الشاعر الإسباني الفائز بالجائزة الوطنية

الشعر ليس سلاحًا لتغيير العالم

أحسن النقد عن شعري كُتِبَ قبل شهرتي!

 

لقاء مع كارلوس مارثال

 

نظَّم اتحاد كتَّاب المغرب ومعهد ثربانتِس بالرباط لقاءً مع الشاعر الإسباني كارلوس مارثال بمناسبة صدور الترجمة العربية لديوانه نفس النار، وذلك ضمن منشورات الاتحاد، بترجمة العربي الحرتي وتوفيق العلج. ومارثال حاصل على الجائزة الوطنية الإسبانية في الشعر، كما نال جائزة النقد الشعري في إسبانيا.

وكارلوس مارثال، الذي يعتبره النقد الأدبي الإسباني من أهم الشعراء المعاصرين، من مواليد مدينة بلنثية سنة 1961. عمل رئيسًا لتحرير المجلة الأدبية كيتس، ونشر العديد من الدواوين، من بينها: المحتفل الأخير (ريناثميينتو، إشبيلية، 1987) وحياة الحدود (ريناثميينتو، إشبيلية، 1999) ومعادن ثقيلة (2001).

 

ينتمي الشاعر إلى تيار شعري ظهر في إسبانيا خلال عقد الثمانينيات، متسمًا بطابع واقعي تجديدي. وكان هذا التيار بمثابة ردِّ فعل إزاء مَلل النوفيثيموس واستنزاف الحسية الشعرية عندهم – وهو اتجاه تطور خلال عقد السبعينيات؛ وكان يقوم على نبذ الواقعية الاجتماعية، واقتراح بدائل شعرية تجريدية.

انتهزنا فرصة وجوده بالمغرب، فأجرينا معه الحوار التالي.*

الطاهر الطويل

***

 

ما هي الإضافة التي يمكن أن تضيفها هاتان الجائزتان إلى تجربتك الشعرية؟

أميِّز بين ما هو شخصي وما هو أدبي: من الناحية الشخصية، تساهم الجوائز في دفع المرء إلى الكتابة بنوع من الارتياح؛ ومن الناحية الأدبية، يمكن أن تشكِّل الجوائز عائقًا، إذا بقي المرء مقيَّدًا بالانبهار بها. ومن ثَمَّ، يجب عليَّ ألا أغترَّ: فلا بدَّ من الاستمرارية والتواضع.

إمكانات اللغة

تقوم تجربتك الشعرية على محاولة الاقتراب من الواقع. ألا يمكن لهذا الاقتراب أن يؤثر على الجانب الإبداعي والتخييلي، أو يؤدي إلى السقوط في اللغة اليومية المعتادة بنوع من التقريرية؟

أعتقد أن الأمر ليس كذلك. الاقتراب من الواقع لا يلغي الجانب الأدبي. وإنما يمكن أن تكون له علاقة بالحالة الداخلية للإنسان والبحث في أعماق الذات. الشعر، كيفما كان نوعه، ينبغي عليه أن يستعمل إمكانات اللغة كلَّها، وليس الاكتفاء بإطار لغوي معيَّن وإلغاء آخر. على الشاعر أن يتعامل مع اللغة ككيان متكامل.

إلى أيِّ حدٍّ نستطيع أن نعرف خصوصية المجتمع الإسباني من خلال قصائدك؟

في فترة معينة، كان هناك اهتمام كبير بالمشاكل الاجتماعية والتعبير عنها إبداعيًّا. أنا، كشاعر، أنتمي إلى تيار يهتم بما هو اجتماعي – ولكن ليس في ارتباطه بالزمن وبما هو ظرفي. أرى أنه ينبغي على الشاعر أن يغضَّ الطرف عما هو ظرفي وعابر وزائل؛ وفي المقابل، عليه أن يطرح أسئلة حول قضايا جوهرية ولامنتهية.

أصبحت مجموعة من التجارب الشعرية العالمية تنحو منحى التجريد. فهل يكن القول إن الشعر أصبح يعيش نوعًا من العزلة عن محيطه؟

هذا الأمر كان موجودًا مع التيارات الطليعية، وليس في التيارات الشعرية كلِّها. تلك التيارات كانت تهتم باللغة من أجل اللغة، وألْغَتْ وجود المتلقِّي أو تناستْه. ولكنني أرى أن الشعر لا يمكن أن يحيا بدون الاهتمام بالمتلقي. فالأساسي هو أن يربط الشاعر جسور تواصل ما بين الشعر والقارئ. من هنا، تعجبني عبارة لشاعر إسباني، عاش في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، اسمه خوان رامون خيمينِث، مفادها أن الشعر مدعوٌّ لأن يتوجَّه إلى الأقلية المطلقة أو العريضة، التي تدخل في حوار ذاتي وكوني مع الكتابة.

