دارين أحمد... بين التقليديِّ والحديث!

 

محمد باقي محمد

 

تبدأ دارين أحمد نصَّها صوت المُنشد٭ بما يُشبه الكادر التشكيلي أو السينمائي، لتنسب حدثها إلى مكان واقعيٍّ بقصد التبييئ، ثمَّ تشتغل على رفعه إلى مكان مشغول بدلالة النفسيِّ للتأكيد على لحظة المُفارقة، ناهيك عن اكساب المكان أكثر من حضور، ما قد يُحوِّله من حاضن يوقعن العمل إلى فضاء قصصيٍّ يندغم بمصائر شخوصه، ويقف إزاءهم كند وبطل!

ثمَّ تلج متنها لتقدِّم حالات بعينها، إذ ثمَّة امرأة سافرة تقطع المسافة القصيرة بين مكتب عملها ومنزلها بتوجُّس، فهي تسكن أحد تلك الأحياء المُزنَّرة بالبؤس والجهل، هناك حيث تعترضها طفلة مُحجبة تتذكَّر ما تلقنته عن الحجاب والعذاب، إضافة إلى ما التقطته من تلك الأزقة من تلميحات جنسية بذيئة!

المرأة حالة إذًا، والطفلة حالة، الرجل الواقف بباب الجامع – الذي يتوسط المسافة بين المكتب والمنزل – هو الآخر حالة، إذ ها هو يبصق لمرأى المرأة السافرة، ذلك أنَّ السفور بحسبه نجاسة، وذلك من غير أن يشعر بأيِّ ذنب لأنه أهان إنسانة لا يعرفها، والمُنشد من داخل الجامع في وجده ومواجيده هو الآخر حالة، وها هي تنسب صوته إلى رجل فربٍّ فوسائط الربِّ ففقر فجهل، لتحوِّله – من ثمَّ – إلى كائن خرافيٍّ راح يلتهم تلك الوجوه التائهة بين الخوف ومراياه المُحدَّبة!

بيد أنَّنا سنتساءل، أن هل يستوي للهدوء الغريب الطمأنينة، أم أنَّ التوجُّس هو الذي يُناسب المقام، لا سيما وأنَّ المرأة السافرة تعرف بأنَّ مشيتها في مثل تلك الأحياء خطر عليها!؟ ثمَّ كيف للطين أن يكون طيبًا في بيئة فقيرة بالخدمات!؟ ألن يكون وحلاً يُلطخ المشاة كوشم أو كعلامة فارقة يميِّز مثل هذه الأحياء!؟

وإذا تجاوزنا ما تقدَّمَ لتكشف لنا بأنَّ الأحمد تشتغل على الفعل الماضي، في إحالته إلى ضمير الغائب الشهير "هو - هي"، نحن إزاء سرد تقليديٍّ إذًا، على ألاَّ يُفهم من كلامنا بأنَّ السرد سبة، فهو لم يستنفذ مهامه بعد، بل تجاور مع أساليب حديثة، ثمَّ أنَّه إذا أحسِنَتْ توليفته جاء على غاية من الجمال بحسب الشكلانيِّين الروس. هو بنية مُعقدة إذًا، تحدِّد زاوية الرؤية وطرائق التنفيذ!

ولأنَّ السرد هو سيِّد المقام، جاء الزمن فيزيائيًا، تسير سيالته من الماضي نحو الحاضر فالمُستقبل، ذلك أنَّ الأحمد لم تعفه من نسق التعاقب، ربما لينسجم والسرد، وإذًا فلا تقديم أو تأخير لمصلحة التشويق، ما يكسر رتابة السرد، ويُحيل الزمن إلى المُنكسر مثلاً!

أمَّا لغة القصِّ فهي تنحو جهات التعبيريِّ الدال، ذلك أنَّها تسلك سبيلها إلى مدلولها عبر أقصر الطرق، ربما مخافة الوقوع في مطبِّ الترهُّل. هي مشغولة بدلالة اقتصاد لغويٍّ إذًا، ولهذا لن نقع على المُجنح ذي الأفياء والظلال والتوريات، وسيغيب عنها الشاعري، فلا هدم أو انزياح أو أحالة أو إحلال أو إيحاء، وإنما لغة مُقتصدة تتواءم والحدث القصصي!

ثمَّ أنَّها تختتم بالمُفارق، القائم على الإدهاش، حتى أنَّها تشتغل على عناصر تشبه الأسطرة، ليسطر السؤال ذاته، أنَّ القصة القصيرة في معرض تطوُّرها راحت تنعطف نحو قصة الحالة أو المناخ، مُتاخمة أكثر فأكثر الشعر، ومُغادرة ثوب الحدث، وقصة الأحمد تنتمي إلى ما بعد هذا المُنعطف. فلماذا أوكأت التنفيذ إلى التقليديِّ في إجماله، لا سيما أنَّها وقفت بموضوع ذي حساسية كبيرة، حققت له تكثيفًا يلائم قصة الحالة، ما اقتضى التنويه!؟

*** *** ***


 

horizontal rule

٭ للإطلاع على النص راجع الرابط: http://www.maaber.org/issue_november10/literature5.htm

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود