نشيدٌ على الحافة

 

جاكلين سلام

كندا

 

آهٍ، خذوا مني الحياة لأحتملها، ومن القلب هذا الإلهي!

هلدرلن*

 

-1-

استَوطَنَ على كاهلي

فاجَأني الحزنُ

انبجسَ لكأنَّه فرَّ من حمأةِ مغاورِه

قلبي كمشةٌ تماثلُ قلوبكم

بكيتُ ولا غرابة، كلُّكم تبكون وتشيحون...

 

يقطِّرُني الدمعُ امرأةً مبتلةً بالأسفار.

 

-2-

مسكنُ الرُّوحِ ينفرطُ، ولم تُخمِدْني الشَّهقة

ساعةُ الجدارِ حياديةٌ، أين يسري المصير!

البارحةُ وترٌ في قيثارةِ الماضي، أتسرَّبُ ابتهالاتٍ

يمتصُّني الوجدُ، ولا أذكرُ

كيف كفكفتُ غِراسَ الرُّوحِ عن التَّداعي!

 

لم تكنْ فأفأتي يانعةً لأصقُلَ القلبَ في سَمْتِ القصيدة

لا لم أبكِ كما يجبُ

كنتُ أرصِّعُ دمعتي قرطًا لنورسةٍ قد تعبرُ

بكى الياسمينُ على حِجري، انفرطَ العقدُ والعطرُ والدمعُ.

 

-3-

الـ"ج" وحيدةٌ تبحثُ عن باقي اسمي، تبعثرت

نقاطًا في فراغٍ متداخلِ الفصول

الـ"ج" منحنيةًٌ على أوائلِها وحتى منتصفِ الرؤيا

النُّقطةُ في رحمِها عينُ ماءٍ

الـ"ج" كنغرٌ في جعبتِه وليدٌ، على بعضِه ينحني.

 

أنحني قِبالةَ سربٍ من الأسرارِ

وليدٌ يهدهدُ قلقي

عسيرةٌ أطوارُ الولاداتِ في المحبرة.

 

-4-

لم يغمزْني الوقتُ بشعاعِ انبعاثٍ!

رقمٌ أنا في صيرورةٍ متعثِّرة

أتكثَّفُ، أتكرَّرُ... أندلقُ عليَّ – ولا من كفٍّ –

وأندملُ، مذ ولدتُ في غَبَشٍ

لا شكَّ، بكيتُ مغلَّفةً بلحاءِ الرَّحِم

ضربتْني الدَّايةُ على مؤخِّرتي لأبكي أكثر

بسملتِ الدَّايةُ، مسَّحتْني بطيِّبِ الدعوات

بسملتْ، تطردُ وجهَ عشتارَ الآخرَ

بسملتْ لترعاني الملائكة...

 

لم أصبحْ ملاكًا وليستْ سمرتي سببًا!

 

-5-

تموتُ الدَّايةُ أيضًا!

لا أعرفُ إن ماتتْ حقًا، أفترضُ

ساهمةً حدَّ التكهُّن، يُعيلني الحلمُ

أحاذي سماءَ الغموضِ، وتلك الرُّقعةَ ما بين النَّهرين – دجلة والفرات.

 

آهٍ، كم الطينُ معتلٌّ ولا من شعلة!

وإنَّا – أبناءَ الكونِ – انحرفنا، انحرفنا عن حكمةِ الحب!

 

-6-

أتراها أيضًا بكتْ أسرارَها أسفارًا؟

الدَّاية زومي** حروفُ اسمها انحناءاتٌ: ز و م ي

 

انحنيتُ على ظلٍّ

التقطتُ من نهرِ الذَّاكرة وشاحًا مطرَّزًا بالتَّمائم

مسحتُ عن بيتِ القلبِ بقايا جحيمٍ.

 

-7-

– زومي – إرثُ سومريَّةٍ،

وما سمعتِ البغيُّ المقدَّسةُ وعشتار، عشبة الخلود والأفعى، وهل حقًّا:

روَّضَتْه البغي، منحَتْه الحبَّ، علَّمتْه أن يأكلَ الخبزَ، يشربَ الخمرَ، لأنَّها عادةُ أهل البلاد...

وصار أنكيدو بشرًا؟!

خُلِقَ غريمًا لجلجامش، صارَ صديقَ جلجامش وصارَ بشرًا!

روَّضَتْه امرأةٌ، بالبهاءِ ضَمَّخَتْه.

 

غالى سيِّدُ المختبرِ الحضاريِّ في تجبُّره

بلا رحمةٍ خَزَقوا رحمَ الأوزون

تلوَّثْنا بأمطارٍ حامضية

تلوَّثْنا!

 

-8-

مسحتُ أقدامَ الليلِ بملحِ الدمعِ، أخافُ أن يتفسَّخَ

الليلُ انفجارًا عظيمًا آخر

وربِّي ورحمُ الكون... لا يعرفُ أنه طويلٌ كثيفٌ أسودُ

يخيفُ الأطفالَ وليس شبحًا

هل يعتريكم مثلي!

 

مريعٌ نحَرُ آياتِ الجمالِ،

وأنَّ الأرضَ – أينما يمَّمتَ شطركَ – مغرورقةٌ...

 

-9-

ليلٌ آخرُ يحرثُنا فنعودُ بشرًا

بشرًا يبكون

بشرًا في دورةِ الخصبِ المقدَّس

بشرًا ينحنون على ضجيجِ أعماقِهم ويحتضنون

إن لم يكن أحدًا... فحلمًا، فرغبةً في حلم

فدوائرَ قمريَّةً... أساورَ شمس.

 

نتكوَّر في النَّومِ، موتًا مؤقَّتًا

بويضةُ الحبِّ تدَّخرُ قلقَ الاحتمالات

أنعودُ إلى عذريةِ الأشياءِ أم نقطعُ الحبلَ السُّري بفأسٍ؟

 

سقطنا

في سوءاتِ...

من كان منكم يحملُ جينةَ البراءةِ الأولى،

فليحفظْها درَّةً، لا يخبرُ عنها أحدًا!

 

-10-

"الظلمةُ الأبديَّةُ لا رجعة منها"***

ليستِ الدمعةُ أبديةً

ولا استعطافكم

ولا ياقوتًا

وإنْ لم يُقدَّرْ أن أكونَ الدَّايةَ،

فلا الرغبة أن أصبح النَّادبة!

 

تعالوا أحبَّتي

والموجُ والشُّعلةُ والهواءُ والتُّراب

أم أنا على حافةٍ

مبَعثِرةً بيادرَ صوتي

طقوسُ الكلامِ – احتمالٌ – نبوءةٌ لبزوغِ غدٍ...

 

مُرتجٌّ نشيدي والمكان

لا عشبة على سفرتي

وإنما، أعدُكم

بهالاتِ فرحٍ مُعتَّقٍ

حزمةِ أنهارٍ ملوَّنة

قواربَ ورقيَّةٍ

وحقيبةَ نجوم.

*** *** ***

شتاء كندا، 2002


* من قصيدة "المغني الأعمى".

** زومي: اسم الداية الحقيقي.

*** "الظلمة الأبدية لا رجعة منها" من ملحمة جلجامش؛ وترد بعض رموز الملحمة أيضا في النص.

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود