هل يُفتح باب نوبل أمام مظفر النواب؟

حربي محسن عبدالله

 

في عام 1901 تمَّت إقامة أول حفل لتوزيع لجائزة نوبل في السويد، وكانت أول الجوائز التي تم منحها في هذا الحفل للمجالات الأدبية، والطبية، والكيميائية والفيزيائية، وقد جرى الحفل في مدينة ستوكهولم، لم يقم الملك أوسكار الثاني بتسليم الجوائز ذلك العام، وذلك لرفضه تسليم جائزة سويدية الأصل لأناس لا يحملون الجنسية السويدية ولا يدينون لها بالولاء، لكن بداية من العام التالي قام بتسليم الجوائز بنفسه بعدما أدرك الفائدة التي ستعود على بلاده من دعاية إعلامية وعالمية. يتم إعلان اسم الفائزين بالجائزة كل عام في شهر أكتوبر، لكن لا يتم تسليمها إلا في ذكرى وفاة ألفريد نوبل وذلك في العاشر من ديسمبر، جائزة نوبل للسلام هي الوحيدة التي يتم تسليمها في مدينة أوسلو، بينما باقي الجوائز تسلم كما هي في مدينة ستوكهولم ويشرف على تسليمها ملك السويد حتى يومنا هذا. ولا يتم منح جائزة نوبل لأي شخص متوفى مهما كانت إنجازاته، فمن شروط الترشح لها أن يكون الشخص على قيد الحياة، كما يمكن أن يتم ترشيح نفس الشخص أكثر من مرة، ويتم تلقي الاقتراحات والترشيحات من أساتذة لهم باع طويل في نفس المجال، سواء كانوا أساتذة في مجالات الأدب أو العلوم أو أعضاء حكومات وهيئات دولية. فهل سيكون عام 2018 هو مفتاح الباب للنواب لنيل هذه الجائزة؟

مظفر النواب شخصية غنية عن التعريف، وإرث مظفر النواب الوطني هو القاعدة التي استند عليها وعمل على توظيفها عبر العديد من الإنجازات الكبيرة، بوصفه خطابًا للتأججات التي زخرت بها حركة اليسار العراقي وما خاضته القوى الوطنية من معارك ومآثر بطولية تاريخية، لاسيما في حقبتي الخمسينات والستينات من القرن الماضي. وبغضِّ النظر عما أهمله النقد لما أنجزه النواب من قصائد ذات منحى ملحمي جسَّد تجربة عامرة بالثورة والاحتجاج، فقد كان أحد رموز الحداثة الشعرية العربية في الفصحى والمحكية، وهو أحد المعاول التي حطَّمتْ التقاليد الصنمية التي جثت على جسد القصيدة العربية، سواءً كانت تلك الصنمية فنية أم مضمونية. فأما الأولى فتشهد له انزياحاته الأسلوبية، وبناؤه التفعيلي التجديدي المغاير للنمطية العمودية القديمة. وقصائده الشعبية التي ترنَّمتْ بها أفواه المناضلين في العلن وأفواه الناس في السر، والحوار مع الثقاة، ومنها ما كان مرتعًا للعاشقين والمعشوقين. كتب مظفر النواب عن رأيه بالشعر الشعبي فقال:

أما الشعر الشعبي، فهو أنقى فيّ.. لأني أكون في الناس من خلاله.. لأني مع الصورة والموسيقى والحس مباشرةً.. همومي هنا تمتزج بهموم الفلاحين وتحدياتهم.. أو انسحاقهم.. في الشعر الشعبي تنمو التجربة بعنف، لأني بدون المعجم.. بدون الإغراقات اللغوية.. بدون الهموم الفلسفية المجردة.. إنه لقائي وفرحي بالناس.. فرحي وحزني واحتجاجي.. والنشيد الهادر الذي يسبق الثورة.. وارتباطي بما حولي...

ومنذ مجموعته الشعرية "الريل وحمد" ومظفر النواب يشكل حضوره المضيء في الذاكرة الجمعية عبر إنجازه الاستثنائي الذي حققه في انتشال القصيدة العامية من محيطات ركودها إلى حيث فضاءاته الحركية الزاخرة، بكل غنى الألوان والأصوات التي ترافقها إيقاعات الوجد المسكون بكل ما هو مدهش، كما يقول الشاعر كاظم غيلان حتى خلق من اللامألوف كائنًا منسجمًا مع الحياة عبر كل متغيراتها مازجًا تجربته الحياتية الإبداعية بسفره السياسي موزعًا انتقالاته على خارطة بلاده بمختلف تضاريسها حتى غدت إنشادًا ينتقل من جيل إلى آخر للحظة هذه التي ترشحه لنيل نوبل بعد أن طُرق بابها لأول مرة من قبل المكتب التنفيذي للاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق الذي قدم ترشيحه لجائزة نوبل للآداب لعام 2018. واحتفت به مجلة "الأديب العراقي" في عددها السابع عشر باعتباره "شخصية العدد"، فقد شكَّل الاتحاد لجنة عليا تتولى مهمة ترشيح مظفر النواب للجائزة، مكوَّنة من نقاد وشعراء، قامت بتقديم الملف الخاص بالترشيح حتى وصل إلى الأكاديمية السويدية.

جاء في ديباجة ترشيح الشاعر مظفر النواب ما يؤكد إيمان لجنة الترشيح العميق بأن تراث النواب الشعري الذي كتبه باللغتين المحكية (الشعبية) والفصيحة مثَّل تحولاً في عمق التراث الشعبي العراقي، حين لامس فيه مكامن الطاقة الحسيَّة ليطلقها – في ما يشبه السحر – قصائد تتناقلها الألسن في بيئات اجتماعية وإثنية مختلفة، وفي جغرافيا لغوية لا تعرف حدودًا. وبالرغم من أن انخراط الشاعر مظفر النواب في العمل السياسي، وخوضه غمار المواجهة ضد السلطات الديكتاتورية كلفاه سنينًا عديدة من حياته قضاها بين سجن ونفي وهرب وتخف، إلا أنه لم يخضع لأي شكل من أشكال انغلاق الرأي، بل كان همُّه الوصول إلى تأكيد حرية الذات وسط قوى تشكَّلت تأريخيًا، وأفرزت أشكالاً من الحظر الاجتماعي والسياسي والديني. ومن هذا المسار انبثقت فرادته الشعرية التي جمعت بين بساطة موضوعها الإنساني، وحداثة شعره الذي عدل فيه عن الوصف والتكرار، إذ عمد إلى إنشاء قالب يحاكي نظامًا بسيطًا للسرد يقوم على سلسلة متعاقبة من الحبكات وحلولها من دون أن يغادر غنائيته التي تمخضت عن الوجدان الشعبي وعبَّرت عنه في آن واحد. لقد نحت قصائده بإزميل الصدق والمعاناة حتى أصبحت قصائد ناقدة، مستفزَّة، وصفها بعض النقاد بالجارحة فهو يحاول من خلالها تفكيك سكونية الوضع العربي، ووقوع الذات العربية ضحية للطوطم الذي صنعته.

لقد نجح الشاعر النواب في نهاية الخمسينات ومطلع الستينات من القرن الماضي في أن يحقق ثورة شعرية تمثلت في كسر النظام العروضي التقليدي للشعر الشعبي بدرجة تماثل ما حققه في شعره الفصيح، وبما يوازي حركة الحداثة الشعرية في العقد الخمسيني، كما أنه أخرج القصيدة الشعبية من ضيق تداولها المحلي، ومن إطارها الرومانسي إلى فضاءات الحداثة، وبما يشكل رؤية اجتماعية وجمالية جديدة، إنه (نسر الأساطير) على حد تعبير أحد متابعيه و(زقورة العراق) إذ ليست الزقورة درجات صاعدة إلى فناء المعبد، بل هي المرتقى نحو السماء، وهي الوظيفة التي أسندها النواب للشعر - بعكس النثر – وهو لا يسير على الأرض بل يصعد في مرقاة بعد مرقاة إلى حيث تختفي الحدود عبر رحلة صوفية عاشها النواب بصدق تمثلتْ بوداعة التأمل، وملامسة مجسَّات الوعي والتعبير عنه بحماس غير مألوف سواء على صعيد نبرة الإيقاع الشعري أو مواجهة الكليشيهات الاجتماعية.

إن هذه الذخيرة من كنوز الإبداع الشرقي التي استودعها أعماله الشعرية الكاملة، فضلاً عن إسهاماته في إثراء الأدب الشعبي بما سكبه من تطوير في نسجه، وارتقائه عن طريق قصائده بالموسيقى العراقية والعربية وهو يرفد الأغاني بأعذب المفردات الرصينة، وحياته التي تمثل دراما إنسانية فذة، وموقفه الثابت على العدل والوقوف مع آلام الشعوب، وحضوره الباسق كتابة وإلقاءً ومسرحة وتشكيلاً وحياة من الجمال، كل ذلك هو ما دفع الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق لترشيحه لجائزة نوبل للآداب. لأنه شاعر النضال من أجل الإنسان والحرية والتقدم.

*** *** ***

 

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني