|
ماهية
الوعي الصوفي
يوسف
سامي اليوسف
ممَّا هو عسير بعض الشيء أن يتمكن
المرء من إقامة حاجز يفصل بين الشعور الصوفي
والمبدأ الصوفي، ولاسيما على نحو حاسم من
شأنه أن يجعل هذين الشيئين متمايزين في
الصميم وإلى حدٍّ بعيد. فمما لا ريب فيه أن
للصوفية مبدأً، أو عقيدة، أو ما يشبه أن يكون
عقيدة، يملك المرء أن يميِّزها عن بقية
المعتقدات، حتى الدينية منها. بيد
أن لباب هذه العقيدة، أو تاجها، هو الشعور
الصوفي نفسه؛ وهو ما أراه ماهية الوعي الصوفي
وجوهر محتواه. فإذا ما تأمل المرء في مقولات
أهل التصوف وَجَدَ أن معظمها مقولات شعور
أكثر مما هي مقولات ذهن أو عقل. ومن هنا جاء
الفراق بين التصوف والتفلسف. يقول الغزالي:
"وظهر لي أن أخصَّ خواصهم ما لا
يمكن
الوصول إليه بالتعلم، بل بالذوق والحال وتبدل
الصفات."[1] ولعل
مقولتَيْ "الذوق" و"الحال" هاتين –
وهما مقولتان شعوريتان – أن تكونا من أبرز
المقولات التي تحدد الشخصية الصوفية
ومحتوياتها الوجدانية. ولقد عرَّفوا الحال
بأنه "معنى يَرِدُ على القلب من غير تعمُّد"[2].
أما الذوق فقد عرَّفه ابن عربي في المجلد
الثاني من الفتوحات المكية بأنه "أول
مبادئ التجلِّي، وهو حال يفجأ العبد في قلبه؛
فإن أقام نَفَسَيْن فصاعدًا كان شُربًا"[3]. ولقد
أجاد أبو العلا عفيفي حين رأى في التصوف
فاعلية تقوم بها "حاسة متعالية كونية"[4]،
وأن "التصوف، كالفنِّ، لا وجود له بغير
العاطفة الجامحة"[5]. ولعل الأدقَّ أن يقال بأن
التصوف نتاج لغريزة أصلية في الإنسان يمكن لك
أن تسميها "غريزة الحقيقة"، بل غريزة
الولع بالمجهول، أو غريزة الحنين إلى
النائيات والأعالي. وهذه الغريزة هي التي
اكتشفت القارات البعيدة، وهي التي تكتشف
المجرَّات في هذه الأيام. وليس
من قبيل المبالغة أن يقال بأن التصوف ثورة
بالفعل. إنه ثورة الأعماق على السطوح، أو ثورة
ما هو أصلي في الإنسان على ابتذال المياومة
وسخف الواقع وافتقاره إلى ما ينعش ويؤصِّل.
ويتضمن مثل هذا المنزع اندفاعًا صوب أفراح
فردوسية لا تملك المياومة أن تبثها في الحياة
إلا على ندرة وحسب؛ فالبشر مزودون بغريزة
علوٍّ أصلي، لا يُسبَر لها غور، ولا محتوى لها
سوى الحميم والدافئ، أو سوى الشوق الراعش،
الجامح والطافر، صوب الأوج. وما هذه الغريزة
سوى قوة البحث عن الوجود الأصلي الذي يُشرِط
ويؤصِّل كلَّ وجود جزئي. وهذا يعني أن الصوفية
لا يسعها أن تكون إلا حركة نزوح من الخارج إلى
الداخل، أو من الكثافة إلى اللطافة؛ إذ لا
أصالة ولا رعش ولا شوق إلا في دخيلة الإنسان،
أو في روحه المطهمة الهيفاء. ولهذا يلاحظ
المتتبِّع للموروث الصوفي أن القوم قد أصروا
على رفض الفهم الحرفي للنصوص الدينية، وأكدوا
على أن ثمة في داخل كلِّ كلمة من كلمات النص
معاني خفية لا يؤتاها إلا المقربون. ففي عرفهم
أن "الحق هو ما سَتَرَه الحق وأخفاه"،
وأنه لا يُعرَف إلا بالذوق، أو بأحوال الشعور
الداخلية التي لا تصدر إلا من "عالم الأمر". يقول
النفري: "العلوم كلُّها حُجُب، كلُّ علم
منها حجاب نفسه وحجاب غيره."[6]
ففي معتقد الصوفيين وشعورهم، الذي هو لباب
وعيهم، أن الحقيقة متوارية وراء ألف حجاب؛
ولهذا فإن من المحال أن يتعامل معها ذهنٌ أو
فكرٌ أو علم، وليس في الميسور أن تُنال إلا
بالكشف، أو بالوثبة الباطنية الطافرة صوب
ذروة الأوج. ومن هنا كانت المعرفة ذوقية، لا
فكرية. بل إن هذا الشعور هو ما دفع الصوفيين
إلى تمييز المعرفة عن العلم، وإلى جعل
المعرفة أرقى من العلم، وجعل العارف فوق
العالم والفقيه والفيلسوف؛ بل لقد ذهب النفري
إلى وضع "الواقف" فوق العارف نفسه. إنهم
لا يقنعون بالعلم، بل يرون فيه حجابًا يحجب
الحقيقة المتوارية عن البصر التي لا يمكن
للإنسان أن يتعامل معها بغير البصيرة.
