رباعياتٌ أربع
"بورنت نورتون"[1]
ت.
س. إليوت
"مع أن
الحكمة كونية، أغلب الناس يعيشون كما لو أن لديهم فهمهم الخاص"
"صعوداً ونزولاً، الطريق هي ذاتها"[2]
هرقليطس[3]
(1)
الحاضرُ والماضي
-كلاهما-
حاضرانِ ربَّما في الزَّمن الآتي
والزَّمانُ، المقبلُ منه محتوىً فيما كانَ.
فإنْ الزَّمانُ كلّه الآن أبدًا،
فالزَّمانُ كلّه لا يستردُّ أبدًا.
هو استغراقٌ، ما كانَ ممكنًا أن يكونَ
باقٍ، كاحتمالٍ دائمٍ
فقط في عالمٍ من التَّخمينِ.
ما كانَ ممكنًا أن يكونَ وما هو كائنْ
يشيرانِ إلى ذاتِ الخاتمةِ، الحاضرةِ دومًا
وقعُ أقدامٍ له رجعٌ في الذَّاكرةِ
عبرَ المعبرِ الذي لم نعبرهُ
نحو البابِ، بابٌ[4]
أبدًا لم نفتحهُ
إلى حديقة الوردِ. ترجع كلماتي
هكذا، في بالكَ.
لكن لأيَّة غايةٍ
نُربِكُ الغبارَ على المزهريةِ
لستُ أدري.
أصداءٌ أُخرى
تقطنُ في الحديقةِ. أعلينا أن ننصاعَ؟
أسرعوا، قال الطّيرُ، اعثروا عليهم، اعثروا عليهم،
خلفَ المنعطفِ. عبر البوابةِ الرَّئيسيَّةِ،
إلى عالمنا الأولِ، أ علينا أن ننصاعَ
لتضليلِ الطَّائرِ المغرِّدِ[5]؟
إلى عالمنا الأولِ.
كانوا هناكَ، أجِّلاءَ، ولامرئيِّين،
يتحركون خِفَافَ الوطءِ، فوق الأوراقِ الميتةِ،
في حرِّ الخريفِ، خلالَ الهواءِ الحيوي،
والطَّيرُ هتفَ، في استجابةٍ
للموسيقى اللّامسموعةِ المخبوءةِ في الأجمةِ،
والنَّظرة المُسْتَرَقَةُ رُميتْ، لأن الورودَ
بدتْ كما لو أنها رُئيَتْ.
هناك كانوا كضيوف علينا، مقبولين وقابلينَ.
هكذا، نحن – وإيَّاهم - بأسلوب غير عفوي، متحركينَ،
عبر الممرِ المقفرِ، نحو حلقةِ شجر البقسِ[6]،
لنلقي النَّظر إلى الحوض المستنزفِ.
جَفِّفِ الحوضَ، اسمنتٌ جافٌ، أسمرُ الحوافِ،
والحوضُ مُلِئَ بالماءِ من ضوءِ الشَّمسِ،
وارتفعتْ أزهار اللَّوتسِ، بهدوءٍ، بهدوءْ،
سطحُ الماءِ تلألئ من قلبِ الضَّوءْ،
وكانوا خلفنا، في الحوض منعكسينَ.
عندئذٍ
مرَّتْ
غيمةٌ، فصار الحوضُ
فارغًا.
اذهبوا، قال العصفورُ، لأن الوريقاتِ كانتْ غاصَّةً بالأولادِ،
مختبئينَ بحماسةٍ، الضَّحكَ
يكتمونَ.
اذهبوا، اذهبوا، اذهبوا، قال الطيرُ: بني الإنسانِ
الكثيرَ من الواقعِ لا يحتملونَ.
الزَّمنُ الماضي والزَّمنُ الآتي،
ما كان ممكنًا أن يكونَ وما هو كائنْ،
يشيران إلى ذات الخاتمةِ، الحاضرةِ دومًا.
(2)
الثُّومُ والياقوتُ كلاهما في الوحلِ
يعيقانِ دورانَ عجلاتِ المقطورةِ حول محورها.
خطُّ النِّهايةِ المزغردِ في الدمِ
يغني تحتَ ندوبٍ عريقةٍ
حروبًا منسيَّةً منذ أمدٍ يُسَكِّنُها.
الرّقْصَةُ في الشّريانِ،
دورةُ مصلِ الدمِ،
موضَحَتَانِ في مسرى النجمِ.
نتسلَّق إلى الصَّيفِ في الشَّجرةِ،
نتحرَّكُ فوق الشَّجرةِ المتحركةِ،
في ضوءٍ فوق الورقةِ المزركشةِ،
ونسمعُ فوقَ الأرضِ الرَّطبةِ،
أدناهُ، الخنزيرَ البري وكلبَ الصيدِ،
كما من قبلٍ – مطاردةٌ - على ما اعتادا[7]
لكن بين النّجومِ توادَّ.
