؤتمر ينعقد في
وقت يشهد نقاشًا مستمرًّا حول الأمريكيين من
أصل لبناني وعربي ودورهم في الولايات المتحدة.
في هذا الزمن، تحديدًا، يكتسب الريحاني معنى
عالميًّا أوسع. هذا اللبناني المسيحي طال قلب
الجزيرة العربية، مثلما طال قلب الولايات
المتحدة الأمريكية. ارتبطت سيرتُه بعلاقاته
الفكرية مع العرب ومع الغرب. كان طرحه
عمليًّا، بنَّاءً، وسط السِّجال القائم بين
العرب والولايات المتحدة الأمريكية. وفي خضم
هذا السجال، يتخذ هذا المؤتمر أبعادًا فكرية
وسياسية وثقافية بارزة يحملها لبنان عبر أمين
الريحاني إلى العالم". وأشار
جيمس زغبي، رئيس "الجمعية العربية–الأمريكية"،
إلى أن "الحاجة إلى بناء جسر بين قطبي الكرة
الأرضية لم تكن يومًا أهم مما هي عليه اليوم.
وعلى الرغم من الصلات الإنسانية القائمة بين
القطبين، فإننا لا نزال نعاني من جهل واحدنا
للآخر وسوء الفهم الحاصل بين الطرفين. وهو ما
حاول الريحاني أن يتصدى له، جاهدًا لحَمْل
كلٍّ منهما على فهم الآخر. والأسلوب الذي
اعتمده الريحاني هو الأسلوب المتحرر
والمستقل الذي نحتاج إليه اليوم والذي أطلقه
"فيلسوف الفريكة" منذ نيِّف ومئة عام.
وما يُطلَب اليوم من الأمريكيين العرب هو
تمامًا ما فعله الريحاني منذ مطلع القرن
العشرين في هذه البلاد الأمريكية". وألقى
ديفيد خير الله كلمة الشاعر أدونيس (لتغيُّبه
بداعي السفر). وفي كلمته أن "العالم الفكري
والأدبي الذي أسَّس له أمين الريحاني ينهض
على مقدمات وقضايا ثلاث: 1.
المعرفة التكاملية التي
تستند بالضرورة إلى طُرُق التعبير في الثقافة
العربية، خاصة بين الفلسفة والشعر والسياسة.
هكذا اكتسب الإنسان العربي لدى الريحاني معنى
الحداثة. والحداثة لديه تبرز في تعددية
التعبير التي توَّجها في قصيدة النثر. 2.
النظر إلى الحضارة بكونها
حركة ضمن وحدانية الإنسان ككيان واحد، يجمع
العلم والشعر والفن، ويتجاوز بها حدود
العلاقة بين الذات والآخر. 3.
الهوية لدى الريحاني ليست
وراء الإنسان، بل هي أمامه. الهوية لديه
تفتُّح مستمر، يتمثل فيها الكوني، حيث حركية
السَّفَر من الذات إلى الآخر. كأنني الآن أصغي
إلى الريحاني يقول لنا: من ثقافات الناس
جميعًا تنحدر ذاتي الثقافية، ومن الكون أجمع
تتحرك هويتي وتتفتح. هكذا
نحتفل اليوم بأمين الريحاني، لا بكاتب يأتي
من الماضي، بل بمفكر آتٍ إلينا من المستقبل". ثم
ألقى الأمير تركي بن طلال كلمة الافتتاح
نيابة عن والده. ومما قال: "كنت دائمًا من
المعجبين بأمين الريحاني، والعارفين بفضله
ومساهماته المشرقة في إثراء الثقافة العربية
وفي التقريب بينها وبين الثقافات الأخرى.
أعتبر أمين الريحاني، بشخصيته الفريدة
ومساهماته المتنوعة في الأدب والفكر
والسياسة والثقافة، جسرًا حقيقيًّا بين
الشرق والغرب، كما يشير عنوان هذا المؤتمر.
إنه "جسر بين الشرق والغرب": جسر بين
ثقافتين ونقطة التقاء بين حضارتين [...]، جعل
مهمته أن ينير طريق مواطنيه العرب إلى أهمية
الحيوية والتماسُك الفذ الذي وجده في
الولايات المتحدة، وتمنى أن تأخذ به البلدان
العربية. "ليس
الريحاني مجرد أديب أو صحافي أو رحالة، بل هو
فيلسوف حقيقي. لذا ليس غريبًا أن يقول فيه
الفيلسوف المصري زكي نجيب محمود إنه "كان
بالنسبة إلى الأمة العربية مثل طاغور للهند
وإمرسون للولايات المتحدة الأمريكية". "أصر
الريحاني على هويته العربية، مع انفتاحه على
الثقافة الغربية، في استغلال إقامته في
أمريكا وإتقانه اللغة الإنكليزية وانفتاحه
على المجتمع الأمريكي؛ ويشهد على ذلك لقاؤه
الرئيس الأمريكي روزفلت وحديثه معه عن القضية
الفلسطينية، وكذلك دفاعه الدائم عن الحقوق
العربية في الكثير من المؤتمرات الدولية التي
حضرها ممثِّلاً عن المنطقة العربية. "قال
عنه الملك عبد العزيز: "أجد في المصلح
والقومي العظيم، صديقي أمين الريحاني،
اهتمامًا حقيقيًّا بالعرب وبوحدتهم. وأنا
معجب إلى أبعد حدٍّ بأدبه وعلمه ووطنيته
الصادقة." ومن خلال معرفتي بوالدي الملك
عبد العزيز، أستطيع القول إنه لم يكن ليقول
مثل هذا الكلام إلا عن رجل استطاع أن يحتل
مكانةً في قلبه. فهو لم يكن يعطي صداقته
وودَّه إلا لِمَنْ يستحقهما. وفي كتابه
القيِّم ملوك العرب الذي يُعد في حق من
أجمل ما أُبدِعَ في أدب الرحلات في جميع
اللغات، قال الريحاني عن الملك عبد العزيز
القول الذي لم أقرأ ولم أسمع أكثر منه روعة
وعمقًا وفهمًا لشخصيته. "تختلف
الحضارات وتتنوع، ولكنها لا تتصارع مادام
هناك رجالٌ مثل أمين الريحاني يكرسون حياتهم
ويُفنون أعمارَهم ليكونوا جسرًا بين
الثقافات ونقطة التقاء بين الحضارات." واختُتمت
جلسة الافتتاح بشريط مصور عن الريحاني
وعائلته ومتحفه وأقوال مختارة له وعنه
بالإنكليزية. وبعد الافتتاح، دُعِيَ الحضور
إلى زيارة معرض الريحاني الذي ضمَّ صورًا
فوتوغرافية نادرة له ولمخطوطاته ورسائله
باللغتين العربية والإنكليزية. وقد
شاركت في المؤتمر جامعات من مختلف أنحاء
العالم، أبرزها: الجامعة الأمريكية في
واشنطن، جامعة جورجتاون، جامعة ماريلاند،
جامعة إنديانا، جامعة كونِكتِكت، جامعة جورج
واشنطن، جامعة سندرلاند (بريطانيا)، جامعة
سيدني (أستراليا)، معهد الأبحاث العلمية (موسكو).
وشارك من لبنان كل من الجامعة اللبنانية،
وجامعة سيدة اللويزة، والجامعة اللبنانية–الأمريكية. اليوم الأول الظاهرة
اللافتة في مؤتمر الريحاني أنه جمع بين
الأمريكيين والعرب في لقاءات فكرية مكثفة حول
عَلَم لبناني–أمريكي، على مدى يومين
متتاليين. واللافت أيضًا أن هذا اللقاء
المتميز طرح القضايا السياسية والثقافية
والأدبية على حدٍّ سواء، كجزء من الحوار
الدائر حاليًّا حول دور الأمريكيين العرب في
الولايات المتحدة الأمريكية. عُقِدَتْ
الجلسة الأولى تحت عنوان: "العلاقات
العربية الأمريكية"، وافتتحها السفير
ديفيد ماك، رئيس "مؤسَّسة الشرق الأوسط
للأبحاث"، مؤكدًا أهمية الحوار الثقافي
الذي يشغل العرب والأمريكيين في هذا الوقت
تحديدًا، معتبرًا أنه "الحوار نفسه الذي
افتتحه أمين الريحاني منذ مئة عام. ففي الوقت
الذي نحاول فيه أن نتعافى من فكرة "صراع
الحضارات"، يأتي هذا المؤتمر، في شخص أمين
الريحاني، ليؤكد النظرية المضادة، الداعية
إلى التواصل والتكامل بين الشعوب. إن فكرة
اكتناز المعالم الإنسانية المختلفة
والمستقاة من الأمم كافة هي في عمق الفكر
الإنساني الذي دعا إليه الريحاني". إلى
كلمة كلوفيس مقصود، من الجامعة الأمريكية،
الولايات المتحدة. ومما قال: "نجتمع اليوم
لنحتفل بأمين الريحاني، هدية لبنان العظمى
إلى العالم العربي والعالم أجمع. لم يكن
الريحاني جسرًا، بل عابر الجسور التي تربط
الشرق والغرب، بحثًا عن سرِّ الإنسان الأوحد
في كلِّ مكان على الكرة الأرضية. نحتفل اليوم
بالريحاني رائدًا يكتشف للعرب عمق الولايات
المتحدة، ويكشف لهم حقيقة القيم التي نادت
بها أمريكا في زمانه. لكنه اليوم في خيبة أمل،
نظرًا للتناقض الحاصل بين قيم أمريكا
وسياساتها. كيف يمكن لنا اليوم أن نردم هذه
الهوة المتعاظمة؟ وإني أرى أهمية هذا المؤتمر
في كونه ينعقد بعد قمة بيروت وقبل زيارة وليِّ
العهد السعودي للبيت الأبيض. إنه صوت العقل
الذي يحذِّر في هذا المؤتمر من خطف مقررات قمة
بيروت وخطف مبادرة الأمير عبد الله من خلال ما
يحصل في فلسطين اليوم. وعلى الدول العربية
اليوم أن تعيد حضورها في الغرب – وفي أمريكا
بالذات – كما أراد أمين الريحاني. فمنذ مئة
عام، زرع فينا الريحاني بذار العمل لعدم خطف
الحقيقة السياسية وعدم خطف الحقيقة
الإنسانية. وعلينا جميعًا اليوم أن نعمل
بإرادة الريحاني على عدم خطف الحقيقة". وعُرِضَ
بعد الجلسة الأولى شريطٌ وثائقي عن الريحاني
أُعِدَّ خصيصًا للمؤتمر، وفيه صور نادرة لـ"فيلسوف
الفريكة"، مع أقوال مختارة من أعماله
وأقوال مما قيل فيه، من الرئيس الأمريكي
ثيودور روزفلت، إلى الكاتب البريطاني
ليونارد موزلي، إلى أمين عام الأمم المتحدة
كوفي عنان، وسواهم. الجلسة
الثانية من اليوم الأول، حملت عنوان "معنى
الانتماء والعولمة"، وترأسها هشام شرابي،
الذي رَبَطَ بين ضرورة الانتماء والعولمة،
معتبرًا أن "الأول شرط للثانية، وأن
الريحاني وجْه أساسي لحركة النهضة العربية،
والوجه الأبرز لمشروع الشرق والغرب
والعلاقات العربية–الأمريكية". واقترح
شرابي على المؤتمر أن يضم إلى توصياته إصدار
كامل أعمال الريحاني العربية والإنكليزية
وكتابة سيرة تفصيلية للريحاني بالإنكليزية،
على أن تصدر في كتاب يُنشَر في الولايات
المتحدة الأمريكية. تلاه
حليم بركات، من جامعة جورجتاون، الذي رأى أن
"الريحاني ترك تراثًا إنسانيًّا لا يقتصر
على العرب فحسب، بل يمتد إلى أنحاء العالم.
كان الريحاني مستقل الرأي في ثوريته وفي
جرأته النقدية. كان مناهضًا للفكر السياسي
التقليدي. وقد اعتبر أن عبقرية هذا العصر تتجه
نحو القوة المادية المسيطِرة، بعيدًا عن
أحلامنا وأحلام الإنسانية. لكن الريحاني، قبل
أن يكون واقعيًّا، كان عقلانيًّا صادقًا مع
نفسه وصاحب حلم كبير من أجل العرب. حملته
جرأتُه على مواجهة الواقع السياسي في العالم
العربي وفي الولايات المتحدة الأمريكية.
وبدلاً من تبنِّي الحلول التوفيقية السهلة،
نادى بحلول تستوحي الفكر العلائي transcendental
الداعي إلى التعالي الذهني والرؤية الكونية.
ذهبت أحلامُه إلى أبعد من الأنظمة القائمة.