الشاعر ليس نبيًّا

هناك من يتحدث عن أن الشعر يعيش حاليًّا نوعًا من التراجع إزاء الزحف الذي تقوم به وسائط الإعلام الحديثة، من فضائيات وإنترنت وغيرهما. فهل تراجعتْ قاعدة القراء؟

هناك تراجع إلى حدٍّ ما. ولكن هذا التراجع نسبي، من حيث كون الشاعر ليس بنبيٍّ يحمل رسالة إلى الناس كافة. فالشاعر يدخل، بنوع من الحميمية، في تواصل مع أشخاص يهتمون دائمًا بالأدب. الشعر لم يكن يومًا منتميًا إلى الأغلبية، وإنما هو ذو صلة بالإحساس الشخصي وبالبحث عن الحميمية. لا أعتبر الشعر سلاحًا لتغيير العالم، وإنما وسيلة تجعل الشخص يعيش الحياة بطريقة أكثر قوة وعنفوانًا. إنه يوقظ في المرء أشياء لا تستطيع أشياء أخرى أن توقظها فيه.

ما هي المرجعيات الكبرى لتجربتك الشعرية؟

هي كثيرة. وفي مثل هذه السن (الأربعين) لا يمكنني أن أقول إن هذا الشاعر أثَّر فيَّ أكثر من الآخر. هناك تيارات شعرية إسبانية أثَّرتْ فيَّ، تبدأ من القرون الوسطى، مثل شعر خورخي مانريكي، ثم في القرن السادس عشر والسابع عشر، مع غارثياثو دو لابيكا وكيبيدو وكونكورا وغيرهم. ويُعتبَر القرن العشرون الفترة الذهبية الثانية للشعر الإسباني بعد الفترة المذكورة. وهناك شعراء كبار من هذه الفترة أثَّروا فيَّ تأثيرًا ملحوظًا.

الترجمة خيانة وإحياء

لنتحدث عن ترجمة الشعر، التي تُعَدُّ هامة للتواصل مع لغات وثقافات أخرى. ولكن، ألا ترى أن الترجمة يمكن أن تُفقِد النصوصَ الشعرية المترجمة خصوصيتَها الإبداعية عند انتقالها من لغة إلى غيرها؟

بدون ترجمة لا يمكن أن يتحقق تراثٌ وتراكُم وتواصُل مع مختلف الثقافات والآداب. صحيح أن الترجمة قد تخون النصَّ الأول، ولكنها يمكن أن تحييه في اللغة الثانية المترجَم إليها. هناك، إذن، عملية خيانة للنصِّ الأول، تليها عملية إحياء. وأنا متأكد من أن حوالى نصف ثقافة أيِّ شاعر ينتمي إلى الترجمة.

وهل من الضروري أن يقوم بالترجمة الأدبية شاعرٌ ليفهم عمق الشعر الذي يترجم منه؟

عملية الترجمة ليست عملية فيلولوجية أو تقنية. المترجم بمثابة كاتب وشاعر؛ إنه لا يترجم اللغة فحسب، بل ينقل أيضًا الحسَّ الشعري الموجود في النصِّ الأول.

بغض النظر عن جائزة النقد الشعري التي حصلتَ عليها، هل تعتبر أن النقد الإسباني أنصَف تجربتك الشعرية؟

عالم النقد مثل عالم الأدب: هناك أصناف متعددة من النقد، من النقد الأكاديمي إلى النقد الانطباعي والصحافي. ويمكنني القول إن أجْوَد الكتابات النقدية عن شعري كُتِبَتْ قبل أن أُشْتَهَر؛ لكن مستواها اختلف بعد شهرتي.

إسبانيا وجيرانها

نعلم أن لإسبانيا علاقة تاريخية مع العرب، مما أتاح تلاقح الثقافات والشعوب. فيمَ يفيد هذا التلاقحُ الإسبانَ؟

المقلق في العملية أن الدولة الإسبانية، بالنظر إلى توجُّهها الإمبراطوري، عاشت دائمًا منغلقة على نفسها، ونسيت التراث الذي يجمعها مع جيرانها، والتقارب والعوامل المشتركة. إسبانيا تشيح بوجهها عن الآخرين؛ والأمر لا يتعلق فقط بالمغرب أو بالبلدان العربية، وإنما يشمل حتى جارتها البرتغال!

كيف تنظر إلى آفاق العلاقة ما بين الثقافتين العربية والإسبانية؟ ماذا يمكن أن يقدم المثقفون المغاربة والإسبان لتجسير العلاقة فيما بينهم؟

الإيجابي في الثقافة هو التفكير الهادئ الذي يستطيع أن يلعب دورًا هامًّا في التواصل ما بين الشعوب. وحاليًّا، نظرًا للمشاكل الموجودة على المستوى الرسمي، يمكن أن تقوم الثقافة بدور إيجابي، لأنها تعطي درسًا ناتجًا عن الهدوء والتواصل.

إذن، هل ترى أن المثقفين أجرأ وأسرع تواصلاً من السياسيين؟

ليست المسألة مسألة سرعة أو جرأة. فالمثقفون أنواع ودرجات: هناك العديد من المثقفين الإسبان يروق لهم التحدث في كلِّ المواضيع – وبعضها لا يعرفونه جيدًا. تأثير المثقف يمكن أن يكون قويًّا إذا تحدث عن أشياء يعرفها معرفة متينة. السيئ، إذن، وجود ما يمكن أن يُسمَّوْا بـ"محترفي الكلام"، الذين يهدِّمون أكثر مما يبنون.

*** *** ***

قابَلَه: الطاهر الطويل

عن القدس العربي، الرباط


* شكر خاص للصديقة الشاعرة جاكلين سلام على تزويدنا بنصِّ اللقاء. (المحرِّر)

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود