المدينة

 

مكسيم نوفل

 

المدينة 1

قد كانَ أَخَّرَني الذُّهولُ على نوافذها الكثيرة،
حين غلَّقَتِ المدينةُ بابها ليلًا،
وألقَتْ سِحرها الخمرِيَّ في عينِي
وفوَّتُ القطاراتِ المغادرةَ الأخيرة...

حين غَلَّقَتِ المدينةُ بابها ليلاً
وقالت هيتَ لكْ..
ما أجملكْ..
ونظرتُ،
وانتبهَ الفؤادُ الغافلُ المسبيُّ،
للقُبحِ المخبَّأ تحتَ جُنحِ غنائها المعسولِ
في ليلٍ حَلَكْ..
وركضتُ
أستبقُ الكلابيبَ التي جاءَتْ تُطاردُني
وقَدَّتْ لحمَ ظهري
حين ألفينا عيونَكِ عند بابِ العُمرِ
يعصِرُها العِتابْ..
أنا صاحبُ الذنب الكبيرِ، حبيبتي،
لكنّ لَحْمي
قُدَّ من دُبُرٍ
وأعجزني الإياب
فابني للحمِ العُمرِ لو سجنًا،
أَحَبَّ إليَّ من غِيِّ المدينة
والغياب.

***

مطر

كم هو حُرٌّ..
المطر،
ليس به حاجة أن يبرهن أيَّ شيء لأيِّ أحد..
ينزل أو لا ينزل..
على الشاكرين وعلى الكافرين وعلى العطاش وعلى لا أحد!
على البحر!
ينزل في الصحراء،
بشتاء وبغير شتاء..
ليس به حاجة لأن يبرهن أي شيءٍ..
ليس عليه أن يكون معقولاً
ولا منطقيًا
ولا عادلاً
ولا مستأذنًا
يمُرُّ كما ينبغي له في عهوده السريَّةِ مع الرِّيح،
غير آبهٍ لمنتظر ولا لمتسائل،
وينصرفُ إلى حيثُ شاء إلهُه..
وله أن يحبه الذين يعرفون الحب..
يبرؤونه ويتَّهمون السَّيل!

***

هي امرأة

تُمشِّطُ العصفورَ في يدها،
تُرتِّبُ ريشه للريحِ،
"ما شأني أنا بالغيبِ،
يلزمُ شُرفتي لونٌ
من الأوركيد، أكثر بهجةً،
لكنْ
يُعذِّبُني الأسى
في نظرةِ الأوركيد
إن أخطأتُ في حقِّ النباتِ المنزليِّ.."

وتُعيدُ ترتيبَ الملاءاتِ المُزخرفةِ الرَّقيقةِ،
قبل أن تُلقي على الشُّبَّاكِ
نظرةَ واثقٍ مُتَمرِّسٍ:
"كم كان يجدُرُ بي التخصُّصُ
في تصاميمِ المُدُن".

***

مدينة2

في غابةِ الإسمَنتِ
يحمِلُ ليلتي خمرُ التَّذَكُّرِ
لحظةً
للأخضرِ المشنوقِ
في سقفِ المدينةِ،
لاجِئًا فَظًّا غليظَ القلبِ،
منبوذًا على الإسمَنتِ،
تمنحُهُ النَّوافذُ وحدها
حقَّ اللُّجوءِ
تَعطُّفًا،
عقدًا من الحَجَرِ الرَّخيصِ
يُكفِّرُ الذَّنبَ الرَّماديَّ الكبيرَ
على مفاتِنِها – المدينة...
كم كُلُّ أشجاري رهينة..

***

بوح..

خدَرٌ يفيضُ على عظام الرَّوح،
بعد تلاحق الخيبات،
تزرعُنا ابتساماتُ البلادةِ
بالشَّجاعةِ فجأةً
لنقولَ أشياءً
ستكشفُ عن غضاضتنا
لليلٍ
كانَ يُنصِتُ
حين نَبَّشنا ثياب الليلِ
عن معنىً لهذا الليل..
أدرَكَنا الصَّباحُ
وكان صمتك وحده
رثَّ الثَّياب..

الفجرُ والليلُ سواءٌ في الضَّباب.

***

هجرة

تبدو القصيدةُ دائمًا
حِكرًا عليكَ
فرُدَّها لي مرَّةً
وانظر بعيدًا
علَّ تقترب الشياطينُ التي
شرَّدتَها ببريق عينيكَ،
ابتعدْ،
خلِّ المكان مُعتِّمًا
حتى أرى وجهي كوجهي،
لا كما تهوى شجونُكْ.
روحي تخونُكْ...
وتخونني،
ظلًا يُلاعبه الهوى
لا ها هنا،
لا ها هناكَ،
تعبتُ
فاترك لي طريقًا واحدًا للبحر
منحدِرًا يُدحرِجُ خطوتي،
للبحرِ!
ليس بهِ لكفّيْكَ قواربْ..
وجعي عقاربْ..
نهَشَت وتنهشُ
كلَّما ساءلتُ نفسي
من أنا إلّاكَ...
ضيَّعتُ وجهي
في دخان هواكَ...
أزِفَ الرّحيلُ
وليس لي عُمرٌ
لأحملَ غيرَ قلبٍ واحدٍ،
قلبي أنا،
خُذ كُلَّ ما ألقيتَ في مجرى دمي،
أحتاجُ أن أسري خفيفًا
خاليًا من كلِّ شيءٍ،
منك،
من جوع القصيدة لاسمكَ المبثوثِ في لحم الكلامْ..
وطني، السَّلامْ.

***

لو...

أهذي:
وماذا لو مررتُ الآنَ قُربكَ
ثُمَّ ماذا
لو لمستُ قرارَ قلبِكَ
ثُمَّ ماذا
لو تحجَّرَتِ المسافة بيننا جسرًا،
وأَجَّلكَ الغيابُ،
فَذُقتُ عطرك...
ما آنَ للكفِّ التي
لهَثَت وراء سرابِ دفئكَ
أن يُفاجئها برغم البُعدِ دفؤك؟
ماذا لو العينُ التي وقفتْ
على الشُّبَّاكِ تخترقُ المدى
بحثًا وترتكبُ الخيالَ
يُضيؤها كالبرقِ وجهُك؟
ماذا لو انتهت القصيدةُ،
مرَّةَ،
بكَ أنتَ
لا بتوجُّسي:
"هل كنتُ أحلمُ
أم أناملُكَ الصغيرةُ لامست صدري
وذوّبَتِ الغيابَ
وكنتُ أحلُمُ
أم رأيتُكَ حين ذابَ
وكنتُ أحلُمُ،
أم سمعتُ حنان همسك...."
أهذي: وماذا لو مررتُ الآن قُربَك..

***

عن الطريق

... قالَ الذي اختارَ الرَّحيلَ:
أنا الطريقُ رفيقَتي،
واللَّيلُ مَرْحَلَةٌ،
وهذا الغَيْمُ
مِرسالُ الأحبَّةِ والشَّجر،
يتلو على سَمعِ الجراحِ
رسائلَ الوطنِ البعيدِ،
ندىً، وقَطْرًا أو مَطَر...
أمَّا الغريبُ على الطريقِ
فَلَوعتي...
أمَّا الغريبُ على الطّريقِ
فَعَودتي...
أمَّا الغريبُ على الطريقِ...
أنا!
ووحدي مَن يُجَمِّلُها تجاعيد السَّفَر...
وحدي أُعبِّئُ مِلحَ هذا البُعدِ
في الجُرحِ المُشَرَّعِ للدُّنا
وأَبيعُهُ شِعرًا، ونثرًا،
أو صُوَر...

*** *** ***

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني