6 مزامير

و20 خاطرة

 

أميرة سلامة

 

مزامير

 

مزمور 1*

 

لكَ أيُّها الشِّعرُ وجهيَ ماءْ

فثبِّتْ فيه عربتَكَ

هذا المساءْ!

 

الشِّعرُ نسرٌ جائعٌ ولحمُ الرُّوحِ سماءْ

أبدًا لا يتوهُ كأنَّه يعرفُ الدُّروبَ، الحواريَ، والطُّرقاتِ المؤديةَ إلى طاحونةِ

الفضاءْ!

الشِّعر نملٌ يفترشُ أذرعَ القشِّ، المشمشَ، التِّينَ، الزَّيتَ، والعسلَ، جذوعَ الشَّجرِ

والفُتاتْ!

الشِّعرُ ليس طعامًا، لكنِّي أتلذَّذُ بدسمه!

الشِّعر فلاَّح يُقرضُني كلَّ ما في كفِّه

فهل أفيه – أنا الأرضُ المتسوِّلةُ – حقَّه؟!

الشِّعرُ سكِّينٌ، تقطِّعُ أوتارَ قلبي، فكيف أقطِّعه؟!

الشِّعرُ ريحٌ تبعثرُ نَشَازاتِ صوتي – كما التِّبن!

الشِّعرُ عشٌّ يجمِّعُ بحنوٍّ بيوضَ الأحلام!

الشِّعرُ فارسٌ يترجَّلُ من عربتِه المثبَّتةِ على المياهِ

يتماهى حينًا مع الرِّمالِ

حينًا مع الجبالِ

أرجوكم افسحوا له الطَّريقَ

لا تقزِّموا أمامَه الأبواب!

هو ذا يدعوكم إلى الطَّوافِ بمذبحِه

فهل ترفعون إلى محرابِه المقدِّسِ الأقلام؟

الشِّعرُ صوتٌ صارخٌ في برِّيةِ العروشِ وخزائنِ الأموال!

الشِّعرُ سهامٌ تنشبُ لهيبَها في صدورِ الأوراقِ

الشِّعرُ حنينٌ يسكبُ حبرَه على جسمِ البياضِ

الشِّعرُ خريفٌ عاشقٌ يعرِّي أشجارَ الذَّاتِ

يكسوها قفزاتِ شموسٍ ملوَّنةً وترنيمات!

 

لكَ أيُّها الشِّعرُ وجهي ماءْ

فثبِّتْ فيه عربتَك

هذا المساءْ!

12/12/2002

***

 

مزمور 2

 

اقبلْني اليومَ أيُّها الشِّعرُ!

ثقيلةٌ يدُكَ على كتفي

غضبًا ووحدةً تملؤني

جفاؤكَ أمسى مستديمًا

وتوقي لوصالِكَ

داءٌ عضالٌ ليس منه شفاء

أيُّها الشِّعرُ!

أتكونُ لي غيمةً خادعةً

في رحمِها لا ينهضُ

برقٌ... رعدٌ... وأمطار؟!

أيُّها الشِّعرُ!

أتكونُ لي جنَّةً

لا تقربُها النَّاس؟!

 

اقبلْني اليومَ

فأكتبَ بيدكَ

بفمكَ أنطقُ

وتصيرَ قصائدي

كواكبَ من نحاسٍ

في وجهِ هذي الصَّفحات.

***

 

مزمور 3

أنبتي خشبي

 

لا تكسري بيدي غصنَ اللَّوز!

وعلى البئرِ لا تقصفي

حُلُمَ البكرة!

 

بعطفٍ إليَّ التفتي

تحنَّني واقتربي منِّي أكثر

فأنا لكِ يا رياحَ الشِّعرِ

وعليكِ ألقيتُ القرعة

أنبتي خشبي

دعيهِ يعبِّر أكثر

من مئزرِكِ اغرفي

زخِّاتِ زَهْرٍ، عصافيرَ، ضوءًا، وعتمة

اجعليه مدنًا آهلةً

ترتادُها بلا خوفٍ

نملةٌ

وكرسيًّا يرتاحُ عليه

بعد اللَّهو

جندبٌ أسمر

أو مسرحًا غنائيًّا

يعتليه صرصار

ورفيقُه زيزُ الحصاد

نحلٌ وفراشٌ أشقر

وربَّما... ربَّما

كلبةٌ بيضاء

بل قطَّةٌ سوداء

تحفُّ به الظَّهرَ!

 

لا تكسري في يدي غصنَ اللوز!

وعلى البئرِ لا تقصفي

حلمَ البكرة!

***

 

مزمور 4

من أجل بنِّ الشِّعر

 

من أجلِ بنِّ الشِّعرِ

تغادرُ بنتُ الغيمِ بيتَ أبيها

شريدةً

على ظهرِ غزالٍ ‏من نيسان‏‏َ

تحت قوائمِه تتفتَّحُ

أفواهُ الرياحينِ

وتشقُّ عن وجوهِها الحُجُبَ

شقائقُ النُّعمانِ

وعلى عودِ الشَّجرِ

تقسِّم تراتيلَها بنتُ الرِّياحِ

تنقرُ دفوفَ الصُّبحِ

تنفخُ مزاميرَ المساءْ

 

من أجلِ بنِّ الشعرِ

تدوِّر بالعتمِ

بنتُ الأرضِ خصرَها

كراقصةٍ غجريةٍ

تلويه إلى الوراءْ

وقمرٌ فضِّيٌّ

يسترُ عريَ سُرَّتِها

يلفُّ جسمَها الرَّطيبَ

بأقمشةِ السَّماءْ

 

من أجلِ بنِّ الشِّعر

تهيِّئ بنتُ الضَّوءِ الفطورَ

فتسكبُ من إبريقِ الشَّمسِ شايًا

في أكوابٍ من سهولٍ، جبالٍ، ووديان!

***

 

مزمور 5

لا تزجرْ محبرتي أيُّها الشِّعر

 

لا تزجرْ محبرتي

فتنضبُ أنهارُ الأفكار

وفي كفِّي تذبلُ لوتسُ القلمِ

تذوي فروعُ الوريقات

لا تولمْها للنَّارِ

فهي ليستْ عوسجًا متشابكًا

أو عشبًا يابسًا

بل أجنحةٌ شاعرةٌ

قرمزيَّةُ اللونِ

تتوقُ إلى إيفاءِ نذورِها

لأزقَّةِ وساحاتِ الهواء

 

لا تزجرْ محبرتي

فتُسقِطَ قصرَ قصيدتي

وتسوقَ إلى السَّبيِ مليكةَ الكلمات.

***

 

مزمور 6

لا تستردِّي معولكِ منِّي!

 

يا ربَّة الشِّعر!

حصادُ الشِّعرِ وافرٌ

وقليلون... قليلون الشُّعراء

لا تستردِّي معولَكِ منِّي

فتمسي حقولي

محمومةً

طريحةَ الفراش

أرسليني الآن إلى الحصادِ

أقيمي عندي

معزَّزةً مكرَّمةً

حتى تقومَ حقولي

حنطةً

تحملُ سريرَها وتمشي

على ترابِ الصَّفحات!

***

 

خواطر

 

(1)

ها قلمي

أمام عيوني

يكسرُ خبزَهُ

على مائدةِ الصَّفحات!

 

(2)

الشِّعر...

عينُه عينُ صيَّادٍ

تقتنصُ من جبلِ الحزنِ

من تلِّ الوجعِ

من شقوقِ صخرِ الرُّوحِ

طرائدَ صوري وأشعاري.

 

(3)

ريحُ الشِّعرِ تثورُ

مثل إعصارٍ حيٍّ

في وجهِ الشَّاعرِ

تدخلُ في عينيه

تنتزعُ من فوق رأسِه

خيمتَه

من أرضِه تُخرِجُه

لا ترتدُّ عنه حتى تتمِّم

ما نَوَتْ في سرِّها

من أفعال!

 

(4)

لو أنَّ الشِّعرَ خاتمٌ

لما نزعتُه أبدًا من يدي

لو أنَّه غابةٌ

لأقمتُ فيها أعشاشَ أفكاري

لكنَّه بلا سابقِ إنذارٍ

يتقمَّصُ قفرًا

لا تسكنُه كلماتي!

 

(5)

رَحِمُ القلبِ قبرٌ

يُقتَلُ فيه الفكرُ

ليحبلَ أبدًا بمولودِ الحدس!

 

(6)

وَحْي شاعر!

 

يبني...

فينهارُ بيتُ القصيد!

... لأنَّه بغيرِ حقٍّ

يعلِّي ويفسِّحُ غرفَ الأوهام

على ظهورِ الصَّفحاتِ يحمِّلها

دونَ أجرةٍ

أو دعامات

فاتحًا له نوافذَ زجاجيَّةً

مطلُّها الوحيدُ على إيحاءاتِه

 

هو الشِّعرُ مطرقةٌ

يتحطَّمُ تحتها بيتُ القصيدِ والشاعرُ

فيستويانِ مع التُّراب!

 

(7)

من ماءِ قلعةِ الرُّوحِ

مدَّ الحدسُ ذراعَه القويةَ

خارجَ أسوارِ العقلِ

يستردُّ ما سُرِقَ عنوةً

من مدينةِ القلبِ

محرِّرًا نيرانًا

محبوسةً داخلَ العظام.

 

بغتة

اشتعلتْ ريشةُ القلمِ

تأكلُ في غيرِ رحمةٍ

نخبةَ الصَّفحات!

 

(8)

مثل حَكَمٍ

صفَّرتِ الرِّيحُ بابتهاجْ

معلنةً بدءَ مباراةٍ

بين الأمواجْ!

 

(9)

لا لم يكنْ في الليلِ أحدْ

لكنِّي سمعتُ للصَّمتِ صوتًا

شبيهًا بزئيرِ أسدْ!

 

(10)

في الحرب

كأنِّي لمحتُ للكلامِ عنقًا

يمتدُّ تحتَ نِيرِ الصِّمت!

 

(11)

الحربُ... عابرٌ

يجيءُ بفأسٍ

محطِّبًا غابةَ اللحظة!

والحبُّ... خمرةٌ أبديَّة

لا تبقى همساتُها في دَنِّ القلبِ

تزيدُ ولا تنقصُ

كلَّما أُفرِغتْ إلى آنيةِ الحاضرِ

من آنيةِ الأمس!

 

(12)

عجبًا!

ما لإبريقِ الشِّعرِ يتجنَّبُ

كؤوسَ أصابعي؟!

 

(13)

في حضورِها

ينقضُّ العاشقُ

على قطافِ اللحظة.

 

في غيابِها

يدوسُ عنبَ المسافاتِ

فتفيضُ مَعاصِرُ نفسِه

قصيدةً تلوَ القصيدة!

 

(14)

رامٍ فطنٌ هو الشِّعرُ

قوسُه أبدًا مشدودةٌ

مثل قوسِ كيوبيدَ

ينصبُ صبايا الخيالِ

هدفًا لسهامِه

فتعلقُ هي وما تشعرُ

أنَّها غَدَتْ ولائمَ الشُّعراء!

 

(15)

بفمِه

ينحني الهواءُ على التُّرابِ

آمِلاً في تقبيلِ وردة!

 

(16)

حينها...

كان القمرُ يتعرَّى

فسَتَرَتْه بعريِها

غيمة!

 

(17)

يقطعُ الشَّاعرُ

حبلَ سُرَّةِ أفكارِه

فتولدُ الكلمة!

 

(18)

كيف أمشِّط كلماتي

وما يزالُ أقرعَ

رأسُ صفحاتي؟!

 

(19)

الكذبُ... صخرةٌ

تحت التُّرابِ

تختبئ...

والصِّدقُ عاصفةٌ

تجرفُ ما فوقَها

تعرِّيه!

 

(20)

في الجدارِ ثغرةٌ

لو يقفُ عليها شاعر!

*** *** ***


* مستوحى من المزمور 24: 38.

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود