|
الشَّرْق
– ما هذا "الشَّرْق"؟ 1 تقول: بدأنا نعترف. بأخطائنا.
بهزائمنا. بتخلُّفنا. وتقول: مثل هذا الاعتراف
مهمٌّ في حدِّ ذاته. وقد يكون بدايةً
ومُفتَرَقًا. تقول هذا بثقة. أسألكَ، مع ذلك: هل نعترف،
حقًّا؟! وأذكِّركَ: حين اعترف عبد
الناصر بهزيمته في 5 حزيران 1967، "ثارَ"
النَّاسُ عليه، من المحيط إلى الخليج، وكأنهم
يصرخون في وجهه: "أنتَ لا تخطئ!" ألَمْ تكن ترجمة ذلك: من لا
يُخطِئ، كيف يعترف؟ هل نعترف حقًّا حتى
بهزائمنا وكوارثنا في فلسطين، مثلاً؟
بأهوالِ الحروب العربية–العربيَّة، وبالبشر
الذين أُبيدوا فيها؟ (في السُّودان، وحدها،
قُتِلَ حتى الآن مليون ونصف المليون من
أبنائه؟ ولن نذكر الجزائر، أو جارتها
الصَّحراء المغربية؛ ولن نذكر العراق، أو
لبنان، إلخ). هل نعترف، حقًّا؟ وها هو أحدهم لا يعرف من
الخطأ إلا أنَّه "الآخر" (العدو،
الأجنبيُّ، الكافر، إلخ). وها هو أحدهم ينكركَ
قبل أن يعرفكَ – بل دون أن يعرفك! وها هو أحدهم
يستنفِرُ في وجهكَ الظلماتِ كلَّها، منذ أن
تشير إلى الضَّوء الذي يدلُّ على الخطأ. وها هي الحروب إيَّاها –
هذه الحروب التي قَضَتْ على القانون (ما
القانون؟)، والتي داسَتْ جميعَ القيم (ما
القيم؟)، والتي شَرَّعتْ لمختلف أنواع الفساد
والانحطاط (ما الأخلاق؟)، والتي أَرْسَتْ
لغةَ الخَلْطِ بين الجَّلاد والضحيَّة (ما
اللُّغة؟)، والتي فَكَّكت المجتمع، تدميرًا
ونَهْبًا (ما الوحدة؟ ما البناء؟). هذه الحروب كلُّها ليست
موضوع تفكيرٍ – حتى عند الذين سبَّبوها، أو
قاموا بها، أو تحمَّلوا نتائجها. وليس البشر
الذين ماتوا فيها موضعَ تفكيرٍ، هم كذلك –
كأنَّهم حَصى أو هشيم. بل إن هذه الحروبَ
كلَّها تحوَّلتْ إلى صورة – مجرَّد صورة! وأين "الوجه" في هذه
الصُّورة؟ وأين "الدَّم"؟ وأين "الأشلاء"؟ وأين
"الآخرون"؟ وأين "البكاء"، و"الهجرة"،
و"التَّعْويقُ"؟ وأين "الماضي"؟
وأين "الأحداث" و"الوقائع"؟ وأين
"الخراب"؟ وأين "الآثار": جِراحًا
لا تَشْفى، في الجسد والنَّفْس والفكر؟ وأين
"الذَّاكرة"؟ وأين الذين لا يُعْرَف
أينَ هُمُ؟ هذا كلُّه تحوَّل، هو كذلك،
إلى صورة! وكيف حَدَثَ أن الحياة
نفسها – مجرَّد الحياة التي أُعطِيَتْ
للإنسان مرَّةً واحدةً وإلى الأبد، الحياة
التي هي "القدس" الأكبر، – كيف حَدَثَ أن
تكونَ، في حدٍّ ذاتها، هدفًا للقتل؟ وكيف
حَدَثَ أن تُقَطَّع بعض أعضاء الجسم الإنساني
– جسم أحمد أو بطرس، ليلى أو تيريز، وتُوضَع
في أَوانٍ شَفَّافةٍ، لكي يستمتعَ بها
البصرُ، وتطمئن البصيرةُ؟ أو كيف حَدَثَ أن
يُنحَرَ طفلٌ في مهده (الجزائر) بحجَّة إنقاذه
من هذه الدنيا الفاسدة؟! لكن هذا كلَّه تحوَّل، هو
كذلك، إلى صورة! "الصورةُ هي نَظرةُ
العَدَم إلينا." (موريس بلانشو) 2 هل بدأنا نعترف، حقًّا؟ ولماذا، إذًا، لا نفكِّر،
حقًَّا، بما نعترف به؟ ولماذا لا يتخطَّى
اعترافُنا عتبةَ شكله اللُّغويِّ–اللَّفظيِّ؟
فيظلَّ، بسببٍ من ذلك، دون معرفةٍ حقيقيةٍ
تحيط بما اعترفنا به، كاشفةً عن أصوله،
تنقيبًا، ودراسةً، وتحليلاً. بل إنَّنا لا
نكفُّ، في اعترافاتنا، عن إقامة العراقيل في
وجه هذه المعرفة. وهو، إذًا، يظلُّ نوعًا من
"رَفْع العَتَب"! ولا يدخلُ في "خُبْراتِنا"،
في رؤيتنا لحاضرنا ومستقبلنا (إن كان لنا،
أصلاً، مثل هذه الرؤية)، ولا يشكِّل نقطة
انطلاقٍ في الخطط التي نرسمها (إن كانت لدينا،
أصلاً، مثل هذه الخطط). كلُّ اعترافٍ لا يولِّد
معرفةً جديدةً لا يكون إلا شكلاً آخر للهرب من
أنفسنا، ومن المواجهة والمجابهة، ومن العمل
والتَّخطيط. وتظلُّ رؤيتنا لتاريخنا
مثاليَّةً تُلغي معنى الاعتراف، لأنها لا ترى
فيه غير الكمال، حائلةً في ذلك بيننا وبين
الدخول إلى واقِعنا، وإلى معرفته حقًّا، وإلى
معرفة مَنْ نحن حقًّا. إنها الرؤية–الحجاب:
الحجاب الذي لا يزال يدفعنا إلى أن نسوِّغ
أمراضَنا كلَّها، وأشكال تخلُّفنا جميعًا،
مشوِّهًا علاقاتنا بأنفسنا، وبالآخر،
وبالعالم. إنها الرؤية التي تفرض علينا أن
نصرخَ دائمًا، أو نهمسَ، وفقًا للحالة:
إيَّاكَ أن "ترى"، وإياك أن "تقول"!
الأشياء كلُّها، لكي تُنقَشَ في العقول
والقلوب، إعجابًا وفخرًا. وفي كلِّ حال، ليس الوقت وقت
"الرؤية" أو "القول"! وتُنبَشُ الأقلام لكي تكفلَ
الكذبَ. ولكي تَضْمَنَ كلَّ ما هو غيرُ
إنسانيٍّ، وغير عقلانيٍّ. ولكي تمجِّدَ
تسْليعَ الحياة، والاتِّجار – بالمصائر!
وليس "المجتمع" هنا هو الذي "ينحر"
فان غوغ (استئناسًا بآرتو)، بل إنَّ "الفانغوغيين"
هم الذين "ينحرون" مجتمعهم. هكذا، تَحدَّثْ أمامهم عن
"المجزرة"، أمسِ، الآن، هنا، هناكَ، –
المجزرة التي لا تزال دماؤها تَصبغ الأيديَ
والثيابَ، الشوارعَ والطُّرُقَ، البيوتَ
والسَّاحات – وسوف ترى أنَّهم، بدلاً من أن
يُصغوا، ويتعرَّفوا، ويعرفوا (لكي يستعيدوا
الإنسانَ فيهم – الإنسانَ الضَّائع)،
يسنُّون، على العكس، سكاكينهم وخناجرهم،
وينقضُّون عليك من جميع الجهات. هل الحقيقة "وحشيَّة" و"مؤذية"،
هي كذلك، إلى هذا الحدِّ؟ هل "الخير"، إذًا، أن
تعيش في الكذب – انسلالاً وتسرُّبًا؛ أن
تُلغيَ الـ"لا"، أن توحِّد بين الصَّوت
والصَّمت، وألا يَرْشَحَ من شفتَيْكَ، في
أسوأ الحالات، إلا كلمةٌ واحدةٌ، بحروفها
الثلاثة: "نعم"؟ والخير، إذًا، هو أن تُصغي
إلى مَنْ يقولون لكَ، ناصحين: لا تمزِّق
الأقنعة. رتِّبْ كلامكَ بحيث يحتمل أكثر من
مَعنى: مَعنيَيْن، على الأقل. المماحكة، لا المناقشة.
