|
بيتر
بروك يعتزل
كيف
أَشرَكَ مصريًّا وإسرائيليًّا وبريطانيًّا
في
كتابة نص عن العدوان الثلاثي
أحمد
عثمان
بيتر بروك ظاهرة فنية فريدة. كانت لديه الجرأة
ألا يغيِّر طبيعة العرض الدرامي وحسب، بل
وشكل المسرح الحديث كذلك، عن طريق إلغاء
الحاجز الوهمي الذي يفصل بين الممثلين
والجمهور. وعندما وصل إلى قمة النجاح وصارت
الجماهير تنتظر أيَّ جديد يقدمه، فاجأ بروك
العالم باعتزاله الإخراجَ الدرامي في
المسارح العامة، وبدأ مشروعًا طويل الأمد من
البحث عن أصول المسرح وطبيعة العلاقة بين
الممثل والجمهور – كالراهب الذي يبتغي
الوصول إلى قاع الحسِّ الإنساني وإدراك غير
المحسوس، وكالعالِم الذي لا يملُّ من إجراء
التجارب لتحقيق سحر جديد. عندما وصلتُ إلى لندن سنة 1965 كانت
بريطانيا تشهد فترة من الإبداع الفنيِّ في
مجالات الموسيقى والمسرح لم تشهدها منذ وليم
شكسبير والعصر الإليزابثي. فعندما وصل حزب
العمال إلى الحكم في أعقاب الحرب العالمية
الثانية أنشأ نظامًا عامًّا للتعليم سمح
لأبناء الطبقات العاملة، للمرة الأولى،
بتلقِّي التعليم مجانًا، حتى في الجامعة.
وأدى تعليم أبناء الفقراء إلى ظهور طبقة
جديدة من المثقفين والفنانين الشعبيين
أثْرتْ الحياة الثقافية عن طريق تقديم نماذج
فنية جديدة والتعبير عن رؤية حضارية مختلفة
عما كان سائدًا في عصر "الإمبراطورية التي
لا تغيب عنها الشمس". في تلك الفترة، بعد ثورة البيتلز
("الخنافس")، ظهر العديد من الفرق
الغنائية الشعبية، كما ظهر عدد كبير من
كتَّاب المسرح الذين خرجوا من الطبقة
العاملة، في أعقاب جون أوزبورن ومسرحيته
الشهيرة انظر إلى الوراء في غضب. حرصتُ، إذن، على مشاهدة الأعمال
التي أخْرَجَها بيتر بروك منذ وصولي إلى لندن
وحتى مغادرته هو لها بعد ذلك بأربعة أعوام (وهو
يعيش حاليًّا في باريس). كنت ألقاه بعد العرض،
أناقشه في محتواه. وكان البحث عن الدراما
المصرية القديمة من أهم الأسباب التي جعلتْني
أغادر القاهرة إلى لندن منذ 38 عامًا مضت. فقد
بدأتُ حياتي الأدبية في الستينيات بالكتابة
للمسرح، وكتبت خمس مسرحيات – وإن لم تُعرَض
منها سوى واحدة، هي بيت الفنانين التي
قدَّمها المسرح الحديث في العام 1964. وعندما وصلتُ إلى العاصمة
البريطانية تمكَّنتُ، عن طريق "المجلس
البريطاني"، من الانضمام إلى تدريب
للممثلين والكتاب المسرحيين كان يتم في
استديو مسرح الرويال كورت الذي قدَّم غالبية
الكُتَّاب الجُدُد. وإبان عملي في الاستديو
كتبتُ مسرحية من فصل واحد باسم ثقب في
السماء، قدَّمَها اثنان من زملائي
الممثلين لمدة أسبوعين في "المسرح الصغير"،
مما أتاح لي فرصةَ لقاء عدد كبير من كتاب
المسرح البريطانيين وبعض المخرجين، من بينهم
بيتر بروك. ولد بيتر بروك في لندن سنة 1925 من
أبوين روسيين هاجرا إلى فرنسا أولاً؛ ثم
استقر بهما المقام في العاصمة البريطانية في
أعقاب الحرب العالمية الأولى. وعلى الرغم من
أنه يهودي الأبوين، فقد انخرط في النظام
التعليمي العام، حيث كانت المسيحية هي
الديانة الوحيدة التي تُدرَّس في تلك الفترة.
لم يكن بيتر في صباه مهتمًّا بالقضايا
الدينية أو العنصرية، بل كان مشغولاً
بالتساؤلات ذات الطبيعة الروحية وبمحاولة
الوصول إلى إجابات عن القضايا الفلسفية
الجوهرية. وبينما كان أبوه عالمًا
فيزيائيًّا تمكَّن من اختراع نظام خاص
للتليفون يمكِّن الجنود من الاتصال في جبهة
القتال في أثناء الحرب العالمية الأولى،
نالتْ أمُّه درجة الدكتوراه في العلوم
الكيميائية، إذ توصَّلتْ إلى تركيب ترياق
لمفعول الغازات السامة. ظهور
المخرج المسرحي
لم تظهر وظيفة المخرج المسرحي إلا
في العصر الحديث، في القرن التاسع عشر؛ وهي
تشبه، إلى حدٍّ كبير، الدور الذي يلعبه قائد
الأوركسترا الموسيقية في الأعمال
السيمفونية، في متابعة العرض الدرامي
والتوفيق بين الممثلين في أدائهم. ففي القديم
كان واحد من الممثلين المخضرمين يقوم بتوجيه
زملائه في العمل المسرحي، بينما يشترك هو
معهم في الأداء. إلا أنه، مع تطور
التكنولوجيا، وخاصة بعد ظهور الإضاءة
الكهربائية في المسرح، إلى جانب استخدام
المناظر التي يمكن التحكم فيها ميكانيكيًّا
والخدع المسرحية، صار الأمر يتطلب وجود شخص
متفرغ لأعمال الإخراج المسرحي. ولم يظهر
المخرج، كقوة مسيطرة على العمل الدرامي، إلا
في آخر القرن التاسع عشر، بعد حوالى مائتي عام
من عصر شكسبير. وكان الألمان هم أول من
عيَّنوا مخرجًا متفرِّغًا للإشراف على عمل
الفرقة المسرحية، ثم تلاهم الإنكليز. وفي القرن العشرين صارت مهمة
المخرج متعددة الجوانب. فإلى جانب مسؤوليته
عن أسلوب التمثيل (وليس عن أداء الممثلين
أنفسهم)، فهو الذي يتولى تأويل النص المسرحي،
ويشرح للممثلين طبيعة دور كل منهم؛ وهو الذي
يختار شكل الديكور والأزياء ونوع الإضاءة،
إلى جانب الموسيقى والتأثيرات الصوتية في بعض
الأعمال. كانت هواية بيتر بروك منذ صباه
تتعلق بالسينما؛ فأراد دراسة التصوير
الفوتوغرافي حتى يتمكَّن من العمل كمخرج
سينمائي. لكن أباه أرسله إلى أوكسفورد، حيث
درس اللغات الفرنسية والروسية والألمانية.
وفي الجامعة كان اهتمام بيتر بجمعية الفيلم
التي أنشأها يستأثر بوقته كلِّه، مما جعله في
خلاف مستمر مع أساتذته. وقد نفَّذ بعض الأعمال
السينمائية في تلك المرحلة. وعندما بدأ إخراج الأعمال
المسرحية لم يكن بروك يعرف شيئًا عن فن
التمثيل أو الكتابة المسرحية؛ كما لم تكن
لديه رؤية ذهنية لهدف يريد تحقيقه على خشبة
المسرح. كلُّ ما شغل باله في تلك الفترة هو
استخدام حركة الممثلين داخل إطار محدد من
الديكور والإضاءة، وحسب إيقاع موسيقي يختاره
هو، لتقديم تناسق فنِّي أكثر إثارة من أحداث
الحياة اليومية للمتفرجين. لم يكن يهمه النص
الأدبي، كما لم يحاول تعليم الممثلين طريقة
أداء أدوارهم، فاكتفى، في أعماله الأولى،
باستخدام الأشكال والحركة والانفعال لرسم
صور متحركة داخل إطار خشبة المسرح، تمامًا
كما لو كان يقدِّم عملاً مصورًا على شاشة
السينما. ولما كانت بداية بروك في الإخراج
المسرحي في أوبرا كوفنت غاردن مع الراقصين
والمغنين والموسيقيين، ظل الدافع وراء
اختيارات بروك في المسرح الدرامي بعد ذلك
جماليًّا، تلقائيًّا، ينبع من شعور داخلي
يعتمد على اللاوعي ولا يتم عن طريق التصميم
والتحديد الإرادي. وبعكس أسلوب المخرج
الألماني الشهير برتولد بريخت الذي يحدِّد
كلَّ حركة أو إيماءة يقوم بها الممثل، اعتمد
بروك على تلقائية الممثلين في التعبير عن
الشخصيات الدرامية، واكتفى هو بتنظيم الإطار
العام للحركة فوق خشبة المسرح. الدراما
في مصر القديمة
توطدت علاقتي ببروك عندما قدَّم
مسرحية أوديب ملكًا الإغريقية، مستخدمًا
الطقوس الدرامية القديمة التي أخذها الإغريق
عن المصريين. ولما كان يحاول تخطِّي مظاهر
المسرح الإليزابثي والرجوع إلى الجذور
الأولى للدراما، حاولتُ إقناعه بدراسة
المسرح المصري القديم وإعادة تقديم دراما
أوزيريس. لكن المشكلة أن مؤرِّخي المسرح
يستبعدون الدراما المصرية، باعتبارها تمثل
طقوسًا لعبادة الآلهة، وليس عرضًا لشخصيات
إنسانية. والاعتقاد الشائع يقول بأن المسرح
الدرامي من نتاج الثقافة الغربية منذ مولده:
فقد ظهر للمرة الأولى في احتفالات ديونيسوس،
إله الخمر والخصوبة في بلاد الإغريق؛ ومنها
انتشر إلى باقي أرجاء العالم. وعلى الرغم من
أن كتَّاب الإغريق الكلاسيين الذين زاروا مصر
في العصور القديمة، مثل الرحَّالة هيرودوتس،
أوْرَدوا في كتاباتهم تفاصيل ما شاهدوه
بأنفسهم من العروض المسرحية فيها فإن أساتذة
الدراسات الكلاسية يصرُّون على أن هذه العروض
لم تكن تمثل مسرحًا دراميًّا، بل مثلت طقوسًا
للعبادة الدينية. ولو نظرنا في غالبية المراجع
الخاصة بتاريخ المسرح العالمي، أو في أية
موسوعة أكاديمية، لا نجد أيَّ ذكر للمسرح
المصري القديم، وإن كنا نجد دراسات وافية عن
بعض المسارح الشرقية الأخرى، مثل المسرح
الياباني والمسرح الهندي. والسبب في هذا يرجع
إلى أنه بينما احتفظ اليابانيون والهنود
بتقاليدهم الدرامية القديمة حيةً في عروضهم
المسرحية حتى عصرنا الحاضر فإن الدراما
المصرية اختفت تمامًا من الوجود ولم يعد أحد
حتى يذكر عنها شيئًا. ولهذا فعندما بدأ المسرح
المصري المعاصر منذ حوالى 150 عامًا، حاول
المخرجون والكتَّاب محاكاة المسرح الأوروبي
الحديث في إنتاجهم – وخاصة المسرحين الفرنسي
والإنكليزي. الدراما
والعبادة
كانت الدراما المسرحية التي ظهرت
في بلاد الإغريق من أهم المظاهر الحضارية
التي عرفتْها البشرية التي تعيش بيننا حتى
الآن. فقد أصبح المسرح الإغريقي هو النموذج
المؤسِّس الذي تطورت عنه الدراما، عند
الرومان أولاً، ومنهم انتقلت إلى الحضارات
الغربية بشكل عام. ووصلت الدراما الأثينية
إلى أوجها إبان القرن الخامس ق م. وأول ما ظهر
المسرح بشكل متكامل في أثينا كان خلال
المسابقات الدرامية آنذاك. وعلى الرغم من أن ما أظهرتْه معاول
الأثريين من بقايا أثرية، سواء في بلدان
المنطقة العربية أو في بلاد الإغريق، تؤكد
وجود عروض مسرحية في مصر القديمة، سابقة
بمئات السنين على ظهور الدراما الأثينية، إلا
أن رجال الآداب الكلاسية لا يزالون يرفضون
