ديانة الدرويد وأسرارهم
يأتي
الدرويد (كهنة الطبيعة في بلاد الغال "فرنسا القديمة") بعد المصريين،
في عبادة إله واحد. وقد شيدوا للإله مذابحًا من الحجر الخام من دون صوت
مطرقة، وأقاموا طقوسهم في حقول مفتوحة، وآمنوا بوجود سماء للأخيار،
ووجود جحيم للأشرار، وآمنوا بخلود الروح. أكرم الدرويد آلهة كثيرة
كاليهود والمسيحيين الذين أتوا بعدهم، ولكن لم يكن ذلك وفقًا لأصول
العبادة. فقد آمنوا بالثالوث الإلهي في ثلاث صفات، وقاموا بإسداء إكرام
لكل واحدة من هذه الصفات.
لدى ديانة الدرويد وجهان: عبادة الإله الواحد، والإكرام لآلهة النجوم،
والعناصر، والهضاب، والأشجار. وكان المسارَرون مطَّلِعين على طقوس
الكاباري الفينيقي
Cabari Fenicio
وامتلكوا عقائد باطنية، واحتفالات دينية، ولكنهم لم يعطوا الشعب إلا
ذلك الذي كان بوسعهم جعله مفيدًا ونافعًا، وليس ذلك الذي لم يكن فهمه
ممكنًا.
إذا ما اقترف أحد ما مبتدئ أو مسارَر حماقة ما، فكانت عقوبته تتم بطرده
من الجماعة، وكان ذلك عقابًا هائلاً. فالتعاليم الفلسفية والدينية
الدرويدية (نسبة للدرويد) كانت مكتوبة في مقاطع شعرية يصل عددها حتى
العشرين ألفًا. وزُيِّنَت هذه التعاليم من قِبَل الكهنة العلماء، ولم
يكن مسموحًا كتابتها، وبهذه الطريقة كان المُرشَّح يبقى أكثر من عشرين
سنة تحت الملاحظة والدراسة.
كان الدرويد يستخدمون بارودًا في مسارَرتِهم لكي يعطي رمزًا للشعلة
المقدسة التي يتوجَّب على التواق إليها أن يعثر عليها في ذاته قبل أن
تتم مساررَتَه. وهم كانوا يدعونها "بهاء الله". وعندما يموت درويدًا
كانوا يضعون على صدره إناء يحتوي على تراب وملح، الأمر الذي يعني "فساد
الجسد وخلود الروح غير القابلة للفساد".
كانوا يتداوون قبل توقع الداء الذي يتطلب شفاؤه. وكانت لديهم عبارات
كثيرة تنسَب لشفاء الأمراض، كالتالي على سبيل المثال: "الجذل، والقناعة
والنهوض باكرًا يجلب الصحة والسعادة". واحدة من أعظم فلسفاتهم هي
التالي: "القواعد الثلاثة للأستذة: أن ترى، وأن تدرس جيدًا، وأن تتألم
كثيرًا". وأخرى تقول: "القواعد الثلاثة للفكر: الصفاء، والرحابة،
والدقة". وعلى هذا النحو كانوا فلاسفة الروح والجسد.
يعد الثعبان واحدًا من أهم رموزهم، وكان وضع ثعبان ذهبي فوق صدر
المسارَر إشارة للولادة الجديدة. وكان على المُسارَر أن يشعر أولًا
بالثعبان الناري لكي يكون لديه الحق بوضع رمزه على صدره. فهو بحاجة
لإيقاظ الشعلة المقدسة لعضوه التناسلي عندما يتعبَّد للروح والحق.
وكانت تجري عبادة الثعبان ضمن دائر فيها نقوش سرانية. وكان يضع على
رأسه تاجًا مثلثًا (رمز للنور أو الهالة التي تحيط برأس المسارَر). كما
كان يتم إلباسه رداء أرجوانيًا (رمز الحب النزيه تجاه الإنسانية)،
مُزوَّقًا بصور النجوم (ملَكَة النور والأفكار النورانية)، ويحمل
عكازًا في اليد (صولجان مرتفع "الفالوس" المنتصِب). إنه ملِكٌ لأنه
توصل أن يصير مُسارَرًا.
يرمز زحف الثعبان الناري على الأرض للتدمير، فهو هنا الطاقة المنوية
المقذوفة على الأرض، ولكنه عندما ينتصِب فهو هنا رمز للخلود والحياة،
وهو التجدد وكل ما كان وسيكون. وكان فراعنة مصر يضعون على تيجانهم
ثعبانًا ذهبيًا في الجزء الملائم للجبهة رمز المُسارَرَة العليا.
قذف العبرانيون منيَّهم على الأرض في الصحراء، فتحول المني إلى ثعابين
سببت لهم الأمراض والموت. ولكن بأمر من موسى انتصب الثعبان وأصبح
مانحًا للحياة ومخلصًا للأرواح. فالثعبان في الجنس هو النار المرتفعة
نحو عرش الله، فيجعل من نفسه نورًا مقدسًا وشعلة لا توصَف، تجذب وتجتاح
الروح. لا يجب أن ننسى أيضًا أن للخلية المنوية هيئة ثعبان حيث يكمن
الإنسان – الإله.
تكونت مذابح الدرويد من صخرة كبيرة موضوعة فوق عمودين خشنين ويأمر
قانون الدرويد بأنه لا يجب لأي أداة أن تلمس الصخرة المقدسة (لا أكثر
ولا أقل من الشريعة الموسوية لسفر الخروج 20:25: "لا تبني مذبحًا من
قطعة صخر"). ولكن هذه الوصية تم نسيانها آلافًا من السنين فيما بعد.
ونُصِبَت هذه المذابح في ظل شجرة قوية، كشجرة البلوط، وهكذا رأينا حال
إبراهيم من تحت شجرة بلوط منراح
Menrah،
فبنى مذبحًا للرب، وهناك استقبل ثلاثة ملائكة كضيوف حلوا عنده.
عبد الدرويد الإله في الشعلة المقدسة الداخلية وأكرموا علانية النار
كشعار للشمس ورمز لنار الجنس الإلهية. وكان لدى كل الأديان نيرانها
المقدسة التي ليست هي أكثر من رموز لنار الجنس في الإنسان. ولدى
الدرويد أديرتهم وأخوياتهم الأنثوية كالراهبات في وقتنا هذا، ولديهم
أيضًا ثلاثة نذور بالنسبة لثلاث رتب. كان الأول نذر الخدمة بحرية في
المعابد، ولم يبعِد الراهبات عن عائلاتهن. وكان الثاني بالنسبة لأولئك
الذين كانوا يساعدون الكهنة في الخدمات الدينية. وكان الثالث بالنسبة
لأولئك الذين ينذرون العفة والتوحد والذين كانوا يشكلون أركان
البريتانيين.
كان لدى كاهنات الإلهة ڤستيا الواجب في إزكاء النار المقدسة وعدم تركها
تُطفأ، وإلا ستكون عقوبتهن الموت. بريجيت
Brigit
إلهة الشعر والفيزياء والحدادين في كيلدار
Kildar،
وكانت مهمتهن في إيرلندا أن يحافظن على النار المقدسة مشتعلة دومًا،
وعندما تم إلغاء الدرويدية من هناك، أصبح الكهنة الدرويد رهبانًا
مسيحيين، وتحولت
Brigit
إلى القديسة بريجيت أو بريجيتا، شفيعة إيرلندا. وخلال حكم هنري الثامن
Henrique VIII
تم إلغاء أديرتهم ورهبانهم.
وكان الكهنة الفينيقيون يستخدمون قمصانًا كهنوتية بيضاء، في حين كان
الكهنة الفارسيون يستخدمون ثيابًا خشنة
Cordorinas
من حيث أتى المئزر الماسوني (الإزار الخشن). كما كان الكهنة الفارسيون
يحملون قصبة فضية جوفاء في ملابسهم، والمطارنة الأروثوذكس في طقوسهم
يحملونها في أثوابهم كما يفعل كهنة اليهود.
يتلاءم العكاز الأسقفي الرعوي وأصحاب المقامات الإكليريكية مع ألقاب
الشرف الرومانية ومع عصا اليوغيين. إنه رمز الثعبان "الفالوس" على
الصليب.
كانت تجري ممارسة الصيام قديمًا من أجل تطهير الدم وتهيئة التواق لبعض
الأعمال الروحية المتعالية. والشموع المشتعلة على المذبح هي ممارسة
البقاء المستمر في النور، وفي المعابد.
كان المصريون يحتفلون بـ"عيد القناديل" فينزلون على قوارب في نهر النيل
حتى يبلغوا معبد إيزيس
Isis،
وتبدلت هذه الخدمة في عشيات زماننا هذا.
كان الفارسيون يستخدمون ماءً مقدسًا يسمونه
Sor.
إنه الماء مبدأ التناسل الذي يتحول إلى شعلة مقدسة.
ومثَّل الدرويد بعض الرقصات الدينية والركعات التي كانوا يحاكون من
خلالها مدارات الأفلاك السماوية. وقد احتفظ بها الكرادلة والدراويش
والماسونيون عند تقدمهم نحو الشرق.
وكان المصريون يقذفون ترابًا على النعش ثلاث مرات ويقولون: "التراب
للتراب، والغبار للغبار، والرماد للرماد".
تقديم البرشانة المصنوعة من الطحين قديم جدًا قِدَمَ الأديان.
المعمودية ومسحة المرضى بالزيت من أجل تطهير الروح كان طقسًا يُلاحَظ
منذ آلاف السنين قبل الفترة المسيحية. وكان الأطفال بعد هذا الطقس
يتلقون إشارة الصليب وكانوا يُعطَون الحليب والعسل. وعندما كان الصبي
يصل إلى عمر الخمسة عشر عامًا يضعه الكاهن في الإسكيم (ثوب رهباني)
ويُدعَى سودرا
Sudra
وكان يمنطقه ويُشدِّد عليه مدربًا إياه على أسرار ديانته.
الصليب الذي هو رمز الحياة. الصليب آنساتا
ansada
هو رمز فالوسي ويمثل اجتماع مبدأين معًا. ويجري إكرام الصليب كرمز
للخلق وتجديده منذ قرون سبقت صلب يسوع. فالصليب يُعثَر عليه عند الشعوب
القديمة قاطبة على وجه الأرض.
ترجمة: نبيل سلامة
*** *** ***