ثار "خالد" على الروح التقليدية في نفوس
شعبه، وخرج إلى العالم صوتًا حرًّا تحرريًّا
من أجل أمَّته ومستقبلها. كان أول مفكر عربي
واجه الصحافة الأمريكية لشرح القضية
الفلسطينية وسائر قضايا العرب. اجتمع في
أوائل الثلاثينات مع وزير الخارجية الأمريكي
ستيمسون لشرح الموقف في فلسطين وضرورة
الاعتراف بالمملكة العربية السعودية.
ويُختصَر حلم الريحاني الكبير بأنه دعا إلى
مقايضة شعر الشرق بطائرات الغرب. بهذه
الروحية، يمكن أن نفهم أمين الريحاني،
المُدافع الأول عن قضايا الإنسان المستضعَف
حول العالم. إنه التحدي المعاصر لمبدأ حوار
الحضارات". ثم
كلمة أليس بارني، من مكتبة الكونغرس. وقد حملت
إشارة إلى أن الريحاني أول كاتب عربي يكتب
بالإنكليزية وينشر في الولايات المتحدة.
واستشهدت بارني بالمفكر الأمريكي روجر ألِن
القائل إن الريحاني ساهم على نحو مشرقيٍّ
فاعل في التراث الأمريكي المعاصر، وإن
كتاباته الإنكليزية تشكل مادة رئيسية بارزة
للدارسين والباحثين حول التراث الفكري في
الغرب. وذكرت بارني أن مكتبة الكونغرس تعتبر
أن تراث الريحاني يشكل حافزًا فكريًّا لجميع
المهتمين بالأثر العربي في الأدب الأمريكي
وأدب الاغتراب في أمريكا في القرن العشرين؛
كما تشكل هذه المادة مرجعًا أوليًّا لسيرة
مفصَّلة لم تُكتَب بعد عن الريحاني باللغة
الإنكليزية. ومن الوثائق الريحانية في مكتبة
الكونغرس ما يشير إلى اتصالاته الأدبية مع
أدباء وشعراء أمريكيين، من أمثال ماكس
إيستمان ومايكل موناهان وجورج ستيرلنغ
وسواهم. وتشير هذه الأوراق إلى توغل الريحاني
في الأوساط الثقافية الأمريكية من الجامعات،
إلى الأندية والجمعيات، إلى الصحافة ودور
النشر وسواها. كان الريحاني رجل عالَميْن:
يبدأ الأول في لبنان ولا ينتهي الآخر في
نيويورك. إلى
كلمة ناجي عويجان، من جامعة سيدة اللويزة،
عاقدًا الصلة بين الريحاني وبايرون. ومن
القواسم المشتركة التي أشار إليها: "الترحال
في سبيل الكشف الحضاري، وتحرير الذات من مجمل
المؤثرات الداخلية والخارجية، والسعي إلى
المعرفة الكونية، هي الخطوط الرئيسية التي
ترسم معالم كلٍّ منهما. من هنا يمكن المقارنة
بين كتاب خالد للريحاني وكتاب رحلة
الفتى هارولد لبايرون على أنهما ترحال روحي
وثقافي في سبيل تحرير الذات الداخلية. وفي هذا
المعنى، يبدو أدب الريحاني بايرونيًّا في
سعيه إلى بناء الذات الكونية من خلال رفض كلِّ
موقف أرثوذكسي أصولي، والانخراط في مسار
القيم الإنسانية العليا." تلتْه
نوار مولوي دياب، من الجامعة اللبنانية–الأمريكية،
فتناول النزعة الكونية في فكر الريحاني،
قائلاً إن "هجرته إلى أمريكا أدت إلى ولادة
كاتب فذ، ترددت أصداؤه في مختلف أنحاء العالم.
هذا الكاتب حمل على عاتقه تبعة الفيلسوف
والمصلح الاجتماعي، وهدفه تحقيق تقارُب روحي
وفكري بين الشرق والغرب وبناء معالم "المدينة
العظمى": مدينة تتسم فيها الفضائل الشرقية
والمزايا الغربية على حدٍّ سواء. وتصور
الريحاني ولادة زعيم قيادي في هذه "المدينة
العظمى" يستطيع إيقاظ العرب من سباتهم
وإحياء مجدهم التليد. وهجرة الريحاني إلى
أمريكا جعلت منه رائدًا لحركة العولمة التي
أطلقها منذ بدايات القرن العشرين. وفي عولمة
الريحاني دور ريادي للعرب ودور حضاري
للإنسانية. مع الريحاني يلتقي الشرق والغرب
على جسر بروكلِن، ليناجيا معًا تمثال الحرية
والسفن المحيطة به ذهابًا وإيابًا حول الكرة
الأرضية". والتأمت
الجلسة الثالثة حول "الرابط بين الريحاني
وكارلايل وإمرسون وتولستوي وموناهان"
برئاسة جون دوك أنطوني، رئيس "المجلس
الوطني للعلاقات الأمريكية–العربية".
ومما قال: "نجتمع اليوم حول عملاق من عمالقة
الفكر والأدب في العالم الذي سلَّط الضوء على
أهمية التواصل بين الشعوب وحضاراتها وقضايا
الإنسانية. وفي الزمن الذي تواجه فيه
الولايات المتحدة مزيدًا من الصعوبات في
التفاهم مع العالم العربي، يبرز الريحاني
كداعية لأهمية التخاطب بلغة صادقة وبلغة
واحدة بين الطرفين. لقد ترك أكثر من ظلٍّ على
المعنى الإنساني للفكر المعاصر". إلى
كلمة جفري ناش، من جامعة سندرلاند، بريطانيا،
مقارنًا بين الريحاني وكارلايل، مشيرًا إلى
أن "الرابط بينهما ثورية وفتوة وحداثة. إذ
يعتبر كارلايل أن أوروبا ستتحول إلى أنظمة
جمهورية، وسوف تنتقل إلى الإلحاد في أقل من
مئة عام. وسط هذه الرؤيا، تبرز رسولية
الريحاني الثوري، الفتى الداعي إلى الحداثة
الأدبية والسياسية. في كتابه الأول، الذي
نحتفل اليوم بمرور مئة عام على صدوره،
وعنوانه نبذة في الثورة الفرنسية، ينشغل
الريحاني بنقد مقترَب كارلايل الساخر من
الثورة. وفي المقابل، يمكن بناء خطٍّ موازٍ
بين كتاب خالد وكتاب سارتر رزارتوس
لكارلايل. ويتحول موقف الريحاني السلبي من
كارلايل إلى موقف إيجابي مع "خالد"، حيث
ينتقد كل منهما الافتقار إلى القيم الروحية
في العديد من الأنظمة السياسية القائمة في
زمانهما. ويتضح من خلال هذا الموقف مشروع
الريحاني الفكري في العشرينات والثلاثينات،
القاضي بإنهاء الأنظمة الاستعمارية وإعطاء
الشعوب المستقلة حقَّ التفاعل الثقافي
والحضاري مع سواها من شعوب الأرض. هكذا يتحول
الريحاني إلى رسول سياسي في العالم العربي،
كما هو رسول فكري وأدبي في الأوساط الثقافية
الغربية". وختم قائلاً: "إنه الزمن الذي
نحتاج فيه إلى روح أمين الريحاني، سواء في
الشرق أو في الغرب." وقارن
ميخائيل روديونوف، من "مركز الأبحاث
العلمية" (سان پيترسبُرغ، روسيا)، بين
تولستوي والريحاني، مشيرًا إلى أن "تأثر
تولستوي بالحركة البهائية في الشرق معادل
لتأثر الريحاني بتلك الحركة، وفي وقت متزامن.
فكلاهما أُعجِبَ بالنزعة التوحيدية في
الروحانية البهائية. وتشير مقارنة أخرى إلى
اهتمام تولستوي، كالريحاني، بالرسول العربي،
وإلى الأثر الروحي في أدب كلٍّ منهما". وقد
توقف عند أسلوب الكاتب الروسي والكاتب
اللبناني، ليجد أن "أسلوب كلٍّ منهما يتسم
بسِمات متشابهة، خاصة لناحية البساطة
التعبيرية وعفوية اللغة وحيويتها. وقد تكون
ترجمة الريحاني لـرباعيات المعري أثارت
اهتمام تولستوي، لا لأثرها الشرقي فحسب، بل
لمحاولة الربط بين العقل والروح في هذا الشعر
الشرقي، الأمر الذي شكل موضع اهتمام كبير لدى
تولستوي". تلاه
مايلز برادبُري، من جامعة ماريلاند، الذي رأى
أن "فهمنا للريحاني يشوبه دائمًا شيءٌ من
النقص، لأننا نحاول فهم زاوية واحدة من
زواياه الفكرية المتعددة الجانب، وقلما
ندرسه لنفهمه ككلٍّ متكامل. وتلك محاولة
لمزيد من الفهم، ولو من زاوية محددة. إن الروح
الكونية التي تميَّز بها الريحاني تبقى مفتاح
فهمنا لحركة الفكر والأدب لديه. أما العلاقة
بين الريحاني ومايكل موناهان، فهي نموذج
للصداقة الفكرية وللتبادل المعرفي والثقافي
بين الرجلين. وتؤكد هذه الصداقة، مرة أخرى، كم
كان الريحاني متوغلاً في الأوساط الأدبية
والفنية والثقافية الأمريكية، وخاصة في
نيويورك، في مطلع القرن العشرين". وختامًا،
تحدث ولتر دونافانت، من جامعة إنديانا،
مناقشًا خصائص المدرسة الاستعلائية Transcendentalism
الأمريكية وانتماء الريحاني إليها.
ومما قال: "يبدو أثرُ الاستعلائية في كتاب
خالد من خلال عودته المتكررة إلى إمرسون
وثورو. ويعكس الكتاب اتجاهين استعلائيين:
الاتجاه المثالي والحركة الاجتماعية الفاعلة.
ويمكن بناء مقارنة بين لجوء "خالد" إلى
الطبيعة ولجوء ثورو إلى غابات وولدن. ومن أبرز
المبادئ العلائية المنتشرة في كتاب خالد
ما هو أدخَل في باب الحدس الأولي، حيث تُكتشَف
المادة من خارج المادة، وحيث يسعى الروح إلى
استعادة الفهم المادي من زاوية الذات
الداخلية. هكذا تبرز قيمةُ الفرد وتتهيأ
أسباب نموِّه وتطوره، بحيث يترك أثرًا لتغيير
الأنا ولتغيير الآخر. وما عُرِفَ به
العلائيون هو رفضهم للنظام الاجتماعي القائم
واعتبارهم الطبيعة مظهرًا ماديًّا لحقيقة
روحانية. ويتحول العلائيون تدريجيًّا من دعاة
القيم إلى محرِّكي القضايا الإنسانية
والاجتماعية والتربوية. وقد تحول الريحاني
كذلك، بنزعته العلائية الصوفية، إلى مؤسِّس
الأدب الرسولي المهجري، ثم إلى قيادي سياسي
يدعو إلى الوحدة العربية. وليس ثمة تناقض بين
الشقِّ الروحاني والشقِّ السياسي لدى
الريحاني؛ فهما مكمِّلان أحدهما للآخر في
المفهوم العلائي". اليوم الثاني استُهِلَّ
اليوم الثاني بالإعلان عن سلسلة مشاريع أدبية
حول الريحاني في الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد ترأست الجلسة الرابعة، التي حملت عنوان
"التسامح والمصالحة في فكر الريحاني"،
السيدة هِلِن سمحان، نائبة رئيس "المؤسَّسة
العربية–الأمريكية". وفي كلمتها: "إذا
كان الريحاني صاحب جادة الرؤيا بين الشرق
والغرب، فهو كذلك صاحب جادة الرؤيا بين الحرب
والسلم، بين التطرف والإصلاح، من أجل الإنسان
والوطن والمجتمع الكوني". إلى كلمة
كريستوفر فاسيلوپولوس، من جامعة كونِكتِكت،
التي استهلها بالقول: "من الصعب الحديث عن
مصالحة سياسية أو فكرية أو ثقافية وسط الصراع
الدموي القائم حاليًّا بين العرب واليهود،
وتحديدًا بين فلسطين وإسرائيل؛ وما يحصل الآن
لا تقع مسؤوليتُه على يهود العالم بقدر ما تقع
على عاتق الدولة الصهيونية. وقد توصل
الريحاني إلى الفصل الدقيق بين اليهودية
الحضارية والدولة العدوانية التي تشكل
المعادلة الجديدة للدولة النازية السابقة.
ويبرز السؤال الجدلي: كيف يوفِّق الريحاني
بين دعوته إلى المصالحة والسلام وبين تحليله
للصراع التاريخي بين العرب واليهود في
فلسطين؟ ويتضح للباحث أن الريحاني في هذه
المسألة يدعو إلى مصالحة تستوعب الآخر ولا
تُقصيه، تعترف بالآخر ولا تسعى إلى إلغائه. من
هنا عدم إيمان الريحاني بجدوى الدولة
الإسرائيلية، الرافضة كلَّ شكل من أشكال
المصالحة والمتبِّعة سياسة الاستقواء على
الآخر، بدلاً من مصافحته ومصالحته. هذا
الموقف المتطرف دفع بالريحاني إلى ردِّ كلِّ
فكرة مطلقة لا تقبل تسامُحًا وتفاهُمًا مع
الفكرة الأخرى." وتحدث
سهيل بشروئي، من جامعة ماريلاند، مركزًا على
مبدأ التواصل بين الأديان في فكر أمين
الريحاني: "وقد استقى من التجربة اللبنانية
ما يعزِّز فكرة النسيج الديني الذي يتداخل
عبر مساحة تاريخية وجغرافية شهدت التلاقي
الإنساني بين الإسلام والمسيحية. كان
الريحاني يؤمن بأن الأديان جميعًا هي معابر
إلهية تصل بنا إلى الحقيقة الكبرى، إلى
الخالق الأعظم." ورأى بشروئي أن "الريحاني
أثنى على روح الفتوة والمبادرة في الأرض
الجديدة، كما حذَّر من تسلط المادة على
مقدرَّاتها؛ مثلما أثنى على القيم الروحية
والأخلاقية عند العرب، لكنه حذَّرهم من روح
التعصب الديني والطائفي القاتل. وتؤكد ديانة
الريحاني وحدة الإيمان بالله الواحد، ووحدة
الأديان ووحدة العوالم. اهتم الريحاني بدفع
العالم العربي إلى احتلال مكانة دولية
مرموقة، مبنية على القيم الإنسانية والروحية
الجامعة بين الشعوب والأمم". إلى
كلمة أمين ألبرت الريحاني، من جامعة سيدة
اللويزة، لبنان. ومما قال: "في زمن الصراعات
الإقليمية والعِرقية الذي تقوى فيه حركاتُ
التطرف، يعلو صوت التسامح والمصالحة ليكتسب
طابعًا إنسانيًّا وثقافيًّا يتقدم على
المصالح السياسية الضيقة. وقد قام الكتَّاب
حول العالم بهذه المهمة بنسبة متفاوتة".
ويقارن الباحث بين أمين الريحاني والمفكر
البريطاني إتش.جي. ويلز وموقفهما من المستقبل
السياسي وتلاقي الشعوب والحضارات، متوقفًا
عند نظرة كلٍّ منهما نحو الآخر، وعند تباين
نظرتهما المستقبلية إلى تحقيق العولمة
المبنية على أسُس العدالة والاشتراكية
والحرية والتطور الثقافي والاقتصادي بين
الشعوب: "كلاهما كتب عن المستقبل السياسي
في العالم، وكلاهما ابتدع شيطانه، متخذًا
لنفسه دور شدِّ المثال إلى أرض الواقع الجريح.
ولئن بدا الريحاني بطلاً من أبطال إتش.جي.
ويلز في كتابه معالم الأشياء الآتية، فإن
ويلز شكَّل مادة أساسية لمقالين من مقالات
الريحاني تناول فيهما "رفيق السفر
والمؤتمر"، في ضرب من المواجهة الفكرية من
كاتب مشرقي يتجه غربًا." ومن
كلمة ناتان فانك، من الجامعة الأمريكية في
الولايات المتحدة، نورِد: "في خضم تجربة
العولمة، نجد أنفسنا في بحث عن حضارة
إنسانية، إنْ لم تكن موحَّدة، فهي قادرة على
قبول الجوانب المختلفة من التجربة الإنسانية
حول العالم. والسبب في ذلك أننا في حاجة أكثر
واحدنا إلى الآخر. ومضى الريحاني إلى أبعد من
فكرة المصالحة مع الذات والآخرين؛ مضى إلى
حدِّ الموقف الوجودي في معنى اللقاء مع الطرف
الآخر، اللقاء مع الرأي الآخر، من طريق قبوله
واستيعابه، من دون التنازل عما يدعو إليه.
عالج الريحاني سيئات الشرق وتمسَّك بفضائله،
كما عالج مساوئ الغرب متمسكًا بمزاياه، ورفض
أن يعيش حياة منقسمة على نفسها. لذا وحَّد
تجربته الشخصية من أجل أن يتوحد الشرق والغرب
في نفسه. هكذا نفهم كيف ينادي بفضائل العرب
والأمريكيين في الآن نفسه. إنها عملية
توحيدية وجودية. فذاته الكونية جزء لا يتجزأ
من ذاته الفردية الذاتية الخاصة. هكذا يتوحد
الكون في نفس الريحاني، ليرفض ثنائية الغرب
والشرق، أو ثنائية المادة والروح، أو ثنائية
العرب والأمريكيين. فما يبدو من باب
الثنائيات في فلسفة الريحاني ليس، في حقيقة
أمره، سوى الوجه الآخر للحقيقة نفسها. فهو
المؤمن بتعددية الشكل لجوهر الحقيقة الواحدة." وتحت
عنوان "المصالحة مع الذات ومع الآخرين"،
عُقِدَتْ الجلسة الخامسة التي ترأسَّها جان
أبي نادر، الأمين العام للـ"مؤسَّسة
العربية–الأمريكية" في واشنطن، وذكر أنه
تعرف إلى كتابات أمين الريحاني للمرة الأولى
يوم قرأ له عمُّه مقتطفات من الريحانيات
– وكان في السادسة عشرة من عمره، في نيوجيرزي
– مشيرًا إلى أهمية نقل الشعلة من جيل إلى جيل. وفي
كلمة عبد العزيز سعيد، من الجامعة الأمريكية،
الولايات المتحدة: "أدرك الريحاني أن الفرد
هو المقياس الرئيسي لمسيرة المصالحة مع الذات
ومع الآخرين. قد يكون الريحاني في هذا المعنى
أول مفكر مستقبلي بيننا؛ إذ رأى باكرًا تطور
الإنسانية نحو العولمة وأهمية التقارب بين
الحضارات، وأن مبدأ الصراع، سواء بين الأفراد
أو الجماعات أو الشعوب، ناتج من الشعور
بالخوف، والخوف ناتج من عدم الثقة بالذات. لذا
يقدم الريحاني مشروعه لبناء الوعي الكوني؛
وجهَّز لهذا الوعي صرحًا من المبادئ
الإنسانية المستقبلية، حيث تتوازى القوة
المادية مع القوة الروحية وتتآخى معها.
فانتصار الآخر ليس بالضرورة انهزام الأنا،
وانتصار الأنا لا يعني بالضرورة انهزام الآخر.
وليس ثمة عوالم مختلفة في فكر الريحاني، بل
هنالك عالم إنساني يتواصل ويتوحد في عملية
تفاعُل تعددي خلاق. هكذا يزوِّدنا الريحاني
بُعدًا جديدًا للوعي الكوني الذي يشكِّل
شرطًا ذهنيًّا وروحيًّا لتقدُّم الإنسان
حيثما وُجِد. خلاصة القول: قد يكون الريحاني
المُواطن العالمي الأول الذي نظر إلى الكرة
الأرضية برمَّتها كأرض له وكموطن." تلاه
تاري دي يونغ، من جامعة سياتل، معتبرًا أن "العلاقة
الشعرية بين الريحاني وولت ويتمان نابعة من
مبدأ التلاقي: إنه التلاقي بين الشرق والغرب،
بين المادة والروح، بين الطبيعة والإنسان،
وبين النثر والشعر. وتشير المقارنة بين مقدمة
وولت ويتمان لمجموعته الشعرية كالطائر
المحلق ومقدمة الريحاني لقصائده هتاف
الأودية إلى أن المفهوم الشعري لدى كلٍّ
منهما نابع من فكرة مصالحة الحياة؛ وتلك
المصالحة تفرض تجاوُز الحواجز أو القواعد أو
الشعائر والطقوس الفنية. إنها تتطلب التواصل
بين هذه العناصر، لأن المصالحة تعني رفض
الخصام، والتنافر بين الأضداد، والاقتتال
بينها. كلا الشاعرين بَحَثَ عن إطار تعبيري
للحالة السِّلمية التي تشتاق إليها نفسُهما.
ولم يقف هذا الإطار الشعري عند حدِّ التعبير،
بل تجاوزه إلى مادة التعبير وموضوعه". ورأى
هنري ملكي، من جامعة سيدة اللويزة، لبنان،
أنه "كُتِبَ على الريحاني أن يواجه
التحديات التي اعترضتْه في الأدب والسياسة
والاجتماع. إن نجاحات الريحاني في تحقيق
طموحاته الأدبية والفكرية والسياسية ساهمت
في توصله إلى سلام روحي وذهني مع نفسه. ثم أخذ
يشن حملات قاسية على الحكومات غير العادلة
والمسيئة إلى مواطنيها وموظفيها على مرِّ
الزمن. ندَّد بالحروب بين الشرق والغرب، كما
ندَّد بالصراع الدموي بين العرب واليهود الذي
أفرزتْه الصهيونية. وذهب الريحاني إلى حدِّ
القول إن السلام العالمي رهنٌ بسلام الأرض
المقدسة. كان الريحاني قياديًّا في الدعوة
إلى السلام العالمي، وقد دعتْه جمعية السياسة
الخارجية في العام 1928 للقيام بسلسلة محاضرات
في جامعة الولايات المتحدة، وكتبت إليه تقول
بعد عام: "واجَهَكَ العديدُ من الصهاينة في
جولة محاضراتك، لكنك كنت قادرًا على مواجهتهم
جميعًا." وبعد عام، كتبت إليزابت مكالم
تقول: "يقوم الريحاني بعمل جريء وحيدًا:
يواجه الصهاينة ويعطي رأيه في المسألة
الفلسطينية، بكلِّ برودة أعصاب وبكلِّ معرفة
واثقة بالنفس." ونتيجة لتلك النشاطات
الفكرية، تلقى الريحاني في العام 1930 دعوةً من
"مجلس السلام العالمي" للانضمام إلى
عضوية المجلس، إلى جانب شخصيات عالمية، أمثال
أينشتاين وفرويد وتوماس مان وغاندي وطاغور
وسواهم. في اختصار، كان الريحاني صاحب رؤيا
قادرة على إيجاد حلول لطبيعة المشكلات
الاجتماعية والسياسية والدينية التي تواجه
الإنسانية حول العالم". وعُقِدَتْ
الجلسة السادسة تحت عنوان "الأثر العربي في
الفكر الأمريكي المعاصر". وقد ترأستْها
الكاتبة كاترين عبد الباقي، وقالت: "بصفتي
كاتبة باللغة الإنكليزية، أود التأكيد هنا
أنني أستوحي في ما أكتب فكرَ الريحاني
وأدبَه، كما أحيي قدرته الفذَّة على التمكن
من العربية والإنكليزية والتأليف بهما في
سهولة بارعة." تلاها
إدمون غريب، من الجامعة الأمريكية، الولايات
المتحدة. ومما جاء في كلمته: "نشرت مجلة العالم
السوري في العام 1930 في نيويورك مقالاً
لفيليپ حتي، ذكر فيه أن الريحاني يعبِّر عن
حقيقة التفاهم الحضاري الذي اختبره الأمين في
تجواله المتواصل بين الشرق والغرب. لكن "خالد"
يعبِّر عن خيبته من قسوة المجتمع المادي
الأمريكي؛ وقد كتب معالجًا هذا الموضوع في
الصحافة الأمريكية والصحافة المهجرية. إن
العديد من كبار الإعلاميين الأمريكيين
اليوم، أمثال باربره وُلترز وطوم فريدمان
وتِد كوبل وسواهم من الفاعلين في الرأي العام
الأمريكي، يقومون بدور إعلامي سياسي–ثقافي،
تمامًا كالدور الذي قام به أمين الريحاني في
الثلث الأول من القرن العشرين. وفي نقده
للصحافة المهجرية، دعا الريحاني إلى وضع حدِّ
للانقسامات الشكلية الضيقة، وإلى العمل على
نشر مقالات أعمق تحليلاً للوضع السياسي
الأمريكي والدولي الراهن آنذاك؛ إذ رأى أن
هدف الصحافة المهجرية أن تقدم المعرفة
الرصينة التي تعطي الصورة الحقة عن واقع
المغتربين في الولايات المتحدة." إلى
كلمة نجمة حجار، من جامعة سيدني، أستراليا.
وفيها: "أعلن الريحاني انتماءه الإنساني
غير مرة، وفي غير موقع في إنتاجه الأدبي. هو
اللبناني، يجد نفسه مواطنًا عربيًّا في خدمة
العالم أجمع. هذه الجدلية الهيغلية تبعدنا عن
كلِّ تبسيط في محاولة فهمنا للريحاني. وقد
يكون هذا التكون الإنساني لديه كامنًا في
أساس اختباره لعاملين متناقضين في الشكل،
متداخلين في الحقيقة الإنسانية الجامعة. تلك
الحقيقة الكونية يعتبرها الريحاني فوق كلِّ
الحقائق. هكذا رآه الغرب؛ ورأى هو في "خالد"
مواطنًا إنسانيًّا يجمع في نفسه طرفي الكرة
الأرضية. وتبقى صفة الكونية ملازمة للريحاني،
حتى في المرحلة العربية التي زار إبانها ملوك
العرب ونادى بالوحدة العربية؛ إذ قال: "أنا
لبناني في خدمة العرب، وعربي في خدمة
الإنسانية جمعاء." وقد دعا إلى عروبة
متمسكة بسلَّم من القيم السياسية والأخلاقية
التي تضع العرب على الخريطة الدولية. وعلى
الرغم من ذلك، لا يزال الريحاني يتطلع إلى
اليوم الذي تزول فيه القوميات، وتبقى
الإنسانية مسألة حضارية واحدة حية." وفي
كلمة هشام ملحم، الإعلامي العربي في واشنطن،
نقرأ: "في هذه الأيام المأسوية، نجد كتابات
أمين الريحاني أكثر معنى وأكثر جدوى من أيِّ
يوم سابق. ومن المفارقات التي أود التوقف
عندها أن الريحاني – وليس أي كاتب آخر – هو
سيد الأدب العربي–الأمريكي ومؤسِّسه. وهو –
دون سواه – أول عربي–أمريكي توغل في تفاصيل
الحياة السياسية والأدبية والفنية الأمريكية.
كانت رحلته الفكرية أهم من رحلاته الجغرافية
والتاريخية. وضع مشروعًا فكريًّا تزداد
أهميته مع الأيام، وهو مشروع التواصل الحضاري
والسياسي بين الشرق والغرب، وتحديدًا بين
البلاد العربية والولايات المتحدة الأمريكية.
اجتمع مع الرئيس ثيودور روزفلت لطرح القضايا
العربية وتعريف الغرب ببلاد العرب. أدرك
باكرًا حقيقة القضية الفلسطينية، التي كتب
فيها في الثلاثينات وكأنه يكتب اليوم. إنه
رسولي التطلع، رسولي الرؤيا – هذا المؤسِّس
الأكبر للوجود العربي–الأمريكي." وقد
تميَّز المؤتمر بمناقشات، حادة حينًا وهادئة
حينًا آخر، حول الموضوعات الأدبية والسياسية
والثقافية التي أثيرت. كما تميَّز بحضور من
بلدان متعددة منها: المكسيك، كندا، السعودية،
تركيا، سوريا، بريطانيا، البحرين، اليمن،
الإكوادور، الولايات المتحدة، ولبنان. و[قد
نُشِرَتْ] بحوث المؤتمر على شبكة الإنترنت،
ابتداءً من أول شهر أيار [2002]، ضمن موقع أمين
الريحاني، وعنوانه: www.ameenrihani.org؛
كما ستُنشَر في كتاب سيصدر عن الجامعة
الأمريكية في واشنطن. مشاريع في الختام ومنح وجوائز وتوصيات أعلنت
اللجنة التنظيمية لمؤتمر الريحاني الدولي عن
ثلاثة مشاريع ثقافية ستطلقها في الولايات
المتحدة الأمريكية خلال السنة الحالية [2002]: 1. جائزة أمين الريحاني التقديرية
الدولية:
أعلن المؤتمر عن تشكيل لجنة وطنية أمريكية،
برعاية "معهد أمين الريحاني" في واشنطن،
لتخصيص جائزة تقديرية دولية باسم أمين
الريحاني. وتقدَّم هذه الجائزة إلى أفراد
يعملون على مدِّ الجسور بين الثقافات
والحضارات – وهي من ضمن الأهداف التي كرس
الريحاني حياته من أجلها. وسوف تُمنَح هذه
الجائزة مرة كلَّ سنتين لأربعة أفراد
ومؤسَّسة واحدة، وسيتم اختيار الأفراد وفق
الفئات والشروط الآتية: أ.
فئة
السياسة:
أن يكون المرشح قياديًّا في العمل من أجل حلِّ
النزاعات الناشئة في مناطق مختلفة من العالم. ب.
فئة
الأدب:
أن يكون المرشح صاحب عمل أدبيٍّ يتميَّز بفهم
المواقف المتباينة حول المسألة الإنسانية
الواحدة. ت.
فئة
الفلسفة:
التفرد بمقترَب فلسفي معيَّن يأخذ في
الاعتبار النظريات المختلفة لمسألة فلسفية
محددة. ث.
فئة
الشباب:
شابة أو شاب قيادي يتميز بانخراطه في
المشاريع الاجتماعية العاملة في ضوء المبادئ
المذكورة أعلاه. وسيتم
اختيار المؤسَّسة الفائزة بالجائزة بناءً
على تاريخ هذه المؤسَّسة في العمل على حلِّ
النزاعات وتعزيز وحدة الصف الإنساني وأولوية
التقارُب بين الشعوب. وسوف تُعلَن جائزة أمين
الريحاني الدولية الأولى في شهر تشرين الثاني
2003. 2. مشروع تمثال الريحاني في واشنطن:
بناءً على اقتراح السيد جورج أفرام، وزير
الصناعة في لبنان [آنذاك]، وبتمويل شخصي منه،
وافق المجلس الاستشاري الدولي لـ"معهد
أمين الريحاني" في واشنطن على تبنِّي مشروع
إقامة تمثال للريحاني في العاصمة الأمريكية،
على أن يتمَّ نحتُه على يدي نحات لبناني.
وترمز فكرة إقامة هذا التمثال إلى تكاتُف
اللبنانيين المقيمين في الولايات المتحدة
والأمريكيين المتحدِّرين من أصل لبناني، أو
من أصل عربي آخر، من أجل تعزيز العلاقات
الأمريكية–العربية والاعتزاز بالريحاني –
هدية لبنان إلى العرب وأمريكا والعالم –
للعمل على مساندة القيم الديموقراطية وحقوق
الإنسان. وقد كُلِّفَ النحات اللبناني پيير
كرم تنفيذ هذا المشروع؛ ومن المتوقع أن يتم
إنجازه في ربيع 2003، على أن يصل إلى الولايات
المتحدة بعد شهر من إتمامه، ويقام احتفال خاص
بالمناسبة. 3. منحة أمين الريحاني السنوية:
أعلنت عائلة أمين الريحاني في الولايات
المتحدة عن تخصيص منحة طلابية سنوية تقدَّم
إلى طالب أمريكي من أصل لبناني، أو من أصل
عربي آخر، يود دخول الجامعة للتخصص في الآداب
أو الفلسفة أو العلوم السياسية. قيمة المنحة: 1.
ألف وخمسمئة دولار أمريكي
سنويًّا، 2.
مجموعة أعمال الريحاني
الإنكليزية. شروط المنحة: 1.
أن
يكون مقبولاً للدخول إلى السنة الجامعية
الأولى Freshman، 2.
أن
يحصل على معدَّل مدرسي لا يقل عن 3،25 من أصل 4، 3.
أن
يكون ناشطًا قياديًّا في العمل الطلابي
الثقافي، 4.
تُقبَل
طلبات الترشيح في الفترة الممتدة من أول
كانون الثاني إلى آخر شهر أيار من كلِّ سنة
للمنحة التي تُعلَن في فصل الشتاء اللاحق
لهذا التاريخ. توصيات المؤتمر بعد
اقتراح اللجنة التنظيمية للمؤتمر وموافقة
الباحثين المشاركين في أعماله، وافق
المؤتمرون على إقرار التوصيات الآتية: يوصي
المؤتمر بنشر أفكار أمين الريحاني وتعاليمه
في الولايات المتحدة الأمريكية، كداعية
لحوار الشرق والغرب ولتوطيد أواصر الصداقة
بين العرب وأمريكا على أسُس العدالة والحرية
والتفاهم المتبادل. ومن أجل تحقيق هذا الهدف
الكبير، يوصي المؤتمر باتخاذ الخطوات الآتية: أ. مركز الدراسات الشرق أوسطية:
أهدافه: 1.
العمل على تعزيز الأبحاث
والدراسات التي تُعالِج مسألة الحوار بين
الشرق والغرب على الصعيدين الثقافي والسياسي. 2.
تنظيم دورة من المحاضرات
والمناظرات تتناول أهمية الحوار الحضاري بين
الشرق والغرب. 3.
الدعوة إلى حوار دائم بين
العرب والأمريكيين يتناول الشؤون السياسية
والاقتصادية والثقافية المشتركة. 4.
تعزيز القيم الاجتماعية
والأخلاقية والإنسانية المشتركة، لا في زمن
الأزمات فحسب، بل في زمن الاستقرار كذلك. ب. نشر أعمال الريحاني:
يوصي المؤتمرون، بعد التعاون مع "مؤسَّسة
أمين الريحاني" وعائلته، بضرورة: 1.
نشر ما تبقى من مخطوطات
الريحاني الإنكليزية، لتغدو متوافرة للقارئ
في أقرب فرصة ممكنة. 2.
نشر رسائل الريحاني
الإنكليزية، كوثائق نموذجية لمفكر متعدد
الثقافة والخبرة الإنسانية بين الشرق والغرب. 3.
نشر الرسائل الموجهة إلى
الريحاني باللغة الإنكليزية، كنموذج حيٍّ
لمدى التواصل الثقافي بين الحضارات. 4.
تشجيع الترجمات الأدبية
لأعمال الريحاني واستكمال الحركة الناشطة
التي انطلقت في العقد الأخير من القرن
العشرين والساعية إلى نقل هذه الأعمال إلى
اللغات الحية، ومنها: الروسية، الإسبانية،
الفرنسية والألمانية. ج. الدراسات الريحانية:
يوصي المؤتمرون بأهمية: 1.
تشجيع أطروحات الدكتوراه عن
الريحاني في الجامعات الأمريكية، خاصة تلك
التي لديها دوائر الدراسات الشرق أوسطية
ودوائر الأدب المقارن. 2.
الإعداد لمشروع بحثي يتناول
الريحاني في الصحافة الأمريكية لوضع ثَبْتٍ
نهائي بكلِّ ما نَشَرَه أو ما نُشِرَ عنه في
المجلات والصحف الصادرة في أمريكا بين 1900 و1940. 3.
تشجيع كتابة سيرة نقدية
مفصلة عن الريحاني بالإنكليزية لنشرها في
الولايات المتحدة الأمريكية. د. تنفيذ المشاريع المعلَنة في
المؤتمر:
يوصي المؤتمرون، أخيرًا، بتشكيل لجنة مشتركة
بين "معهد أمين الريحاني" في الولايات
المتحدة والجامعة الأمريكية في واشنطن
لمتابعة: 1.
تنفيذ المشاريع الثلاثة
التي أعلنها المؤتمر. 2.
بناءً علاقات ثقافية مع
سائر الجامعات ومراكز الأبحاث الأمريكية
لتنظيم المناقشات التي بدأت والدائرة
حاليًّا حول فكر الريحاني وإنتاجه الأدبي. 3.
الدعوة إلى عقد مثل هذا
المؤتمر في صورة دورية لا تقل عن مرة واحدة
كلَّ ثلاث سنوات. وأبرز
حدث إعلامي في ختام مؤتمر الريحاني الدولي
كان المقال الذي نشرتْه صحيفة Washington Post
على أكثر من نصف صفحة، بتوقيع فيليپ كاتِكوت.
وجاء في المقال الذي صدر يوم الاثنين 22 نيسان
[2002]: "في اليوم الذي كان فيه ألوف
الأمريكيين، وبينهم المتحدِّرون من أصل
عربي، يتظاهرون أمام البيت الأبيض احتجاجًا
على السياسة الخارجية الأمريكية، كان بضع
مئات من المثقفين والباحثين، من مختلف أنحاء
العالم، يجتمعون في الجامعة الأمريكية في
واشنطن ليحتفلوا بعَلَمٍ من اللبنانيين
الأمريكيين، أطلق حركة الأدب العربي–الأمريكي.
إن إحياء تراث أمين الريحاني يتم باسم العالم
أجمع. كان الريحاني سابقًا لعصره في الدعوة
إلى حوار الحضارات وأهمية اللقاء بين الشرق
والغرب. وهذا المؤتمر أجمل تعبير عن مدى
الحبِّ الذي يكنُّه اللبنانيون الأمريكيون
وسائر العرب الأمريكيين لعَلَم بات اليوم
زعيم التراث العربي–الأمريكي وجزءًا بارزًا
من التراث الأمريكي المعاصر." *** *** *** عن
النهار، الأربعاء 24 والخميس 25 نيسان 2002
|
|
|