الاعتراف بوجود مسرح مصري قديم. فهم يقولون
بأن هذه العروض المسرحية التي كانت تقدم في
إدفو، بين أسوان والأقصر في الصعيد، أو في
أبيدوس التي تقع على بعد 50 كم جنوب سوهاج، أو
في بوصيرص، وسط الدلتا، كانت كلها تمثل
طقوسًا للعبادة، وليس أعمالاً درامية. ورفض
الباحثون الغربيون اعتبار المسرح الدرامي
تطورًا طبيعيًّا عن الطقوس التي أخذها
الإغريق عن حضارة الشرقيين. وكانت حجتهم
الأساسية في ذلك أن ما ظهر من عروض في بلاد
الشرق قبل الإغريق كانت له طبيعة دينية؛
ولهذا فهم لا يعتبرونه من بين الفنون. فالفن
عندهم يجب أن يكون دنيويًّا، لا علاقة له
بالدين. يقول شلدون شيني في كتابه المسرح:
ثلاثة آلاف عام، الصادر في لندن ونيويورك
عام 1953: كان أوزيريس المعبود المصري
الرئيسي. والملك الأسطوري المقدس هو الشخصية
الرئيسية لمسرحية دينية بها عناصر تشبه بوضوح
تلك [المسرحيات الدينية] التي لا تزال تُعرَض
في القرن العشرين. وفي وثيقة يُقدَّر أنها
ترجع إلى 2000 سنة ق م لدينا ملخص وصفي للاحتفال
والدراما كما كانت تنفَّذ آنذاك. وكان الهدف [من
تقديم تلك الدراما] هو بالضبط نفس الهدف [من
تقديم] المسرحيات الدينية الشهيرة عن أوبر
أميرغو وتيرولين [وهي مسرحيات دينية لا زالت
تُقدَّم في أوروبا حتى اليوم]... في أنها
جميعًا خدمت أو تخدم في إبقاء [قصة] معاناة
وانتصار معبود [معين] حية بجلاء في ذاكرة
المؤمنين. (ص 24) أي أن المتفرجين والممثِّلين
جميعًا لم يكونوا يشاركون في العرض المسرحي
لسبب ترفيهي أو تثقيفي أو احتفالي؛ وإنما
كانت أدوارُهم جزءًا من طقوس العبادة،
يؤدُّونها كنوع من أنواع الحج أو الصلاة.
ويضرب شلدون مثلاً الطقوسَ التي تتم سنويًّا
في مدينة النجف بالعراق، عندما يأتي إليها
الآلاف من الحجاج الشيعة للاشتراك في طقوس
تمثِّل مقتل الإمام الحسين، كمظهر من مظاهر
العبادة وليس لسبب درامي. أما الخلفية التاريخية لظهور
المسرحية المصرية فهي تشير إلى أن مولدها كان
في معبد أوزيريس، وأن أحداثها كانت تقوم حول
مقتله وعودته إلى الحياة. والذي لا شك فيه أن
عبادة أوزيريس كانت أهم العبادات التي عرفها
المصريون القدماء؛ إذ إنها تتعلق بفكرة وجود
عنصر روحي غير مرئي، إلى جانب العنصر
الجسماني، في طبيعة الوجود الإنساني. وهذه
الفكرة كانت خاصة من خواص الاعتقادات المصرية
القديمة، لم يعرفها أيٌّ من الشعوب قبلهم. ومن
خلال قصة أوزيريس ظهر التعبيرُ الديني
واللاهوتي لاعتقاد المصريين بوجود عالم روحي
أبدي. كما كانت هذه القصة كذلك هي الجوهر
الرئيسي لتعبيراتهم الفنية والأدبية. ليست المسرحيات الواقعية
التي قام الكهنة بتمثيلها والتي عُرِضَتْ في
مهرجانات التتويج بمسرحيات درامية حقيقية،
على الرغم أن الكتابة الهيروغليفية على حوائط
المعبد توحي [بوجود] بعض الحوار والتمثيل. وقد
ذكر هيرودوتس في العام 449 ق م مسرحيتين
دينيتين [كانتا] موجودتين [في عصره]، ولاحظ
تأثيرهما على العبادات الإغريقية [ذات
الطبيعة] السرَّانية، مثل عبادة أورفيوس.
وعلى هذا، فعلى الرغم من العثور على نصوص
مسرحية مصرية قديمة، وعلى الرغم من اعتراف
الباحثين الآن بوجود عروض مسرحية في مصر،
سابقة على ظهور الدراما الإغريقية، إلا أنهم،
في غالبيتهم، يصمِّمون على أن هذه الدراما
كانت تمثل مسرحية دينية، وليست مثل دراما
الإغريق. أي أنها كانت تُقدَّم بقصد العبادة،
وليس كشكل من أشكال النشاط الفني والاجتماعي
لمصر الفرعونية. الحاجز
الوهمي
تغير الوضع عندما أدرك بروك ضرورة
كسر الحاجز الوهمي القائم بين جمهور
المتفرجين وجماعة الممثلين، عن طريق إقامة
العرض المسرحي في نفس المكان الذي يجلس فيه
المشاهدون، وليس في مكان منفصل. اعتقد بروك أن
على المسرح أن يتحرر من الأقنعة الطبيعية أو
الكلاسية، حيث يرى المسرح بمثابة خيال قادر
على تقديم الحلم واللاوعي. يتكون بناء
المسرح في العصر الحديث من جزأين مختلفين –
الخشبة والكواليس – حيث يقوم الممثلون بأداء
أدوارهم، وقاعة المشاهدين في الصالة
والأدوار العليا؛ وبينما يقدم الممثلون
عرضهم، يتلقى الجمهور ما يشاهده ويسمعه من
دون لقاء أو مشاركة بين الجانبين. أراد بروك
كسر هذا الحاجز الوهمي، بأن يجمع كلاً من
الممثلين والجمهور في مكان واحد، بل ويشجع
مشاركة المشاهدين في أداء العمل الدرامي.
فمنذ أن أدرك بيتر بروك أن تركيبة المبنى الذي
يقدِّم فيه الأعمال الدرامية تقف عقبة في
سبيل التفاعل الذي يريد الوصول إليه بين
الممثل والمشاهد، قرر المخرج، بعد وصوله إلى
قمة النجاح عالميًّا، العودة إلى المعمل
وإجراء التجارب، للتعرف إلى ما يمكن عمله
لكسر الحاجز الوهمي بين الطرفين. العدوان
الثلاثي
دعاني بيتر بروك سنة 1969 إلى
الاشتراك، بصفة متفرج، في آخر عمل قدمه في "المسرح
المستدير"، واقترح تقديم مسرحية سياسية عن
العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956، بحيث يشترك
ثلاثة كُتَّاب للدراما في العمل، بريطاني
وإسرائيلي ومصري. كانت الفكرة أن يقوم كلُّ
كاتب باختيار الشخصيات والمواقف التي تعبِّر
عن وجهة نظره، فيقدم نصَّه بحيث يصبح الصراع
بين شخصيات الدراما صراعًا بين الكُتَّاب
كذلك. وطلب مني بروك أن أشترك أنا بصفتي
ممثلاً للرأي المصري في الصراع. بالطبع كانت
هذه فرصة العمر، بالنسبة لشاب مصري في بداية
الثلاثينيات، أن يشترك في عمل درامي مع عملاق
المسرح في العالم كلِّه. وكانت هذه فرصة
لتقديم وجهة نظر مصرية في مواجهة وجهتَيْ
النظر البريطانية والإسرائيلية بخصوص
العدوان الثلاثي على مصر. وكانت أول تجربة قام
بها بروك لتقديم مسرح سياسي هي US التي لها، في اللغة الإنكليزية، دلالتان:
"الولايات المتحدة" و"نحن"! تناقش المسرحية (التي اشترك في
كتابة نصِّها عدة كتاب دراميين) قضية الحرب
التي كانت دائرة في فييتنام والمجازر البشرية
التي تجري يوميًّا على أرضها. وبعكس الكاتب
والمخرج الألماني الشهير برتولد بريخت، لم
يحاول بروك تقديم رؤية سياسية محددة في
مسرحيته؛ واكتفى بتقديم عناصر الصراع
المختلفة تاركًا للجمهور الوصول إلى النتائج
التي يراها.* *** *** *** نشرت (مختصرة)
في مجلة الكتب، وجهات نظر القاهرية *
بيتر
بروك، الأعمال الكاملة، بترجمة فاروق
عبد القادر، دار الهلال.
|
|
|