في ذكرى أكرم
أنطاكي: عام مضى... من وحي الغربة
نائلة قزح عنحوري
عام
مضى على رحيلك ونحن نتساءل هل من حكمة وراء هذا الرحيل المبكر؟ هل أن
هذا القدر قد أعتقك من رؤية ما سيحدث في هذا البلد الذي أحببتَ وبذلت
كل ما في طاقتك في سبيل أن تراه يتلمَّس طريقه وينفض عنه غبار سنوات من
الخوف والسبات.
ماذا كان شعورك وأنت صاحب الفكر والعقيدة التي تدعو إلى اللاعنف في
معالجة أصعب الأمور مما وصلنا إليه وما نعيشه من ثقافة العنف (الجسدي
والحسي واللفظي) وشلالات الدماء التي أصبحت زادنا اليومي ومحور حياتنا
وحياة أولادنا؟
أناس كثيرون هُجِّروا داخل البلد أو خارجها، أو هاجروا بملء إرادتهم
بحثًا عن الأمان والاستقرار بانتظار غد أفضل، ومنهم من بقي بإرادته أو
لأنه لا يملك السبيل للرحيل. لم يعد مفهوم الغربة مرتبطًا بالسفر وحسب،
إنما يكمن في ذلك الشعور بأنك أصبحت وحيدًا وأنت في بلدك، بفكرك ونظرتك
وفلسفتك في الحياة، ضمن منظومة لم تعد تملك مفاتيحها ولا تفهم آلية
عملها ولا كيف أوصلتنا إلى هذا الكمِّ من الحقد وقلب المفاهيم وحالات
الانفصام.
لكم كنا نرجو أن نعود ونجتمع ونتناقش في ذلك العالم الطوباوي الذي كنت
تحلم به، نتأمل في غد مشرق وفي شباب واعد، إنما للأسف رحلتَ باكرًا
وتركتَ الساحة لثقافة الضجيج وقرقعة السلاح، وما من أحد يستطيع أن يرى
حتى تاريخ اليوم أي بصيص نور في هذا النفق المظلم.
لكلِّ شيء نهاية، سنرجع يومًا وستعود الحياة تدب في عروق هذا البلد
العظيم إنما لن يكون لها نفس الروح ولا نفس الطعم، ولن نجد للأسف وجوه
أناس أحببناهم وتعلَّمنا منهم، أدركهم الموت قبل أن يقولوا كلمتهم
الأخيرة.
في ذكراك دائمًا... أكرم أنطاكي.
*** *** ***