|
منقولات روحيّة
بما أنها كانت
متخفِّية برداء السرِّية منذ بداية ظهورها،
بقيت الرسائل توفر نقاط جدال عديدة ومصدر
خلاف بين كلٍّ من علماء الإسلام والغرب على
حدٍّ سواء كما بقيت مسألة هوية المؤلِّفين
(أو ربما المؤلِّف الواحد)، ومكان وزمان تدوين
أعمالهم ونشرها، وطبيعة هذه الأخوية السرية
ومظهرها الخارجي المتمثل بالـرسائل،
وغيرها من المسائل الثانوية، من دون أجوبة
تاريخية محددة.
المسيحية والبوذية تُبديان عن أوْجُه شَبَهٍ
شديدة من بعض النواحي، بمقدار ما تُبديان عن
أوْجُه اختلاف من نواحٍ أخرى – إلى حدٍّ أتاح
للبعض وصف البوذية بـ"ديانة ملحدة":
تعريف سخيف، لكنْ يفهمه من جعلوا الله فكرة
مُؤنْسَنَة على نحو شبه حصري. وفي الحقيقة،
نجد الألوهة مجسَّدة في البوذا، مثلما نجدها
في شخص المسيح. وهما تبدوان، إحداهما كما
الأخرى، تحت مظهر فوقبشري، بيِّن، مفارق،
إلهي. إنَّ مملكة البوذا، مثلما هي مملكة
المسيح، "ليست من هذا العالم".
وخلافًا لما كان عليه الـأفاتارا الآخرون، لم يكن المسيح ولا البوذا مشرِّعين
ولا محاربين، بل داعيتان جوَّالان. كان
المسيح يختلف إلى "الصيادين"، وكان
البوذا يغشى "الملوك"، وكانا يفعلان ذلك
في بلاد الغربة، ولا يختلطان عضويًّا بحياة
الناس. وتتصف تعاليم كلٍّ منهما بالزهد
والرهبنة والتنسك، وهي، بمعنى ما، غير
اجتماعية asocial –
إلا إذا استثنينا المحبة charité
التي
تبدو هنا تحلُّ محلَّ الشريعة، لكنْ لا يمكن
لها عمليًّا أن تعوِّض عن تشريع بالمعنى
المخصوص للكلمة. بكلمة واحدة، لا تلحظ هاتان
العقيدتان أبدًا هذا العالم الدنيوي، الذي
يمكنه أن يكون سندًا إيجابيًّا للطريق
الروحي، بل تنبذانه باعتباره عقبة في هذا
الطريق. أي أنهما لا تلحظانه من حيث علاقة
رمزيته التي تربط كلَّ شيء، جوهريًّا أو
نوعيًّا أو عموديًّا، بالنموذج الأول
الإلهي، بل حصرًا من حيث علاقة صفته كتجلٍّ
وخلق، وبالتالي صفته اللاإلهية، صفة النقص
والفساد والألم والموت.
|
|
|