قصائد مختارة

 

مكسيم نوفل

 

من المعنى

مِنَ المَعنى،
تَعضُّ الخيلُ، خيلُ الرَّوحِ،
أضلعنا،
من المعنى..
وأمَّا اللفظُ؛
بوتقةٌ
لوصف الشيء
والألفاظُ مُشرعةٌ
على الأبواب رهنَ الرَّيحِ،
تحملها إلى ما شاء هذا القلبُ
تنثرها وتمطرنا...
من المعنى،
يعضُّ القلبُ لحمَ القلبِ،
يُوجعهُ
ليبكي دونما سببٍ
فيحيينا
ويقتلنا...
من المعنى...
يقولُ الصَّمتُ
ما لا لفظَ يحملُهُ،
فيحملنا،
يحلِّقُ في أعالي الشوقِ
لِلّا شيء...
ثمّ ينوءُ بالمعنى
فيُفلتُنا..
من المعنى.

***

حتى النهاية

الوقتُ منتصفُ الطريقِ،
وأنتَ وحدكَ لم تَخَفْ عند المفارقِ،
ليسَ أنَّك تعرفُ الطُّرُقَ الصَّوابَ،
وإنّما،
مثل الذين تيَّقنوا
أنَّ النهاية عندها
يلتمُّ شملُ الأيمن القدسيِّ بالضدِّ الغبيِّ،
ومثل كلِّ الكافرين بحكمة الأجداد،
تختارُ البعيدَ بلا مبالاةٍ عنيدة...
كم تلك ميزتُكَ الوحيدة...
يا سيِّد العبث المؤدي حيثُ تجتمعُ الدروبُ جميعها،
يا سيِّدَ الأضداد والحمقى،
ومُوسِعَ دربَ رحلتنا الفريدة..
خذني على فمها قصيدة.

***

النوافذ

غدًا نلتقي،
لا تسدِّي النوافذ،
إنَّ النوافذ روحُ الطريقِ،
وإن خاصَمَتها
توحَّشَ فيها الأسى والضَّجر.

أخاف على القلب قلبي،
زقاقًا بلا كُوَّةٍ يشرق الضوء فيها،
وأخشى من الليل،
ليل السفر،
نوافذَ تعبسُ حينَ المطر.

غدًا نلتقي،
لا تسدِّي النوافذَ هذا المساءَ،
فحُمَّى السَّفر،
من الليل، ليل المسافر تأتي،
كما الحلم تأتي،
سماءً تُعدُّ المدى للقمر.

***

الجثُة الأخيرة

لولا تُذكِّرني يداكَ بما نسيتُ من الحكايا
عن بلادٍ فيَّ غيَّرها الزمان...
قضَّى التتارُ الليلَ في رأسي
أسالوا في دمي حبر القصائد كلها
حتى انمحت بغدادُ روحي كلها،
صِفها!
أُعيدُ بناءها
من وحي وصفك مثلما أحببتَها...
عَبَرَ التتار!
ماذا يضير اذا تجاوزتِ الحكايةُ مطلع الفجر الأخيرِ
وفاتَ مصرعنا النهار...
قل يا حبيبي أيَّ شيءٍ
ينفضُ الوعثاءَ عن كُتُبي
ويُرجعها لمكتبتي اليتيمة...
ماذا أنا من غير بغدادي الكليمة...
ماذا يضيرك لو تفقَّدتَ الكروم برحلةٍ أخرى،
على غصنٍ هناكَ في الانتظار يمامتانِ
ووردةٌ تذوي سقيمة.."

رحل التتارُ وخلُّوا بيننا،
بغدادُ،
مُدِّي ما تبقَّى من أصابعكِ،
اغمسيها،
لا تخافي،
في دمي
وتحسسي قلبي،
اخدشيه لعلَّ لي قلبًا،
على وجعي،
يُحبُّكِ من جديد...
رحل التتار، حبيبتي،
والكلُّ مذهولٌ
يُفقّدُ ظِلَّ ما قد كانَ،
ضمِّي
ما تقطَّعَ في الأسى منِّي ومنكِ،
لعلَّنا نكفي
لنصنع
قاربًا يُهدي لدجلةَ
لحمَ موعدنا الوحيد.

رحل التتار،
وما هنا إلَّا أنا والغيبُ والدَّمُ،
فافعلي ما شئتِ،
لم نحيى كما نهوى
فحسبُكِ أنْ نموتَ كما نُريد.

***

في الطريق

تَعِبَتْ طريقُكَ منكَ فابحثْ
عن ظلالٍ للوقوفِ
لعلَّ تتسعُ الطريقُ لغير خطوتك الوحيدة...
واخلع من الصَّدرِ الضعيفِ
فؤادَكَ المثقوبَ،
عَلِّقْ عُريهُ من غصنِ هذا الظلِّ
وانظر من بعيدٍ
لن ترى غير الغريبة...
وحدها
لفَتَ انتباهتها انكسارُ الضوءِ
من قلبٍ تزيَّن بالثقوبِ وبالأسى،
اقترَبَتْ ومدَّتْ
في الثقوبِ أصابعًا
لترى اكتمال الظلِّ،
ظلِّ القلب،
في يَدِها،
وأصبح ممكنًا
لهمومها
أن تستريحَ كأنَّما هو قلبها
رَتَقَتْ تمزُّقه بقلبك
واستراحت حين أنجزت المهمَّةَ،
تلك مهنتها الفريدة...
وانظر،
سيقتربُ المساءُ
ويدفنُ المعنى
وتنسحبُ الأصابعُ من ثقوبكَ
ثمَّ تتركك الغريبةُ
مُشرعًا للريحِ
تصفِرُ من ثقوبِك وحدَها،
فارفعهُ، قلبَك،
وارتديه وأكمِل السَّفرَ المقدَّس
ليت للمعنى حقيبة...

***

اسم

...

والذي يكونُ بي حولَك..
والذي يكون بك حولي..
...
- تعالَ لا نختارُ لَهُ اسمًا يدُلُّ عليه..
يدُلُّ مَن!
ولن يُناديهِ غيري وغيرك!
هكذا إن احتجنا نسيانَهُ كان نسيانُهُ أيسر..
حلوٌ "أيسر!"
تعالَ نُسمِّيه "أيسر"
...
إنَّما هكذا سيكون نسيانُهُ صعبًا،
ولن يعودَ اسْمُهُ يدلُّ عليه
...
تعالَ لا نختارُ لَهُ اسمًا...
لنتركهُ للريح... مثلي ومثلك...
...
تعال نسمِّيه غيمَة...
هكذا كلَّما ذكرناهُ سقانا أنا وأنت...
وإذا لم يمطر جعلناهُ ظلَّ سحابة...
...
تعالَ لا نختارُ لَهُ اسمًا...
حينها، حين تنساني،
تقولُ للريح: لم يَكُن لنا شيءٌ لَهُ اسم...
...
تعالَ لا نُسمِّيهِ باسمِهِ،
وقُلْ: "ضيَّعتُهُ"،
ضيَّعتُهُ!
أفلتَ من شَعري،
حين أطلقتُ شَعريَ للريح.

***

طريقًا واحدًا للبحر

ولكَ الحكايا كلها
والوردُ،
كوبُ القهوةِ الخمريُّ والصُّورُ القديمةُ كلُّها،
وقميصيَ الكحليَّ والكتبُ الثمينة،
والإناءُ،
النبتةُ الخضراءُ،
أغطيةُ السريرِ،
وزهرةُ الأوركيدِ،
واتركلي طريقًا واحدًا للبحر...
..
دربًا واحدًا للبحر...
واتركلي،
ممرًّا واحدا للبحر،
ليس به مكامِنُ للسُّقوطِ
أو الوقوف أو التَّذكُّرِ
والحنين.
كلُّ الأحبَّة غادروكَ،
وقطَّعوا طرقاتِ قلبك بالغيابِ
وبالعتابِ،
على السنين..
...
كُلّ الذين تُحبُّهُم ذهبوا،
وخلّوا خلفهم أكوامَ فوضاهم
على قلبٍ يضيقُ بحملهِ،
يا حُبُّ خُذ كُلَّ الذي تلقاهُ
لَملِم ذكرياتي كلَّها،
كنِّس فضاء القلبِ،
يُلقي حملهُ قلبي،
ويقفز في فمِ اللاشيءَ،
ودِّعني،
وقُل للقلب:
"
لا تحزن، يُغادِرْك الأحبَّةُ سالمين"..

***

مدفن

وتعرفين كيف..
عندما أريد أن أقول شيئًا..
وحين لا أريد أن أقول،
تعرفين كيف،
أَدفنُك..
...
ولم يكن في خاطر صاحب الجنَّة،
أن الفزَّاعة تارةً تزجرُ الطيور،
حين لا يروق لها الكلام...
وحين تشتهي وصفًا للنهر وراء التلَّة،
تُغويها بكتفين لذيذتين دفَّأتهما الشمس،
تَعِدان بساعةٍ من راحةٍ لجناحين ضعيفين.
ولا كان ذلك في خاطر الطيور!

تعرفين كيف هي الريح،
تهبُّ تمامًا في الطريق إلى الجزيرة الموعودة،
تستدرجُ الأشرعة أقربَ إلى فم الموج،
ثُمَّ تملُّ!
تسكُنُ كطفلةٍ تتحسسُ مواهب الشرِّ في ذاتها،

تُراقبُ غولاً يبتلعُ ما تلقي له يدها الناعمة.
..

ولا الفزَّاعةُ ولا الريحُ تأبهُ بما يجولُ في شهوةِ حالِمٍ نَهِم..
إنَّما هي شهواتها وشؤونها هي..
تعرفين كيف..
حين تلزمنا ساعةٌ من تعب،
لنزرع لذَّةً إضافيَّةً في لذَّة الرَّاحة..
وتعرفين كيف..
أختلقُكِ بنفسي لنفسي..
حتَّى إذا بلغتُ جزيرة الكنز، دفنتُك..
أو لا تعرفين.. كيف..
الفزَّاعةُ والرِّيحُ وساعةُ التَّعب.. بلا روح..
وهذا الغضب،
لا شيء إلَّا شَعرُكِ،
في مهبِّ الرِّيح..

*** *** ***

 

 

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني