آخرون
محمد حسن
(تموز)
أتدفئك المخيلة؟
تصلُ بك سهول منشوريا
تلاعب شمس الحقول
صاعدًا إلى ثلج تراقيا.
لمَ أنهض من منفاي؟
ماشيًا على خُطى
سيء الحظ مَن صادف واترلو
مئةُ يومٍ من الأمل
ثم يغتالني شيءٌ ما خلف تلة
أقود انقلابًا ينقلب عليَّ
لأعود إلى منفاي مرَّة أُخرى
في سانت هيلانة
أكانت تستحق
أن أُعلن في سبيلها
خسرنا كل شيء إلاَّ الشرف
ومن ثم أموت كمدًا ونسيّا.
***
ذاك الذي يعرفُ
الجميع
أكثرهم وحدة.
أتأملُ ليلي
الجدارُ في مكانه
أقرأُ مقالاً عن النوافذ الطولية
المغلقة في بريطانيا،
وآخرَ في المجموعة البوذية العربية
أنَّ المعاناة جذرها التعلق،
لو يعلم أولئك أني أكثرهم تحررًا
مع ذلك تستحكم المعاناة فيَّ.
ما يزالُ ليلي طويلاً
ساكنًا كمنفضة السجائر
التي لا أستخدمها.
يغريكَ الليل بعبور جسرٍ
عبرتَه آلاف المرات
ويخونك الضوء..
هذه المرةُ في مكاني
لن أتحرك قيد غيمة.
ينقطعُ سيلُ الأغاني
في إذاعة "شام إف إم"
لتذكرنا بأخبار الموت.
كانت الطبيعة عادلةً في أمرين
النوم والموت.
الآن تستطيعُ النوم
على معلومة
"هل تعلم أنك عندما تُغلق باب غرفتك
خوفًا من البرد،
يُفتحُ آخر!".
كما يمكنك أن تطلق العِنان
لسعالك حتى الصباح
فلن يسألك أحدٌ ما بك!
ليس لأنك رسمت سارتر
وراء سريرك على الجدار
"الجحيم هو الآخرون".
***
أتدري ما يجعلك
شاعرًا
بحق؟
مشهد من فيلم "لا تدعني أرحل"
عن رواية كازوو إيشيغورو.
حبلُ غسيلٍ مشدود إلى غصن شجرة
يهيم به ثوبٌ مُزجَّى بالعواصف،
كأنه شراعٌ بلا سفينة
قبطانٌ يلقي بأحماله الزائدة
إلى الغيم.
تحملهُ أمواج الرياح
من فوق السياج
إلى المرج الأخضر
صعودًا إلى غابة الحقيقة.
كل هذا ليس بالمهم!
فحتى غوغل – جامعًا كل ما قيل وصُوِّر عنه -
لم يستطع إيجاده لك.
***
بعيدان نحن كشهري
كانون
في روزنامة السنة،
يفصل بيننا عشرُ شهور
ومع ذلك لن نلتقي في السنة ذاتها!
أيُّ انسحاقٍ خطاه الزمن فوق رؤوسنا.
للموسيقى الخائفة
على طريق السكون
شكلُ غراب.
وأنا أتوارى في خيط دُخان.
***
لو بحثتم جيدًا بين
أوراقي
ستجدون ورقةً مكتوب عليها:
"نحنُ متسولون وهذا صحيح"
الحاذق منكم سيخبرُ
الورقة ذاتها وجدت في آيسبلن
بين أغراض لوثر كينغ
على غير عادته كتب باللاتينية
"نحنُ متسولون وهذا صحيح"
في ورقتي لا أحدثكم عن فيرجيل
وشيشرون وحتى يوحنا المعمدان
بل عن كل هؤلاء مجتمعين،
عاملٌ طليعي يعمل عشرين ساعة
ويتقاضى أجرة ثماني ساعات،
أنا هو.
الورقتان متشابهتان
وهذا غير صحيح.
نحن متسولون وهذا صحيح.
***
الحياة بتعقيداتها
المدهشة
مواجهتها،
ألمٌ في الرأس وتعب في المخيلة
تنقطع الرغبة في الكلام
تمشي في ردهات العمل الخالية
بعد انصراف العاملين
تلوي على حبتيِّ أسبرين وخيبة،
الريحُ تصفر في الممرات
كجيوب الفقراء المُرَّقعة.
أيها الرائي،
عجِّل الخُطى صعودًا إلى جُبٍّ عميق
يدٌ ممدودة تناولك كأس ماء.
تدَّرج في الهبوط
ترقبُ اتساع الظل
حُرًّا يتحول إلى عتمة!
في القاع
حتى الليل يشوبه حُلم النور.
لا مستقر
قمرٌ يهدد بالصعود.
*** *** ***