وهذا هو سرُّ الأزمة التي عاشها الغزالي، وهو
في السنة الثامنة والثلاثين من سنوات عمره،
حين اكتشف أنه منهمك في "علوم غير مهمة ولا
نافعة في طريق الآخرة"، مما أسفر عن عُقلة
في اللسان وحزن في القلب "بَطُلَتْ معه قوة
الهضم ومراءة الطعام والشراب"[7]. ومن
أزمة الغزالي هذه يملك المرء أن يستنبط ما
فحواه أن الصوفية هي غريزة السؤال الذي يلوب
على المجهول والمفقود. والسؤال قيمته بمحتواه:
فإن كان سؤالاً عن الحقيقة الأعمق فإنه
محاولة جادة لتغطية النقص، أو للاستعلاء
والصعود صوب علوٍّ جديد. وبإيجاز: إن السؤال
العميق سعيٌ وراء الكمال. فالمتسائل مسلوب
أصلاً؛ وقد وضعه السلب الذي يعتوره داخل برهة
الارتياب الرجراجة التي ما إن تستولي على
الشعور حتى تطوِّح به في فضاء التنقيب عن
اليقين، مما يجعل من السؤال، إن كان أصليًّا،
حاجة ماسة إلى الجرعة الموجبة التي من شأنها
أن تؤسِّس الأمن بوصفه ماهية للوعي أو للشعور.
ومثل هذا الحال يتضمن الغياب الذي يظهر بوصفه
أساس حضور، إذ يتعذر ترسيخ السؤال الأصلي إلا
على غائب أو مفقود يلوب عليه الوجدان لَوَبان
الأمِّ على ولدها الرضيع. وهذه هي الحال التي
عاشها الغزالي أزمة حادة عام 488 هـ. ولعل
في الميسور أن يستقرئ المرء من أزمة الغزالي
ما فحواه أن الصوفية هي علم البحث عن الله؛
وهو ما صاغه القوم بلغة أُخرى حين قالوا بأنها
"السلوك إلى ملك الملوك"[8].
وهذا
يعني أنها السير في الطريق إلى ينبوع
الينابيع كلِّها، أو قل إلى الشارِط الذي
يُشرِط كلَّ شيء بإطلاق. ولكن البداية لا
يسعها أن تكون إلا وثبة جَوَّانية تستهدف
تجاوز الوقائع باتجاه غاية عليا ليست من نسيج
الوقائع ولا من فصيلتها، الأمر الذي يترتب
عليه أن يكون الموقف الصوفي دربًا، أو سلوكًا
على درب، لا ينتهي إلا في أحضان الحق. وبداهةً
فإن قيمة هذا السلوك تتحدد بغايته نفسها؛ إذ
لا أصالة ولا قيمة أصلية بغير غاية أصلية.
فالغاية تحدِّد ماهية الشعور، وتوجِّه
السلوك، وترتِّب الوسائل التي تخدمها. وهذا
يعني أن الغاية السامية هي جملة أسانيد
الوجود البشري وحريته. ولا مبالغة في القول
بأن الغاية هي الضوء الذي ينير المنهج أمام
السلوك؛ وبغير الغاية فليس ثمة منهج أصلاً،
لأن كل سير إنما هو باتجاه هدف. وعلى
كثرة التعريفات التي قدمها الصوفيون أنفسهم
للصوفية، فإنها جميعًا تتفق على المحتوى
الشعوري أو الوجداني لهذه الحركة، كما تتفق
على أن غايتها النهائية هي إعداد النفس
للبلوغ إلى الحضرة العالية، حيث الأمن والحب
والجمال. فقد عرفها الجريري بقوله: "الدخول
في كلِّ خلق سَني، والخروج من كل خلق دَني."[9]
وقال الجنيد عن التصوف: "هو أن تكون مع الله
تعالى بلا علاقة."[10]
وعرفه سمنون بقوله: "أن لا تملك شيئًا ولا
يملكك شيء."[11]
وبإيجاز: إن "مخالصة الإخلاص" هي حال
الصوفي، كما قال السهروردي البغدادي في عوارف
المعارف. *** والأساس الأخلاقي لهذه التعريفات أوضح
من أن يخفى. ولا عجب في ذلك؛ فالصوفية هي ردُّ
الفعل الذاتي، أو الوجداني، على مدن أصابها
التخمُّج، فما عادت تصلح لاستضافة الروح
لأنها منخورة بالفساد الاجتماعي. فليس من
المصادفة في شيء أن يتشرد رجال التصوف في
البراري والقفار، أو أن يعتكفوا في بيوتهم،
أو في زواياهم، متوارين عن الناس، محجمين عن
الالتقاء بهم. ففي المدن الكبرى يتكالب الناس
على الثروات تكالبًا ينتقص من إنسانيتهم،
فضلاً عن أنه يحيلهم جميعًا إلى عبيد. ولقد
تخلَّى الصوفيون عن الملكية الخاصة لأنها قيد
على الحرية؛ إذ لا يسعك أن تتملَّك شيئًا دون
أن يتملَّكك ذلك الشيء الذي تتملَّكُه. ولهذا
فقد وضع الصوفيون مقولة الحرية في صلب مذهبهم.
يقول ابن عربي في المجلد الرابع من الفتوحات
المكية: "فالحرية عند القوم من لا
يسترقُّه كونٌ إلا الله، فهو حرٌّ عما سوى
الله، فالحرية عبودية محققة لله."[12]
وبهذا التخلِّي عن المُلك ينزح الصوفي من
الأشياء إلى الذات، ويتخندق داخل روحه،
هاربًا من هذا البؤس الذي من شأنه أن يحيل
الإنسان إلى شيء من الأشياء. يصح
القول، إذن، بأن ظهور الصوفية في مجتمع من
المجتمعات هو دليل على انحطاط ذلك المجتمع؛
وما ذاك إلا لأن الصوفية لا تأتي كردِّ فعل
على مجتمع معافى، بل على مجتمع مريض حصرًا.
ولا أدل على ذلك من أن الظاهرة من شأنها أن
تتعاظم كلما تفاقم اتِّضاع المجتمع، أو كلما
أوغل في الفساد، ولاسيما فساد الأخلاق بتكالب
الناس على الثروات والشهوات. فليس
من قبيل المصادفة أن يكون أول كتاب صوفي
كتابًا أخلاقيًّا، سداةً ولحمة، وهو كتاب الرعاية
لحقوق الله الذي ألَّفه الحارث بن أسد
المحاسبي، أستاذ الجنيد. وقد سمي بـ"المحاسبي"
لأنه اعتاد على محاسبة نفسه، ولأنه دعا الناس
إلى هذه المحاسبة. وقد ألَّفه في النصف الأول
من القرن الثالث الهجري، عندما صارت الحاجة
ماسة إلى مثل هذا الكتاب المخصص للأخلاق
العملية. فما
يحتاج إلى التوكيد هو أن مواقف الصوفيين قد
أمْلاها الوضع الاجتماعي إملاءً على
شخصياتهم الحساسة. فالتخلِّي عن المُلك،
واعتزال الناس، والسياحة في البراري، والطعن
بقيمة العقل والعلم، بل حتى مخالفة الناس في
معتقداتهم، هي نزعات أفرزها الروح البشري
كردِّ فعل على حياة متفسخة لا تطاق. والحقيقة
أن ثمة شبهًا كبيرًا بين الصوفية والرومانسية
الأوروبية حصرًا؛ إذ كلتاهما تمجِّد الوجدان
على حساب العقل، وتمجِّد الطبيعة على حساب
المجتمع – وهذا هو حال التاوية الصينية أيضًا.
فالنفور من الحياة الاجتماعية الفاسدة قد وضع
مقولة "السَّفَر" في لباب الوعي الصوفي.
والسفر الصوفي – هذا التشرُّد المقدس – هو
رمز للارتحال صوب المجهول، بل رمزٌ للنزوح من
الخارج إلى الداخل، وذلك لاعتقاد الصوفي بأن
السَّفَر من شأنه أن يغير النفس من حال أدنى
إلى حال أرقى. والأهم من ذلك أن هذا السفر
الصوفي، ولاسيما حين يكون "سياحة في حب
الله"، هو دليل على قلق يعتور النفس
فيزعجها ويطوِّح بها في الفراغ. ومصدر
القلق الصوفي أن الوسيم، أو الله – مَصَبُّ
كلِّ حنين وينبوع كلِّ جمال – ليس على مقربة
من العين، وإن كان "أقرب إلينا من حبل
الوريد". والقلق في هذا الموضع هو الاسم
الآخر للسلب؛ والسلب في الذات الصوفية لا
يؤسِّسه شيء سوى غياب المحبوب، أو قل سوى
المسافة والبعد. فالشعور الصوفي، بحكم
ماهيَّته العميقة المندلعة من قلب السلب
والغياب، إنما هو هذا الاقتراب الدائم من
ينبوع الجمال الخالد، أو التفلُّت المستمر من
الزمان باتجاه الأزلية؛ وبعبارة أخرى، إنه
الانفلات من العبودية إلى الحرية. وعلى هذا،
يصح القول بأن الشعور الصوفي إنما ينبثق
استجابة لنداءات العلوِّ؛ وبالتالي فإن
الصوفية هي حركة عَلَيَان وسموٍّ فوق كل
اتِّضاع وانحطاط. فالروح الصوفي ينادى من
اللامكان، أو من الأعالي التي لا يعرفها إلا
من أوتي قدرة على الإصغاء. ويبدو
أنه ما من شعور لا يلاحقه الوسيم بنداءاته
الحارة. وهذا يعني أن الذات لا تلاحق الوسيم
إلا بقدر ما يلاحقها الوسيم، أو إلا بقدر ما
يحثها على أن تلاحقه وتسعى في سبيل الالتحاق
بصورته المنعشة. وإلى جانب ذلك، فإن الوسيم لا
يتجلَّى للذات إلا بمقدار ما تدانيه الذات،
عبر الشوق والتَّوَقَان، بغية أن يجود لها
بمعانيه ومجاليه الفائقة للحسن. وبهذا الشوق
وحده، بهذا القلق المستجيب للرعوش، أو لكلِّ
ما هو من فصيل البكارات الزاغبة، تتحرك الذات
صوب الأسمى فالأسمى، بحيث تستحق أن تصير نسخة
عن صورة الوسيم نفسه. وههنا تتبدى نظافة
الصوفية وسموُّها. وعلى
هذا، كان الإنسان، من وجهة نظر صوفية، هو
الشعور الذي يفقِد ويتفقَّد على الدوام؛ أو
قُلْ إنه الكائن الذي يكابد غياب الحبيب إلى
أن يلتحم به التحامًا لا فكاك بعده. وتلكم هي
مقولة "الاتحاد" الصوفية. والاتحاد هو
الغاية الختامية للمتصوف؛ إذ واجب العاشق أن
يجعل من المعشوق غاية في ذاته، أو قيمة مطلقة
لا تتخطاها قيمة أبدًا. ولهذا كانت الصوفية
معاناةً وجهادًا دائمًا ضد النفس وضد ميولها
ونزواتها. يقول
الكلاباذي: "فالذي أدمن السير في السموِّ
متوحِّدٌ بالبلاء، لأنه لا سبيل إلى ما يطلب،
ولا يساكن شيئًا دونه...".[13]
والحقيقة أن هذا الشأن هو شأن الإنسان الصوفي
الذي "لا يقنع بما دون النجوم"! أما
الإنسان العادي فيعمد إلى استنباط الجميل من
الوقائع. فما الصورة الفنية، وبخاصة الشعرية،
إلا محاولة جادة يبذلها الخيال بغية اشتقاق
الوسيم من المعطى. وفي الحق أن كلَّ خيال (ولا
أقول كلَّ وهم) هو برهة صوفية في الصميم. فليس
من قبيل المصادفة أبدًا أن يكون الشيخ الأكبر
محيي الدين بن عربي – عملاق التصوف بلا منازع
– هو أول إنسان يُقدِمُ على تأسيس نظرية في
الخيال. لقد شعر القوم بأن الخيال من جنس
أحوالهم، فاعتنوا به على نحو لم يُسبَقوا
إليه في الأزمنة الغابرة. بيد
أن الخيال الصوفي إنما يتحرك ابتداءً من قوة
الوَجْد المستتبة في صميم الذات. وهذا يعني أن
ثمة نوعًا من التماهي أو الاتحاد الاندغامي
بين الخيال والوَجْد، الذي لا أراه سوى العشق
المتفوِّر، أو سوى الطَّور النهائي من أطوار
العشق. والوَجْد هو المقولة السيدة في
الملحمة الصوفية برمَّتها؛ ولعله أن يكون
الاسم الآخر للحنين، أو لعله الحنين حين
يرتقي إلى برهة التفوُّر والرعش. وقد عرَّفه
النوري بقوله: "الوجد لهيب ينشأ في الأسرار
ويسنح عن الشوق، فتضطرب الجوارح طربًا أو
حزنًا عند ذلك الوارد."[14] وإذ جعله
لهيبًا فإنه يكون قد دفع به إلى برهة الفوران
بكلِّ وضوح. ففي معتقد الصوفيين أن "الصبر
عن الله" هو أشد أنواع الصبر وأثقله على
الإنسان! وأيًّا
ما كان شأنه فإنه حال من أحوال الذات التي لم
تتصل بالوسيم بعد. فإذا اتصلت حصل له أنُس
ممتع، أو حال لم تألفها من قبل. والأنُس "فرح
القلب بالمحبوب"[15]،
أو "التذاذ الروح بكمال الجمال"[16].
أما الاتصال فهو "وصول السِّر إلى مقام
الذهول"[17]؛
وما ذاك إلا لأن "مواضع الحقيقة دهش
واستيفاء وحيرة"[18]. لقد
خصص السهروردي البغدادي البابَ الرابع
والعشرين من عوارف المعارف للبحث في
الغناء من حيث هو فائض وَجْدٍ، أي نتاج شوق
وحب متفوِّرين. والحقيقة أن هذا الكتاب هو
واحد من أفضل الكتب الصوفية المتخصصة في علم
النفس. وبما أن أهل التصوف رجال أخلاق فقد
جزموا بأن "علم آفات النفس هو علم الحكمة"[19].
ففي صلب الحق أن الصوفية جهد يبذله الإنسان من
أجل تزكية النفس، وذلك عملاً بقوله تعالى: "قد
أفلح من زكَّاها."[20]
ولهذا قال الكلاباذي: "التصوف هو التطهُّر
بالظواهر عن الأنجاس، وبالبواطن عن الأهجاس."[21] وقد
بدأ السهروردي ذلك الفصل بقوله: "اعلم أن
الواجد يشعر بسابقة فقد؛ فمن لم يفقد لم يجد."[22] وهذا يعني أن
الفقدان هو أساس الوجدان، الأمر الذي من شأنه
أن يعزِّز ما فحواه أن الغياب هو منبثَق
الصوفية برمَّتها. ولا ريب البتة في أن الفقد
جذر للقلق، إن لم يكن ضربًا من ضروبه الكثيرة. ثم
أضاف السهروردي:[23] فالوجد
صراخ الروح المبتلى تارةً في حقِّ المبطل،
وبالقلب تارة في حق المحقِّ؛ فمثار الوجد
الروح الروحاني في حقِّ المحقِّ والمبطل.
ويكون الوجد تارة من فهم المعاني يظهر، وتارة
من مجرد النغمات والألحان... ووجه استلذاذ
الروح النغمات أن العالم الروحاني مَجمَع
الحسن والجمال؛ ووجود التناسب في الأكوان
مستحسن قولاً وفعلاً. ووجود التناسب في
الهياكل والصور ميراث الروحانية. فمتى سمع
الروح النغمات اللذيذة والألحان المتناسبة
تأثر به لوجود الجنسية... وتابع:[24] إنما
يستلذ الروح النغمات لأن النغمات بها نطق
النفس مع الروح بالإيماء الخفي إشارةً ورمزًا
بين المتعاشقين. وبين النفوس والأرواح
تَعاشُقٌ أصلي؛ ينزع ذلك إلى أنوثة النفس
وذكورة الروح. والميل والتعاشق بين الذكر
والأنثى بالطبيعة واقع. فمع
أن السهروردي يربط بين النفس والروح بعلاقة
عشق دائم فإنه، في الوقت ذاته، يدشِّن
تضادًّا صارخًا بين الشيئين؛ وهو ينسب
العَكَر والحطَّة إلى النفس، وينسب النقاء
والرفعة إلى الروح. وهو يقيم بينهما جدلاً
حيًّا فحواه الإيماء والإشارة والرمز. لا
يبلغ هذا الإيماء ذروته إلا عبر الألحان التي
هي جملة الخطاب الذي توجِّهه النفس إلى
الروح، حتى لكأن الروح لا يفقه من النفس
كلامًا إلا ما كان نغمًا وحسب. والروح لا
يستوعب النغم إلا لأنه من جنسه وسلالته
وشيعته. وبهذا أسند السهروردي ضربًا من
الذكاء الخفي للنفس التي تعرف كيف تخاطب
سيِّدها بلغته! وعلى
أية حال فقد ظل السهروردي مثابرًا على محاربة
النفس، شأنه في ذلك شأن جميع الصوفيين. فهي،
في نظره، "بمثابة النار، لو بقيت منها
شرارة أحرقت عالمًا"[25].
والصوفي، عند السهروردي، "دائم الاستغاثة
إلى مولاه من شرِّها، وكأنها جُعِلَت سوطًا
للعبد تسوقه، لمعرفته بشرِّها مع اللحظات،
إلى جانب الالتجاء وصدق الدعاء..."[26]. ولما كان
السهروردي قد فهم النفس من حيث هي نار، أو من
سلالة النار، حتى لكأن الجحيم هو النفس، فقد
ذهب إلى أن[27] التصوف
كلَّه اضطراب؛ فإذا وقع السكون فلا تصوف.
والسر فيه أن الروح مجذوبة إلى الحضرة
الإلهية؛ يعني أن روح الصوفي متطلعة منجذبة
إلى مواطن القرب، وللنفس بوصفها رسوب إلى
عالمها وانقلاب على عقبها. وههنا
يتضح القلق والاضطراب والجدل من تضادِّ
الحركتين. فالروح المجذوب إلى ربِّه يتفلَّت
باتجاه الأعلى، والنفس المجذوبة إلى المادة
تشده إلى الأسفل ليركد في التراب ويرسب في
الطين. وبذلك تتبدى مثنوية الإنسان
المنشعب، أو المشطور إلى شطيرتين: شطيرة
التسفُّل وشطيرة العَلَيَان. وبسبب هذا
الانشطار كانت القيمة وكان ضدُّها؛ وبفعله
كان الوَجْد الذي يكابده الصوفي على الدوام.
فالصوفي إنسان "يمر بروحه نسيمُ أنُسِ
الأوطان، وتلوح له طوالع جنوب العرفان، وهو
بوجود النفس في دار الغربة يتجرع كأس الهجران"[28].
وهذه هي فلسفة الإنسان المهجور والمنفي في
منافي المادة بعيدًا عن وطنه الذي هو السماء.
وسيظل الروح مقفوصًا في "مضيق قفص النفس"،
حتى يحصل له الفناء الصوفي. والفناء عند القوم
هو "الغيبة عن صفات البشرية بالحَمْل
الموله"[29].
والحَمْلُ المُوَلِّه هو أن تحمل سمات
الألوهية بدلاً من سمات البشرية، الأمر الذي
يجعل منه لذة تجري على المرء بحيث يصبح حاله
كحال صاحبات يوسف –
كما
يقول الكلاباذي –
قطعن
أيديهن لفناء أوصافهن البشرية، وذلك "لما
وَرَدَ على أسرارهن من لذة النظر إلى يوسف مما
غيَّبهن عن ألم ما دخل عليهن من قطع أيديهن"[30]. وفي
هذه اللحظة يكون الصوفي قد اتصل بالوسيم الذي
ما بعده وسيم على الإطلاق! *** وبما أن المعرفة حالٌ للعارف، وليست
أفكارًا أو معلومات تُحشَد، أو يتلقَّنُها
التلميذ عن المعلِّم، فإن المنهج المعرفي هو
التوسُّم الذي يتأسَّس على مبدأ الفراسة.
ففي المعتقد الصوفي أن لكلَّ مشهد عينًا
تخصُّه، مثلما أن لكلِّ عين مشهدًا يخصُّها.
والفراسة هي الاسم الآخر للبصيرة. والبصيرة
افتضاضٌ أو استبارٌ للمستور الراخم داخل
المرئيات، الأمر الذي من شأنه أن يلخِّص
الصوفية بأنها متعة الاتصال بالأسرار، أو
الرغبة في حيازة الغامضات. ولهذا
فإن أهل التصوف لا يقيمون للعقل كبير وزن؛ وما
ذاك إلا لأن العقل في عرفهم محتاج دومًا إلى
الدليل؛ فهو مُحْدَث، "والمحدث لا يدلُّ
إلا على مثله"[31].
وهذا يعني أن العقل مخلوق؛ وليس في وسع
المخلوق أن يدرك شيئًا سوى المخلوقات. وأما
الخالق نفسه فلا سبيل إليه بواسطة العقل،
لأنه عصيٌّ على الفهم والإدراك المنطقي، أو
كما جاء في الرسالة القشيرية، "لا
تُماقِلُه العيون، ولا تقابله الظنون"[32]. وهذا ما
أكَّده الكلاباذي حين قال: "لا تدركه
العيون، ولا تهجم عليه الظنون."[33]
وهو يضيف في موضع آخر: "العقل يجول حول
الكون، فإذا نظر إلى المكوِّن ذاب."[34] وذوبان العقل،
حين ينظر إلى خالقه، هو استعارة جميلة معناها
أنه يصاب بالعطالة إذا ما احتشد واستنفر
ليلتقط صورة الله الذي "لا تهجم عليه
الظنون". ومثل هذا القول يشبه قول الحق في
أحد مواقف النفري: "حرفت العقول عني فوقفت
في مبالغها."[35] ويؤيد
السهروردي البغدادي هذا المذهب حين يرى العقل
محرومًا من التمتع بالجمال الأزلي الذي لا
ينكشف إلا للروح. وسرُّ ذلك أن "العقل موكل
بعالَم الشهادة، لا يهتدي من الله سبحانه إلا
إلى مجرد الوجود، ولا يتطرق إلى حريم الشهود..."[36].
هذه هي وظيفة العقل عند أهل التصوف: إنها
تدبير شأن الدنيا، وليس شأن النزوح إلى الله. أما
ابن عربي – فيلسوف الشمول واللانهاية – فهو
أكثر الصوفيين إيغالاً في تنحية العقل جانبًا
بغية ترسيخ الكشف والتجلِّي والشوق والذوق،
من حيث هي الدروب الوحيدة المفضية إلى الحق
المطلق. يقول في الفص الرابع عشر من فصوص
الحكم:[37] فقلوبهم
ساذجة من النظر العقلي، لعلمهم بقصور العقل،
من حيث نظرُه الفكري، عن إدراك الأمور على ما
هي عليه. والإخبار أيضًا يقصِّر عن إدراك ما
لا يُنال إلا بالذوق. فلم يبقَ العلم الكامل
إلا في التجلِّي الإلهي وما يكشف الحق عن أعين
البصائر والأبصار من الأغطية، فتدرك الأمور،
قديمها وحديثها، وعديمها وموجودها، ومحالها
وواجبها وجائزها، على ما هي عليه في حقائقها
وأعيانها. وهو
يؤكد، في موضع آخر من الفص نفسه، أن "الكيفيات
لا تُدرَك إلا بالأذواق"[38].
والأهم من ذلك أن المدرِك لا يدرك من
التجلِّيات إلا بحسب استعداده: "والتجلِّي
لا يكون إلا بما أنت عليه من الاستعداد الذي
به يقع الإدراك الذوقي، فتعلم أنك ما أدركت
إلا بحسب استعدادك."[39] والحقيقة
أن مقولة "الاستعداد" هذه شديدة
الأهمية، وذلك نظرًا لأنها تميز الأفراد
بعضهم عن بعض؛ وبهذا فإنها تدشِّن أرضية
فردية وشخصية للمعرفة، وتجعل من الذاتية
شارِطًا أوَّلانيًّا للمعرفة. وينوِّه ابن
عربي بهذه الحقيقة حين يقول: "وما ثَمَّ إلا
علم وذات قام بها هذا العلم."[40]
وهذا يعني أن هنالك "التحامًا نكاحيًا"
بين العارف والمعروف، أو قُلْ بين الذات
وموضوعها المعرفي. ولهذا فإن الموضوعية
المطلقة هي ضرب من ضروب المحال! ويأخذ
ابن عربي على العقل مأخذًا يراه جديًّا، وذلك
حين يقول في الفص الثاني والعشرين:[41] ومما
يدلُّك على ضعف النظر العقلي من حيث فكرُه
كونُ العقل يحكم على العلة أنها لا تكون
معلولة لمن هي علة له. هذا حكم لا خفاء به. وما
في علم التجلِّي إلا هذا، وهو أن العلة تكون
معلولة لمن هي علة له. وهذه
هي جدلية السبب والنتيجة، أو علاقتهما
المتبادلة. فما كان سببًا في آنة من الآنات
يصبح نتيجة في آنة أخرى؛ وما كان نتيجة يصبح
سببًا. والجدير بالتنويه أن المنهج الجدلي
الحديث يتبنَّى هذه الفكرة ويشرحها ويؤكد
عليها. والمهم ههنا أن الشيخ الأكبر يأخذ على
العقل عجزه وقصوره عن إدراك هذه الفكرة. بيد
أن هذا المأخذ هو ضرب من الافتئات على العقل؛
إذ ليس ثمة من شيء أسهل من إدراك هذا الأمر.
ففي ميدان الاقتصاد، مثلاً، يمكن لك أن تقول
بأن الاستهلاك نتيجة للإنتاج، والإنتاج
نتيجة للاستهلاك. وهكذا صار السبب نتيجة
والنتيجة سببًا. *** وأيًّا ما كان الشأن، فإن خصوصية
الوعي الصوفي أو ماهيته هي، بالدرجة الأولى،
هذا الاعتماد على الكشف والتجلِّي والشوق
والذوق، وذلك فضلاً عن محتواه الأخلاقي
الرافض لكل أصناف التسفُّل، والنازع صوب كل
سموٍّ وعَلَيان. أضف إلى ذلك أن أهل التصوف
قوم يتعشَّقون بالألطاف ويحنُّون بأصالة إلى
اليانعات واليافعات، وإلى كلِّ ما هو برسم
البكارة والنضارة. وحين أقول "أهل التصوف"
فإنني لا أقصد الدراويش وأشباه المعتوهين،
وإنما أقصد رجالاً عمالقة، من أمثال الجنيد
والحلاج والغزالي والنفري والسهروردي وابن
عربي وابن سبعين وجميع أصحاب القامات الشاهقة
الباذخة. ففي
المبدأ الصوفي أن "الشوق شرط الذوق"،
وأنك لن تنال من الحقيقة إلا على قدر ما تشتاق
وتحنُّ. وما ثمة إلا حقيقة واحدة تتجلَّى على
الدوام، أو تتبدى وتتكشف، للأرواح المهيَّمة
بها والمشتاقة إليها والمستعدة لتلقِّيها،
أو تلقِّي ما ينكشف من صورها ومعانيها
الملونة بألوان قوس قزح. وأصحاب هذه الأرواح
المهيَّمة هم "أهل لبِّ الشيء الذين عثروا
على سرِّ النواميس الإلهية والحكمية"[42].
وبذلك تكون الصوفية قد رسَّخت الوَجْد، الذي
هو الدرجة العليا للحب، كشارِط أوَّلاني
للمعرفة، ودمجت الموضوع والذات في وحدة عليا
لا يشبهها إلا اندماج الجنين برحم أمِّه. وهذا
يعني أن الموضوع لا يؤسِّس الذات إلا بقدر ما
تؤسِّسه الذات، أو كما يقول الجيلي في الإنسان
الكامل: "أنت أوجدتَني كما أنا أوجدتُك."[43] وهذا
هو مقام الاتحاد الذي يبلغ فيه الوعي الصوفي
ذروته السامقة:[44] وفي
هذا المقام يرى العاشق معشوقَه فلا يعرفه ولا
يصيخ إليه... وهذا آخر مقامات الوصول والقرب،
فيه ينكر العارف معروفه، فلا يبقى عارف ولا
معروف، ولا عاشق ولا معشوق، ولا يبقى إلا
العشق وحده... فإذا امتحق العاشق وانطمس، أخذ
العشق في فناء المعشوق والعاشق... فحينئذٍ
يظهر العاشق بالصورتين ويتصف بالصفتين،
فيسمى بالعاشق ويسمى بالمعشوق. يتضح
من هذا المقبوس أن الصوفية قد جعلت من المعرفة
عشقًا، أو نتاج عشق وهيام. والأهم من ذلك أن
هذا العشق لا يتوجَّه إلى الجزئيات، بل إلى
الحقيقة الكلِّية المتعالية التي تشمل "الحق
والخلق"، على حدِّ عبارة ابن عربي. وهو لا
يتوجَّه إلى هذه الحقيقة العميقة لكي يدركها
إدراكًا، أو ليعلمها علمًا موضوعيًّا من شأنه
أن يستبقي العالم على حيدة من المعلوم، بل
ليلتحم بها العاشقُ ويتوحد معها، وذلك بغية
الوصول إلى الكمال. والكمال
هو ما ترى فيه الصوفية غاية نهائية لوجود
الإنسان على الأرض؛ إذ لا ريب في أن "الإنسان
الكامل" هو آخر طور في أطوار الارتقاء
الصوفي. وهذه مرتبة لا تتحقق إلا بالوجد، أو
الحب، الذي من دونه لا يبقى من الإنسان سوى
الجثمان. *** *** *** [1] أبو حامد الغزالي، المنقذ
من الضلال والموصل إلى ذي العزة والجلال،
مكتبة الجندي، القاهرة، بلا تاريخ، ص 43. [2] عبد الكريم
القشيري، الرسالة القشيرية، مكتبة
صبيح، القاهرة، بلا تاريخ، ص 54. [3] سعاد الحكيم، المعجم
الصوفي: الحكمة في حدود الكلمة، دندره
للطباعة والنشر، بيروت، 1981، ص 493. [4] أبو العلا عفيفي، التصوف:
الثورة الروحية في الإسلام، دار الشعب،
بيروت، بلا تاريخ، ص 20. [5] نفسه، ص 21. [6] محمد بن عبد الجبار
النفري، كتاب المواقف، دار الكتاب
المصرية، القاهرة، 1934، ص 108. [7] أبو حامد الغزالي، المنقذ
من الضلال، ص 47. [8] القشيري، الرسالة
القشيرية، ص 216. [9] نفسه، ص 217. [10] نفسه، والصفحة
نفسها. [11] نفسه، ص 217. [12] سعاد الحكيم، المعجم
الصوفي، ص 319. [13] أبو بكر محمد
الكلاباذي، التعرف لمذهب أهل التصوف،
دار المكتبة العلمية، بيروت، 1980، ص 112. [14] نفسه، 113. [15] نفسه، ص 106. [16] عبد القادر
السهروردي، عوارف المعارف، دار الكتاب
العربي، بيروت، طب 1، 1966، ص 515. [17] الكلاباذي، التعرف،
ص 109. [18] نفسه، ص 110. [19] نفسه، ص 87. [20] قرآن كريم، 9: 91. [21] الكلاباذي، التعرف،
ص 23. [22] السهروردي، عوارف
المعارف، ص 193. [23] نفسه، ص 194. [24] نفسه، والصفحة
نفسها. [25] نفسه، ص 47. [26] نفسه، والصفحة
نفسها. [27] نفسه، ص 58. [28] نفسه، ص 182. [29] الكلاباذي، التعرف،
ص 126. [30] نفسه، ص 126. [31] نفسه، ص 63. [32] القشيري، الرسالة،
ص 7. [33] الكلاباذي، التعرف،
ص 35. [34] نفسه، ص 63. [35] النفري، المواقف،
ص 145. [36] السهروردي، عوارف
المعارف، ص 183. [37] محيي الدين بن عربي،
فصوص الحكم، دار الكتاب العربي، بيروت،
بلا تاريخ، ص 133. [38] نفسه، ص 134. [39] نفسه، والصفحة
نفسها. [40] نفسه، ص 179. [41] نفسه، ص 185. [42] نفسه، ص 168. [43] عبد الكريم الجيلي، الإنسان
الكامل في معرفة الأواخر والأوائل،
الجزء الأول، شركة البابي الحلبي،
القاهرة، 1970، ص 65. [44] نفسه، ص 81.
|
|
|