المواربة والمداورة، لا المصارحة والمجابهة.
التغطية، لا الكشف. ونسوِّغ انحطاطَنا، بوصفه
"صغيرًا"، قياسًا إلى انحطاط الآخر "الكبير"؛
وندافع عن جرائمنا، بوصفها "قليلة"،
قياسًا إلى جرائم الآخر، "الكثيرة".
ونغضُّ الطَّرف عن جهلنا، بحجة أنه "محدود"،
قياسًا إلى جهل الآخرين "غير المحدود".
ونمجِّد "قبرَنا"، قياسًا إلى "المقابر"
التي تحيط بنا! ولماذا هذا النُّزوعُ في
الكتابة إلى الفَصْلِ بين "الحَدَث" و"التَّفكير
في الحَدَث"؟ كأنَّما لا يجوز التَّفكير
فيه هو بالذات، بل في "ما حوله"، و"ما
وراءه": التقوُّلات، الإشاعات، الأهواء،
الميول، الخلافات، الغايات، إلخ، إلخ. وكأنَّما ينبغي على الكلمات
أن تكون تغطيةً، لا تَعريةً؛ أن تكونَ
تمويهًا، لا تعبيرًا أو كشفًا؛ أن تُؤخَذَ من
المُعجَم السَّائر بالتقاطٍ عَشْوائي، وأن
يُنْطقَ بها أو تُكتَبَ دونَ أيِّ تأمُّلٍ
فيها – هي بذاتها. هكذا صارت الكلماتُ نفسُها
نقيضًا للدِّقةِ والصِّحة والدَّلالة،
تُفرَشُ "تَصوُّراتُها" الخادعة أمام
البَصَر، فتتطاول و"تتلألأ" كمثل سَراب
الصَّحراء! والكارثة، في شَكْلِها
الأكثرِ استهتارًا بعقل الإنسان، هي أنَّ هذه
"التصوُّرات" مصادر أولى للآراء
والنَّظريات والمواقف السِّياسيَّة
والثقافيَّة والتاريخيَّة. 3 هل نعترف، حقًّا؟ لكنْ، ما هذا "الشرق
العربيُّ"؟ لم يعد إلا "لفظةً"
بالنسبة إلى "مضمونه"، أو إلى ما كانت
هذه "التسمية" تشتمل عليه من معانٍ
ودلالات. لم يَعُدْ، بالأحرى، إلا دلالةً
جغرافية. وفي تحوُّله أو تحويله إلى
دلالة جغرافيَّة، تَهدَّمَ معناه "الحضاريُّ"
أو "الثقافي"، وغُيِّبَ المعنى "السياسيُّ"
للعلاقات بين شعوب هذا الشرق والشعوب الأخرى.
بعبارة ثانية: غُيِّبَ معنى "السِّيادة"،
من جهة، ومعنى "الحوار"، من جهة ثانية –
ذلك أن الحوار لا يكون إلا بين أنداد، بين
أطراف، كلٌّ منها سيِّد نفسه، وسيِّد حاضره،
وسيِّد مصيره؛ ذلك أنَّ التَّبعيَّة هي الآنَ
الرَّايةُ المرفوعةُ في رحاب هذا "الشرق
العربي". وهي تبعيَّة تتجسَّد على
النَّحو الأكمل في المرَض العُضال الذي
يتملَّك هذا الشرق: "مرض السُّلطة". إنه المرض الذي يجعل "أهل
السُّلطة" ينسون، بازدراءٍ واستهتارٍ،
آلاف البشر الذين ماتوا في القرنين الماضيين،
دفاعًا عن الاستقلال، والحريَّات، وحقوق
الإنسان، والعدالة، والكرامة البشريَّة. وهو نفسه الذي يجعلهم ينسون
كذلك، بازدراءٍ واستهتارٍ، الآمالَ
والأحلامَ التي دُمِّرَتْ، والآمالَ
والأحلامَ التي لا تكادُ تنشأ حتى تُدمَّر. إنه المرَضُ الذي يكاد أن
يمحو الفروقات بين الحرية والعبوديَّة، بين
الحَجَرِ والكتاب، بين القلم والسَّيف، وبين
اللُّغة والقَتْل. 4 هل نعترف، حقًّا؟ لكنْ، بأيَّة قوَّةٍ
تستمرُّ ثقافةٌ أو سلطةٌ لا تبرع إلا في صناعة
السَّلاسل؟! وكيف يريد بعضُهم أن
يتعرَّفوا على "سماء" المعنى إذا لم
يتعرَّفوا أولاً على "أرضه"؟ وهل ينهض
"الطغاة" وحدهم؟ أليسوا في حاجة إلى "عبيد"
ينهضون على جثثهم أو على "عقولهم"؟ من
أين يجيء هؤلاء "العبيد" الَّذين
يتواطأون لإقامة النُّظُم الطَّاغية؟ ولولا
هذا "التواطؤ"، أكان هنالك "طغاة"؟!
وكيف نحلِّل هذا "التَّواطؤ" الذي يكاد
أن يُصبح "موضوعيًّا"؟ لا يمكن أن يكون "حاضر"
أيُّ شعبٍ – مختلفًا، جديدًا، وإنسانيًّا –
إلا إذا خرج من "ماضيه"؛ ولا يمكن هذا "الخروج"
إلا إذا كُشِفَ عن هذا الماضي – بقضاياه
كلِّها؛ إلا إذا "فُكِّكَ" تاريخُه –
بعقده كلِّها، ومكبوتاتِه كلِّها. 5 نعترف؟! كلا، لا يعيش "الشرق
العربيُّ" مجرَّدَ حالةٍ من "التأزُّم":
إنه يعيش، بالأحرى، حالةً من "الانحلال". لا يتأزَّم إلا من يمتلك
رؤيةً ومشروعًا، ويغامر دائمًا في التقدُّم
نحو الأفضل. الكوارث، الاجتياحات،
الحروب المتواصلة، المذابح – هذه كلُّها
ليست، في هذا الشرق العربي، علامة أزمة، بقدر
ما هي علامة انهيار. "الينبوع العربي" لم
يعد يسقي أرضه ذاتَها. ولا بُدَّ من أن نبحث في
مسألة "جفافه": كيف، ولماذا؟ كان هذا الينبوع "يروي"
– وهو الآن لا يمنح غير "الظمأ"؛ كان
يجمع – وهو الآن مَلِكٌ على "الفرقة"؛
وكان "يفجِّر" – وهو الآن "يطمس" و"يُعطِّل". الهويَّة نفسها – هويَّة
هذا "الشرق العربي" – تكاد أن تُصبحَ
استيهامًا. هل نعترف، حقًّا؟ لكنْ، هل يقدر "الغرب"
أن يبسط أجنحته على هذا "الشرق" إلا بقدر
ما يفتح هذا الشرق هو نفسه صدره، فسيحًا
ورحبًا، لهذا الغرب؟ هل يقدر أن "يصهره"
إلا بقدر ما هو مستعدٌّ لكي "يذوب"؟ وبفضلٍ كبير من هذا "الشرق"
لم يعدْ هذا "الغرب" مجرَّد "جغرافيا"
تُقابِل "جغرافيا الشرق": أصبح الشرق
العربي جزءًا عضويًّا من جغرافية الغرب؛
وأصبحت ثقافةُ الغرب الدنيوية – تقنية،
ومعارف، وآدابًا – جزءًا عضويًّا من ثقافة
هذا الشرق. فلقد انتهى هذا الشرق بوصفه "حضارةً"
أو "ثقافةً" متميِّزة؛ وهو الآن آخِذٌ في
"الذوبان"، شيئًا فشيئًا، في "المحيط
الغربي". ولا يزال هذا "الشَّرق"
ينفر من كلمة "نهاية" ويرفضها: نهاية "تاريخه"،
ونهاية "فلسفته"، ونهاية "فنِّه".
لكن في هذا "النفي" أو هذا "الرَّفض"
يُغامِر في أن ينكرَ نفسه ذاتَها. وفي هذا
الإنكار لا يقيم إلا عرشًا واحدًا هو عرش
السَّماء – غير أنه شبيهٌ بعرشٍ على الفراغ! ولنتذكَّرْ – إن كانت "الذكرى
تنفع": إنشاء إسرائيل هو الذي أنْهى،
سياسيًّا، المشرق العربي؛ وهيمنة الغرب هي
التي أنهتْه، ثقافيًّا وحضاريًّا. ولنتذكَّر، تبعًا لذلك: لم
يعد الغرب مجرَّد توسُّع وانتشارٍ وهيمنة.
إنه، قبل ذلك، "طاقة" – طاقة خَلاقة: إنه
"الفيروس" الكوني (منبع للعدوى على جميع
المستويات)؛ وهو، في ذلك، "تغريبٌ" يكاد
أن يكون، "موضوعيًّا"، تغريبًا
بالمعنيين: تذويبٌ للشرق في عالمية الغرب،
وفَصْلٌ لهذا الشرق عن ذاته "القديمة". و"الشعاع"
الذي يخترق فضاء المشرق العربي، اليوم، و"يضيئه"،
و"يحرِّك" فضاءه العقليَّ، وفضاءه
العمليَّ، إنما هو "الشعاع الغربي". من زمن طويلٍ، انتهتْ
حَرْبُ الحضارتين العربيَّة والغربيَّة. الجزء الحيُّ من الحضارة
العربيَّة – علمًا وفلسفةً – تمثَّلتْه
الحضارةُ الغربيَّة، وأصبح جزءًا منها، وهو
اليوم داخِلٌ في أسلحتها الهجوميَّة على
تخلُّف هذا الشَّرق. نعترف؟! الخطوة الأولى للتميُّز عن
الغرب – إن كان يهمُّنا هذا التميُّز – هو
نقده حضاريًّا، لا سياسيًّا وحسب. والخطوة
الأولى لهذا النقد هي نقد أنفسنا حضاريًّا.
والخطوة الأولى لنقد أنفسنا هي نقد ماضينا.
والخطوة الأولى لهذا النقد هي نقد فهمنا
للدين ولممارستنا الدينية. والمسألة، إذًا،
هي كيف نبدأ؟ 6 نعترف؟! لا تُدافِعْ. لا تتوقفْ عن
الهجوم! ولئن كانت الذَّاكرة في هذا
الوقت "مثلومةً"، فلا تزال تَعْمُرُه
أجسادٌ "مسنونة". وهي أجسادٌ لا تدفعها
إلى متابعة سيرها بخطوات واثقة غير الآلام
التي تَزِنُ الجبال. وتلك هي آلامنا اليوم. 7 نعترف؟! و"الهوامش"؟ كلُّ ما نسمِّيه بـ"الهوامش"،
ويزهو بها بعضُهم، ليس إلا "أزهارًا"
يُترَك لها أن تنتثرَ على الطريق لكي يمرَّ
الموكب. وأعرف أن النسيان نوعٌ من
الشفاء. والسَّبب الأساس هو أنَّ النسيان
نوعٌ من المرض كذلك. وأعرف أن كثيرين لا يتجرأون
على الجلوس حول مائدتي الكتابيَّة – ذلك
أنَّهم يعرفون أنَّ صحونهم ستكون مليئةً
بنوعٍ من "السمِّ" المعرفيِّ الذي
يستأصِلُ الظَّلام والجهل. *** هامش 1. عمارة –
صدَّام فتاوى محمد عمارة (مجمع
البحوث الإسلاميَّة)، هذه الآونة الأخيرة، في
تحريم التفكير والكتابة والشعر (أحمد
الشهاوي، نصر حامد أبو زيد)، بحجَّة الطَّعن
في "ثوابت العقيدة الإسلاميَّة"، تذكِّر
بـ"فتاوى" "قيادة الثورة العراقية"
المنقرضة وسيِّدها وملهمها الأكبر، صدَّام
حسين، المنقرض بذلٍّ "أكبر"، يُذِلُّ
جميع الذين تعاونوا معه – تلك "الفتاوى"
التي كانت تحرِّم الكلام والتفكير والكتابة،
بحجَّة الطعن في "ثوابت الثورة" كما
أرساها "القائد الأكبر" – وهي: تدميرُ
العقل والإنسان والحياة، وبناء الموت. برافو، محمد عمارة! وأنتم، أيُّها المتعاونون
معه، نرجوكم أن تُصغُوا إلى "كفرنا" الذي
ينبِّهكم، هو كذلك، إلى أن هذا التعاون يضعُ
الإسلام نفسه في زنزانة! * 2. تكفير "البهائية"* أقف – جذريًّا وكليًّا –
ضدَّ مبدأ "التكفير"، وضدَّ من يمارسه –
سواءٌ كان فردًا أو مؤسَّسةً. ذلك أنَّ هذا
المبدأ لا يُلغي الفكر وحده، أو الحريَّة
وحدها، وإنما هو إلغاءٌ للإنسان ذاته. وليس
موقفي هذا دفاعًا عن "البهائية" التي "كُفِّرَتْ"
بقدر ما هو دفاعٌ عن الإسلام الذي كُفِّرتْ
باسمه. والسؤال هو، إذًا: هل في الإسلام،
حقًّا، ما يُلغي الإنسان، حقًّا؟ *** ملحق مصر:
فتوى نهائية للأزهر بتكفير البهائيين القاهرة –
محمد صلاح حَسَمَ الأزهر نهائيًّا
موقفه من البهائية، وانتهى إلى تكفير كلِّ من
يعتنق فكرها. وبعد أسبوع من المداولات
والنقاش بين أعضاء لجنة العقيدة والفلسفة
التابعة لـ"مجمع البحوث الإسلامية" –
وهو أعلى سلطة في الأزهر – أصدرتْ اللجنة
فتوى تتعلق بموقف الإسلام من المعتقدات
البهائية والبابية والقريانية، وأكَّدتْ
تحريم اعتناق أفكارها. وأفادت مصادر مطَّلعة أن
علماء قدَّموا إلى اللجنة أبحاثًا شرعية
تضمَّنتْ رأي الدين في تلك الأفكار. وتضمَّنت
الأبحاثُ آياتٍ من القرآن الكريم والسنَّة
النبوية دعمت الرأي الذي انتهتْ إليه اللجنةُ
بتكفير من يتبنَّاها. وحملت الفتوى توقيع رئيس
اللجنة الدكتور عوض الله حجازي (وهو الرئيس
السابق لجامعة الأزهر)، وأوضحتْ أن كلَّ من
يعتقد بهذه المذاهب الهدَّامة يُعتبَر اعتنق
دينًا آخر غير الإسلام، ويُعَدُّ مرتدًّا عن
الإسلام. وأفادت المصادر أن "مجمع
البحوث الإسلامية" أرسل الفتوى الجديدة
إلى وزارة الخارجية المصرية لإرسالها إلى
المسؤولين في مدغشقر، وذلك ردًّا على سؤالهم
عن موقف الإسلام من جمعية البهائيين هناك
التي تدَّعي أنها تتبع مذهبًا إسلاميًّا
أصيلاً وليس عليها أية مخالفات شرعية. وأشارت
المصادر إلى أن الخارجية المصرية كانت أحالتْ
طلبًا أتاها من مدغشقر حول ذلك الأمر على
الأزهر للحصول على رأيه. واستند المجمع في فتواه إلى
فتاوى سابقة لكبار علماء الأزهر – وعلى رأسهم
الشيخ جاد الحق علي جاد الحق – وفتوى الشيخ
حسنين مخلوف، مفتي الديار المصرية الأسبق،
التي تؤكد أن من يعتنق البهائية "مرتدٌّ عن
الإسلام، وذلك لفساد عقيدته وخروجها على ما
هو معلوم من الدين بالضرورة".
بورتريه
لعبد البهاء، خليفة مؤسِّس المذهب البهائي،
بقلم جبران خليل جبران ووصفت الفتوى الجديدة
البهائية بأنها "مذهب هدَّام"، وأنه "معروف
عنها مساندتها للاستعمار الغربي والصهيونية
العالمية عبر كلِّ العصور، لأنها تعادي مصالح
المسلمين. ويحصل زعماء هذه المذاهب والفِرَقِ
الهدَّامة على دعم غربي بلا حدود، حيث
يمتلكون وسائل للإعلام تبثُّ سمومَها
المعادية للإسلام". ***
*** *** *
الحياة، 14
كانون الأول 2003، العدد 14873، ص 6؛ راجع الملحق.
(المحرِّر) |
|
|