قصص قصيرة
روزيت عفيف حداد
بقايا
كقطعة واحدة كانوا، هي والمقعد والنافذة؛ تحضن بيدها طفلتها وبالأخرى
تسند خدَّها، عيناها شاخصتان إلى المدى البعيد، تنسكب منهما دمعتان،
تستوطنان خدَّيها المتغضِّنين من صعوبات الحياة، في غمرة آلامها، نسيت
ابتسامة شاحبة على ثغرها، قد تكون سخرية من أقدرها؛ فجأة وكأنما
مسَّتها الكهرباء، أفات قلبها دقَّات متلاحقة إثر نظرات ملتهبة، التفت،
رأتْهُ، بلهفة دنَتْ منه، تحسَّست دفء الحياة في يديه المستقرَّتين على
صقيع كرسيه المدولب.
قالت:
-
أقاموا لك مأتمًا!
أشاح نظره وكتب:ـ أشعر بك ولا أسمعك.
أحضرت ابنتهما وقد أشرق وجهها، بحثت عنه؛ لم تجده.
***
نصيب
تسير في الاتجاه المقابل، تترنَّح، ترمقني بحذر، وتحاشيًا لها، اتكأت
على سور الجسر، أتأمل الزوارق المتراقصة تحت ألوان الغروب؛ اختلَّ
توازني، تقطَّعت أنفاسي، ارتجفت رعبًا إثر صفعة صاعقة استقرّت على
وجهي.
***
أزيز
في يوم ماطر، تمسك الفرشاةُ يدَه، تشدها إلى فضائها، تقول له:
-
مللتُ الوحدة والأبيض.
يضحك، تشرق الشمس، يستعير من قوس قزح ألوانًا، ترقص الفرشاة وينتشر
الفرح.
فجأة، يتشظَّى جسده؛
تزهر اللوحة بشقائق النعمان.
***
كفيل
يقف على عتبة غرفتها، الضوء خلفه، تستيقظ على همهمة لم تميِّز مصدرها،
مدى ارتباطها بالظلِّ المخيف على الجدار المقابل.
تقفز من سريرها مستنجدة بأقرب شخص، يحضنها، يأخذها إلى غرفته، يهدِّئ
بها الوحش القابع في دخله.
***
عشق مبتور
تفتح النافذة للشمس ولأريج الربيع، تجلس قربها، تردُّ التحايا بأحسن
منها؛ أصبحت تعرفهم؛ تستمع إلى أغانٍ ناعمة حالمة بالحبِّ والأزاهير.
اليوم طال انتظارها لتلك الوردة التي تسقط عليها، يوميًا، من السماء.
أدركت ببصيرتها وصوت النوَّاح، أن جارهم الشاب، المقعد، قد تُوفيَّ.
***
صرخة
تزوج ابنة عمه الجميلة، لأنَّه بها أولى.
أصبحوا أربعة أطفال، أفواه مفتوحة، عيون شاردة، أجساد متهدِّلة لا تقوى
على الحركة.
تدور الأمُّ في فلكهم، تذوب في خدمتهم دون شكوى أو أمل، القلق يعصف بها
لمآلهم.
طرق خفيف على الباب، في نفس الموعد، تفتح، ترفع الكيس عن الأرض وهي
ترقب ذاك الرجل الأنيق، يركب سيارته إلى جانب زوجته.
لا تستطيع محوه من سجلِّها الدَّاخلي كما فعل مع أولاده.
***
رغبة
الحزن يكتنفها، كم نصحَته أن يذهب إلى الطبيب، رفض.
تعود في غير موعدها؛ سترته على المشجب؛ تحضِّر القهوة لتفاجئه، تدخل
الغرفة؛ موسيقى حالمة وقميص نوم ورديٍّ على السرير، من تحت الغطاء تظهر
أربعة أقدام ذكوريَّة.
*** *** ***