ديار دمشقية - لوحات مختارة

سمير عنحوري

أردت من رسومي هذه إحياء ذكرى أصبحت بعيدة لأيام عاشها أجدادنا وأهلنا وأيضًا البعض منا أثناء طفولته أو شبابه في أجواء هذه الديار الكبيرة والتي أوشكت أن تتوارى ولم يبقَ من بعضها الآن سوى فنادق ومطاعم فولكلورية، أو صور فوتوغرافية قديمة اتخذت منذ قرن من الزمان تراثًا يحفظها من الضياع والنسيان.

لقد وصف الكاتب الدكتور كاظم الداغستاني أجواء الديار الدمشقية التي عاشها أحسن وصف في كتابه الرائع حكاية البيت الشامي الكبير:

"ليس في مقدور أي شامي، في أي بلد نزل، وإلى أيِّ أرض نزح، إلا أن يحسَّ برجفة تسري في أوصاله، حينما تبدو لمخيلته صورة (أرض الديار)، فيرى ساحة البيت الذي يسكنه، أو الذي كان يسكنه مع أهله من قبل. هي أرض الديار التي يرى الواقف فيها، أو الجالس في ركن من أركانها السماء، فيحسُّ الطمأنينة ودفء الشمس، ويسمع من جنباتها خرير المياه، وحفيف أوراق ما في أحواضها الظليلة من أغراس وشجر. ومن يدري، أيَّة صورة من صور أرض ديار البيت الكبير الذي غادره ساكنه التي اعتادتها مخيلة النازح الشامي وهو يحنُّ إلى دياره وأهله، وقد تكون كلُّها مجتمعة في إطار واحد تمرُّ في خياله سراعًا دراكًا.

وأرض الديار في البيت الشامي، هي الساحة المشرقة مهما أظلمت الأيام، وهي الفسحة التي تهفو إليها القلوب الفرحة أو الحزينة، لتجد فيها ما تنشده من نعيم أو سلوى؛ والشامي يكاد لا يشعر أبدًا، أنه بين أهله وذويه، وفي بيته ومع عياله، إلا إذا مشى في أرض الديار، أو انتحى ركنًا من أركانها، حيث يستظل شجرة الليمون أو النارنج، ويستنشق عبير الياسمين أو الليلك.

إن أحسن ما يجده المريض، في البيت الشامي الكبير، إذا ثقل عليه المرض وأوحشته الدنيا، أنه يرى نفسه محاطًا، بطائفة من الأهل والأقارب (الحنائن)، يهوِّنون عليه، ويروِّحون عنه كثيرًا، وقد يعزُّونه، ويخفِّفون عليه شيئًا من ألم الفرقة، إذا أحسَّ دنو الأجل، الذي قد يكون مريرًا وعسيرًا".

*** *** ***