|
مَقَامُ
الهِجْرَةِ والوَلَهِ
كامل
صالح*
شغف عالمي متأرجح
بين الدوائر أنحني قليلاً
لأحسَّ وجودي ألتقط
ارتكازًا لهذه
الكرة أحبُّكِ... معنى ضيق لهذا
الفيض الثائر فيَّ أنا... عاجزٌ عن
تلمُّس أيامي معكِ أتقمَّص
أدوارًا في لحظةٍ واحدة... في مكانٍ واحد غير أني أنا هو
من يريد تحسِّسكِ شمَّكِ يريدُ النفاذَ
إلى مسامِكِ لا تفسِّري
شيئًا اقرئي شغفَ
الهذيان مثلي وحلِّقي... الأرضُ حبَّةُ
جمودٍ وأنتِ بذرةُ
روحها الحيَّة صِفي لي عتمةَ
الماء جرحَ الأفقِ
ساعةَ الجنون ثرثرةَ الغيم
في ضفة الصيف لم يكن ثمة
مفاتيحُ بيننا الأبوابُ
مشرَّعةٌ على نهارات لا تُحَدُّ ولغةٌ نخلقها
كلَّ يوم من
سيلان الريح على جسدينا الضوءُ يقتصدُ
الإيحاءَ يفضحُ أسرارَ
الغرفة بوهج الكشف فأنحدرُ من
حجابي لأتنفَّسَ مقامك زيديني صمتًا فالفمُ
معلَّقٌ في حرفٍ والسماءُ
تجرُّ أساورَها كقائد مهزوم افتحي كتبي...
أقلِقي نملَ دفاتري بَعْثِري ما
شئتِ... بَعْثِريني وانثريني في
بساتينِ عطركِ جسدي يولد
ثانية معكِ أنتِ خرافتي
المنسيَّة منذ دهور نواويسُ حضوري
منذ غضب الله الوقت ينهرني
كغنمِ الخطيئة يقتصُّ منِّي
دون ذنب ويعلِّقني على
زمنٍ ليس لي أبحثُك مرة
تلو مرة أهدُرُ حكمتي... وعندما
أصِلُكِ أكون مبلَّلاً بتعبي طهِّريني مما
مضى واملئي حقائبي
بعبق الآتي صورتي تفضحُ
شيخوخة حناني تقصُّني على
عيونٍ تزورني بغتة وتمضي أبقى مع قمحي...
أعجن حكاياتٍ لأطفال لم
يأتوا... ها أنا ذا
بيتُك الراضخ لوطئكِ لصلاةٍ أولى
في سرير طاعنٍ في البياض أحاول... لفَّ
حبال المصائب في سقيفة
صحرائي حضورُكِ عشبٌ نهرٌ... كأسٌ يدلُقُ
الولهَ في جعبة التراب أخاف عليك خوفي على
الشمس أن تحترقَ
بإشراقك فارحمي هذا
الإله من التكوين وغادري إليَّ سقفي يدثِّرك
من النسيان وجسدي شراشف
الذاكرة لا تثوري... اهدئي أنا سيِّدكِ
المسوَّر بفتنتِكِ أحبُّكِ... معنى ضيق لذا... أقعد في
الهجرة أخترع مساحةً...
أرتِّب فيها صوتي وأسمِّيكِ... أسمِّي ما
يفيض مني نحوكِ غربة رغبةٌ تنضحُ
من مداري ألجُ عصورَ
النار لأستحمَّ بشهوةِ
البدايات يباغتني
حضورُكِ افتحُ الوقتَ
على قهوةٍ مُرَّة وجريدة بلا
تاريخ غربتي... مكانٌ يفرضُ
رَمْلَه على الحياة على لغةٍ تسعى
لثورةٍ ما غربةٌ ورحابةٌ لا
يحدُّها حدٌّ... تنحني لعبورِ
الأسوار لا أجسادَ هنا لا ريحَ
تداعبها الضفائر هنا ليلٌ ونهارٌ
لا يلتقيان ... أجهدُ أن
ألملمَكِ من بقايا ذاكرة تتنفَّسُ
بركاتِكِ ... هيِّنٌ الموتُ هيِّنٌ التيهُ
في مفاصل الكثبان بحثًا عن
مغفرةٍ وصلاة ... والله عابرٌ
هنا عابرٌ في كلِّ
مكان أحاولُ
الدوران علَّني أراه ... لا أراه... هل تحسَّسْتِ
روحَ الخوف القلقَ... الرعبَ في
العيون هل لمستِ
ناقةَ الأيام المتلبِّدة على الأيام هل شممتِ
رائحةَ عفن الطموح ما العلاقة
بين الغربة والغراب بين الجوع
والوجع العشق والسفر... أخالكِ صاعدةً
في الفرح في أرضٍ خلف
الأرض تنسجين
أحلامًا بلا عتمة وها أنا... أدمِّرُ صورةَ
النوم بالأرق ... وأخافُ
الأحلام لا تلومي
صلافتي معكِ انسلَّتِ
الحضارةُ مني وسكنتْني
البداوة أيُّ جرح هذا أيَّةُ غابة
لا شجرَ فيها أيُّ بحر لا
يحملُ الشوق... يحملني إليكِ حفرةٌ بلا قاع أسقطُ أسقط... والصوتُ بلا
حبال صلِّي لي علَّ العابر
هنا ينظرُني لم يعد عندي خميرٌ للكلام حروفي
يَبِسَتْ وحُضني كَلَّ
الانتظار أيتها السماء ما أقسى
إيماني... ما أشدَّ
سكنكِ فيَّ ... وأنا الخارج
من الجنَّةِ إلى الرمل لأحمي نزولي
على سلالم العمر من الجوع
والبرد ... "الغربةُ
عبادةُ أصنام؛ فهجرةُ
الأوطان لمالٍ... وثنية ولخوفٍ... ضعف
إيمان" قالها العارف
ومشى لأتلوَّى
كالملسوع بلا دواء ... والحمَّى
تتوالدُ مني تستوطنُني
ترابًا وزرعًا وإنسانا أهربُ أهرب... أفضُّ أختامَ
الوَلَهِ عساني أحضركِ أرفعُ عبيرَكِ
بخورًا وأتعطَّرُ
بمغفرتكِ ... غربةٌ تسيحُ من روحي من عشب جلدي ورغبةٌ تتسلَّل إلى
عتباتكِ تتركني
مقتولاً وحيدًا تنهشني
الصحراء غنِّي لي ربما ينقطع
هذا النزيف ربما يتوقف اندلاقُ
موتي ربما... موت لا سماء
نلتُها لا أرض وقعتُ
عليها معلَّقٌ
بأهداب الحيرة أقضمُ ما
تيسَّر من الدعاء لا ريح عندي لا صيف لا ماء... أمنحُكِ دفءَ
أساطيري لتحطِّبيها في خريف
يزمِّلني بالاحتمالات فائضٌ
بالأسئلة بأجوبة لا
معنى لها وأثرثر... كأني
لم أنطق يومًا وأصمت... كأنني
صخرة حُبلى ألمس طيفَكِ ألعقُ رائحةَ
قلقكِ أدنو منك...
لأحصي حبَّات نومي ... وأنتِ خلف ستار خلف ستار خلف ألف جسد هل أعرفكِ هل قرأتُكِ
حقًا مع بَلَلِ أيامي البيتُ غيمة قفلٌ تحرسُه
تعويذة فرعونية ولا أسرار يومي الجميل هل ثمة عقاب
لهذا الناضح مني هل قدري أن
أبقى حبرًا وورقا أن أهرق صمتي
في لقاءٍ أخير... لمَ تقصقصين
سطوري فيكِ بردان...
ضمِّيني جسدي شيخوخة
الانتظار وأيامي نادرةٌ
معكِ قودي سَمَكي
في حوض وَلَهِكِ قلِّمي
بربريَّتي علِّميني ألف
باء الوَجْد دعكِ من
قرارات الغبار وحجِّي إليَّ صلِّي
لمقدَّساتِكِ فيَّ أنكسر... فأسقي ترابي
بندى يدكِ أخرجيني من
مفازة الانتحار صوتي مروحةٌ
معطَّلة جلدي بوقُ
غزوات تاهَ منِّي
السلام ترمَّدتُ... كعينٍ في
المنام كلغةٍ بلا
كلام ... الحبُّ معنى
ضيق ... أفرِّغ
شراييني أتملَّى
أشرعتكِ الموغلة في القضاء والقدر وأخطُّ جفافي
في بيتٍ بلا زوَّار بلا مساحة
للحنين وأنوحُ أنوح... لأحضِّر
شهادتي في رائحة موتكِ السَّعي أسعى بين نبذ
وهجرة ألهثُ... وراء رمق
الآتي كعجوز يتملَّى الأيام فمي يَبَابٌ والجسد مطحنة
هواء أدمدمُ اسمكِ بين جبلين
يدنوان لدفني وأقول: أنا
مفتاح وهذا
المدى كتابٌ من حَجَر ... ليت
الفتى... جواب تعثَّرتُ هنا والماء لم
يتفجَّر تحت خدِّي غصتُ في
الدعاء لكن الصدى... ليت الصدى عاد... نفيتِني من
رضاكِ وتسرَّبَ مني
الصفاءُ والمروءة وهِمتُ كنبيٍّ ينوءُ بعطش
أمِّه وقهرِ السؤال لغتي انسلَّتْ
من أصابع قروحي ألف... لام... ميم... وخررتُ عاجزًا
عن الغفران "لا تلتفت"...
قلتِ لي ونظرتُكِ من
ذاكراتي الملح ُينهمرُ
منِّي وعنقي
يتحسَّسُ حدَّ الجنون جبلان... والسماءُ
مناديل شوك الجفاف لا
ينتهي لا يتوقف نزيف
الرحيل كيف يسمح
ربُّكِ... بجعلي كبش
فداء ثمَّ يطردني من
نعمتكِ إلى الامتحان أيَّةُ بركة
هذه يقتلُ الأبُ
ابنَه... بالصحراء تعبتُ... لأحضر
شغفكِ وها أنا
أتربَّع على انهياري كنبع في قرية
منسية ... الحبُّ معنى
ضيق... ... ومقامي في
أرضكِ هجرةٌ أيضًا حقيبةٌ ضائعة
بين الأرض والسماء بتُّ مخمورًا
بأحاجيكِ أفكُّ واحدة فتفرِّخ عمرًا
من الدوران لست حرًّا
لأنهي قصتكِ فيَّ أنا مجرَّد
ولهان يبحث عن حلمه لينام... علَّه ينام اخرجي من
حدودي غادري رؤاي... دعيني... أفرشُ
حبِّي لكِ بساطًا وأطيرُ إلى
السكينة وأرتاح جبلان من شغفي يموتان في
غربة سعيي وأنا أتعوَّذ من
سحركِ المدفون في مراتب جلدي بعض النفس بعض الحياة وأنتهي من
وميض حبركِ في ورقي و... في شراييني... *** *** *** صيف
2002
* شاعر لبناني، له في الشعر: أحزان مرئية،
شوارع داخل الجسد، وكنَّاس الكلام،
وفي الرواية: جنون الحكاية. يُعِدُّ
حاليًّا أطروحة دكتوراه تحت عنوان: فاعلية
الرمز الديني المقدس في الشعر العربي
الحديث.
|
|
|