عند النُّقطةِ السَّاكنةِ من العالمِ الدوَّارْ. ليس من سمنةٍ ولا
هزالٍ،
لا من ولا إلى، عند النُّقطةِ السَّاكنةِ، هناك يكون الرَّقصُ،
لكن ليس من كبحٍ ولا من حركةٍ، ولا تدعوه جمودًا،
حيث يجتمعان، الماضي والمستقبلُ. ليس من حركةٍ نحو أو عكسْ،
ليس من صعودٍ ولا من هبوطٍ. لولا النُّقطةُ، النُّقطةُ السَّاكنةُ،
لما كان رقصٌ، وليس ثمة سوى الرَّقصْ[8].
فقط أستطيعُ القولَ: لقد كنا هناكَ، لكن أين، لا أستطيعُ القولَ،
ولا أستطيعُ القولْ، كم لبثنا، لأن ذلك توقيتٌ.
الحريَّةُ الدَّاخليَّةُ من الرَّغبةِ العمليَّةِ،
الإعتاقُ من الفعلِ والمعاناةِ، إعتاقٌ من الإكراه الدَّاخليِّ
والخارجي، لكن مطوَّقًا
بنعمةِ حسْ، ضوءٌ أبيضٌ ساكنٌ ومتحرِّكٌ،
ارتقاءٌ دون سيرٍ، تركيزٌ
دون إقصاءٍ، كلاهما عالمٌ جديدُ
والقديمُ جَعَلا جليًا
- ومفهومًا في اكتمالِ نشوتهِ الجزئيةِ -
الثَّباتَ
في رُعْبِهِ المحابي.
لكن التكبيلَ من الماضي والمستقبلِ
منسوجًا بضعفِ الجسدِ المتبدِّلِ،
يحمي البشر من النَّعيمِ واللَّعنةِ
التي لا يستطيع احتمالهما الجسدُ.
الزَّمنُ الماضي والزَّمنُ الآتي
إلا باليسير من الوعيِّ لا يسمحانِ.
أن تكون واعيًا لا يعني أن تكون في الزَّمانِ
لكن فقط في الزَّمانِ تستطيعُ اللَّحظةُ في حديقة الوردِ،
اللَّحظة في العريشة حيث ينبض المطرْ،
اللَّحظة في الكنيسةِ المهويةِ عند الغسقْ،
أن تُتذكَرَ، معنيَّةً بالماضي والمستقبلِ.
فقط بالزَّمنِ يُقهرُ الزَّمنُ.
(3)
ها هنا مكانٌ لانعدامِ الولاءِ
زمنٌ سابقٌ وزمنٌ لاحقٌ
في ضوءٍ خافتٍ: ليسَ بضوءِ النَّهارِ،
الذي يخلعُ سكينةً نيِّرةً على الأشكالِ،
مُحيلاً الظِّلَّ جمالاً عابرًا،
مقترحًا الديمومةَ بتعاقبٍ بطيءٍ.
ولا هو بظلامٍ ليطهِّر النَّفسَ،
مُفرِّغًا بالحرمان الحسَّ،
مُنقيًّا التَّعلقَ ممَّا هو دنيوي.
ليس بكثرةٍ ولا بخواءٍ. ومضةٌ، لا غيرْ،
فوقَ الوجوهِ المتكلِّفةِ المثقلةِ بالزَّمنِ،
المشتَّتةِ عن التَّشتتِّ بالتَّشتتِّ،
المملوءةِ بالتَّخيلاتِ والفارغةِ من المعنى.
لامبالاةٌ طنَّانةٌ دون كثافةٍ،
رجالٌ وقصاصاتُ ورقٍ، يلتفُّونَ في الرِّيحِ الباردةِ،
التي تهبُّ قبلَ وبعدَ الوقتِ،
ريحُ شهيقِ وزفيرِ رئاتٍ مُضِرَّةٍ.
زمنٌ سابقٌ وزمنٌ لاحقٌ.
تجشُّؤ أرواحَ مريضةٍ،
إلى هواءٍ ذابلٍ، الخامدون
مساقون بالرِّيحِ التي تمشِّطُ تلالَ لندنَ الكئيبةِ[9]
ليسَ هنا
ليسَ هنا الظَّلامُ، في هذا العالمِ المغرِّدِ.
اهبطْ أكثرْ، فحسبُ تحدَّرْ
إلى عالمِ العزلةِ الدَّائمةِ،
عالمٌ ليس عالمًا، لكنَّه ذاك الذي ليس بعالمٍ،
ظلمةٌ أبديَّةٌ، حرمانٌ
وإملاقٌ من كلِّ مُقتنى،
جفافُ عالمِ الحسِ،
وتفريغُ عالمِ الخيالْ
وعطالةُ عالمِ النَّفسِ؛
هذه طريقةٌ، والأخرى مثلها
مثلها، ليسَ بالحركةِ
بل بالامتناع عنها؛ بينما العالمُ يتحرَّكُ
في الشَّهوةِ، على دروبها المُعبَّدةِ
من الزَّمنِ الماضي والزَّمنِ الآتي.
(4)
الوقتُ والنَّاقوسُ وَارَيَا النَّهارْ،
السَّحابةُ الدَّاكنةُ بعيدًا تحملُ الشَّمسَ.
دوَّارُ الشَّمسِ إلينا هل يستديرُ، الظّيانُ[10]
هل يتدلى، منحنيًا لنا، الحَالِقُ[11]
والغصنُ
تتعلَّقُ وتتشبَّثُ؟
أصابعُ الطقسوسِ[12]،
هل تلتفُّ علينا؟
بعد أن استجابَ جناحُ الرَّفرافِ[13]
بخفَّةٍ للنورِ، وصامتًا،
النُّور
مازالَ
عندَ النُّقطةِ السَّاكنةِ للعالمِ المتحوِّلِ.
(5)
الكلماتُ تتحرَّكُ، الموسيقى تتحرَّكُ
فقط في الزَّمنِ، لكن ما هو فحسبُ حيٌّ
يستطيعُ فحسبُ أن يموتَ، كلماتٌ، بعد النُّطْقِ، تبلغُ
الصَّمتَ. فقط من خلالِ الشَّكلِ والقالبِ،
تستطيعُ الكلماتُ أو الموسيقى أن تبلغَ
السُّكونْ، مثلما لا يني يتحركُ في ثباتهِ الخزفُ.
ليس ثباتَ الكمانِ، بينما يدومُ اللَّحنُ،
ليس هذا فحسبُ، بل التَّعايشُ
أو بالأحرى النّهايةُ تَسبِقُ البدايةَ،
والبدايةُ والنهايةُ كانتا دومًا حاضرتانِ
قبلَ البدايةِ وبعدَ النهايةِ.
وكلُّ شيءٍ هو دائمًا الآنَ. الكلماتُ تُستَنزفُ،
تَتَشَقَّقُ، وأحياناً تَتَكَّسَرُ، تَحْتَ اللَّازمةِ،
بفعلِ التَّوترِ، تَزِلُ، تَنْزَلِقُ، تَنْدَثِرُ،
لن تبقى ساكنةً. أصواتٌ صارخةٌ
مُوَبِخَةٌ وسَاخِرَةٌ، أو فقط مُثَرْثِرَة،
دائمًا تُغِيرُ عليهم، الكلمةُ في الصَّحراءِ
أغلبُ ما تكونُ مُهاجمةً من أصواتِ الإغواءِ،
الظِّلُّ الصَّارِخُ في الرَّقصةِ الجنائزيَّةِ،
المرثاةُ الصَّاخبةُ لوهمٍ لا يُعَزَّى.
الحركةُ هي تفاصيلُ القالبِ،
كما في قوامِ الدَّرجاتِ العشرِ.
الرَّغبةُ ذاتها حركةٌ
ليستْ مرغوبةً لذاتها؛
الحبُّ ذاتهُ غيرُ مُتَحَرِّكٍ
فقط السَّببُ ونهايةُ الحركةِ،
أبديَّانِ، ولا يَشْتَهيانِ
إلا في منحى الزَّمنِ
عالقانِ في محدوديَّةِ الشَّكلِ
بين العدمِ والوجودْ.
فجائياً في شعاعٍ من ضوءِ النَّهارِ
حتى بينما يتحرَّكُ الغبارُ
هناك يعلو الضِّحكُ المكتومُ
للأطفالِ بين أوراقِ الأشجارِ.
بسرعةٍ الآنَ، هنا، الآنَ، على الدَّوامْ
سخيفٌ هو الوقتُ الحزينُ المهدورُ،
الممتدُّ قبلَ وبعدْ.
ترجمة:
دارين ناظم
*** *** ***
τοῦ
λόγου
δὲ
ἐόντος
ξυνοῦ
ζώουσιν
οἱ
πολλοί
ὡς
ἰδίαν
ἔχοντες
φρόνησιν
I. p. 77. Fr. 2.
ὁδὸς
ἄνω
κάτω
μία
καὶ
ὡυτή
I. p. 89 Fr. 60.
“Although the logos is
universal, most people live as if they had an understanding
of their own”
“The way up and the way down
are one and the same” (cf. Barnes, 1987:101, 103)